stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الأسرة

الكنيسة ووسائل منع الحمل

3.6kviews

1201121243163tbk

الكنيسة ووسائل منع الحمل الأب أنطوان طربيه دكتور في اللاهوت الأدبي

مقدمة

لا بُدَّ اليوم من الإشارة إلى نمو متزايد في المجتمعات على تنوعها، وخصوصاً في مجتمعنا المسيحي واللبناني، لعقلية \”ضدّ الإنجاب\” ،تظهر من خلال الإنتشار الواسع لوسائل منع الحمل واستعمالها في كثير من الأحيان دون تردّد أو تعب ضمير. أمّا الأسباب فهي كثيرة وأهمّها:

• الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية المتردّية.

• عدم الإستقرار الإجتماعي والوطني.

• القلق الذي يعيشه آباء وأمّهات اليوم على مستقبل أولادهم.

• التراجع الملحوظ في الحياة الروحية والإلتزامات الإيمانية.

• عدم الإطّلاع الكافي على تعليم الكنيسة والتعمّق بفهمه.

كلّ هذا يؤدي إلى عدم الإكثار من الولادات وإلى تطبيق ما يُسمّى بال “family planning” أي (تنظيم الأُسرة)، وهذا يعني إنجابُ عددٍ محدود من الأولاد (1 أو 2) واللجوء بالتالي إلى وسائل منع الحمل أو إلى التعقيم (sterilization)كحلّ لوقف كل حَمل غير مرغوب فيه قد يُشكّل عبئاً جديداً على حياة الأسرة.

إنطلاقَةُ هذا الموضوع كانت في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ ظهر تيار قوي خصوصاً في المجتمعات الغربية من أجل تحديد الولادات، واعتماد وسائل منع الحمل كطريقة لتحقيق ذلك. ورغم أنّ الحكم الأخلاقي على وسائل منع الحمل هو واضح، لأن الكنيسة أعطت موقفاً صريحاً منها في تعاليمها، نلاحظ أنّ هناك اختلاف في الرأي وتباعدٌ ليس فقط بين ما تقولهُ الكنيسة وما يعيشه المؤمنون، ولكن أيضاً بين المعطيات الكنسيّة والرعائيّة وبعض الكتابات اللاهوتية. ويبقى هذا الموضوع من أصعب المسائل التي يعالجها اللاهوت الأدبي خصوصاً على الصعيد الرعائي.

1- ماهية منع الحمل وبعض المعطيات التاريخية:

ماهية منع الحمل:المقصود بوسائل منع الحمل كلُّّ فعلٍ بشري، تُستعمل فيه وسيلة غير طبيعية، بهدف حرمان الجُماع الجنسي من قدراته الطبيعية على الإنجاب.

لذلك فإنّ استعمال أيةِ وسيلة من وسائل منع الحمل، لا يهدف إلى إيقاف الفعل الجنسي وإنما فقط إلى إيقاف نتائجه، أي إمكانية الحمل عند المرأة.

أمّا أسباب استعمال وسائل منع الحمل، فهي:

• تنظيم الأسرة وتحديد عدد الأولاد.

• العلاقات الجنسية خارج الزواج – قبل الزواج.

• إطار علاجي. 

ب)أنواع وسائل منع الحمل، هي:

– حبوب منع الحمل:

هي الوسيلة الأكثر شيوعاً في عصرنا الحالي. صُنِّعَت عام 1955 في الولايات المتّحدة الأميريكية، وهي تعتمد على الهرمونات الأنثوية. وتختلف طريقة عملها بحسب تركيبتها الكيماوية:

– فهي بغالبيتها تمنع عملية الإباضة من المبيض، أو نزول البويضة الناضجة القابلة للتلقيح.

– تجعل الإفرازات المهبلية أسمك، وتُعيق عملية دخول الحُوينات المَنَوية داخل المرأة.

– تُسبّب ضعفاً في جدار بيت الرحم، تجعله غير قابل لاستقبال الجنين.

