stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

إن كانت خطاياكم كالقِرْمِز تَبْيَضُّ كالثلج _ يوحنا ذهبي الفم

1kviews

‏… أأنتم خطاة؟ لا تيأسوا!‏

فأنا أصرُّ على أن أُقدِّم لكم الرجاء كدواء وكأفضل علاج لضعفكم، لأني أعرف إلى أيِّ مدى يمكن ‏للثقة المستمرة والرجاء في الله أن تكون سلاحاً فعَّالاً مقابل الشيطان. لن أكفَّ عن أن أُكرِّر لكم ‏أنه إذا أخطأتم لا تسقطوا في اليأس.إنْ أخطأتم كل يوم، فتوبوا كل يوم!‏
أسألكم سؤالاً فقولوا لي: ماذا نفعل عندما تتهدم مبانينا القديمة؟ أَلا نضع جانباً الأشياء المتهدِّمة ‏لنُقيم بدلاً منها الجديد؟ ولا ندَّخر الجهد في بذل كل اهتمامنا لهذا التعمير. فليكن لنا مِثل هذا ‏بالنسبة لأنفسنا، فإنْ خضعتم للخطية، فجدِّدوا أنفسكم بالتوبة.‏
ستقول لي: كل حياتي وأنا واقع تحت سطوة الخطية؛ وأنت تقول لي الآن: إذا أنت قدَّمتَ توبة، ‏فستجد الخلاص والعِتْق!‏
‏- نعم بكل تأكيد.‏
وإذا سألتني: مِن أين لك هذه الثقة؟
‏- أقول لكم من مراحم الله تجاه البشر.‏
لا تفتكروا أنني أبني ثقتي هذه فقط على توبتكم، لأنني أعرف أنها لا تَقْوَى على طرد كل الشرور من ‏القلب. إذا كانت لا توجد غير التوبة فقط لكان يحقُّ لكم أن تكونوا قلقين! أما إذا كان صلاح الله ‏هو أساس اعتمادنا، فيجب أن تثقوا.فمراحم الله نحونا لانهائية، بل أقول أيضاً إنها تفوق كل تعبير.‏
إن ضعفاتكم محدودة، أما علاجها فليس له حدود؛ حتى وإن كانت أخطاؤكم لا تُحصَى، فهي ‏لا تزيد عن كونها أخطاءً بشرية، وهي لا تُقاس إزاء صلاح الله اللانهائي. فليكن لكم ثقة في الله، ‏لأن التوبة ستنتصر على رذائلكم.‏
تخيَّلوا شُعلة سقطت في البحر، هل يمكنها بعد ذلك أن تظل مشتعلة؟!‏
إنَّ خطاياكم ستتلاشى عندما تتلامس مع صلاح الله مثل انطفاء الشعلة إذا لامست الماء؛ بل إن ‏المحيط رغم اتساعه فهو له حدود، أمَّا المراحم الإلهية فهي غير محدودة …‏
‏”حاسب نفسك لكي تتبرَّر“ (إش 43: 26)، يا للصلاح الإلهي!‏
إن الرب لم يَقُلْ: ”… لكي تهربوا من العقوبة“، ولكن قال: ”… لكي تتبرَّر“.‏
أَمَا كان يكفي أن لا تُعاقبه حتى أنك تُبرِّره أيضاً؟ بالتأكيد.‏
لكن اسمعوا بالأَوْلى: أين نجد مثالاً لمثل هذا التبرير؟
بالنسبة للص اليمين: لقد صار كافياً له أن يقول لرفيقه: ”أَلا تخاف الله؟ أمَّا نحن فبعدل جوزينا لأننا ‏ننال استحقاق ما فعلناه“؛ لكي يسمع هذه الكلمات من يسوع: «اليوم تكون معي في الفردوس» ‏‏(لو 23: 41). إنه لم يَعِدْه بأن يُجنِّبه كل ملامة وكل عقاب؛ بل دفعة واحدة، اقتاده مُبرَّراً إلى ‏الفردوس.‏
هل لاحظتم أن اللص قد تبرَّر بفضل اعترافه عن خطاياه؟
إنَّ الإحسان الإلهي نحو البشر عظيم جداً. إنه لم يُشفق على ابنه الخاص لكي يُشفق على العبد. ‏لقد سلَّم ابنه الوحيد لكي يفتدي العبيد الجاحدين، وسَفَكَ دمه كثمن لهم.‏
يا للإحسان الإلهي! أرجوكم لا تعودوا تحتجُّون بقولكم: لقد أخطأتُ كثيراً فكيف يمكن أن أخلُص؟
لأن ما لا تستطيعون أن تعملوه، فالله يستطيع، وقدرته قادرة حتى إلى محو كل خطاياكم.‏
انتبهوا لِمَا سأقوله: الله يمحو خطاياكم بحيث إنه لا يعود يتبقَّى لها أي أثر.‏
مثل هذه الأعجوبة لا توجد في الطبيعة؛ فالطبيب يستطيع أن يُظهِر كل مهارته وحَذَقه لكي يُعالج ‏جرحاً، ومع ذلك لن يصل لمحو كل أَثَر لذلك الجرح.

