stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعوية

الحروب الروحية7- استخدام السلاح الروحي- سمير قلادة

1.9kviews

batalha_espiritualالحروب الروحية7- استخدام السلاح الروحي- سمير قلادة

إن السلاح، أي سلاح، مهما بلغت قوته، لا تكون له أي قيمة إذا لم يعرفه الإنسان الذي يحمله، ويعرف كيف يستخدمه، وكيف ينتصر به. أيضاً القوات المسلحة، لدى أي دولة من الدول، لا يقتصر تسليحها على نوع واحد من الأسلحة، بل أن أسلحتها تتنوع بحسب كل احتمالات المعركة. هناك أسلحة هجومية مثل الدبابات مثلاً، هناك أسلحة دفاعية مثل المدافع المضادة للطائرات هناك أساليب وقائية يتدرب عليها الجنود، لكن كل أنواع الأسلحة تتعاون فيما بينها من أجل النصر، وكل سلاح منها في حد ذاته له قوته وله فاعليته. هكذا سلاح الله الكامل. يتكون من عدة أسلحة. لكل منها فاعلية وقوة في حد ذاته. لكنه أيضاً يشترك بقوته مع الأسلحة الأخرى ليكونوا معاً قوة لا تُقهر. هذه القوة تتحقق باستعمال السلاح كاملاً والتدريب عليه. وكما سبق وأوضحنا فإن سلاح المسيحي في معركته مع عدو الخير هي ما يحيط به وسطه (الحق)، ما يرتديه ليحمي صدره (البر)، ما يضعه فوق رأسه لحمايتها (الخلاص)، ما يحمله على ذراعيه ليصد به الهجمات المقاومة (الإيمان) ما يحمله في يده للهجوم والدفاع معاً (الصلاة). هذا عن السلاح. أما المعركة فهي معركة فريدة في نوعها. 

المعركة 

أي معركة فيها طرفان. وكل معركة لابد لها من نهاية. وكل نهاية لابد أن يكون فيها غالب ومغلوب، منتصر ومهزوم. ولا أحد يعرف النتيجة إلا في النهاية. وإذا وجد أحد أطراف المعركة خصمه قوياً، والمعركة معه لا مفر منها، فإنه يسعى ويبحث عن حليف قوي ينصره. فإذا وجد هذا الحليف. ووافق على معاونته، ودخل معه المعركة وانتصر. عندئذ لا يكون أمام الطرف الآخر الذي هُزم سوى الانسحاب فإذا حاول بعد ذلك الانتقام لنفسه. ووجد هذا الحليف متربصاً به، ويقظاً فإنه لن يحاول بعد ذلك إلا إذا وجد غريمه خاملاً. لكن معركة الإنسان مع عدو الخير معركة فريدة من نوعها. إن الإنسان والشيطان هما الطرفان المتحاربان. المعركة مفروضة على الإنسان. والعدو فيها يتظاهر بالقوة. يحاول إثارة اليأس في البداية يرى ذاته ضعيفاً أمام محاولات العدو. لكنه مع الحليف القوي، أي مع الرب، ينتصر دائماً. هذه المعركة على خلاف أي معركة بين طرفيه نتيجتها معروفة مقدماً وهي فوز الإنسان بقوة سلاح الله. والأعجب من ذلك أن العدو الذي يُهزم من سلاح الله لا يعرف اليأس. لا يتوقف عن الاستمرار في المحاولات مهما تعددت هزائمه.. يمكن القول أنها وقاحة منه. وعلى الإنسان أن يتعرّف على أجزاء السلاح الذي معه، وهو ما سبق إيضاحه ثم بعد ذلك يعرف كيفية استعماله. والخطوة الأولى لاستعماله هي الإرادة ثم الإرشاد ثم التدريب وأخيراً المثابرة. ونبدأ بالإرادة. 

