stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

أيها المصلوب، أخرج مِن حياتي! / أشرف ناجح

1.1kviews

batalha_espiritualأيها المصلوب، أخرج مِن حياتي! / أشرف ناجح

أيها المصلوب، لماذا تتعذَّب حتي اليوم وتعذِّبني معكَ؟! فقد يكون، بصدقٍ، أفضل لكَ ولي أنْ تخرج مِن حياتي! فيتسنى لكَ عندئذ أنْ تبحث عمَن يستحقك ويستحق صليبك، ويمكنني أنا أنْ أرتاح مِن هذا العذاب والتعب. إنني اليوم أعيد على مسامعك الكلمات التي نطق بها ذات يوم تلميذك بطرس، أعيدها عليك بخوفٍ ورعدةٍ ورعبٍ يفوقون خوفه ورعدته ورعبه، أعيدها باكياًً: «يارب، تباعد عني، إني رجل خاطىء» (لو 5/8). إنني لم أعد حقاً أحتمل أنْ أصلب معكَ، ولم أعد أقوى على إحتمال الجلدات والعذابات، فإنّ جسدي ضعيف ومنهك، والمسامير التي في يدايّ وأرجلي تفاقمت آلامها، وما أقسه إكليل الشوك الذي يكلل رأسي!! 

إنّ صليبك، أيها المصلوب، صعب الإحتمال! فمَن هذا الذي يقدر على احتماله؟! لقد أتيتَ يوماً معلناً شريعة الشرائع و غاية كلّ الغايات، لقد جئتَ منادياً بالمحبة إلي المنتهى نحو الجميع، فقد قلتَ: «أحبُّوا أعداءكم» (متى 5/44)! فمَن هذا الذي يرضى بمثل هذا المنطق الجديد الفريد؟! فليتك تخرج مِن حياتي! فإن صليبك أطهر مِن يحمله إنسان مثلي؛ فهو وإنْ كان مصنوعاً مِن خشبٍ، ولكنه مرصّع وفيّاض بالمجد الذي لا أستحقه. فإذهبْ باحثاً عمَن يستحقونك؛ فلستُ أنا واحداً منهم، لأنني «لستُ أهلاً لأنْ تدخل تحت سقفي» (متى 8/8). ما أصعب الغفران حقاً لمَن يتسبّب في الإهانة والسخرية فيترك وراءه جراحاً عميقة في نفوس مَن يهينهم ويسخر بهم؟! 

وأنتَ مختبر لهذا جيداً، ولكنك فعلته يوماً ولازالتَ تفعله، فغفرتَ وتغفر للمذنبين وتبحث لهم عن أعذار. أمّا أنا، وآسفاه، لم أستطع اليوم أنْ أغفر وأصفح مِن أعماق قلبي! فكم هي قاسية عليَّ حقاً لحظات عدم الغفران هذه؟! فإنني أفكر في هذا التناقض القائم بداخلي، فإنْ كنتُ حقاً صلبتُ معك، أيها المصلوب، فلماذا لم أقدر أنْ أفعل مثلك وأغفر لهم؟! ولماذا لم أستطع أنْ أعطي العفو لإنسان تائب؟! لماذا لم أسمو بحبي إلى أنْ أحب مَن يعاديني ويضطهدني (لو 6/27-28)؟!  لقد كنتُ أظن أنني بعد كلّ هذه السنين، سأزداد إيماناً وحباً ورجاءاً وتواضعاً ورأفة ومسامحة، لا وبل سأنمو أكثر في الفضائل التي كلمتني عنها وعشتُ أحلم بها؛ ولكنني الآن، وآسفاه، إنسان شقي يبدؤ أنه يحصد حصاد السنين قمحاً هزيلاً بدلاً مِن سنابل قمح مكتظة وثماراً فاسدة بدلاً مِن أشجاراً يانعة؛ وها فإنّ الرياح قد أتتْ بما لا ترغبه ولا تشتهيه السفن المُبحرة. لقد أصبحتُ حقاً شقيّاً بائساً فقيراً أعمى عرياناً (رؤ 3/17)، لا وبل إنسان قليل الإيمان والحبّ والرجاء والغفران؛ فبدل مِن التقدم والنمو، أشعر اليوم بأنني تراجعت إلى الوراء خطوات كثيرة. إن ما أقوله لكَ اليوم، يا مصلوب الجلجثة، ليس تواضعاً أو يأساً، إنما هو بصدق الحقيقة المرة التي أحياها وأشعرها اليوم. لقد علمتني، أيها المصلوب، أنّ صليبك كان بإرادتك (يو 10/18)، مِن أجل حبك للبشر وطاعة لإبيك السمائي (مت 26/39)، وعرفتُ هذا جيداً وآمنتُ به، بل ورغبتُ في أنْ أقتدي بك فيه؛ وقد اخترتُ بإرادتي يوماً أنْ أحمل معك الصليب، بل وقبلتُ بكلِّ سرورٍ أنْ أولد مِن الصليب وأعيش في الصليب وأموت على الصليب؛ ولكنني اليوم عينه لم أحيا ما تعلمته وعرفته واخترته، فما أشقني؟! 

أيها المصلوب، إنّ حبك يجرحني، لأنني عندما أقارنه بأنانيتي وبقلة محبتي وبعدم غفراني، فإنني أشعر بالحقيقة بآلام تفوق مراراً كثيرة آلام المسامير والأشواك والحربة. فإن الآلام التي لم أعد احتملها ما هي حقاً إلا آلام عدم الغفران وآلام أنانيتي! فليتك تأخذني ثانية إلى جبل الجلجثة، لتصلب هناك أنانيتي وإنساني العتيق الذي لا يزال يحيا فيَّ (أف 4/22)؛ فإنني عندما أتذوق حبك وأمتلىء به أكثر سأغفر بكلّ إقتناع ولن أشعر بإشفاق على الذات، لا وبل سأقبل الصليب راضياً فرحأً. 

أيها المصلوب، ليتك تصل بي إلى قيامتك، لأتذوق هناك مجدك وأتذكر «أنَّ آلام الزَّمن الحاضر لا تعادل المجد الذي سيتجلَّى فينا» (روم 8/18)؛ وعندئذ سأعود حاملاً صليبك بحماسٍ يفوق حماس الماضي؛ وأعود إلى استقبال الحبّ المعطى لي مِن لدنك وأشارك فيه كلَّ الأخرين، حتى الأعداء منهم؛ فأغفرُ راضياً مِن أعماقي؛ فما المعنى الحقيقيّ للصليب إلا هذا السعي المستمر إلى محبة الله والقريب! لقد تكلمتُ أولاً كإنسان يشعر بثقل صليبه؛ ولكنني عندما دخلتُ إلى أقداسك متذكراً قيامتك، إكتشفتُ أنه ينقصني النظر المستمر إليك وإلى حبك وقيامتك، لذلك أتضرع إليك أخيراً: ربي وإلهي، إنْ كنتَ تبحث عن خاطىءٍ، فهأنذا! مِن فضلك، اصفح عني، ولا تخرج مِن حياتي!