stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الأسرة

الزواج والبتولية حقيقة شاملة لهدف اسمى

1.5kviews

44

هذه ملاحظات واقعية وخواطر تأملية، لانسان اليوم، وما يحمله من توق لا حد له وشوق لا يسبر له غور. فرغم صيرورته يبقى ابداً مشدوداً بين قطبين : اما العبثL’absude اي اللامعنى، واما السر Le myste’re الذي فيه المعنى. والمؤمن الحقيقي هو الذي يفضل المعنى على اللامعنى، مكتشفاً ذلك بعمق اختباره الايماني. ملبياً نداء الذي هو في السر “الله” ودعوته اليه، فيما يتعلق بموضوع معالجتنا للمتقابلين : الزواج / التبتل. فالله هو الذي يختار ويدعو الى البتولية او الزواج، واما الانسان فيلبّي دعوة الله. فلا افضلية لدعوة على دعوة، بل هناك مبادرة من الله وتلبية من الانسان. لذا لابد من معالجة حقيقية وفهم موضوعي لهذه “الدعوة” بالمقاربة Apporche وليس بالمفارقة Paradoxe . محاولين ذلك بالانفتاح ونبذ الباطل والتمسك بالحقيقي، وليس من باب الطعن والتجريح واتخاذ موقف الضد. لاننا لا زلنا بعيدين كل البعد عن “تناقضات” واقعنا المعاصر، الواقع الشامل، الجذري، المتفجر ..! فلابد اضطراراً ان نجد انفسنا يوماً سالكين في السبيل المخالف للنظام الجاري، فكل عصر من العصور مستقل عن سواه بالتزامات واقعه المعاش.

* الزواج والتبتل .. وبتولية الكنيسة الاسكاتولوجية …

ان بين زمن العهد القديم، الذي كانت الخصوبة فيه تعتبر من الواجبات الاولية ضماناً لاستمرارية وجود شعب الله، وبين ظهور المسيح الاسكاتولوجي، حيث سيبطل الزواج ( متى 22 : 30 ). تقوم صورتان للحياة، متعايشتين معاً في الكنيسة: حياة الزواج التي يتجلى وجهها بفضل المسيح والكنيسة، وحياة العزوبة المكرّسة، التي يعتبرها القديس بولس الحياة الافضل ( 1 كور8:7 و 28:25 ). الا ان كل ذلك يخضع في النهاية لارادة الله ودعوته. اننا بصدد دعوات متنوعة ومتممة بعضها بعضاً في جسم المسيح، في هذا المضمار، كما في غيره: “كل انسان ينال من الله موهبة مخصوصة له، فبعضهم هذه وبعضهم تلك” (1 كور 7:7 ، راجع متى 19 : 11-12 ).

ان هدف الزواج والتبتل واحد، وهو حب المسيح والاتحاد به، الا ان الطريق الذي يقود الى هذا الهدف مختلف. ففي الزواج، يصل الزوجان الى حب المسيح ويتحدان به الواحد من خلال الآخر. فكل من الزوجين هو للآخر “آيةSacramentum” تكشف عن المسيح، اي انه يجسّد له المسيح ويقوده الى المسيح. فمن خلال الحب الزوجي، وبفضله، وانطلاقاً منه، يختبر الزوجان ان المسيح يحبهما فيحبان المسيح هما ايضاً. وهنا نفهم بان هنالك “وساطة” للعلاقة مع المسيح والاتحاد به. اما في البتولية، فالعلاقة مع المسيح مباشرة، لا تحتاج الى “آية” او “علامة Signe “. فقلب المتبتل وحياته يمتلكهما المسيح، والمسيح وحده، حيث يوحدهما الروح القدس مباشرة وعلى وجه مميز وبدون وساطة احد. وهذا لا يعني ان البتولية افضل من الزواج، او ان الزواج افضل من البتولية، بل البتولية دعوة والزواج دعوة. فالله قد خلق الانسان “ذكراً وانثى” لانه “لا يحسن ان يكون الانسان وحده” (تك2 : 18ت). واذا دعا الله، فانه يمنح نعمته في الوقت نفسه ليستطيع الانسان ان يلبي دعوته. فالدعوة تقتضي النعمة المناسبة: نعمة الامانة الزوجية في الدعوة الى الزواج، ونعمة الاخلاص للتكريس في الدعوة الى البتولية.

فصليب كل حب في الانسان، تتنازعه دعوتان: واحدة تقضي عليه بان يحب الجميع، والثانية تشده الى الواحد من الجميع، وفي كلا الحالين واجب مزدوج لا يقوم به انسان بشكل كامل. فالوحي المسيحي وحده يظهر لنا المعنى الديني الشامل للزواج والتبتل: بانهما الامانة على محبة كلية لله وحده. فالمؤمنين الذين يريدون ان يحافظوا على “بتوليتهم” يشتركون: في “بتولية الكنيسة” لكونها حقيقة متصلة بالازمنة الاخيرة في جوهرها، لن تاخذ كل معناها، الا بالاتمام النهائي للعرس المسياني. وبانهم “علامة” دائمة لاتجاه الكنيسة الاسكاتولوجي، ومقدمة لحالة القيامة.

