stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

من مواعظ القدّيس أغسطينس الأسقف في الرُّعاة

1.1kviews

العظة 46، 4- 5: CCL 41، 531- 533)

مثال بولس الرّسول

لمـّا كانَ بولسُ مرَّةً في شدَّةٍ عظيمة، وقد أُلقِيَ في السِّجنِ لأنَّه كانَ يَعِظُ بالحقيقة، أرسَلَ إليه الإخوةُ ما يسُدُّ به عوَزَه في شدَّتِه. فأجابَهم شاكرًا وقال: “لَقَد أحسَنْتُم عَمَلًا إذ شَارَكْتُمُونِي فِي شِدَّتِي. قَد تَعَلَّمْتُ أن أَقنَعَ بِمَا أنَا عَلَيهِ، فَأُحسِنُ العَيشَ فِي الحِرمَانِ كَمَا أُحسِنُ العَيشَ فِي اليُسرِ. أستَطِيعُ كُلَّ شَيءٍ بِاَّلذِي يُقَوِّينِي، غَيرَ أنَّكُم أحسَنْتُم عَمَلًا إذ شَارَكْتُمُونِي فِي شِدَّتِي” (فيلبي 4: 10- 14).
ولكنَّه يُبيِّنُ ما كان يبتغي في ما أحسنوا به إليه، حتى لا يُحسَبَ مِن الرُّعاةِ الذين يَرعَوْن أنفسَهم لا الخراف. ولهذا يقولُ إنّه يفرحُ ليس لأنَّهم ساعَدُوه في شِدَّتِه، وإنَّما هو يهنِّؤُهم لسخائِهم. ماذا كانَ يبتغي إذًا؟ “لا أبتَغِي العَطَايَا، وَإنَّمَا أبتَغِي مَا يَزدَادُ لَكُم مِنَ الرِّبحِ” (فيلبي 4: 17). لا أبتغي ما يُشبِعُني أنا، بل ألَّا تَبقَوْا أنتم عقيمِين بلا ثمر.
فالذين لا يقدرون أن يعملوا ما عملَ بولس، أي أن يَكْفُوا أنفسَهم من عملِ أيدِيْهم، ليأخذوا من حليبِ الخراف، ولْيَسُدُّوا عوَزَهم، ولكنْ لا يُهمِلوا حاجاتِ الخراف. فلا يبتغوا ما هو لراحتِهم، وكأنَّهم يبشِّرون بالإنجيلِ ليسُدُّوا حاجتَهم، بل ليُعِدُّوا نورَ كلمةِ الحقّ لمـَن يجبُ حملُ النُّورِ إليهم. فهم مِثلُ سُرُجٍ مضاءَةٍ، كما قِيل: “لِتَكُنْ أوسَاطُكُم مَشدُودَةً، وَلْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَةً” (لوقا 12: 35) وأيضًا: “لا يُوقَدُ سِرَاجٌ وَيُوضَعَ تَحتَ المِكيَالِ، بَل عَلَى المـَنَارَةِ. فَيُضِيءُ لَجَمِيعِ الَّذِينَ فِي البَيتِ. هَكَذَا فَلْيُضِئْ نُورُكُم لِلنَّاسِ، لِيَرَوْا أعمَالَكُم الصَّالِحَة، فَيُمَجِّدُوا أبَاكُم الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ” (متى 5: 15- 16).
فإذا أُضِيءَ لك السِّراجُ في البيتِ ألا تضيفُ إليه الزَّيتَ حتى لا ينطفئَ؟ ولهذا إذا وُضِعَ الزَّيتُ في السِّراجِ ولم يُضِئْ السِّراجُ فهو لا يستحقُّ أن يُوضَعَ على المنارة، بل أن يُكسَرَ في الحال. قد تَقضِي الضَّرورةُ بأن تَأخُذَ، ومن المحبَّةِ أن تُعطِيَ. ولكن لا يكُنِ الإنجيلُ وكأنَّه أداةُ ربحٍ مادّيٍّ، وكأنَّ ما يأخذُه المبشِّرون ليعيشوا به هو ثمنٌ للإنجيل. فإنْ كانوا فعلًا يَبيعون، فهم يَبيعون الأمرَ العظيمَ بسعرٍ بَخْسٍ. لِيأخذوا إذًا ما يسُدُّ عوَزَهم من الشَّعب، وأمَّا المكافأةُ فمِن الرَّبِّ يأخذونها. لأنَّ الشَّعبَ غيرُ قادرٍ على أن يكافئَ الذين يخدُمونه من أجلِ محبّةِ الإنجيل. فلا ينتظِرْ المبشِّرون إذًا المكافأةَ إلا من حيث ينتظرُ الشَّعبُ الخلاصَ.
وبماذا يُؤَنَّبُ الرُّعاةُ إذًا، وبماذا يُتَّهمون؟ أنَّهم يأخذون الحليبَ ويُغطُّون أنفسَهم بالصُّوف، ثمَّ يُهمِلون الخراف. فهم يبتغون ما هو لأنفسِهم، وليس ما هو ليسوعَ المسيح.