-محاذير حبوب منع الحمل: 

يُمنع استعمالها في بعض الحالات مثل: داء السكري، القصور الكبدي والصفيرة، حالات إرتفاع ضغط الدّم، داء الدوالي، مشاكل إنسداد الشرايين، حالات السرطان وبالتأكيد حالات الحمل. ويُنصح بعدم إستعمال هذه الوسائل أيضاً:

– بعد بلوغ المرأة سن الأربعين،

– وفي حال التدخين وزيادة الوزن، 

– الإضطرابات النفسية والعصبية بالإضافة إلى حالات الإستعداد الوراثي لسرطان الثدي.

الفحوصات الطبية الواجب إجراؤها عند تناول هذه الحبوب هي:

– فحص سريري كل ستة أشهر على الأقلّ مع فحص دمّ وضغط.

– فحص القزازة كل سنة.

– فحص الصدر أو النهدين لتجنّب حدوث أي تدرّن.

-حبوب منع الحمل السريعة:

تؤخذ هذه الحبوب خلال 24 إلى 48 ساعة بعد الجُماع وهي تحتوي على نسبة عالية من الهرمونات، تُعطى بشكل حبّتين في الصباح وحبّتين في المساء ليوم واحد فقط وهي تمنع تثبيت الجنين المرتقب على جدار بيت الرحم. وتُعتبر هذه الطريقة إجهاضية.

-حقن الهرمونات الطويلة المفعول: تعتمد على حقن مادة البروجسترون بالعضل مانعةً بذلك الإباضة مدّة ثلاثة أشهر. أمّا المفاعيل العكسية لهذه الطريقة فهي:

– خسارة الدّم المتكرّرة.

– فقدان الميعاد الحقيقي.

– اللاصقات الهرمونية:

– المضخّات المزروعة تحت الجلد: تعتمد هذه الطريقة على زرع مضخّة تحت الجلد في الذراع، وتحتوي على كميّة من البروجسترون تكفي لمنع الإباضة لمدة خمس سنوات.

– التحاميل المانعة للحمل: وهي تتكوّن من مواد تقتل الحُوينات المنوية بعد دخولها جسم المرأة. تُستعمل من 10 إلى ساعة قبل الجماع.

– المراهم المضادة للحيوانات المنوية:

– الإسفنجة المضادة للحوينات المنوية: توضع إمّا قبل الجُماع مباشرةً أو قبل ساعات منه. مفعولها يدوم 24 ساعة، ولا تُزال قبل 6 ساعات من بعد الجُماع.

– الطُرُق الميكانيكية:

أ) الواقي الذكري: مصنوع من مادة اللاتكس. يوضع أثناء الفعل الجنسي، يُخَزِّن الحيوانات المَنَوية ويمنعها من الدخول إلى الرحَم .

ب) الواقي الأنثوي: يوضع قبل العلاقة الجنسية بساعة على الأقلّ، يحتوي على مرهم مضاد للحوينات المنوية ويُستَبقى مدّة 8 ساعات على الأقلّ بعد العلاقة.

ج) اللولب sterilet: جسم نُحاسي بشكل T يوضَع في الرَحم ويمنع البيضة المُلَقّحة من أن تَثبُت على جِدار بيت الرَحم. وتُعتبَر هذه الوسيلة إجهاضيّة.

د) واقي عنق بيت الرحم: حاجز واقٍ لعنق بيت الرحم، يوضع قبل العلاقة الجنسية مع مرهم مضاد للحوينات المنوية داخل عنق بيت الرحم. ويُستبقى لبضع ساعات بعد الجُماع.

الطرُق الجراحية:

أ)عملية ربط الأنابيب عند المرأة:تمنع وصول البويضة من المبيض إلى بيت الرحم. وهذه الطريقة تُحدِثُ عقماً دائماً.

ب‌) عملية إخصاء الرجُل:عن طريق ربط الأنبوب الذي تخرج منه الحوينات المنوية. وهذه الطريقة تُحدثُ عقماً دائماً عند الرجُل.