1- الإرادة 

سوف نوضح في إيجاز ما يقوله العلم عن الإرادة وقوة الإرادة ثم دورها في الإنسان الذي يجاهد ضد عدو الخير. الأعمال الإرادية إذا فكر الإنسان يوماً أن يخرج من منزله ليذهب إلى النادي أو إلى منزل أحد الأصدقاء فإنه يرتدي ملابسه، ويترك ما يشغله، ويخرج من منزله لكي يذهب إلى المكان الذي يريد الذهاب إليه. هذه الأعمال التي يقوم بها تُسمى أعمالاً إرادية لأنه أراد القيام بها. ونفذ ما أراده. لكن إذا وجد هذا الإنسان وهو في طريقه الجو ممطراً، أو المواصلات معطلة أو مزدحمة أو التقى بصديق آخر يستريح لمصاحبته، هذه كلها عقبات تدعوه أن يعدُل عن الاستمرار في الذهاب للنادي. فإذا أحجم هذا الإنسان على تحقيق رغبته في التراجع وواصل السعي رغماً عن هذه العقبات واستطاع أن يتغلب على كل عقبة منها بطريقته الخاصة، ونفذ ما عزم عليه. نقول عن هذا الشخص أنه ذو إرادة . والإرادة، كما يعرفها الأستاذ الدكتور عادل صادق، هي ممارسة حرية الاختيار في ضوء القدرات والإمكانيات والمناخ. في إطار ما تعارف عليه المجتمع وفي إطار طبيعة الإنسان وفطرته. وأيضاً هي الاستمرار والمثابرة في مواجهة ما يعترض الإنسان من صعوبات. مادام هناك هدفٌ يسعى لتحقيقه . 

الإرادة مثل العقل والضمير. لا يمكن أن تموت، ولا يمكن أن يتجاهل الإنسان وجودها في ملء كيانه.. غاية الإرادة وهدفها هو الخير. ليست هناك إرادة تحقق الشر، وما الشر إلا نقص الخير وغيابه والخير ينقص ويغيب إذا ضل العقل وضل الضمير وضلت الإرادة . وإذا كان عدو الخير يحاول دائماً أن يضلل الإنسان ويقوده أو يدفعه بالحيلة والإغراء والخداع إلى الشر، فإن الرب يدعو الإنسان أن يقاوم عدو الخير (قاوموه فيهرب). تكون رغبة الإنسان وإرادته أن يقاوم مهما كانت الضغوط. أي أن يختار طريق المقاومة ويرفض طريق الاستسلام أو السقوط. وقد سبق وأوضحنا ما يقوم به عدو الخير في أعماق الإنسان وعلى الإنسان أن يتبين هذه الإعمال التي يقوم بها عدو الخير سواء كانت لدفعه نحو الخطيئة والشر، أو لإبعاده عن الإيمان ومحبة الخالق، أو لإثارة المشاعر الكريهة في أعماقه من حزن أو ضيق أو قلق. 

عندما يتبين هذه المشاعر يكون أمامه اختيار بين طريقين: 

الطريق الأول هو أن يستسلم للعدو والطريق الثاني هو أن يقاومه. 

فإن اختار الأول متصوراً أنه أسهل، متوهماً أن المقاومة شاقة، أو أن هذه المشاعر لا مهرب منها، فإنه سرعان ما ينحدر إلى أسفل، ويجد الآلام، ويشعر بالأحزان تتزايد عليه، ويرى مشاكل عديدة في الحياة تنشأ وتنمو. وإن اختار طريق المقاومة، رغماً عما يصوره له عدو الخير بأنه طريق شاق، ولا جدوى منه ولا انتصار فيه، فإنه فعلاً يجد مشقات لكنه مع المثابرة فيه يجد طاقة متجددة، وقدرة أكبر مما كان يتصوره. وبذا يستطيع أن يستمر. يفسّر ذلك الأستاذ الدكتور جمال ماضي أبو العزائم قائلاً.. إن الله تعالى ينصر الإرادة، ويدعمها ويعين عليها. إن أجهزة الإنسان العصبية تفرز هرمونات معينة، هذه الإفرازات يزداد نشاطها مع الصبر والإرادة. بالصبر والإرادة تتفجر داخل الإنسان طاقات هائلة تعينه  لذلك على من يريد النجاة من العدو، أن يختار طريق المقاومة. 

مثال عن قوة الإرادة 

من بين ما يحتفظ به تاريخ الإنسانية للذين جاهدوا ضد مشاعر الخوف والقلق واليأس وغير ذلك من المشاعر الكريهة تناولت الصحافة على امتداد عشرات السنين قوة إرادة »الأب داميان« الذي أُطلق عليه اسم »رسول البرص« وقد عاش في القرن الثامن عشر واختار الحياة الرهبانية في بلجيكا. كان هدفه الإقتداء بالفادي يسوع من أجل أن يفوز بالحياة الدائمة، وبالسلام في هذه الأرض. صمم على اختيار طريق الآلام حتى النهاية. سمع في عام 1873 عن جزيرة من جزر هاواي تسمى جزيرة »مولوكاي« كان يرسل إليها مرضى الجزام. أو ما كان يُسمى بمرض البرص، حيث أنه من الأمراض المعدية، ويُصاب المريض به بتشوهات في جلده، وأطرافه، ولم يكن قد ظهر له علاج حاسم حتى ذلك الوقت. لم يتردد الأب داميان في طلب الذهاب إلى تلك الجزيرة لرعاية المرضى في المنطقة التي خصصت لهم في قرية بتلك الجزيرة تُسمى قرية »كالاواو« عندما وصل إلى تلك المنطقة وجد أحوالهم مؤلمة، يعيشون بعضهم مع بعض دون تفرقة بحسب السن أو الجنس. ملابسهم شديدة القذارة بسبب عدم توفر الماء، كان يفوح من نفاياتهم وعرقهم وجروحهم رائحة كريهة لا تحتمل. 

