stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

عظات الأيام الطقسية

الأحد الثاني من زمن السنة العادي: هوذا حمل الله -الأب داني قريو السالسي

1.9kviews

 

 

 

 

 

Untitled

 

الأحد الثاني من زمن السنة العادي: هوذا حمل الله

 

الأب داني قريو السالسي 

إن هذا الأحد يفتتح الزمن العادي من السنة الليتورجية. هذا الزمن الذي سيرافقنا إلى الزمن الأربعيني. هذا الزمن الذي نرتدي فيه اللون الأخضر علامة للأمل والرجاء. لهذا تفتح الكنيسة هذا الزمن بهذا النص الانجيلي الذي يضعنا مرة أخرى أمام شخص يوحنا المعمدان. الذي يقدم لنا (على خلاف بقية الإزائيين الذين يروون معمودية يسوع في نهر الأردن) بدء رسالة يسوع ونهايتها في نفس الوقت، ويضع أمامنا صورة المعمدان ليس كالسابق إنما كالشاهد. فنحن نستشف من هذا النص حدث العماد وبنفس الوقت موت وقيامة المسيح. يا لروعة صياغة الانجيل حسب القديس يوحنا.

“وفي الغد رأى (يوحنا المعمدان) يسوع آتياً نحوه فقال:”هوذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم”. المعمدان يرى يسوع ويقدمه. يرى يسوع ويتنبأ بأنّه الحمل الفصحي. أي أنَّه بيسوع نصل لعيد الفصح. بيسوع يمكننا العبور من حالة إلى أخرى (من العبودية إلى الحرية). لكن هذا العبور لا يأتي هكذا، ولم يأت أبداً بسهولة! العبور يتطلب تضحية، يتطلب ضحية، يتطلب إراقة دم الحمل. وليس أي حمل،إنما الحمل الشاب، الأفضل، الكامل، خيرة حملان القطيع. ويسوع كما يقول المزمور”أنت أجمل بني آدم”. إن الانجيليين الأربعة يقدمونه “كحامل خطايا العالم”.

حسب التقليد العبري كان عظيم الكهنة في يوم الكيبور يختار الخروف الشاب الذي لم يتجاوز عاماً، الكامل، الأفضل، خيرة القطيع ويطلق عليه خطايا، أي يحمله ذنوب كافة اليهود، آثام كل الشعب ثم يتركه ينطلق إلى البرية محملاً بهذه الخطايا ليتيه في البرية ويموت، تكفيراً عن خطايا الشعب. بهذا الطقس تزال الخطايا ويحتفل الجميع. لأن اليهود كسائر الشعوب كانوا يؤمنون بأن أي خطيئة يجب أن تعوّض. كل مرتكب أي خطيئه يجب أن يكفّر عنها هو أو بنوه. يجب أن يدفع أحدٌ هذا التعويض (كبش الفداء). وحتى اليوم هذا الطقس مستمر، يجب التضحية بالحمل أو الكبش، محملين اياه خطايا ليست خطاياه، تاركين اياه يموت في البراري. بالتالي شكلٌ بدائيٌ عن التكفير والتعويض عن الذنوب. المهم أن يرأف بنا الله. كذلك نجد في الدين الاسلامي في وقفة عيد الأضحى  تذبح الحملان و التيوس والعجول تذكاراً لذبيحة ابراهيم، ولإستجلاب الرحمة والبركة من الله.

إن كلمة حمل باللغة العبرية (طليا) تعني “حمل” وتعني أيضاً “عبد” إن يوحنا المعمدان عندما أطلق كلمة حمل على يسوع لم يقصد بها الحمل الخروف إنما كان يقصد خادم الله أو العبد المتألم. وحتى أن حكم الإعدام (الصلب) الذي أطلق على يسوع كان في الرابع عشر من نيسان في وضح النهار، أي في نفس التوقيت الذي تذبح فيه الحملان. علامة على أنّ المسيح هو الحمل الحقيقي والنهائي الذي يضحى به في سبيل الكثيرين.

