stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي – الأب وليم سيدهم

1.1kviews

يقول أحد الفلاسفة لا يمكن لأحد أن يشعر بألم ضرسك إلا أنت، إن الألم الجسدى أو النفسي ‏هو شعور فردى جداً و شخصى جداً. يستطيع الآباء و الأمهات أو الأصدقاء إحتضان المتألم ‏و لكن لن يشعروا قط بما يعانيه المتألم مهما كانت صلة قرابته بهم.وكما أن الطبيب يستطيع ‏اليوم تخفيف الآلام الجسدية بالمسكنات و البنج ولكن بعد إنتهاء مفعول المسكنات يطفو الألم ‏على السطح مرة أخرى. هكذا يصبح الجسد البضَّ الملئ بالحياة مسرحاً لآلام مبرحة فى ‏المعدة أو الكبد أو القلب أو العضلات …الخ فتتعطل وظائف التفكير و القدرة على التركيز أو ‏إصدار الأحكام الموضوعية.‏
إن العطب الذى يصيب جسد الإنسان مهما كان سببه يفقد الإنسان سلامه الداخلى وهدوءه و ‏توازنه العاطفى و النفسي. إن ضريبة تجسد المسيح باهظة لأنها تعرضه لكل هانات (آنات) ‏البشر و تجعله يذوق مرارة الألم و قسوة الوحدة و دراما الوجود البشرى الخاضع لظروف ‏المكان و الزمان و المتسربل بالضعف و المحدودية.‏
صرخ المسيح “إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي” وهى كلمات المزمور الثانى والعشرون الذى ‏استعارها المسيح من المرنم ، صرخة معبرة عن حجم التضامن مع البشر فى ضعفهم و ‏إضمحلال قواهم الجسدية و النفسية أمام قسوة الضرب و الوخذ بالمسامير.‏
لم يكن فى مقدور الآب أن يُجنب إبنه مثل هذا الألم الملاصق للطبيعة البشرية التى إختارها ‏أداة للتواصل مع إخوته البشر. و حينما نتسائل عن حنان الآب و حبه و رحمته لإبنه بالجسد ‏لن نجد جواباً أبلغ من تصريحات المسيح نفسه لتلاميذه عن مصير ابن الانسان البار “إنَّهُ ‏يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيرًا، وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، ‏وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ” و كالمعتاد لم يفهم التلاميذ سر موت و قيامة يسوع إلا بعد وقت ‏طويل من التردد والبحث.‏
إن الآهات التى نطلقها من أعماق ذواتنا و نحن تحت وطئة المرض و الألم تفصح عن ‏محدودية الإنسان و هشاشة كيانه الجسدى الذى يشبه الآنية الخزفية التى تحمل كنزاً ثميناً لا ‏يبلى وهو سر محبة الله و حنانه ، في الرسالة الى العبرانين تتحدث عن صراخ يسوع و رفع ‏الدعاء للذى يمكن أن يخلصه فاستجيب طلبه : “إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ ‏وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ “.‏
إلهى إلهى لماذا تركتنى هى جملة مليئة بمعانى العجز الكلى للإبن المتجسد أمام سطوة الموت ‏و القصور الجسدى الذى يعمل فى كياناتنا الهشة الضعيفة و اللجوء إلى الآب هو الموقف ‏الصحيح الذى تعترف فيه بأن من له الدوام هو الله فقط أما هذا الجسد الذى هو نحن فخلاصه ‏يأتى من دعوة الآب إلينا ليعبر بنا من الضعف و المهانة إلى القوة و المجد الذى يرافق فيه ‏الآب مسيرتنا في العبور من الجسد الفانى إلى الجسد الباقى النورانى المتحرر من الألم و من ‏الموت.‏
لقد أصدر الجنود تحت الصليب تحدياً كبيراً ليسوع خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ ‏يُخَلِّصَهَا‎! ‎‏” “إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ، فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا ‏‎”!‎‏ أما اللص اليمين فقال له : ‏‏”اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ” هذه الملكوت التى لن تولد إلا من على الصليب فى ‏خضم الألم المرأة وهى تلد تحزن من الألم لأن ساعتها قد جاءت و حينما تلد تعود فتفرح ‏لأنها ولدت انسان للعالم إن دور الآب على الصليب هو دور الشاهد الأمين على صدق إبنه ‏المتألم فى محبته للبشر و هو المعضد لهذا الصدق و لدوره فى سر الخلاص و قمة المجد هى ‏قبول الألم بصبر و ثبات حتى آخر لحظة من حياته دون الكفر بالله الآب الحنون ، هذا ما ‏عاناه أيوب البار و هذا ما يعيشه مريض السرطان اليوم الذى يخضع لآلام عنيفة إلى أن ‏يسلم الروح بإيمان شديد و قوة تحمل و صبر.‏
و إذا كان المسيح قام من الأموات فلأنه بكر الراقدين أما نحن فننتظر قيامة الأموات و حياة ‏الدهر الآتى حينما يأتى الابن في مجده.‏