قرّر أن يبذل الجهد من أجل تحسين الأوضاع. طلب معونات، أقنع الموجودين القادرين على العمل أن يجتهدوا من أجل تحسين أوضاعهم، أقيمت بيوتاً صغيرة، ملجأ للأيتام البنين، وملجأ آخر للبنات اليتيمات، اهتموا بالزراعة وأخذوا في زراعة الأراضي.. نجح في تشييد كنيسة صغيرة، وانتظم الجميع في حضور القداس، والتقرّب من الأسرار المقدسة.. ظل يعيش مع المرضى لمدة إحدى عشرة سنة حتى أصيب بالمرض ولم يتوقف عن السعي، استمر في توسيع الكنيسة والملاجئ. أخيراً اشتد عليه المرض، تشوهت ملامح وجهه، وفي عام 1889أي بعد أن عاش في الجزيرة ستة عشر سنة توفي. وبالرجوع إلى خطاباته ظهر بوضوح قوة إرادته في تنفيذ ما صمم عليه، والهدف الذي سعى نحوه حيث كتب يقول »أنا أتمنى لو بقيت مجهولاً في قرية البرص هنا في »كالاواو«، حيث أحسب نفسي سعيداً وسط أولادي هؤلاء المرضى العديدين. وعن معونة الرب له في جهاده قال في رسالة أخرى: لولا وجود سر الإفخارستيا لما كان موقفي هنا يُطاق. لكن بفضل حضور ربنا فإن السرور والحماس في قلبي دائماً. ولولا حضور معلمي الإلهي في كنائسنا لما استطعت أن أحافظ على عزيمتي في مشاركة المرضى هنا حياتهم. يمكن القول في إيجاز عن هذا المثال لقوة الإرادة أنه اختيار لطريق يسوع. فيه تحدي للمشقات وفيه معونة من الرب للثبات والاستمرار وفيه الانتصار المستمر على محاولات عدو الخير. ويبدو بوضوح دور الصلاة وأعمال البر.

2- التعليم والإرشاد. التدريب

من يكون بيده سلاح. لا يمكنه أن يستفيد منه إلا إذا عرف أجزاءه أولاً ثم عرف كيفية استعماله ثانياً. لأن السلاح إذا تم استعماله بطريقة غير صحيحة فهو يصبح ضاراً، ويحقق أغراضاً غير مرغوب فيها. وحتى يعرف صاحب السلاح الطريقة الصحيحة لاستعماله فهو يحتاج إلى من يعلمه ذلك، ثم يدرب على استعماله حتى يمكن الاطمئنان إلى تحقيق الغرض منه.

فمثلاً من يحمل بيده »بندقية« عليه أولاً أن يعرف كل جزء فيها. ويعرف كيف يستخدمها، وطريقة التصويب وطريقة الصيانة. وهنا يأتي دور المدرب ليعلم من يحمل البندقية كيف يستعملها وهو واقف على قدميه، وهو راقد على الأرض، وهو راكع فوق أحد قدميه، يعلمه عند التصويب أن يغمض عيناً وينظر بالأخرى، ينظر من خلال الأجزاء التي تساعد على التصويب الدقيق، وكيف يضع الطلقات، كيف يضغط على الزناد، كيف يؤمن البندقية وفيها الطلقات، ثم يطلب منه أن يصوب ويراقبه ويصحح أخطاءه. بغير ذلك يمكن لمن يحمل بندقية أن يخطئ التصويب. وإذا كان يحمل بندقية آلية يمكن بخطأ بسيط أن تخرج منها عشرات الطلقات في ثواني معدودة تصيب وتقتل. هكذا سلاح الرب لابد من التعليم والإرشاد والتدريب.

(1) التعليم والإرشاد

والتعليم يعني وجود معلم، ووجود دارس، وموضوع للدرس. التعليم بوجه عام هو أمر ضروري للغاية، والرسول يقول في الكتاب المقدس أنه بدون الإيمان لا يستطيع أحداً أن يرضي الله (عب11) وقال أيضاً كيف تؤمنون بمن لم يسمعوا عنه خبراً، وكيف يسمعون بلا مبشر يعلمهم (روم10).

