stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكتبالكنيسة الكاثوليكية بمصرالمكتبة الكاثوليكيةكنيسة الأقباط الكاثوليك

كتاب تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية -القسم الاول ‏- الفصل الثالث

787views

نشأة كنيسة الاسكندرية ودورها وإزدهارها

الفصل الثالث
ملحمة الشهداء

‏( 48 م – 451 م )‏

بقلم : القمص اسكندر وديع

‏ قاست الكنيسة منذ نشأتها عذاب الإضطهاد، وذلك فى العالم كله ولا سيما فى مصر. وكان ‏طبيعياً أن تصطدم الكنيسة بالنظام الوثنى المتفشى فى الإمبراطورية الرومانية.‏
‏ وردت بعض الأسباب مذكورة فى سفر أعمال الرسل، وبعضها الآخر يذكرها لنا التاريخ : ‏نرى أولاً أن تمسكهم بالاله الواحد ورفضهم للأصنام أثار عليهم تجار المنحوتات والمصنوعات ‏الوثنية ( أعمال الرسل 19 : 23 -24 ).‏
‏ ثم كانت المسيحية تفُرض على أتباعها سلوكاً يختلف عن سلوك الوثنيين. فكان لابد من إعلان ‏الإختلاف القائم بين المسيحية والمجتمع الذى أخذت تنتشر فيه. وكان هذا الإختلاف بالفعل يتغلغل ‏فى داخل الأسرة، فمن كان يهتدى إلى المسيحية فيها، كان يتعرض لمقاطعة أهله جميعاً، لأنه لا ‏يشاركهم فى عبادتهم الوثنية. فلا تلبث الأسرة أن تتهمه بالكفر، فترفع الشكوى على المسيحيين ‏وتشيع فيهم القصص الكاذبة عن إجتماعاتهم وعن آدابهم. ‏

أولاً : بدء الإضطهادات
‏ بدأ إضطهاد الكنيسة منذ القرن الأول. وإشتد على عهد نيرون سنة 64 م، ودزميتيانوس سنة ‏‏92 إلى 96، ومرقس أوربليوس سنة 163.‏

‏ إلا أن مصر سلّمت إلى حد ما فى هذه الفترة من الإضطهاد، مما جعل الكنيسة المصرية تمتد ‏إلى الأقاليم جنوباً وغرباً، ولكن تغيرت الأحوال فى القرن الثالث.‏
‏ ففى سنة 202، جلس على عرش روما الإمبراطور “سبتيموس ساويروس”. تخوف من ‏إنتشار المسيحية فى إمبراطوريته. فأراد إيقاف إنتشارها، فحرم التنصر، وأمر بالقبض على ‏المهتدين إلى المسيحية والهادين إليها. وكان لهذا الإضطهاد وقع خاص فى كنيسة مصر، ولا سيما ‏فى المدرسة الإسكندرية التى كانت تقوم بتعليم الموعظين وتجذب الكثيرين إلى المسيحية، فأغلقت ‏أبوابها بعض الوقت، وهرب مديرها “اكلمنضوس”، واستشهد الكثيرون من الموعظين. ‏زمن أهم ضحايا هذا الإضطهاد “ليونيداس” والد أوريجانوس، والعذراء “بوتاميانا” التى ألقوها ‏هى وأمها فى الزيت المشتعل.‏

‏ وسكنت العاصفة بموت “سبتيموس ساويرس” سنة 212، وعاشت الكنيسة نحو أربعين سنة ‏فى سلام. فقد بدأت الإمبراطورية الرومانية تتبع المصالحة مع المسيحية فى عهد “فيلبس العربى” ‏سنة 244. كان الإمبراطور الجديد فلسطينى الأصل، وكانت بينه وبين أوريجانوس معلم ‏الإسكندرية الشهير، مراسلات متواصلة.‏

‏ وزعم القديس هيرونيموس أن فيلبس العربى كان اول إمبراطور مسيحى، ولو إنه لم يعلن ذلك ‏جهراً.‏

