stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

عن الكنيسة

تاريخ الكنيسة المصرية – بعد مجمع خلقيدونية451 – القمص/ إسكندر وديع

1.8kviews

images (27)

الصفحة التاريخية

حدّد مجمع خلقيدونيا تعليم الكنيسة في موضوع الكريستولوجية بقوله: إن للسيد المسيح  أقنوماً  واحداً  في  طبيعتين  يتحدان فيه  بلا  امتزاج  ولا  اختلاط ولا تغيير وهكذا دحض بدعة نسطوريوس القائل بطبيعتين منفصلتين كأنهما أقنومان وبدعة أوطاخي القائل بالطبيعة الواحدة مبيناً أن الطبيعة البشرية  ذابت  في الطبيعة الإلهية وأكد المجمع أن السيد  المسيح  مساوٍ للآب في الجوهر من حيث اللاهوت ومساو للإنسان في الجوهر من حيث الناسوت.. 

إلا أن هذه التعابير لم تكن مألوفة في الشرق ولاسيما في كنيسة الإسكندرية المتمسكة بصيغة القديس كيرلس الإسكندري: طبيعة واحدة للإله الكلمة المتجسد وحتى يُظهر الآباء تطابق صبغة القديس كيرلس بتعبير المجمع هتفوا قائلين “تكلم لاون كما تكلم كيرلس”

.رغم ذلك تمسك ديوسقورس بابا الإسكندرية بالصيغة التقليدية في كنيسته ورفض تعليم المجمع فعُزل عن كرسيه وحُكم عليه بالنفي في آسيا الصغرى. وعُين بدلاً منه أحد أصدقائه يُدعى بروتاريوس. إلا أن الشعب المصري تمسك ببطريركه في منفاه ،  وحتى  بعد  وفاته  عينوا  له خلفاً تابعاً له وهو تيموتاوس إيلور أي القط.

وهكذا  انقسمت  كنيسة  الإسكندرية  إلى  قسمين  :  المونوفيزيين  من  جهة  أي  القائلين   بالطبيعة  الواحدة  الرافضين  للمجمع   والملكيين الذين تبعوا الملك أو الإمبراطور البيزنطي المؤيّد للمجمع.

وكان المونوفيزيون يتهمون المجمع وتعبيره الجديد كأنه رجوع وتأييد للبدعة النسطورية وتمسكوا بحرفية تعبير كيرلس دون روحه وهو الذي قبل في شركته سنة 433 يوحنا أسقف أنطاكيا القائل بالطبيعتين في المسيح مهتماً بالحقيقة دون اللفظ.

ولجأ الإمبراطور مرقيانوس إلى القوة لفرض المجمع ولحماية البطريرك الجديد. فاضطر الشعب إلى الخضوع ولم يكن هذا الخضوع أو هذا السكوت علامة الرضى بل صمت المغلوب على أمره الذي ينتظر الفرصة الأولى للإنفجار وقد بدت هذه الفرصة سانحة عند وفاة الإمبراطور مرقيانوس مناصـــر المجمع الخلقيدوني سنة457.

عندئذ  هاج  الشعب  وشفى  غليله في القبض على بروتاريوس في الكنيسة أثناء الاحتفال الفصحي، وقتلوه وشنعوا به تشنيعاً مشهرين إياه في كل شوارع مدينة الإسكندرية وعينوا تيموتاوس القط بطريركاً على الإسكندرية.

ولم تستطع الحكومة  إلا  معاقبة  المجرمين  القتلة وحاولت إقناع تيموتاوس بقبول قرارات مجمع خلقيدونية. فرفض رفضاً باتاً. فاضطرت إلى نفيه وعينت عوضاً عنه تيموتاوس سالوفاكيولاس أي الأبيض المشهور له بالصلاح والطيبة حتى من أعدائه. ورغم تمسكه بالمجمع المذكور حاول إرضاء الشعب بإرجاع اسم البطريرك ديوسقورس في “الدبتيقة”.

وتغيّر الموقف مرة أخرى بارتقاء باسيليكي عرش القسطنطينية. وهو المؤيد للمونوفيزية. وبدأ عهده بإصدار “الرسالة” يؤيد فيها تعليم القديس كيرلس ويحرم مجمع خلقيدونية، مع سن قانون يعاقب كل من يرفض التوقيع عليه بالخلع أو النفي. فإذا بالخلقيدونيين يُقصوّن والمونوفيزيين يُقرّبون. فسيبعد تيموتاوس الأبيض ويحل محله تيموتاوس القط زعيم المونوفيزيين.

