stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أدبية

الزواج كعهد- د./ الأب أندراوس فهمي

810views

fidanzamentoالزواج كعهد- د./ الأب أندراوس فهمي

مقدمة

من المعروف أن اختيار عنوان لموضوع ما، يطرح من تلقاء نفسه إحساساً بوجود إمّا شيء إيجابي نود أن نظهره أو وجود مشكلة ونود مناقشتها وطرح حلول لمعالجتها. لكن غالباً ما يكون هناك مشكلة ونود مناقشتها. وفي الواقع عندما طرح علي القيام بتحضير لموضوع يخدم مجموعة أشخاص تعمل معاً لأجل المشورة الأسرية بعنوان عهود الزواج، طرحت على نفسي هذا التساؤل: هل هناك مشكلة ما أم لمجرد إظهار أهمية عهد الزواج؟

بالطبع الموضوع يحمل في داخله الاحتمالين: أي أنّ هناك من الأسر السعيدة والتي مازالت تتمسك وتعيش عهود الزواج، وأسر أخرى سادها الانقسام بسبب إهمال أو تخاذل في المحافظة على تلك العهود. ,لكني أود أن أوجه حديثي بصورة عامة يستفيد منها كلا الطرفين، ولذلك سوف نتناول معاً عناصر إيجابية، يجب التمسك بها، وأخرى سلبية نود طرحها حتى نتوجه معاً نحو إيجاد حلولاً لها.

ماهية المشكلة الحالية في مجتمعنا المصري فيما يخص الأسرة المسيحية؟

–      وجود عدة مشاكل واقعية تواجه العائلة اليوم:

o     مشاكل خاصة باختيار شريك أو شريكة الحياة (فمن ضمن المعضلات التي تواجه اتحاد الأسرة وترابطها أن يكتشف أحد الزوجين، بعد خبرة نضوج في الحياة، أنّ اختياره كان غير موفق، أو أنّه لم يكن على وعيٍ كافٍ عند لحظة الزواج، أو أنّ هناك تدخلات حدثت من قبل الأقارب في إتمام هذا الزواج…إلخ).

o     اكتشاف عيوب غير متوقعة في القرين أو القرينة بعد الزواج، مما يخلق نوعاً من عدم الرضا، أو صعوبة في تكامل الحياة الزوجية.

o     مشاكل اقتصادية متعددة، مما يسبب حالة من الخوف المستمر الناتج من الإحساس بعدم الأمان، وكنتيجة طبيعية لذلك يحاول الزوجين الوصول إلى مستوى اقتصادي أفضل، وهذا سرعان ما يؤثر سلبياً على علاقتهما ببعض وعلاقتهما بأولادهما.

o     المشكلة الأكثر خطورة، في أغلب الأحيان، هي عدم وضوح الهدف الأساسي من الزواج، وعدم الإعداد الكاف لهذه الخطوة الهامة جداً في الحياة. فهي مرحلة ارتباط دائم بشريك أو بشريكة الحياة، ولكن مع الأسف لا يُعد لها الإعداد الكاف المتناسب مع خطورة وأهمية قرار الزواج. فالمشكلة لا تكمن في اختيار وتأسيس أسرة بقدر ما هي في الفهم العقلي والقلبي لهذه الخطوة. كما أنّنا لا يمكن أن نتكلم مع أشخاص عن تمسكهم بعهود الزواج إذا لم يكونوا قد أُعِدوا سابقاً لفهم قدسية وأهمية الزواج في ذاته.

–      لذلك إذا أردنا أن نتحدّث عن عهود الزواج، لابد لنا وأن نشرح أولاً ما هو المقصود بكلمة “عهد”.

العقد والعهد والتعهد

–      عندما نتحدّث عن عقد، فالحديث يدور عن مجموعة شروط يتفق عليها طرفان ويتعهد كليهما بإتمام هذه الشروط: مثلاً عقد بيع أملاك، أو عقد إيجار أو عقد عمل… وغالباً أي عقد يتضمن إما بيع وشراء (امتلاك، وبالتالي هناك حرية في التصرف فيما امتلكت)، أو عقد إيجار، وبالتالي يعطى للمستأجر فيه حق التصرف في الشيء المأجور والمحافظة عليه.