المعلم:

يمكن القول عن الذي يقوم بالتعليم لمبادئ المسيحية ولاستعمال سلاح الله الكامل بوجه خاص.. إنه إنسان عرف الله وامتلأ قلبه بحبه، وتذوق حلاوة الحياة معه، فطفق يحدث الآخرين عن الله.. بحياته يظهر لمخدوميه طريق الحياة. يعلمهم أن يضعوا أقدامهم على هذا الطريق ويرافقهم فيه.. كما يجب أن يكون في حالة روحية وثقافة دينية.. يشعر أنه مسئول أمام ضميره وربه عن الذين يعلمهم .

الكتاب المقدس:

كلمة الله قوة جبارة لا يستطيع أن يدرك قدرها إلا من عاش فيها واختبرها. إن فادينا يسوع ترك لنا مثالاً لكي نتبع خطواته (1بط 21:2) باستخدام هذا السلاح في حربه مع إبليس، ونتعلم أحد أساليب المقاومة. ونعرف أن في الكتاب المقدس آيات لتعليم الإنسان. الإنسان باعتباره غريباً في الأرض، يحتاج إلى من يرشده ويقوده ويأخذ بيده إن كلمة الله كعمود النور الذي كان يتقدم بني إسرائيل.. هكذا ترافقنا كلمة الله حتى ندخل لا أورشليم الأرضية بل السماوية. إنها كالنجم الذي هدى المجوس وظل يتقدمهم.. إنها لا تخطئ أبداً ولا تضل من يتبعها .

التدريب:

من يحمل سلاحاً، عرف مكوناته، تعلّم كيف يستخدمه الاستخدام الصحيح. عليه أن يتدرّب على استعماله حتى يكون هذا السلاح ذو فاعلية في يده. ولكي يعرف أخطاءه، ويحاول أن يصلح من هذه الأخطاء ثم يكتسب بعد ذلك المهارة أو البراعة.

 

التدريب لا يكون فقط على استعمال السلاح. بل هو مطلوب في كل أمر يقوم به الإنسان في أي مجال.. في العلوم.. في الرياضة البدنية في مختلف المهن.

مثال من التدريب الرياضي:

اخترنا التدريب الرياضي هنا، لأن فكرة التدريب واضحة فيه. حيث عادة يكون هناك رغبة من الفرد، ثم معلّم يرشد للقواعد، ثم تدريب للأداء وتحسين المستوى.

نجم كرة القدم الأسطورة »بيليه« الذي حصل لبلده البرازيل على بطولة العالم في كرة القدم ثلاث مرات تواليه، لم يسبق في تاريخ الكرة أن لاعباً توافرت له هذه الصفات.. كتب يقول.. كنت لاعب كرة بقدم واحدة فقط هي اليمنى. وكنت لا أعرف كيف أستعمل قدمي اليسرى في اللعب. كما كنت لا أتقن اللعب برأسي.. فقال لي المدرب »لولا«: أن اللاعب الذي يستعمل قدماً واحدة هو نصف لاعب فقط، أما اللاعب الكامل فهو الذي يستعمل قدميه ورأسه.. تركت مسألة الرأس مؤقتاً وركّزت على استعمال القدم اليسرى. كلما وجدت الكرة أمامي صوبتها أو حاولت أن أتحكم فيها بقدمي اليسرى.. ومرت الأشهر في تدريب مستمر بذلك حولني المدرب إلى لاعب كرة .

التدريب الروحي:

التدريب الذي يقوم به من يستعمل سلاح الرب نوعان. إيجابي وسلبي. التدريب الإيجابي هو التدريب على فضائل وصفات روحية. التدريب السلبي هو التدريب على مقاومة خطايا معينة. من أمثلة التدريب الإيجابي التدريب على الصلاة. تدريب على خشوع الجسد (رفع الأيدي. الوقوف المستقيم. السجود في مناسبته. خشوع القلب والشعور بالوقوف أمام الرب)…

من أمثلة التدريب السلبي. التدريب على ممارسة أعمال البر من أجل اكتساب قوة نفسية لمقاومة خطايا تتحكم في القلب.. »اجلس وحاسب نفسك حساباً دقيقاً واعرف ما هي خطاياك. ستجد لك خطايا عارضة وخطايا أخرى متكررة ثابتة تكون عنصراً مشتركاً في كل اعترافاتك… اعرف أسباب هذه الخطايا ومصادرها وأبوابها.. ارصد الخطوات الأولى لها. درّب نفسك على إغلاق الأبواب التي تؤدي إلى تلك الخطايا . دائماً اطلب المعونة من الله من أجل نجاح التدريب والتغلّب على عقباته.

