stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكتبالمكتبة الكاثوليكية

تعليم الحبر الأعظم يوحنا بولس الثاني عن الإفخارستيا

2.1kviews

تعليم الحبر الأعظم يوحنا بولس الثاني عن الإفخارستيا

في هذه السنة المكرّسة للإفخارستيا سَنُذَكّرُ ببعض ٍ مِنْ تعليماتِ البابا يوحنا بولس الثاني، بخصوص سرّ الإفخارستيا من الرسالة ‏العامة الإفخارستيا حياة الكنيسة ‏‎[Ecclesia de Eucharistia]‎‏ ‏‎)‎رقم 11-12-13):‏

.1‎الإفخارستية‎:‎‏ هي ليست استذكارًا فقط، بل أيضًا إعادة استحضار ٍ سرّيّ

‏«إن الـربَّ يـسوع، في اللـيـلة الـتي أُسـلم فـيـها» (1 كور11: 23)، وضع ذبيحة َ جسدِه ودمِه ‏الإفخارستيّة َ. تعيدنا كلماتُ الرسول بولس إلى الظروف المأسويّة التي أُنشئـت فيها الإفخارستيّا، الـتي وسَمها ‏بـطريـقة لا تـُمْحـى حـدثُ آلام الربّ وموته. فـهي لا تـشكل استذكارًا لها فقط، بل إنها أيضًا إعادة استحضار ‏سرّيّ. إنها ذبيحة الصليب التي تستمرُّ على مرِّ الأجيال ‏ ‏. نجد تعبيرًا جميلا ً لـهـذه الحـقيـقة في الكـلمات الـتي ‏يـردّدهـا الشعـب، في الـطقـس اللاتـيـنيّ، بعد أن يعلن الكاهن «سـرّ الإيـمان»: «إنا نعلن موتك، أيها الربُّ ‏يسوع».‏

لـقـد تـسلـّمت الكـنيسة ُ الإفـخارستيّا من المسيح ربِّها، ليس كعطيّة، مع أنها من أثمن العطايا، بل ‏كعطيّة بامتياز، لأنها عطيّة ُ ذاته، عطيّة ُ شخصه في إنسانيّته المقدَّسة، وعطيّة ُ تدبيره الخلاصيّ. ‏وتدبيره هذا لا يبقى محصورًا في الماضي، «لأن المسيح كلـَّه بهويّته وبكلِّ ما صنعه وكابده في سبيل الناس ‏أجمعين يشترك في الأبـديّة الإلهيّة ويُشرف هكذا على جميع الأزمان … »‏ ‏.‏

عـنـدما تحـتـفل الكـنيسة بالإفـخارستيّا، ذكرى موت ربّنا وقيامته، يُجعل حاضرًا بالحقيقة هـذا الـحدث ‏الـرئـيـسيُّ للخـلاص، وهكذا «يتمُّ عمل فدائنا»‏ ‏. هذه الذبيحة هي بهذا القدر حاسمة من أجل خلاص الجنس ‏البشريّ، حتى إن يسوع َ المسيحَ لم يُتمَّها ولم ينطلقْ إلى الآب إلا ّ بعد أن أمّن لنا سبيل الاشتراك فيها، ‏وكأنـّنا كنـّا فيها حاضرين. كلُّ مؤمن يستطيع هكذا أن يشارك فيها ويتذوّق ثمارها بطريقة لا ينضب معينـُها. ‏ذلك هو الإيمان الذي أحيا الأجيال المسيحيّة على مرِّ القرون. وهذا هو الإيمان الذي ما فتئت السلطة التعليميّة ‏في الكنيسة تذكـّر به على الدوام، وهي تحمد الله بفرح على تلك العطيّة التي لا تقدَّر بثمن ‏. أريد مرّة أخرى أن ‏أكرّر هذه الحقيقة، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، فيما أسجد معكم أمام هذا السرّ: سرّ عظيم، سرّ الرحمة. ما ‏الذي كان يمكن أن يفعله يسوع ُ أكثر من أجلنا؟ في الإفخارستيّا، يـُظهر لنا حبـًّا يصلُ «إلى النهاية» (را يو ‏‏13: 1)، حبـًّا لا يعرف مقدارًا.‏