ثانياً : الإضطهادات الكبرى
‏ بعد فترة من السلام دامت أربعين سنة تقريباً سنة تقريباً، توّلى العرش الإمبراطور “داقيوس” ‏سنة 250. كان داقيوس سليل أسرة عريقة تقوم على نهر الدانوب، فراعه ما رآه من إنحلال ‏الإمبراطور، وعزم على أن يجدد نظمها الوثنية ويوحدّ سكان إمبراطوريته الشاسعة الأطراف حول ‏العبادة الإلهية لروما وللإمبراطور، وذلك بقرار إمبراطورى ينطبق على جميع تحت طائلة أقسى ‏العذابات والنفى أو الإعدام للمتمردين.‏
‏ فننزل بالمسيحية كلها ولا سيما بمصر ضروب من الإرهاب والإكراه لم يسبق لها مثيل. فكان ‏الجنود فى الإسكندرية يقطعون رؤوس النساء على مشهد من الجموع إشباعاً للغرائز، ويدفعون ‏البنات المسيحيات إلى أقبح صنوف الهوان والعار. ومن لا يُلقى من المسيحيين إلى الوحوش كان ‏يُحرق حياً فى مواقد مستعرة. ومن لم يُحكم عليهم بالموت، كانوا يوثقون بالقيود، إثنين إثنين، ‏جموعاً كبيرة كالمواشى إلى المناجم والمحاجر، مع اللصوص والمجرمين، ويعيشون تحت الأرض ‏حتى الموت عيشة إحتضار مستمر.‏

‏ وقد إستُشهد الآلوف من المسيحيين بكل بسالة. ولكن أمام هذه العذابات المريعة ضعُف بعضهم، ‏ولا سيما ذوو المراكز العالية، حتى من بين الإكليروس.‏

ثالثاً : الصراع الأخير ‏
‏ إضطهاد ديقليديانوس وغلاريوس (303 – 313 )‏
‏ لم يبدُ “ديقليديانوس” فى العشرين سنة الأولى من ملكه ذا نزعة دموية. فكان عدد المسيحيين ‏يتزايد بين جميع الطبقات حتى فى القصر الإمبراطورى نفسه، إذ كانت زوجته برسكا،وإبنته ‏فاليريا فى عدد الموعوظين.‏

‏ ولكنه إنقلب فجأة على المسيحين لأسباب غير واضحة تاريخياً. ويُرجع تأثير معوانه ‏‏”غلاريوس” الذى كان وثنياً متعصباً وحانقاً على الجنود المسيحيين لرفضهم تقديم الذبائح للآلهة. ‏وسعى عند مولاه بدهائه للحصول على أمر يقضى :‏
‏1.‏ بمنع الإجتماعات المسيحية.‏
‏2.‏ بهدم الكنائس.‏
‏3.‏ بحرق الكتب المقدسة.‏
‏4.‏ بإرغام جميع المسيحيين الموظفين فى المصالح العمومية ان يجحدوا.‏

‏ ثم ألحق بالمسيحيين تهمة حرق الإمبراطور. فجّن جنود ديقلديانوس وأصدر ثلاثة أوامر ‏أخرى تُجبر جميع المسيحيين فى الإمبراطورية كلها على أن يقدموا الذبائح للآلهة،وتُنفى أو تُعدم ‏المتمردين على هذه القوانين.‏

‏ وبدأ إضطهاد لم يكن له مثيل، وإستُشهد فيه ألوف وألوف من المسيحيين فى أهوال فظيعة ‏يرويها “أوسابيوس القيصرى” فى كتابه « التاريخ الكنسى – الكتاب الثامن – الفصل التاسع ».‏
‏ وإستمر هذا الإضطهاد عشر سنين فى حكم ديوقلديانوس ومعاونه. ثم خلفه غلاريوس، إلى أن ‏صدر قرار قسطنطين سنة 313 الذى يمنح الحرية لجميع الأديان.‏
‏ إن هذا الإضطهاد قد شمل كل الإمبراطورية الرومانية. إلا انه ظهر بطشه بوجه خاص فى ‏الشرق، ولا سيما فى مصر، حيث كانت أشهر ضحية القديس بطرس بابا الإسكندرية، الذى لُقب ‏بلقب ( خاتم الشهداء).‏

‏ ولا نستطيع ان نحدد عدد الشهداء الذين سفكوا دماءهم من أجل المسيح. إلا أنهم يُعدون ‏بالآلوف، وكانت دماؤهم، كما يقول “طرطليانس” : « بذاراً للمسيحيين ».‏

‏ ولم ينس أقباط مصر هذا الإضطهاد الشنيع. ولكى يظل دائماً فى الذاكرة، ويذاكرهم ببسالة ‏أجدادهم الشهداء، صنعوا لهم تقويماً خاصاً يبدأ فى سنة 284، وهى سنة إعتلاء ديقليديانوس ‏العرش الرومانى، ويسمونه ( تقويم الشهداء). ومن تلك الايام بدأ تكريم الشهداء وجمع رفاتهم ‏ووضعها فى الأماكن المقدسة، والإستشفاع بهم.‏