قواعد عامة في التدريب

التدريب ليس هدفاً في ذاته، بل هو وسيلة للوصول إلى قدر من الكفاءة في المجال الذي يريده الفرد بطبيعة الحال الوصول إلى الكفاءة لا يتأتى من تدريب بسيط في وقت وجيز. بل هو سعي متواصل بانتظام، وتقدّم، وطاعة للتعليمات. سوف نعرض فيما يلي أهم القواعد التي استقر عليها العلم بالنسبة للتدريب وهي الطاعة والمثابرة ثم تطبيقها في استعمال سلاح الله الكامل.

أ‌- الطاعة

أوضحنا أنه لابد لمن يحمل سلاحاً أن يعرف أجزاءه ووظيفة كل جزء. ثم كيفية استعمال السلاح وبالنسبة لسلاح الله الكامل ينبغي أن يعرف الإنسان أجزاءه، (قد سبق وعرضناها) ثم كيفية استعمال السلاح. وهذا يتطلب المرشد أو المعلم ثم الكتاب. الطاعة واجبة لتعليمات المرشد، والكتاب المقدس من أجل السير في الطريق الصحيح والوصول للهدف المنشود. بغير الطاعة لا تكون هناك معرفة كافية، ولا يكون هناك اتجاه صحيح. وبغير المعرفة وبغير الاتجاه الصحيح يتعرّض الإنسان حتماً لما لا تحمد عقباه.

مثال عن فكرة الطاعة

ومن أجل إيضاح فكرة الطاعة نحن اخترنا مثالاً لطاعة بطل رياضي في رياضة الإسكواش هو »جهانجير خان« وهو باكستاني حصل خمس مرات على بطولة العالم في هذه الرياضة. كانت لديه الرغبة في التفوّق في هذه الرياضة. اتجه للتدريب عليها. وهو في العاشرة من عمره. تولى ابن عمه تدريبه. كانت نقطة الضعف فيه الساقين. كان لابد من التغلب على هذا الضعف. كان يتدرب ستة أيام في الأسبوع من أجل التغلب على هذا الضعف كان المدرب يركب ظهره ويجبره على الجري بضع مئات من الأمتار..

 

وتظهر طاعة البطل »جها نجير« من شهادة مدرسه إذ قال: كانت تدريباتي قاسية تدفع معظم اللاعبين على الثورة لكني لا أذكر أن »جها« رفض لي طلباً، حتى عندما كنت أسأله هل اكتفى كان يبتسم ويجيب قائلاً »إذا كنت تعتقد ذلك«.

الطاعة في الحياة المسيحية

يعطي الكتاب مثالاً للطاعة من حياة إبراهيم (تك 1:12) و (عب8:11) فهي طاعة الإيمان، حيث أنه لما دُعيّ أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيداً أن يأخذه ميراثاً. فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي. الطاعة أيضاً تكون فورية. حيث أطاع إبراهيم في الحال. كذلك تكون طاعة عملية حيث أطاع إبراهيم وخرج بحسب الدعوة التي وُجهت إليه. وأيضاً تكون فيها تضحيات ومكلفة. إبراهيم لم يكن أمراً هيناً عليه أن يترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه ليذهب إلى أرض لا يعرفها وبدون أي أمل في العودة . من ذلك يعرف أن الطاعة تكون عن إيمان وفورية وعملية مع أي تضحيات تطلبها.

مثال عن الطاعة في الحياة المسيحية

في مؤلف عن تاريخ دير »فالامو« في فنلندا. أراد شاب يُدعى »داميان« أن يلتحق بالدير. تقاليد الحياة الرهبانية تقتضي اختباره أولاً للتعرف على مدى استعداده وتقبله للحياة الرهبانية.. طلب منه العمل في الإسطبلات أطاع. أمروه بالعمل في الفرن أطاع.

 

تجرّد من كل المقتنيات، كانت غرفته فيها أيقونة وكتاب الصلوات وسبحة ومنضدة وكرسي. وبعد سنوات شعر بالضعف. سأل مرشده رئيس الدير أن يأذن له بترك المكان. لكن رئيس الدير أجابه قائلاً: حتى إذا ضعفت لا تضجر أنت راهب وحتى لو بلغت الموت وأنت تمارس الطاعة، الرب لن يتخلى عنك.. تمضي الأيام جاء إلى الدير أحد كبار الأساقفة ورأى الراهب »داميان« في قلايته وتحدث معه فعرف عمق إيمانه وقوته الروحانية واختاره رئيساً لذلك الدير وبفضله ازدهرت الحياة الروحية وتزايد عدد الرهبان .