–      أما عندما نتحدّث عن عهد زواج، فالموضوع يختلف تماماً عن كونه مجموعة شروط يجب استيفائها. وبالأخص عندما نتحدث عن عهد زواج مسيحي. فالزواج المسيحي هو تعهد أخلاقي (ليس مكتوبا) من إنسان حرّ أمام إنسانة حرّة فيه يتعهد كليهما بأن يهب ذاته للآخر كليةً. وهذا التعهد لأنّه تعهد أخلاقي مسيحي يحمل بداخله مسئولية شخصية وجماعية: مسئولية شخصية من كل طرف تجاه الآخر، ومسئولية جماعية من الطرفين تجاه العائلة التي على وشك التكوين (الأولاد، المسئولية الاقتصادية والتربية، وغيرها…).

–      وإذا أردنا أن نلخص هذا التعهد يمكننا أن نلخصه فيما أورده لنا سفر التكوين: «ولِذلِكَ يترُكُ الرَّجُلُ أباهُ وأُمَّهُ ويتَّحِدُ بامرأته، فيصيرانِ جسَداً واحداً‌« (تك 2: 24)

o     من الجدير بالذكر أنّ الفعل المستخدم باللغة العبرية ليصف “ترك” الرجل لأباه وأمه هو نفس الفعل المستخدم في سفر تثنية الاشتراع 29: 24-25 ليصف ترك العهد: «فيُقال لهُم: تركوا عَهدَ الرّبِّ إلهِ آبائِهِم الذي قطَعَهُ معَهُم حينَ أخرَجهُم مِنْ أرضِ مِصْرَ. فمَضَوا وعبَدوا آلِهةً أخرى وسجدوا لها، وهيَ التي لا يعرِفونَها ولا هيَ جديرةٌ بِهِم»، وكذلك في سفر الملوك الأول 19: 10 «10 فأجابَ بِـحَرارةٍ مِنْ أجلِكَ وقَفْتُ، أيُّها الرّبُّ الإلهُ القديرُ، لأنَّ بَني إِسرائيلَ نبَذوا عَهدَكَ وهدَموا مذابِـحَكَ وقتَلوا أنبـياءَكَ بِالسَّيفِ، وبَقيتُ أنا وحدي معَكَ، وها هُم يَطلُبونَ حياتي»، وفي سفر أرميا 22: 9 «فيُجيـبُهُ لأنَّ سُكَّانَها ترَكوا عَهدَ الرّبِّ إلهِهِم وسَجدوا لآلِهةٍ أُخرى وعَبدوها». نجد أن نفس أصل الكلمة واحد ويستخدم في لغة العهد.

o     كذلك الفعل يلتصق أو يتحد، فهو فعل مستخدم من قبل الكتّاب الملهمين ليصف الأمانة للعهد: تث 11: 22 «فأنتُم إنْ حَفِظتُم جميعَ هذِهِ الوصايا الّتي أنا آمُرُكُم بِها وعَمِلتُم بِها، فأحبَبتُمُ الرّبَّ إلهَكُم وسلَكتُم في طُرُقِهِ كُلِّها وتمسَّكتُم بهِ»، وكذلك تث 30: 20 «أحِبُّوا الرّبَّ إلهَكُم وا‏سمَعوا كلامَهُ وتمَسَّكوا بهِ، لأنَّ بهِ حياتَكُم وطُولَ أيّامِكُم‌في الأرضِ الّتي أقسَمَ الرّبُّ إلهُكُم لآبائِكُم، إبراهيمَ وإسحَقَ ويعقوبَ‌، أنْ يُعطيَها لهُم»

–      لذلك يمكن أن نرى في آدم وحواء أول زوجين تعاهدا على أن يتمسكا كل منهما بالآخر ويصيرا واحداً. وهذا هو مفهوم العهد: أي أن يتحد الاثنين برباط لا ينفك، رباط الكمال الذي هو المحبة. ولذلك ليس بغرب أن يدعو آدم امرأته مسمياً إياها “امرأة” Isha فهو نفس اسمه Ish ولكن بالمؤنث، كما لو أنّ حواء لا يجب أن تكون إلا الجزء المكمل لحياة آدم.

–      إذاً عهد الزواج هو في حقيقته تعهد بالاتحاد، أن يظل الزوجين في حالة أمانة دائمة لهذا الارتباط.