إن معمودية يسوع هي أول رمز لهذا التحرير، أول رمز على أنّه الحمل. إن معمودية أي شخص هي أن يغطس، أن يدخل في الماء، فيخرج نظيفاً. أما معمودية يسوع فهي دخول يسوع الناصع وخروجه محملاً بخطايانا. يدخل طاهراً ويخرج مثقلاً بآثامي، بأوجاعي، بخطاياي. وكأنّه يقول: أعطني حملك، أعطني ما يثقل عيشتك وانطلق، أعطني جميع الكومبيالات المتراكمة عليك وسأدفعها أنا. يأخذ ماكان يكبلني ويقول لي هيا قم لحياةٍ جديدة. معمودية يسوع هي تعبيرٌ قاطعٌ عن تضامنه مع الإنسانية المريضة.

لهذا بولس يعلن قداستنا في رسالته إلى أهل كورنتوس قائلاً: “إلى الذين قُدسوا في المسيح بدعوتهم ليكونوا قديسين”. هذا هو السبب الذي يجعل أشعيا يرنم قائلا: “الشعب السائر في الطلمة أبصر نوراً عظيماً والمقيمون في بقعة الظلام أشرق النور عليهم، كثَّرتَ له الأمة، وفَّرتَ لها الفرح، يفرحون أمامك كالفرح بالحصاد…”.

هذا هو سبب فرحنا هذا هو رجاؤنا. مع الأسف نحن نعيش اليوم في عالمٍ طغت عليه روح الإيمان بالعقل، نعيش في عالم سيطرت عليه روح التعجرف والكبرياء. نعيش في عالمٍ يقصفنا من كل صوبٍ بعبارات تأكيد الذات بعبارات تبين أن السعادة يجب أن أجاهد للحصول عليها؛ أنا الذي يجب أن أعمل، أنا الذي يجب أن أتحرك، انا الذي يجب أن … وأنا وأنا وأنا. التركيز على الأنا والله بعيدٌ عنّا، مكانه على هامش حياتنا.

إن المعمدان يقول: “أنا لم أكن أعرفه” يقولها ويكررها مرتين في هذا المقطع. ثم يردف ويقول: “لكن الذي أرسلني… هو قال لي”. أنا متأكد أن المعمدان لم يستلم رسالة خطية من الله مكتوبٌ عليها كل هذه التفاصيل! أو أنَّ ملاك الرب ظهر له وجهاً لوجهٍ مسلماً اياه هذه الرسالة. إن يوحنا يقرأ حدسه ويعلن للملأ أن هذا هو”حمل الله” أن الفرح يأتي عندما أتركه يحمل ما يتعبني، أن الفرح يحل علي عندما أسلمه ما يثقل كاهلي، أن الفرح هو عندما ألتقي بهذا الحمل الذي جاء خصيصاً ليكون فرحي تاماً، ليكون فرحي على أكمل وجه.

ثم ينهي قائلاً: “أنا رأيت وشهدت أنّه هو ابن الله” بعد اللقاء به تغيّر، بعد اللقاء به تأكد، شعر بشيء جديد في حياته. كم من الناس تغيرت حياتهم بمجرد اللقاء بالحمل. كم من الناس أشرق النور في حياتهم من مجرد تسليم حياتهم للحمل. كم من الناس أحدث الحمل تحولا نوعيا في مجرى حياتهم وبدأوا يشعون فرحاً وسلاماً أينما حلوا.

إن  المعمدان في بداية السنة الليتورجية يدلنا على الطريق لنبدأ مسيرتنا مع هذا الحمل ونصل الى نهاية المطاف ونقول “حقاً كان هذا ابن الله” حقاً هذا هو الذي غيّر حياتي، نقولها بعد أن اختبرنا الفرح الحقيقي القادم النابع من خبرتنا معه.