2- الكنيسة ووسائل مَنع الحَمل:

نظراً للمُعطيات الجديدة الهادفة إلى فَصل الفعل الجنسي عن الإنجاب، كان لا بُدَّ للكنيسة من ممارسة سُلطتها التعليمية لتوجيه المؤمنين. فمنذ عام 1950، وخصوصاً مع نداء البابا بيوس الثاني عشر، شَدّدَ تعليم الكنيسة على تنظيم الولادات بالطُرُق الطبيعية وشرعية الجُماع الزوجي في الفترات غير الخصبة دون اللجوء إلى أيّة وسيلةٍ مانعةٍ للحَمل. وتعليم الكنيسة في هذا الشأن تختصرُه رسالة البابا بولس السادس (الحياة البشرية24\\7\\1968).هذه الرسالة تؤكّدُ على موقف الكنيسة الأخلاقي والدائم في الحكم على وسائل مَنع الحَمل، لِذا سنتوقّف على ما وَرَدَ في هذه الرسالة مُشّدّدين على:

• محور تعليم الكنيسة: إنسان من أجل الحياة.

• مسؤولية نقل الحياة.

• توضيحات لموقف الكنيسة من وسائل مَنع الحمل.

أ)محور تعليم الكنيسة، إنسان من أجل الحياة:

في رسالة البابا يوحنا بولس الثاني\”إنجيل الحياة\” العدد 42. نقرأ: إنّ حماية الحياة وترقيتها، واحترامها ومحبّتها، مُهمّةٌ أوكَلها الله إلى كُلِّ إنسان؛ وقد دعاهُ، هو صورتُه الحيّة، لى مُشاركتِهِ السيادَةَ على العالم:\” وباركهم الله وقال لهم:\”انموا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها\”\”(تك1\\28).

وفي العدد 43 من الرسالة نفسها نقرأ: إنّ مُشاركة الإنسان في سلطة الله تتجلّى هنا في المسؤولية المميزة الموكولَه إليه تجاه البشرية في معناها الخصوصي. هذه المسؤولية تأخُذُ أهميّةً كبرى في الإنجاب، عندما يَهَبُ الرجل والمرأة، من خلال اللقاء الجنسي في إطار الزواج، حياةً جديدة.

والمجمع الفاتيكاني الثاني، يؤكّدُ على الإرادة الإلهية في الخلقِ وفي التكاثر لكي يشترك الإنسان اشتراكاً خاصّاً في عمل الله الخالق (الكنيسة في عالم اليوم، عدد50).

ويُحَدّد المجمع الغاية من اشتراك الرجل والمرأة الخاص في عمل الله الخلاّق على أنّها إنجاب البنين. هذا العمل هو شأنٌ إنسانيٌّ حميم، وعملٌ دينيٌّ رفيع يُلزِمُ الزوجين، لأنّهما\”جسداً واحداً\” يتمُّ فيه حضور الله نفسِه.

ولا بُدَّ من الإشارة في هذا السياق إلى ما وَرَدَ في رسالة البابا يوحنا بولس الثاني إلى الأُسرَة عدد4، حيث يُشدّد على أنّه عندما يولَدُ إنسانٌ جديدٌ من قِرانِ اثنين في الزواج، فهو يحمِلُ معه إلى العالم صورةً وشَبَهاً بالله نفسه:\”…وإنَّ الزوجين بصفتهما والدين، يُعاونان الله الخالِقَ في تكوين كائنٍ بشَري جديد وإنجابه، وهذا يعني فقط القوانين البيولوجية، وإنّما يؤكّدُ خصوصاً على أنّ الله نفسَه حاضرٌ في الأُبُوّة والأمومة البشريتين.

وخلاصة القول في هذا الموضوع، ما يؤكّده الإنجيلي يوحنا حين يقول على لِسان الربّ يسوع:\” جئتُ لتكون لهم الحياة، ولتكون لهم أَوفَر\”.

ب) مسؤولية نَقل الحياة:

إنّ مسؤولية نَقل الحياة عَهَد بها الربّ الخالق إلى الرجُل والمرأة:\” انميا واكثُرا واملأا الأرض\”(تك1\\28). فهما ليسا بسيّدين بل هما مؤتمنان على أمرٍ مُهِمٍّ جدّاً ومقدَّس ألا وهو \”نقل الحياة\”.

