stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

البابا والكنيسة في العالم

البابا فرنسيس : المسيحيّة تحوّل العالم إذا أصبحت إنجيل

306views

23 نوفمبر 2020

الفاتيكان نيوز

كتبت رحيل فوكيه من المكتب الإعلامي الكاثوليكي بمصر

نصّ جديد للبابا فرنسيس نشر في كتاب جديد سيصدر عن دار النشر التابعة للكرسي الرسولي ويحمل عنوان “Il cielo sulla terra. Amare e servire per trasformare il mondo” أي “السماء على الأرض. المحبّة والخدمة من أجل تحويل العالم”، سيصدر هذا المجلد في الرابع والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر الجاري وقد كتب مقدّمته مارتن يونغ، الأمين العام للاتحاد اللوثري العالمي.
كتب البابا فرنسيس هل ما زال بإمكان المرء أن يؤمن بإمكانية وجود عالم جديد أكثر عدالة وأخوّة؟ هل يمكننا حقًا أن نأمل في تحول المجتمعات التي نعيش فيها، حيث لا يهيمن قانون الأقوى وغطرسة إله المال، بل احترام الشخص ومنطق المجانية؟ أتخيَّل التعبير على وجه الكثيرين، أمام هذه الكلمات، هذه الأسئلة “الساذجة”. طية طفيفة في الشفتين، المنحنيتين في ابتسامة شك أو في أفضل الأحوال في ابتسامة شفقة تقودنا للعيش في مجتمع خائب الأمل. وبالتالي علينا أن ندرك أن العالم لا يتغير، بما فيه من أعمال ظلم “تصرخ للانتقام أمام الله”؟ وبالنسبة لنا نحن رجال الكنيسة، هل تبقى فقط مهمة الكرازة بالخضوع السلبي أو الإعلان المتكرّر لمبادئ صحيحة بقدر ما هي مجردة؟

تابع الأب الأقدس لا يوجد عقل صادق يمكنه أن ينكر القوة المحولة للمسيحية في مصير التاريخ. في كل مرة كانت تنتشر فيها الحياة المسيحية في المجتمع بطريقة أصيلة وحرة، كانت تترك على الدوام أثرًا للإنسانية الجديدة في العالم. منذ القرون الأولى. كانت أعظم حداثة على المستوى الاجتماعي هي النظر في قيمة كل فرد، وهو وعيٌ أدّى إلى عدم نبذ الأفراد غير الكاملين على أنهم عديمي الفائدة، وإلى معاملة العبيد باحترام لدرجة لم تتحمّلها العبوديّة عينها مع مرور الوقت؛ الإحساس بالنفور من قسوة ألعاب المصارعة و “عروض الدم”، المرونة التي عاشها الرهبان البينيديكتان في زمن البرابرة إزاء هجر الحقول وفقدان ذاكرة الثقافة اليونانية اللاتينية، الرفض الشديد للربا والمبدأ الأخلاقي “للأجر العادل” للعامل المدرج في التعليم المسيحي. عالم جديد كان يولد ويتشكل ببطء في عالم قديم يتحلل.

أضاف الحبر الأعظم يقول كيف حدث ذلك وما هو سر هذا التحول الهائل؟ وما هو التعليم الذي يمكننا أن نستخلصه منه اليوم نحن مسيحيو القرن الحادي والعشرين؟ قال أحد المفكرين الفرنسيّين في الثلاثينيات، إيمانويل مونييه، إن التأثير المهم للمسيحية على الحضارة الأوروبية كان “أثر جانبي” لشهادة المسيحيين الأوائل أكثر من كونه خطة مسبقة. كان النتيجة المجانيّة لإيمان يُعاش ببساطة أكثر من نتيجة برنامج ثقافي سياسي تم وضعه على الطاولة: “هناك دائمًا نوع من المسار المنحرف بين البداية والنتائج، ويبدو دائمًا أن المسيحية تسبب نتائج على الواقع الزمني كفائض، وأحيانًا للإلهاء”. ولكن عندما تتجذر المسيحية في الإنجيل، تعطي أفضل ما لديها للحضارة: “في الواقع، تعطي المسيحية أكثر للعمل الخارجي للبشر عندما تنمو بقوة روحية، وليس عندما تضيع في التكتيكات والتدبير”. هذه الملاحظة بالطبع، هي صالحة تاريخيًا بطريقة سلبيّة أيضًا؛ فقد رأينا ذلك، لسوء الحظ، مرات عديدة: تخسر المسيحية أفضل ما عندها عندما ينتهي بها الأمر إلى الفساد والتماهي مع المنطق والهيكليات الدنيوية.