وهكذا يعين زعيم آخر لهم على كرسي إنطاكية وهو بطرس القصار، ووقع الكثيرون من الأساقفة على هذه الرسالة.

ولم يتصدَ لهذه الرسالة إلا أكاكيوس بطريرك القسطنطينية الخلقيدوني الذي كان قوياً بمركزه وشاعراً بقرب سقوط باسيليكي.

وبالفعل رجع الإمبراطور زينون إلى الحكم بمعاونة الخلقيدونيين، ولذلك اتخذ كل الوسائل الكفيلة بنصرة المجمع باستيعاد البطاركة المونوفيزيين تيموتاوس القط وبطرس القصار واسترجاع تيموتاوس الأبيض.

وعلى إثر ذلك استنكر بعض الأساقفة توقعاتهم السابقة على رسالة باسيليكي التي لم يوقعوها إلا اضطراراً على حسب زعمهم، وقبلوا جميعاً قرارات مجمع خلقيدونيا. وهكذا سنة 477 تم النصر لهذا المجمع إذ كان على رأس البطريركات الشرقية الأربعة بطريرك خلقيدوني.الهينوتيكون: محاولة توفيق بين الخلقيدونيين والمونوفيزيينرغم جلوس بطاركة خلقيدونيين على الأربع كراسي الشرقية، إلا أن جزءاً كبيراً من الأساقفة والرهبان كان يُخفي في قلبه ميله إلى المونوفيزية، منتظراً الفرصة المناسبة للرجوع إليها.

وأدرك أكاكيوس بطريرك القسطنطينية ما كانت تنطوي عليه القلوب من مرارة وقلق. فحاول أن يجد صيغة تقربهم إليه وتريح نفسيتهم ويتم بذلك السلام في الكنيسة كلها بمجهوده الشخصي الذي سيضمن له الأولية على كل كنائس الشرق. وقد وجد في الإمبراطور زينون أكبر مساعد ومشجع له وبإيعاز من أكاكيوس أصدر الإمبراطور سنة 482 قراراً عُرف في التاريخ باسم “الهينوتيكون” أي قرار الواحدة.

ويتلخص هذا القرار في:أن  السيد  المسيح  اله تام وإنسان تام مساوٍ للآب في الجوهر من حيث اللاهوت ومساو لنا حسب الناسوت .. واحد  هو  لا  اثنان : إننا  نقول أنه من  واحد  صدرت  المعجزات  والآلام  التي  احتملها  بإرادته  في  جسده وإننا   نتفق   جميعاً   في   الإقرار  بهذا  ونحرم  كل  من  فكر  أو  يفكر  بخلاف هذا سواء كان في خلقيدونية أو أي مجمع آخر.

فحرم نسطوريوس وأوطيخا وأتباعهما ونادى المسيحيين جميعاً “اتحدوا إذاً بالكنيسة أمنا الروحية لنتمتع فيها بشركة إلهية واحدة بموجب قانون الآباء الثلاثمائة والثمانية عشر الذي هو القانون الوحيد للإيمان”.

ولم  يكن  هذا القرار هرطوقياً في حد ذاته فهو يحرم نسطوريوس وأوطيخا معاً . وهو لم يرفض مجمع خلقيدونية ولم يفرضه على الجميع. فهو يتضمن  تعاليم  المجمع  دون  التمسك  بتعبيراته  الواضحة في القول أن السيد المسيح أقنوم  واحد  قائم  في  طبيعتين .

هذا القول الذي كان يرفضه المونوفيزيون المتمسكون بعبارة القديس كيرلس الإسكندري “طبيعة واحدة للإله الكلمة المتجسد”.

فكان هذا الأسلوب يقصد إرضاء المونوفيزيين ولاسيما أنه استحسن التحريمات الإثني عشر التي كان فرضها كيرلس في مجمع أفسس سنة431.

وفرض  الإمبراطور  زينون  والبطريرك  أكاكيوس هذا القرار على بطاركة الإسكندرية وإنطاكيا وأورشليم. وكان قبوله شرطاً لتثبيتهم على كراسيهم.