هذه المسؤولية هي من مقَوِّمات الحياة الزوجية ومن أُولى أهدافها، ولكّ هذا الموضوع يُطرَحُ اليوم من جانبٍ آخر، متناولاً قضيّةَ تنظيم الولادات.

يقول الدستور الرعوي\” فرَح ورجاء\”:\” وفي ما يختصّ بتنظيم النَسل، لا يُسمَح لِأبناء الكنيسة الأوفياء لهذه المبادىء الأخلاقية، أن يسلكوا طُرُقاً تتنَكَّرُ لها سُلطة الكنيسة التعليمية في شرحِها للشريعة الإلهية\”(عدد51).

أمّا البراهين التي يقدّمها مُحَبِّذوا وسائل مَنع الحَمل، فهي أنَّ الإنسان المُعاصِر يجب ألاّ يكون تحت سيطرة رولات الإنجاب (Rouletteprocreative) التي تؤدّي إلى ولادة طفلِ غير مرغوبِ به، وإنّما المطلوب هو أن يكون الإنجابُ مسألةَ تفاهُمٍ بين العقل والإرادة، أكثر من أن يكون تحت سيطرة الروتين البيولوجي لجسم الإنسان.

وهنا السؤال ، لِماذا لا يقوم الإنسان باستعمال الطُرُق الطبيعية (Methode Billings) في علاقته الزوجية، للإنجاب أو لعدم الإنجاب، فيحترم النظام الذي وضعه الله؟

ج) توضيحات لموقف الكنيسة من وسائل مَنع الحمل:

تُقِرُّ الكنيسة بشرعيّة استخدامِ وسائل مَنع الحمل، عندما يُقصد منها العِلاج والشِفاء. لِأنَّ مَنع الحمل هُنا ، غير متوخّى غايةً ووسيلةً(بولس السادس، الحياة البشرية، عدد15).

وتؤكّد الكنيسة على شرعية اللجوء ، في ممارسة الفعل الزوجي، إلى الفترات غير الخصبة، والذي يُعتبر مختلفاً تماماً عن اللجوء إلى التحَكُّم عن طريق الوسائل غير الطبيعية في عملية الإنجاب.

إنّ الكنيسة التي لا توافق المؤمن على استعمال وسائل مَنع الحَمل في مختلف الحالات الأُخرى، أي عندما يكون دورُها وقائياً وليس علاجيّاً، تُوضِحُ موقفها من خلال الأمور التالية:

1. إنّ مبدأ الشمولية الأخلاقي الذي تعتمدُه الكنيسة لا يرتَضي أن تكون غايَةُ الإنجاب في الزواج تتعلّقُ بأفعال خاصّة ومُحدَّدة، إنّما في النظرة الإجمالية للحياة الزوجية.

2. إنّ النظرة الكاملة والشاملة للإنسان المؤمن ولدعوته تَرى أنّ الحياة ليست فقط أرضيّة وطبيعيّة، ولكنّها عطيّةٌ تَفوقُ الطبيع’ لِأنّها أزلية.

3. إنّ مفهوم الحُبّ الزوجي يتوضّحُ من خلال أمرينِ أساسيَين:

• طبيعة الحُبّ الزوجي الحقيقية التي لا تُفهَم إلاّ على أنوار محبّة الله، وهكذا يبقى الحُبّ الإلهي نُقطة المرجع والمِحوَر لِمعرفة ماهية الحُبّ البشري وكيف يجب أن يُعاش(1يو4\\8).

• الأمر الثاني يشرح صِفات هذا الحُبّ ، فهو:

-حُبّ إنساني كامل، أي حُبّ يعتمد على الإحساس والروحانية، فالجسد له دوره المُهمّ والأساسي، ولكن لا يأخُذ الدور الكامل، لِأنَّ للحُب بُعدٌ روحيّ وأساسي أيضاً.

– حُب مسؤول يُلزِمَ الشخصين بشكلٍ كامل. وهنا نفهم كيف يتقاسم الزوجان كُلَّ شيء وذلك من دون حساباتٍ أنانية، إنّما يسعى كُلُّ واحدٍ في الحُب إلى إعطاء ذاته بطريقة أفضل، إلى الآخر.