* بتولية اليوم .. بين الحقيقة والوهم …

ان المفهوم الصوفي للبتولية او التقشف البتولي ليس شائعاً لدى كهنة اليوم. فالبعض منهم، وفي خضم نشاطاتهم الخورنية حشروا انفسهم في انشغالات اجتماعية ومهام دنيوية ليست في الاساس من صلب الرسالة الكهنوتية “المكرّسة”. بالاضافة الى كونهم اغنياء ومرفهين، التصقوا بالمادة على حساب الروح والتجرد، والتي اعتبرها انا اهانة موجهة الى فقر المسيح وفخاً للمسيحيين. الامر الذي كنا نخشى عاقبته وما تمخض عن ذلك من حقائق فاضحة ..! اثارت فينا الاندهاش والتساؤل: بان هناك امراً لا نفهمه في كنيسة اليوم ..! بل لابد ان يكون ثمة خلل في القضية ..! فكيف لا تلاحظ الكنيسة ذلك ؟ وكيف يتحمل الاساقفة مثل هذه “الازدواجية” او “الثنائية” ..!؟ في رجال نذروا العفة وقلوبهم مفعمة بـ … !، ونذروا الفقر ويعيشون كالـ…! ومع ذلك اقول، من دون ان ابغي استثارة احد، بانهم لم يعودوا يحتملون “المواجهة” لبتولية قانونية مفروضة ..؟ فهنا نسمع، تارة من يتخلى عن “عبء” عزوبيته، وطوراً من يتظاهر في صومعته بـ “عفة” وهمية ..؟ وهذا احدهم يروي لي، مآساته وتناقضات عزوبية لا يفهم معناها ويتحملها على مضض ولا يعيشها كما ينبغي، مؤكداً: “اننا نعاني والظروف الراهنة من حصار جسدي” ..! وآخر يعترف بعدم ارتياحه لهذه “الاشكالية”، مكتفياً بترديد المقولة الشهيرة لبولس الرسول: “الزيجة افضل من التحرق بالشهوة” ..! (1كور 7 : 9 ). بالرغم من هذا، فالقديس بولس يستفيض في كلامه ايضاً عن حقيقة “التبتل المكرّس”، موضحاً: “ان غير المتزوج يصرف همه الى امور الرب والوسائل التي يرضي بها الرب” (1كور 7 : 32 ). اي ان حياة المتبتل كلها مكرّسة لشخص يسوع المسيح. هي كلها “لأبيه” و “لأمور ابيه” ( لو 2 : 49 )، وكما ان “المسيح هو لله” ( 1كور 3 : 23 ). فطاقات المتبتل الجسدية والقلبية، العقلية والارادية، كيانه كله، حريته كلها، شخصه كله يتحرك ويتجه نحو شخص المسيح لكي يستطيع ان يحبه حباً مميزاً،بحيث لا يبقى في قلبه مكان لحب آخر الا انطلاقاً من حبه لشخص المسيح. فالتبتل هو صليب يحمله المتبتل “كل يوم” مع يسوع الحامل صليبه، اي دعوة الى مرافقة يسوع حاملاً صليبه. وربّ سائل: ألا يخشى المتبتل ان يحوّل قلبه اللحمي الى قلب حجري ؟ ألا يفقد قلبه يوماً بعد يوم انسانيته ورحمته ومحبته للآخرين ؟

ان التبتل الحقيقي، المبنيّ على شخص يسوع المتبتل، يهئ للمتبتل الانفتاح على الجميع، دون محاباة، فيعده بذلك للمحبة الشاملة. ليصبح – بحسب تعبير روحي مأثور – “الاخ الشامل Le fre’re universel “، على مثال يسوع المتبتل. وهذا من صميم عمل الروح القدس في المتبتل. انه نار الروح القدس المضطرم في قلب المتبتل ليحب الجميع محبة شاملة. فمن امتنع عن الزواج ونذر العفة ولم يحب البشر كما يحبهم الله ( يو 3 : 16 )، لا يعيش تبتله حقيقة. انه يعيش الحرف لا الروح. فان فضّل كاهن الرعية مثلاً عائلة على اخرى، او اهتم بواحدة على حساب الاخرى، لا يعيش تبتله بأمانة. وان تعاطف مع شخص ونَفَر من آخر، لا يعيش تبتله بابوة شاملة. فالوجه الايجابي والجوهري هو المحبة الشاملة على مثال يسوع المتبتل “الاخ الشامل”.

بيروت / أليتيا (aleteia.org/ar)

نبيل جميل سليمان