–      ضرورة الانتقال من فكرة العقد إلى فكرة العهد: أي الانتقال من العقلية القانونية إلى العقلية الأخلاقية. الانتقال من مجرد شكليات إلى عمق ومعنى العهد الزوجي.

أنواع العهد

1.   عهد غير متكافئ: عندما يكون أحد الطرفين أقوى والآخر ضعيف، مثال ذلك، عهد استسلام وتبعية (تبعية أهل جبعون ويشوع في مخيم الجلجال (يشو 9: 11) «فقالَ لنا شُيوخُنا وسائرُ سُكَّانِ أرضِنا خُذوا في أيديكُم زاداً للطَّريقِ وا‏ذهَبوا إليهِم وقولوا لهُم نحنُ عبـيدُكُم فا‏قطَعوا لنا عَهداً.».

2.   عهد متكافئ: والذي فيه يكون الطرفان متساويين. ومثال على ذلك عهد الزواج (ملاخي 2: 14) «وتقولونَ لماذا فأقولُ لكُم لأنَّ الرّبَّ كانَ شاهداً بَينكَ وبَينَ ‏امرأة شَبابِكَ الّتي غدَرْتَ بها وهيَ قرينَتُكَ والمرأةُ الّتي عاهدْتَها على الوفاءِ».

الزواج هو في ذاته عهدٌ

إنه عهد بين رجل وامرأة اتفقا معاً ليوحدا حياتهما ببعض بهدف بناء جماعة حب وشركة. إنه فعل حُب، وهذا الحب يجد كماله في حب المسيح للكنيسة. وهنا يمكن أن نتحدث عن صفات هذا العهد:

1.  إنّه عهد ارتباط مجاني: لا يحمل معه شروطاً، فالحب لا يمكن أن يكون مشروطاً.

2.  إنّه عهد تَوّحُد مع الآخر: فمن أهم شروطه أن يدخل كل طرف في حياة الآخر: في مشاعره، في اهتماماته، في همومه، في روحانيته…إلخ

3.  أنّه تعهد بأمانة دائمة: وهنا لا يجب أن يتقلص موضوع الأمانة الزوجية إلى مجرد الخيانة، ولا يجب أن تكون المرأة هي المذنبة الوحيدة في حالة حدوثه، بل يجب أن يتسع موضوع الأمانة ليشمل كل جوانب الحياة. (هنا ضرورة التربية على فضائل زوجية: مثل الغفران، التضحية، احترام الآخر…)

4.  أنّه أيضاً تعهد جسدي: ومن هنا جاءت الوصية التي ترفض شهوة امرأة القريب، وترفض خطيئة الزنا…

5.  أنّه تعهد باستمرارية الحياة إلى النهاية: فهو عهد دائم ما دام يوجد الطرفين.

كيف يعيش الزوجان عهدهما في ظل الظروف الراهنة

–      يجب الاعتراف أولاً وقبل كل شيء، بوجود مشكلة في الزواج فيما يخص ترابط الأسرة، واتحادها.

–      لعلاج أي مشكلة لابد أن يسير العلاج في خطين متوازيين: العلاج المباشر للمشكلة، والعلاج الوقائي لتفادي الوقوع فيها مستقبلاً.

–      أمّا البُعد الأول فهو من أصعب ما يمكن، فلأنّ الحياة تكونت وتشكلت مع الزوجين فالأمر يتطلب نوعاً من الحكمة الرعوية مع كل أسرة على حدى. وهنا من المهم أن نتعامل مع ظروف كل أسرة ومستوى ثقافتها. فهنا لا توجد وصفات جاهزة للمعالجة، ولكن يعتمد على محبة وحكمة خادم الأسرة ولكن يمكن إعطاء بعض المفاتيح الروحية والرعوية.

§       مساعدة الزوجين لعمل تقييم ونقد ذاتي، فكثيراً ما يرى أحد الطرفين كونه دائماً على حق، وهنا على خادم الأسرة أن يكون من الفطنة التي تسمح له بألا يتعاطف مع طرف على حساب الطرف الثاني. ومن جهة أخرى لابد وأن نوضح صراحةً أهمية وجود مرجعية روحية سليمة لدى الزوجين، فأي جماعة لابد وأن يكون لها ركيزة أساسية تستطيع من خلالها أن تستقي قيمها، وتطلعاتها وأهدافها… وبالتالي من المهم محاولة مساعدة الزوجين على اكتشاف بُعد الصلاة وأهميته، فبدون مرجعيّة روحية يتهدد رباط الزوجية.