ب- المثابرة

 من المبادئ المعروفة في أي مجال فيه نشاط إنساني، أن من يواصل السعي يتقدّم. وأن من يتوقّف يتراجع تلقائياً ويهبط مستواه بعد أن كان في تقدّم.

المثابرة تعني مواصلة التقدّم، عدم الارتداد للخلف، حتى لو حدث فشل أو سقوط، ينهض من فشل إلى المحاولة من جديد ويقوم من سقط لمواصلة السعي، بذلك يمكن اكتساب مقدرة جديدة وقوة وبراعة.

الإنسان المثابر لا يعرف اليأس، أي عنده رجاء دائم وإيمان بأن الاستمرار في العمل هو أفضل ما يمكن عمله. عظمة المثابرة ناتجة عن الإرادة القوية. لا يوجد نجاح بدون مثابرة. لم تتحقق أي ثمار أو اكتشافات هامة للإنسانية إلا بفضل روح المثابرة..

تقول الأديبة العالمية “جورج صاند” إذا لم أجد طريقي في الأرض الممهدة فسأقتحم القمم الصخرية الشاهقة دون تذمّر لأنني أعلم أن كل جهد يتضمن في ذاته الجزاء الكافي عنه وأن الآفاق الواسعة تنتظرني في آخر الطريق. بل أن الطبيعة نفسها تعبّر عن تلك الحقيقة. عادة توجد السهول والأراضي الخصبة وراء الجبال حيث ترتوي الأرض بالمياه التي تنحدر إليها من الثلوج التي على قمم الجبال عندما تذوب هذه الثلوج. من يتسلق الجبال لا يرى هذه السهول الخصبة لكن من يستمر ويصل للقمة يدرك بعد ذلك السهول الخصبة.

مثال عن فكرة المثابرة

يعرف أي رياضي أن الاستمرار في التدريب يحقق كفاءة ويكشف عن أخطاء. وأن سبيل الوصول للفوز يكون بالاستمرار في التدريب. وقد روي عن بطل العالم السابق في الملاكمة “جاك دمبسي” أنه أراد أن يكتسب مهارة في استعمال يده اليسرى في الملاكمة فكان يربط يده اليمنى خلف ظهره، ويجبر نفسه على استعمال يده اليسرى. ظل مثابراً على ذلك فترات طويلة جداً حتى اكتسب مهارة في استخدام يده اليسرى. أما التوقف عن الاستمرار فهو السبيل المحقق للتراجع والضعف.

المثابرة في الحياة المسيحية

يقول قداسة البابا شنودة “المثابرة منشأها اقتناع داخلي بأن الحياة طريق واحد يؤدي للملكوت.. المثابر لا ينظر للوراء، لا يتردد، لا يتوقف، مهما كان السبب علينا ألا نقف كسالى حتى ولو لساعة واحدة لأنه في ساعة غفلتنا وتوانينا يأتي العدو وخلسة… يمنح الله الغلبة لكل المثابرين”. ويقول القديس مكاريوس الكبير “حين يرى الرب نية الإنسان واجتهاده كيف يغصب ذاته، كيف يرغم قلبه، يتحنن عليه ويظهر له رحمته ويخلّصه من أعداءه ويملأه من الروح القدس”. 

كان “القديس أرسانيوس” معلم أولاد الملوك، تلميذ مكاريوس الكبير، في ليالي الآحاد يقف في العراء ويجعل الشمس خلفه ويبدأ في الصلاة ويداه مبسوطتان لها إلى أن تشرق الشمس في وجهه . 

مثال عن المثابرة في الصلاة

المثابرة مطلوبة عند استعمال أي سلاح من أسلحة الله. وخاصة الصلاة حيث تؤتي بأفضل الثمار، وقد شهد أحد المؤمنين بفاعليتها في الموضوع التالي: في شهر فبراير 1956 كنت في ضائقة مالية شديدة إذ كان علي أن أدفع مبلغ سبعين جنيهاً في أوجه مختلفة. وفي يوم كتبت كشف حساب بالمبالغ المطلوبة مني وقضيت ثلاثة أيام في خلوة مع الله. كنت أصلي إليه بلجاجة، عارضاً عليه كشف الحساب. كنت أخاطبه بثقة وإيمان وأتحدّث معه كأني أتحدث مع شخص يجلس معي في نفس الغرفة. كنت أقول له يارب أنا في أشد الاحتياج لهذا المبلغ وهذه هي أبواب مصروفاته. وأنت تعلم أنه ليس لي أحد يعطيني إياه غيرك لأنك أنت الغني وأنا ابنك، فاعمل معي معروفاً وأرسل لي هذا المبلغ بطريقتك الخاصة لتفكّ ضيقتي. كنت أرفع هذه الصلاة بلغة الواثق والمؤمن بأن الله لابد وأن يستجيب. وأخيراً بعد انقضاء فترة الخلوة، جاءتني رسالة من شركة الشرق للتأمين وقد كنت مؤمناً على حياتي فيها وتقول أن بوليصتي قد ربحت مبلغ 210 جنيهاً، ويجب أن أحضر لاستلام المبلغ، علماً بأن الشركة قد أعفتني من باقي الأقساط المستحقة عن المدة الباقية من التأمين. ويسري مفعول البوليصة حتى نهاية المدة.