تابع البابا فرنسيس نترك السطح لنذهب إلى العمق؛ مثل النزول إلى قلب الفوَّارة لاكتشاف أصل تلك القوة الغامضة التي تدفع المياه في كل مكان بطريقة غير متوقعة، وتعدِّل المناظر الطبيعية والأراضي المحيطة بها. يمكننا أن نجد أصل الديناميكية المسيحيّة المحوِّلة هذه، متمثلة بشكل جيّد في خبرة رسول الأمم، بولس الطرسوسي، الذي أطاح به الرب عن حصانه في طريقه إلى دمشق بنظرته القوية والرحيمة. في تلك اللحظة أدرك شاول أن خلاصه لا يعتمد على الأعمال الصالحة التي تتمُّ وفقًا للناموس، بل على حقيقة أن يسوع قد مات من أجله أيضًا – هو المُضطَهِد – وقام من الموت ولا يزال حيًّا”. إنَّ بولس لم يفعل شيئًا لكي يلتقي بيسوع، ولم تكن تلك مبادرته، لا بل لم يقم بشيء يستحق تلك النظرة المفاجئة للحب التي وجّهها الله بشكل غير متوقع إلى أحد “أعدائه السياسيين”. حتى “الأعمال الصالحة التي قام بها بحسب الشريعة – كما يقول البابا بندكتس السادس عشر – لم يكن بإمكانها أن تخلِّصه. مجانيّة مطلقة، لم يقاومها هذا المضطهد القديم، لا بل على العكس قبلها بحرية إلى أن شعر بأن هذا الحدث هو النقطة المهيمنة في حياته. إن المحبة التي أصبح بولس لها شاهدًا شغوفًا والتي نعرفها جيدًا من خلال رسائله ليست سوى انعكاسًا غامضًا لتلك الرحمة التي اختبرها في حياته.

أضاف الأب الأقدس يقول غالبًا ما تتبخر الكلمات المسيحية في عصرنا وتفقد معناها. الحب، والمحبة … كلمات تثير اليوم مشاعرًا غامضة أو إحسانًا كئيبًا. لكن لكي نفهم معناها المسيحي، علينا أن نفكر في الخبرة التي عاشها بولس، والتحول الذي حدث في داخله من خلال المبادرة الإلهية؛ التي لم تغير سمات شخصيته القوية، ولم تجعله يصبح حالمًا ضعيفًا وغير واقعي، بل حوّلته إلى رجل يتحلّى بقلب لأنه فُتن وشُغف بحب أكبر. ويبقى نشيد المحبة، في الرسالة الأولى إلى أهل كورنتس، العلامة الأكبر للثورة التي يحملها المسيح إلى العالم. في الواقع، إنَّ المسيحية لم تغير العالم القديم بتكتيكات دنيوية أو تطوعية أخلاقية وإنما فقط بقوة روح يسوع القائم من بين الأموات. إن نهر أعمال المحبة الصغيرة أو الكبيرة، تيار التضامن الذي يتدفق عبر التاريخ منذ ألفي عام، له هذا المصدر الوحيد. إن المحبة تولد من تأثر، من دهشة ومن نعمة.

تابع البابا فرنسيس يقول منذ البداية، وتاريخيًا، أصبحت محبّة المسيحيين اهتمامًا باحتياجات الأشخاص الأكثر هشاشة، الأرامل، والفقراء، والعبيد، والمرضى، والمهمّشين … شفقة، ومعاناة مع المتألمين، ومشاركة. كما أصبحت أيضًا إدانة لأعمال الظلم والتزامًا بمكافحتها قدر الإمكان. لأن العناية بالإنسان تعني معانقة حالته بأسرها ومساعدته على التحرر مما يُثقِّل عليه ويُنكر حقوقه. إن أولويّة النعمة لا تؤدي إلى السلبية والاستسلام، بل على العكس تضاعف الطاقات مائة ضعف وتزيد الوعي تجاه الظلم. إنها نظرة جديدة تولد من الخبرة المجانيّة لمحبة الله. فهي لا تخفف، على سبيل المثال، بل تزيد من حدة الشعور المأساوي بحدودنا، وبكوننا خطأة. لكن لهذا السبب بالتحديد، تجعلنا نشعر بقوّة بالحاجة إلى عدالة تترافق بالرحمة. كتب اللاهوتي رينولد نيبور: “أي عدالة ليست سوى عدالة، تتدهور بسرعة إلى شيء أقل من العدالة”. ويلحظ مارتن لوثر أنَّ العدالة الحقيقية تشعر بالشفقة. أما العدالة الكاذبة فتشعر بالاحتقار والازدراء.

أضاف الحبر الأعظم يقول تختلف أيضًا الطريقة التي يلتزم بها المسيحي إلى جانب الأخيرين، الذين يأخذون اليوم وجه المسنين الوحيدين، والعمال غير المستقرين أو غير الشرعيين، اللاجئين، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. هذا الالتزام ليس حشوًا لفراغ ربما يحاول المرء الهروب منه من خلال نشاط “حماسي” لا يبقى صادقًا على المدى الطويل أو حتى مستدامًا مع مرور الوقت. هناك هاوية تفصل بين محترفي الحماس والالتزام الذي يولد من خبرة عطيّة نلناها. عندما تتعامل مع الأشخاص المستضعفين بصدق، ورغبة في مساعدتهم، يحدث أنّك تكتشف نقاط ضعفك. وجميعنا نملك نقاط ضعف. ونحن جميعا بحاجة إلى العناية، وجميعنا بحاجة إلى الخلاص. هذا هو السبب في أن المحبة الصادقة تؤدي دائمًا إلى الصلاة، وإلى استجداء حضور الله الذي وحده يمكنه أن يشفي جراحنا الداخلية وجراح الآخرين.

وختم البابا فرنسيس بالقول هناك سمة مميزة أخرى لعمل المسيحي تجاه الأخيرين. إنها لمسة فرح تبقى على الدوام، وربما خفية أحيانًا، حتى في مواجهة التجارب السلبيّة والأليمة. إنها رفقة حضور لا يعتمد في النهاية على الظروف الخارجية، ولكنه يُمنح لنا؛ إنها علاقة حميمة مع يسوع نتقدّم فيها يومًا بعد يوم في الصلاة وقراءة الإنجيل.