‏2. ذبيحة المسيح وذبيحة الإفخارستيّا هما ذبيحة واحدة

هـذا التعـبير عن المحبّة الشاملة الكامن في سرّ الإفخارستيّا يرتكز على كلام يسوع نفسه. فـلا يـكـتـفي ‏يـسوع ُ عند وضعه هذا السرّ بأن يقول: «هذا هو جسدي»، «هذا هو دمي»، بل أضـاف: «الـذي يُبذل ‏لأجلكم» و «الذي يُهراق عن كثيرين» (لو 22: 19- 20). لم يؤكـّد فقط أن ما يعطيه ليُؤكل ويُشرَب هو ‏جسدُه ودمُه، بل عبّر أيضًا عن قيمته الذبيحيّة، وجَعل حاضرة ً، بـطـريـقة سـرّيّة، ذبيحتـَه التي ستتمّ على ‏الصليب، بعد بضع ساعات، لخلاص الجميع. «القداس هو، في آن ٍ واحد وبغير انفصال، التذكار القربانيّ ‏الذي تستمرُّ به ذبيحة الصليب، والوليمة المقدَّسة التي فيها نشترك في جسد الربِّ ودمه»‏ ‏.‏

تحـيـا الكـنيسة عـلى الـدوام من ذبيـحة الـفداء، وتـبـلـغ إلـيـها ليـس فقط بواسطة ذكرى مـلـؤهـا ‏الإيـمان، بل أيـضًا باتـصال ٍ حاليّ، لأن هذه الـذبيـحة تـكـون حاضرة، وتتجدّد سرّيًّا، في كلّ جماعة تقدّمها ‏بواسطة يدَي خادم مكرَّس. بهذه الطريقة، تؤمّن الإفخارستيّا لرجال اليوم المصالحة َ التي حصل عليها ‏المسيحُ نهائـيًّا لبشريّة الأزمنة كلـّها. لأن «ذبيحة المسيح وذبيحة الإفخارستيّا هما ذبيحة واحدة»‏ ‏ . ولقد عبّر ‏عن ذلك بوضوح القديس يوحنا الذهبيُّ الفم، إذ قال: «إنـّا نقدّم دائمًا الحملَ نفسه، لا حملا ً اليوم وحملا ً آخرَ ‏في الغد، بل دائمًا الحمل نفسه. لهذا السبب، ليس هناك دائمًا إلا ّ ذبيحة واحدة […]. والآن أيضًا، نقدّم ‏الضحيّة التي قـُـدِّمـت قبلا ً والتي لن تـُستـنـفد أبدًا»‏ ‏.‏

الـقدّاس يجعل ذبيحة الصليب حاضرة، فلا يُضاف إليها ولا يكثـّرها ‏ ‏ . مايتكرّر هو الاحتفال ‏بالذكرى، «الظهور الذِكـْرانيّ»‏ ‏ للذبيحة، الظهور الذي بواسطته تصبح ذبيحة ُ المسيح الفادية، الوحيدة ‏والنهائيّة، حاضرة ً في الزمن. لا يمكن إذ ًا أن تـُفهم طبيعة ُ ذبيحة السرِّ الإفخارستيّ وكأنها شيء قائمٌ ‏بذاته، بصَرف النظر عن الصليب، أو فقط بمرجعيّة غير مباشرة إلى ذبيحة الجلجلة.‏

‏3. الإفـخـارستـيّـا: ذبيحة حقيقيّة

إن الإفـخـارستـيّـا، بمقتضى عـلاقـتـها الوُثـْقـَى مع ذبيحة الصليب، هي ذبيحة بالمعنى الحقيقيّ، وليس ‏فقط بالمعنى المجازيّ، وكأنها تقدمة عاديّة قدَّم بها المسيحُ ذاتـَه غذاءً روحيًّا للمؤمنين. فعطيّة حبّه وطاعته ‏حتى نهاية حياته (را يو 10: 17- 18)، هي قبل الكلّ عطيّة لأبيه. إنها حقـًّا عطيّة لصالحنا، وحتى لصالح ‏البشريّة جمعاء (را متى 26: 28؛ مر 14: 24؛ لو 22: 20؛ يو 10: 15)، ولـكـن هي قبل كل شيء عطيّة ‏للآب: «قـَبـِل الآب هذه الذبيحة، ومقابلَ هبةِ ابنهِ ذاتهِ هبة ً كاملة، بعد أن صار “طائعًا حتى الموت” (في 2 ‏‏:8)، جاد هو بدوره بهبته الأبويّة أي هذه الحياة الجديدة غير المائتة بفضل القيامة»‏ ‏.‏

وإذ ْ قـدم الـمـسـيـحُ ذبيـحتـَه للكـنيـسة أراد أيضًا أن يختصَّ لذاته ذبيحة الكـنـيـسة الروحيّة، وقد ‏دُعيت إلى تـقدمة ذاتها أيـضًا في الوقـت عـينه مع ذبيـحة الـمسيـح. وهـذا ما يعـلـّمه المجمع الفاتيكانيّ الثاني، ‏بشأن جميع المؤمنين: «باشتراكهم في ذبيحة الإفخارستيّا، منبع الحياة المسيحيّة كلـِّها وقِمّتها، يقرّبون لله ‏الذبيحة الإلهيّة، ويقرّبون معها انفسهم أيضًا»‏ ‏.‏