هذا ما فعلته الصلاة معي. طلبت من الله سبعون جنيهاً فأرسل لي مائتين وعشرة أي ثلاثة أمثال ما طلبت. فشكراً له لأجل أمانته ولأجل طيبته نحو أولاده. إنه يعطينا فوق ما نطلب وفوق ما نفتكر. إن كنا نطلب بثقة وإيمان .

التغلّب على الفشل

كثيراً ما يتعرّض الإنسان للفشل. لكن ليس هذا هو الخطر الأساسي على حياة الإنسان. إن الخطر يتركّز في مواجهة الفشل وأخطر مداخل الفشل هو أن يتحوّل إلى عادة ثم إلى اقتناع. إن الفشل يبدأ عندما يلقي الإنسان سبب فشله على الآخرين ويبعد عن نفسه تماماً مسئولية الوضع الذي وصل إليه .

الفشل في حد ذاته أمر طبيعي يصادف كل إنسان يسعى في طريق، لاسيما الإنسان المثابر. هذا الفشل قد يكون فيما بعد سبباً للنجاح ودافعاً إليه عندما يحاول الإنسان أن يتعرّف على أسباب هذا الفشل بمراجعة الخطوات التي سار فيها وبمقارنتها بما كان يجب عمله. في ذلك يقول الفيلسوف العالمي “هنري جاربو” يمكن هزيمة الفشل بتحليل أسبابه والبعد عنها ويقول “الأب يوسف مظلوم” رئيس تحرير “المسياجي”. حتى إذا منى الإنسان بالفشل أو انتابه شعور بخيبة الأمل ليس معنى هذا نهاية العالم على الإنسان أن يحاول مرات ومرات. لم يصل أبطال الرياضة والناجحون في الحياة إلى القمة من أول مرة بل ثابروا وأعادوا المحاولة مرة ومرات ولم ينصرفوا عن الهدف الذي رسموه لينجحوا. وهذا ينطبق تماماً على استعمال سلاح الله الكامل أو أي جزء من أجزاءه.

خطورة الاستسلام للهزيمة

الانتصار، أي انتصار لا يأتي دفعة واحدة فهناك عقبات وهناك هزائم، وهناك فشل لكن الهزائم لا تكون هزائم حقاً إلا إذا قبلها الإنسان أو كما قال “لاجوارد” الهزيمة لا تكون مرة إلا لمن يبتلعها. كذلك الفشل لا يكون فشلاً إذا توقّف الإنسان عن المحاولة. وقد جاء في كتاب الإقتداء بالمسيح “لابد لك ما دمت حياً من الأسلحة الروحية فأنت بين الأعداء وهم يهاجمونك من اليمين ومن اليسار. من غلب يؤتي المن (رؤ 17:2). جاهد جهاد الجندي الباسل وإن خارت قواك وسقطت، عُد إلى الجهاد بقوة أشدّ من الأول واثقاً أنك تحظى بنعمة أوفر من الله” (جزء 7:3).

ج- الاعتياد والنمو

سوف نعرض فيما يلي تعريفاً مبسطاً لفكرة الاعتياد وعلاقتها بالنمو…

يقصد بالاعتياد أو التعوّد تلك الأعمال التي تجري بنظام ويتبع في أدائها طريقة لا تتغير. وهي تكون نتيجة التعليم. العامل الأساسي البارز في تكوين الاعتياد هو التكرار، مع الميل إلى أداء هذا العمل. 

الاعتياد لا يشمل فقط النواحي العضوية. بل أيضاً النواحي العقلية. مثل اتباع أسلوب معين في التفكير كأن يختار الفرد مبدأ التسامح أو التفاؤل أو التدقيق أو الإصرار على إتمام أي عمل يبدأ فيه. هذه الظاهرة الإنسانية من أهم مزاياها أنها تؤدي إلى اكتساب المهارة والإتقان حيث تصبح الأعمال سهلة الأداء . وفي الحياة المسيحية أيضاً الاعتياد في استعمال الأسلحة الروحية ويحدثنا الكتاب المقدس أن موسى كان يلجأ دائماً إلى خباء المحضر ليزيل ريبه ويحل مشاكله. وكان يعتصم بالصلاة لينجو من المخاطر ومن كيد البشر.