– الحُب المُخلِص بطابعه الحَصري حتى الموت، فالأمانة الزوجية، رغم الصعوبات، تبق ممكنة لِنّها نَبع السعادة الزوجية.

– حُبٌّ شُمولي، لا يُستهلَك وينتهي كُلُّه في الجُماع الزوجي، إنّما يبقى مؤهَلاً للإستمرار عن طريق حَثِّهِ لحياةٍ جديدة.

3- الأُبوّة والأُمومة المسؤولَة:

إنَّ رسالة البابا بولس السادس\” الحياة البشرية\” تشرحُ معنى الأبوّة والأمومة المسؤولة:

أ‌) ففي ما يتعلّق بالوظيفة البيولوجية للأعضاء التناسلية والتي هي في أساس الفعل الجنسي، إنّ الأُبوَّة والأُمومة المسؤولة، تعني الإحترام والمحافظة على دورِ هذه الوظيفة البيولوجية وعلى الهدَف من وجودِها.

ب‌) وفي ما يتعلّقُ بميول الغريزة والشهوات، فإنَّ الأُبوّة والأُمومة المسؤولة تعني سيطرة ضرورية على كُلِّ هذه الميول.

ت‌) إنّ الأبوّة والأمومة المسؤولة، في الظروف الجسدية أو الإقتصادية أو النفسية أو الإجتماعية والتي لها انعكاساتُها على حياة الفرد، تعني أنّ الإنسان يُمكنه أن يأخُذ قراره بإنشاء عائلة كبيرة، أو قراراً مُعاكساً، عندما لا تَسمَح الظروف، بأن يتحاشى مؤقَّتاً أو بشكلٍ دائمٍ كُلَّ إنجابٍ جديد، مُحترماً بذلك الشريعة الأخلاقية.

ث‌) ولكنّ المعنى الأهَمّ للأُبوّة والأُمومة المسؤولة على المستوى الأخلاقي، يرتبط بما تعنيه كلمة \”مسؤولية\” ومسؤولية الإنسان مُثَلَّثَةُ المحاوِر:

– مسؤولية تجاه الله.

– مسؤولية تجاه الذات.

– مسؤولية تجاه القريب والعائلة والمُجتمع.

لذلك، وفي كلّ مَرّة يأخُذ فيها الزوجان قراراً، فيجب ألاّ يكون اعتباطيّاً، بل يجب أن يشعُرا بأنّهما مسؤولان عن تحقيق إرادة الله الخلاّقة بشكلٍ خاصّ، والمُعلَن عنها في الزواج.

4- الأبعاد الرعوية لهذا التعليم:

إنّ الأبعاد الرعوية لتعليم الكنيسة، ترتكز بشكلٍ أساسي على ما وَرَدَ في رسالة البابا بولس السادس\” الحياة البشرية\”. ففي الخلاصة الرعائية التي تتعلّق بموضوع وسائل مَنع الحَمل، نقرأ:\” يجب على المؤمن احترام الطبيعة وغاية الجُماع الزوجي، فكُلُّ فعلٍ زوجي يجب أن يبقى مفتوحاً على الحياة أو للحياة، أي لِإمكانية نَقل الحياة والإنجاب\”(عدد19).

هذا التعليم يرتَكِزُ على حقيقة الحُبّ الزوجي في الجُماع، ففيه يظهر البُعدَين الأساسيَين للعلاقة بين الرجُل والمرأة، وهُما البعد الإتّحادي والبُعد الإنجابي. والفصلُ بين هذين البُعدين باعتماد وسائل منع الحَمل يتعارضُ مع طبيعة الرجُل والمرأة وبالتالي مع تصميم الله.

وهنا يُمكننا أن نلفت النظر في هذا الإطار إلى ما تُعَلّمُه الكنيسة حول الجُماع الزوجي، وفيه تؤكّدُ على الإرتباط غير المُنفصِم، الذي أراده الله بين الرجُل والمرأة، والإنسان لا يُمكنه المبادرة إلى فَكِّه:\” فما جمعه الله لا يُفَرِّقُه الإنسان\”. 

