stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

أقمع جسدي وأستعبده – الأب وليم سيدهم

931views

إن كلمة القمع سيئة السُمعة. فحينما نسمعها نلتفت مباشرة إلى ما نعانيه من قمع للحريات والمشاعر ‏والإحساس بالإختناق، والقمع مقصود به المنع والتحريم والتجريم لكل فعل يصدر من الإنسان ليعبّر فيه عن ‏عدم إمتنانه للإدارات الدكتاتورية السياسية التي تقمع إرادته وحريته وقدرته على التعبير عن آراءه وأفكاره ‏حتى لو أختلف معه الآخرون.‏
ولكن القديس بولس يتحدث هنا عن قمع من نوع آخر؛ قمع يكون فيه الإنسان سيّد نفسه وجسده. لقد تحدثنا ‏عن خمس حواس تفتح الجسد على العالم الخارجي كاللمس والشم والبصر والسمع والتذوق وحذرنا من ترك ‏هذه الحواس على طبيعتها لأنها عمياء دون تحكم العقل فيها و تنظيم حركتها.‏
بالإضافة إلى ذلك نجد الغرائز الأخرى الساكنة فينا مثل غريزة الجنس والجوع والعطش وغريزة حب الذات ‏والبحث عن السلطة والبحث عن الأمان.‏
أقمع جسدى بمعنى أن أسيطر عليه كما يسيطر الخيّال على حركة حصانه بواسطة اللجام. ولأن غرائز ‏الإنسان ورغباته قد تقوده إلى ما لا يحمد عقباه في علاقته مع أنداده من البشر لأن لديهم نفس مطالب الجسد ‏وغرائزه فإن القديس بولس يدعونا لنعامل جسدنا بقدر من العقلانية ومن التنظيم، لقد تحمل بولس الرسول ‏الجوع والعطش وخطر الموت غرقًا أو قتلًا طُرد من مسكنه وحيكت ضده الدسائس ولم يتراجع في تأدية ‏رسالته الخلاصية نحو الأمم واليهود.‏
إن كلمة “إستعباد” يجب أن تؤخذ على محمل السيطرة على رغباته الجامحة وتدريبه على قوة إحتمال ‏العطش والجوع وغيرها من الإحتياجات الأساسية للإنسان. إن الصيام هو أحد الوسائل لترويض الجسد على ‏إحتمال الجوع والعطش في سبيل أن يكون الرسول متحكماً في مثل هذه الإحتياجات.‏
يقول الكتاب : “فإذا أكلتم أو شربتم أو مهما فعلتم فإفعلوا كل شيء لمجد الله” (1كو 10 : 31)، ‏وبالتالي فليس المطلوب من المؤمن هو الإمتناع عن إشباع غرائزه وإحتياجاته الأساسية، إنما المطلوب ‏تنظيمها و ضبطها ولو نظرنا حولنا لوجدنا كثير من الناس يسرفون في المأكل والمشرب ويسرفون في ‏تزيين مساكنهم ويبالغون في إستخدام قوتهم مما يترتب عليه كثير من الخلل الجسماني أو النفسيجسماني.‏
أقمع جسدي وأستعبده لأن الإنسان يختلف عن الحيوان في القدرة على تنظيم الحصول على إحتياجاته ‏الأساسية بصورة تليق بإنسان عاقل خلقه الله على صورته ومثاله وأعطاه حُريّة ولكى يبرمج نفسه بنفسه ‏على عكس الحيوان الذي برمجه الخالق بشكل يحافظ فيه على إحتياجاته الأساسية.‏
إن القمع يحتاج لتدريب على الصبر وقوة الإحتمال لنمارس حياتنا الإيمانية بسلام وإطمئنان وليس المطلوب ‏منّا تعذيب أنفسنا ولكن تدريب أنفسنا على عدم المبالغة في سدّ إحتياجاتنا الجسدية والنفسية فعدم ضبط النفس ‏يؤدى إلى الحروب وممارسة العنف. لذلك يقول الرسول : “من أين تأتي المخاصمات والمعارك بينكم؟ ‏أما تأتي من أهوائكم التى تعترك في أعضائكم” (يعقوب 4 : 1)، إنها تأتى من إنفلات غرائزنا وعدم ‏تدريبها على الإكتفاء والرضى خاصة وقت أن تندُر الإمكانيات التي نحتاجها لسدّ مطالبنا الجسدية و النفسية. ‏