تخيلوا مثلاً أن رجلاً ضُرب على عينيه عدة مرات، فحتى ولو كل مرة اعتنى بجرحه فمع ذلك ستبقى ‏هناك ندبة، وهذه الندبة ستكون علامة بعد ذلك على الجرح القديم. نعم سيبذل الطبيب قصارى ‏جهده لكي يمحو هذه الندبة ولكن لن يستطيع، لأنه سيصطدم دائماً بضعف الطبيعة، هذا إلى ‏جانب محدودية علمه وأدويته. أما الله، فإنه يمحو كل الخطايا ويفعل هذا بحيث لا يترك أي أثر لأية ‏ندبة، ويحرر النفس من كل شر ويجعلها تستعيد جمالها الأصلي، والرب يقدم لها كل بره لكي يجنِّبها ‏كل عقوبة، وفي النهاية يجعل الخاطئ من كل الأوجه مماثلاً لمن لم يخطئ، وبالإجمال تختفي تماماً وكأنها ‏لم توجد قط، فلا ندبة على الإطلاق ولا أثر ولا شاهد ولا دليل.‏

 

 

الله أب ممتلئ حناناً، وهو الصالح وحده، وأحشاؤه تتحرَّك أكثر من أي أب.‏
فلكي تفهموا حسناً أنه يتصرف كأب، فقد وضع هذا السؤال لأولاده:‏
‏- ماذا سأفعل يا يهوذا؟
‏+ أَلا تعرف ماذا ستفعل يا رب؟‏
‏- نعم أنا أعرف، لكن لا أستطيع أن أَعمد إلى هذا! فثقل الخطايا يتطلَّب عقوبة لا تتفق مع عِظَم ‏إحساني تجاه البشر.‏
‏- فماذا سأفعل، إذن؟ هل يجب أن أُسامحكم؟ لكن هذا سيزيد عدم اكتراثكم!‏
‏- هل يجب أن أُلاحقكم بغضبي؟ صلاحي يمنعني!‏
‏- فما العمل؟ هل أُعاملكم كسدوم؟ هل أفنيكم كعمورة؟ ينقلب عليَّ قلبي!‏
‏(مستوحاة من نبوَّة هوشع النبي)‏
مع أنَّ الله فوق الأحاسيس البشرية إلاَّ أنه يستعير هنا أحاسيس الإنسان ويُظهِر حناناً يفوق حنان ‏الأم: ”قلبي انقلب عليَّ“.‏
فالأُم لا تتكلَّم بغير هذا عن طفلها. لكن الله لم يقنع بأن يذكر انقلاب قلبه اللائق بالأمومة، بل ‏يُضيف أيضاً: «قد انقلب عليَّ قلبي. اضطرمت مراحمي جميعاً» (هو 11: 8).‏
هل اضطرب الله حقّاً؟ لا، فاللاهوت فوق هذه الانفعالات، ولكن – كما قلتُ – إنه يستعير ‏لغتنا:‏
‏- ”لقد انقلب عليَّ قلبي، فاغتسلوا وتنقَّوا! لنعُدْ إلى وعدي“.‏
لقد أكَّدتُ لكم أن الله يشفي الخطاة، البشر المحمَّلين بخطايا لا تُعدُّ والشبيهة بالقروح. بمجرد أن ‏يتوبوا لا يبقى هناك أيُّ أثر أو ندبة أو علامة تدلُّ على موضع الجرح: «اغتسلوا، تنقَّوا، اعزلوا شرَّ ‏أفعالكم من أمام عينيَّ… تعلَّموا فِعْل الخير»(إش 1: 17،16).‏
ماذا تعني بـ ”فعل الخير“؟
‏«اطلبوا الحقَّ، انصِفوا المظلوم، اقضُوا لليتيم، حامُوا عن الأرملة» (إش 1: 17).‏
هذه التوصيات ليس فيها أي تثقيل، هي تبدو متوافقة مع الطبيعة، لأن هذه الحالات تُثير الشفقة ‏حقّاً.‏
يقول الرب: «هَلُمَّ نتحاجج» (إش 1: 18)، ابذلوا بعض الجهد من جانبكم وأنا سأُرتِّب الباقي. ‏أعطوني حتى ولو شيئاً قليلاً وأنا سأمنحكم الكثير.‏
هلمَّ إذن! لكن إلى أين؟ هلموا إليَّ أنا الذي أسخطتموني وضايقتموني. إليَّ أنا الذي قلتُ لكم إنني ‏لا أسمعكم، راجياً بذلك أنَّ الخوف المتولِّد من التهديد يقتادكم لتبديد غضبي.‏
اذهبوا لِمَنْ لا يسمعكم لكي يسمعكم؛ ولكن ماذا ستفعل؟
لن أترك فيكم أيَّ أثر أو ندبة أو علامة على جرح قديم:
‏ «هلمَّ نتحاجج، يقول الرب، إن كانت خطاياكم كالقِرْمِز تَبْيَضُّ كالثلج» (إش 1: 18).‏
أهكذا بلا ندبة؟ بلا غَضْن، أمع هذا البهاء من النقاوة؟!
‏«إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضُّ كالثلج».‏
أأنقياء بدون أيِّ دنس؟! كيف سيصير هذا؟ إنها كلمات الرب نفسه: هل وعدتكم بخلاف هذا؟
هكذا استطعتم أن تُدركوا عظمة مواعيد الله من جهةٍ؛ ومن جهةٍ أخرى، كمال الله الذي يُسبغه ‏علينا.‏
كل شيء مستطاع لله، إنه قادر على تطهير الإنسان حتى ولو كان كله نجاسة.‏
فلنتقوَّى بهذه التعاليم ونزداد نضوجاً بمعرفة هذا الدواء، أعني التوبة.‏
ولنُقدِّم له السجود اللائق، لأن له القوة والمجد إلى دهر الدهور، آمين.

المرجع: العظة الثامنة عن التوبة للقديس يوحنا ذهبي الفم، نُقلت الترجمة عن مجلة مرقس عدد مارس ‏‏2014 + ترجمة نشأت مرجان إصدار دار النشر الأسقفية + ترجمة د. جورج ميشيل إصدار مركز ‏الآباء بالقاهرة