وتُضيف الرسالة توضيحاتٍ حول شجبها لاستعمال وسائل منع الحمل، فتقول في العدد 13:

– كُلّ فعل زوجي يُفرَض على أحد الزوجين، بدون النظر إلى ظروفه وإلى رغباته ليس بالفعل حُبّاً ويخرج عن النظام الأخلاقي للعلاقات بين الزوجين.

– وكلّ فعلٍ زوجي ناجم عن حُبّ متبادل بين الزوجين، من دون أن تكون له إمكانية نقل الحياة…يعتبر ضدّ التصميم الإلهي وضدّ إرادة مُعطي الحياة الإنسانية وخالقها.

– ولكنّ كلّ فعلٍ زوجي يستفيد من عطية الحُبّ بين الأزواج، محترماً شريعة الإنجاب الطبيعة، يُساعِدُ الأزواج على معرفة دورهم فيعترفوا بأنّهم مُكَلّفين بنقل الحياة ولَيسوا بأسياد الحياة الإنسانية. وتنتهي \”الحياة البشرية\” في العدد 14 إلى شجب الطرق اللاشرعية من الناحية الأخلاقية لتنظيم الولادات فتقول:\” إضافَةً إلى عدَم شرعية استعمال وسائل مَنع الحَمَل، يتّضِح عدم شرعية كلّ عمَل، وسيلةً كانت أم غايةً، يقوم بها أحد الزوجين قُبَيل الفعل الزوجي، أو عندَ إتمامه، أو فيما بعد، من أجل قَطعِ الطريق على الحَمل والإنجاب\”.

وإذا كان البعضُ يعتبرون أنّهم وُضِعوا أمام شَرّين فاختاروا الشَرَّ الأهوَن مع وسائل منع الحَمل، فإنَّ المبدأ الأخلاقي في هذا الصدد يقول:\”لا يمكن القبول بشَرٍّ أخَفّ، لأنَّه يبقى عمَلاً غير شرعي، وحتى لأسباب صوابيّة جدّأً، لأنه لا يمكن أن يخرج من الشرّ خير\”(روما3\\8).

خلاصة: 

لا بُدَّ من اعتبار صعوبة هذا التعليم على الصعيد العَمَلي ولكِنَّ غايةَ هذا التعليم تعني:

– دعم الأمانة الزوجة.

    –   الإبتعاد عن الأفعال اللاأخلاقية (الخلاعية…) التي تحدُث بين الرجُل والمرأة أو بين الفتيان والأحداث خلال الأفعال الجنسية، خصوصاً مع سهولة الحصول على وسائل مَنع الحَمل.

– عَمَل رعائي يُعطي أهميّة كبيرة للتوعية وللتربية الجنسية وخصوصاً للشبيبة.

– لا بُدَّ من لفت النظر إلى أنه مع وسائل مَنع الحمل، قد تفقد المرأة شيئاً من كرامتها وتتحوّل إلى سِلعَة وموضوع لَذّة للرَجُل، والعكس صحيح.

وفي النهاية، إنّ هذا التعليم وكلّ تعليم صادر عن الكنيسة، لا يُمكن تطبيقه والإلتزام به إلاّ بدَعمٍ من النعمة الإلهية التي تُساعِدُ المسيحي على التعَمُّق بإيمانِهِ والشهادة له رُغم كلّ الصعوبات؛ ولَعلَّ هذا التعليم يُساهمُ بتوجيه إنسان اليوم، إلى المعاني السامية والحقيقيّة للحياة البشرية دون الوقوف مطَوَّلاً أمام مُعطياتِها المادية والدنيوية بل ينطلق إلى إنعاش الحياة الروحية والقيم الأخلاقية في حياته الشخصية والعائلية والإجتماعية.

– ولِنَكُن أقوياء ضدّ الشرّ.

– رحومين تجاه الخطأ.

وذلك من أجل المساهمة في بناء حضارة المحبّة التي لا تنمو إلاّ في إطار عملٍ إنساني يهدِفُ إلى بناء مجتمعاتٍ تحترم الحياة وتُقدّسها.

رهبنة الأخوة الأصاغر الفرنسيسكان