النمو:

حينما يكتسب الإنسان مقدرة معينة باعتياده على أدائها، بحيث يصبح من السهل عليه أدائها بأقل جهد لا يجب عليه الاقتناع أو التوقف عند هذا الحد، بل يجب أن يستمر في التقدّم وألا يهبط مستواه. مثال ذلك الشخص الذي يحاول أن يتعلم العزف على آلة موسيقية ويرغب في أن يعزف عليها، يتجه إلى المعلم ليتعلم كيفية العزف، يفكر في كل حركة قبل أن يؤديها، يخطئ، يصحح الخطأ، يكرر المحاولة، تتناقص الأخطاء ويجد نفسه قادراً على العزف بسهولة ويتحرك تلقائياً مع قائد العزف أو مع اللحن لكن إذا توقف عن التدريب، سرعان ما تضعف قدرته.

نفس الشيء يتكرر مع الرياضيين البارعين بعد إتقانهم اللعبة الرياضية التي يحبون ممارستها، إذا حدث توقف يهبط مستواهم. لذلك كان من الواجب استمرار التدريب.. حتى يرتفع مستوى الأداء أو على الأقل المحافظة على هذا المستوى. النمو يعني مواصلة التقدّم وهو النتيجة الصحية للاعتياد.

النمو في الحياة الروحية

يقول “دونالد كالروس” أنه وهو في مرحلة الدراسة قالت له مدرسته: أعتقد أن أعظم شيء في الحياة هو القدرة على النمو. وكلما مرّت الأعوام في حياتي كلما ازداد إيماني بقولها. إن القدرة الإلهية التي زودت المخلوقات بالحياة، أرادت لهم ببساطة أن يحتفظوا بالقدرة على النمو كما في (البذرة، البيضة، البرعم، الحيوان، الجنس البشري). النمو في النفس البشرية هو استيعاب أفكار جديدة خضراء وازدهار أنواع جديدة من الاهتمامات والعواطف والمعاني، التحرر من الآراء الخاطئة والنفاذ منها إلى نور الحكمة العظمى. إنه نور يستطيع به الأحياء أن يزدهروا إلى النهاية. شرط إذاً من شروط الحياة هو التقدّم المستمر والتجديد. إمّا أن تتقدّم وإما أن تتوقف فيجرفك التيار إلى الهاوية.. فالتقدّم بالنسبة للإنسان (النمو) التزام ليس بعده التزام لا يجب أن يمرّ عليك يوم بدون أن تتقدّم في البر والفضيلة. إن كل يوم يهيئه لنا الرب هو دعوة للكمال والتسامي . ومن أفضل ما يجب النمو فيه روحياً هو النمو في القوة لاكتساب القدرة والبراعة للجهاد وأفضل سبيل للقوة هو العمل بالمحبة. كما في الكتاب “وإذا عملنا للحق بالمحبة ننمو في المحبة وتقدمنا في جميع الوجوه نحو ذاك الذي هو الرأس نحو المسيح” (أفس 15:5).

كلمة أخيرة

إن أجزاء سلاح الرب وإن كان لكل جزء منها أهميته وفاعليته، إلا أن هذه الأجزاء لا تعمل مستقلة. إنها كلها تتعاون وتشترك في الدفاع عن النفس وفي عملية المقاومة (نراها في كل الأمثلة).

يبقى في النهاية دور الإنسان الذي كتب له الانتصار. لا داعي أن ينهزم وقد كتب له الانتصار. لا داعي لأن ينتصر عليه عدو الخير بأحزانه وويلاته مع أن عدو الخير كتب عليه الاندحار. لينظر الإنسان إلى هدفه الأسمى ليعرف أساليب عدوه. يسهر ويصلي وينتبه لها ليكون منذ البداية يقظاً وقوياً حتى إذا ما جاء العدو يكون مستعداً، ليعرف ويتعلم ويدرس ليزداد في المعرفة عن عدوه وعن حليفه الرب وعن سلاحه الذي في يديه: بالإرادة بالتدريب بالمثابرة والنمو واعتياد استعمال سلاح الانتصار. مهما كان من مشقات الجهاد فإنها لا تضيع، الرب يراها ويحسبها ويكافئ عنها في النهاية. ولعل خير فكرة نقولها هنا هي قول الكتاب “تقوّ وليتشدّد قلبك وانتظر الرب” (مز 26).