وفي  سنة  482 تنيح  في  مصر  البطريرك  الخلقيدوني  تيموتاوس الأبيض، وأراد اتباع المجمع المذكور أن يعينوا خلفاً له الأنبا يوحنا طلابا وانتهز المونوفيزيون الفرصة لانتخاب أحد زعمائهم بطرس مونج على كرسي الإسكندرية.

فقبل الإمبراطور تعيينه على شرط قبول قرار الهينوتيكون فوافق عليه وهكذا صار البطريرك الوحيد على كرسي الإسكندرية وذهب يوحنا طلابا إلى روما للاحتجاج لدى البابا فليكس في إنطاكيا، رفض البطريرك كلندون الخلقيدوني القرار فاستبعد وعين بدلاً منه بطرس القصار المونوفيزي والذي أراد أن يثبت تعليمه بهذه الإضافة على الثلاثة تقديسات لإبراز وحدانية أقنوم الابن “الذي تألم من أجلنا”.

موقف البابا فليكس الثالث:

عندما وصل خبر هذا القرار إلى روما عن طريق يوحنا طلابا والرهبان الأسيميين” أي الساهرين كان جالساً على السدة البطرسية البابا فليكس الثالث المشهود له بالحزم والعزم.

فأرسل البابا وفداً إلى القسطنطينية برئاسة الأسقفين فيتاليس وميسانس مزوداً برسالتين الأولى للإمبراطور   زينون  يحثه فيها على تجنب المونوفيزيين والتمسك بعقيدة مجمع خلقيدونية ورسالة البابا لاون إلى فلافيانوس وحل مشكلة كنيسة الإسكندرية لصالح  يوحنا   طلابا ، والرسالة الثانية موجهة إلى البطريرك أكاكيوس يدعوه فيها أن يبرر نفسه من الاتهامات الموجهة ضده من يوحنا المذكور.

 كما أوصى الوفد أن يتصل بالرهبان “الأسيميين” موضع ثقة البابا فيليكس الثالث الذين طالما دافعوا عن التعليم القويم.إلا أن الوفد الروماني خان رسالته واشترك مع أكاكيوس في احتفال طقسي، دليلاً على الشركة معه وموافقته على تعليمه. ورجع الوفد إلى روما مزوداً برسائل من زينون واكاكيوس إلى فليكس، فيها يؤكد الإمبراطور تمسكه بمجمع خلقيدونية الذي يراه موافقاً تمام الموافقة مع  مجمع  نيقيا  ويبالغ  في  مدح بطرس مونج الذي قبل الهينوتيكون رغم اعتراض بعض المونوفيزيين في الإسكندرية.

كذلك أكاكيوس يؤيد شرعية أسقفية بطرس مونج ويواصل شكواه ضد يوحنا طلابا ويأبى أن يبرر نفسه من الاتهامات الموجهة ضده.

وهكذا يفرض أكاكيوس نفسه كالرئيس الأعلى المستقل تماماً عن كرسي روما ، وقد وضع بتصرفه هذا بذور الشقاق ومثلاً سيئاً سيقتدي به أساقفة القسطنطينية عندما يواجهون أي خلاف مع روما.

لم يكن هذا الكلام المعسول ليخدع فليكس الذي جمع في روما مجمعاً مكوناً من سبعة وسبعين أسقفاً يوم 28 يوليو سنة 484 وفيه حكم الآباء بحرم أعضاء الوفد الخائن لرسالته ويخلع اكاكيوس عن كرسيه  ولم يبق بعد ذلك إلا تبليغ هذا القرار إلى البطريرك المحصن  في عاصمته  والساهر  على  ألا  يصل  إليه قرار من هذا القبيل.

وبهذا الحرم، انفصلت الكنيسة الشرقية من كنيسة روما. فبدلاً من أن يكون “الهينوتيكون” قرار وحدة ، صار قرار شقاق في الكنيسة بين الشرق والغرب، شقاق استمر 35 سنة إلى أن اعتلى العرش الإمبراطور جستينوس سنة 519 وهو الإمبراطور الخلقيدوني الصميم الذي أراد إرجاع الوحدة مع كنيسة روما هذه الوحدة التي تمت بقرار البابا هرميسداس سنة 519 والذي يفرض مجمع خلقيدونية وتعاليمه على الجميع. وقد وقّع عليه ألفان وخمسمائة أسقفاً. وهكذا نمت الوحدة الحقيقية في الكنيسة.