§       مساعدة الأزواج على إعادة اكتشاف قيم إنسانية في الزواج: احترام القرين، التضحية من أجل خير الأسرة العام، التماس العذر للآخر…

§       مساعدة الزوجين للانتقال من فكرة الحقوق والواجبات الزوجية إلى فكرة جعل الحياة الأسرية أكثر إنسانية، واستعادة صورة الأسرة التي هي على مثال الثالوث القدوس، أو بمعنى أخر استعادة قدسية الأسرة كـ “كنيسة بيتيّة” حيث يوجد فيها الله ويقدِّس الحياة.

§       مساعدة الأسرة أيضاً على الانفتاح على حياة الأسر الأخرى (بميزاتها و سلبياتها)، وهذا سيسمح بالطبع بإعادة تقييم الحياة الزوجية في إطار إنساني.

§       عدم إلغاء دور المساعدات العملية لإعادة الترابط الأسري.

–      أمّا البعد الثاني والأهم هو الجانب الوقائي: ونقصد به عمليات الإعداد الشامل للزواج، وهناك موضوع عن ذلك في برنامج الندوة، ولكن سأتناوله انطلاقاً من موضوع فهم الزواج كعهد ينبثق منه تعهدات أخرى).

§       هذا الإعداد لابد وأن يتناول ثلاث مستويات:

1.   المستوى المعرفي: ففيه يجب أن نكون قادرين لزرع مفاهيم أساسية في حياة الأشخاص المقدمين على الزواج، ومن أهم هذه المفاهيم: مفهوم الكرامة (الحرص على الحفاظ على خصوصية الآخر واحترام حياته الداخلية، الحفاظ على قدسية جسد الآخر، تقدير رأي الآخر ومواقفه ومشاعره، الاعتراف بحق كون الأخر مختلف وفريد…)؛ مفهوم المساواة (المساواة ليست على المستوى البيولوجي، ولكن على مستوى تساوي قيمة كل منهما، تساوي رسالة كل منهما، مساواة في حق التفكير والتقرير والتدبير…)، مفهوم تبادل الأدوار (أي تفهم دور الرجل وكذلك دور المرأة، وأن كل منهما هو مكمل ومعين للآخر، وكلاهما في خدمة وحب للأسرة الناتجة)

2.   مستوى السلوك: أي الطريقة الواجب أن يسلك بها الزوجين داخل إطار الحياة الزوجية. وهنا يدور الحديث عن تربية ضمير الخطيبين حتى يكون بينهما جسر من الشفافية والوضوح وتوحيد الهدف: فمن المهم جعلهما يكتشفان أهمية الصدق ونضجه، أهمية إظهار ومعايشة الحقيقة، ضرورة معايشة الحريّة وإعطاء فرصة للآخر لأن يعبر ويبدع…التربية على المصالحة الدائمة، ونبذ كل مظاهر العنف، وزرع السلام الدائم.

3.   مستوى العلاقة: نقصد بالعلاقة هنا علاقة الحب المتبادل، والتي لا توجد بين متعاهدين غير متكافئين، اي لابد وأن تكون الانطلاقة من كون الأشخاص واعين وعياً كاملاً بأن حياتهما هي أمانة وما يحفظ الأمانة هو فقط الحب: وهنا من الضروري تربية الأشخاص على روابط أساسية، نذكر منها فقط ثلاث:

أ‌.        الثقة: فلا تبنى أسرة على شكوك وريبة، فأول خطوات الفراق والانفصال تلك التي تأتي مع زرع الشكوك (لنا هنا أن نتذكر الحدث الكتابي للحية وكيف أنها أدخلت الشك والريبة في عقلية حواء تك 3: 1). وعدم الثقة هنا يعني تشويه للحقيقة أو بمعنى أخر تشويه صورة الآخر.  ولا ننسى أن الثقة هي التي أرجعت الابن الضال (لو 15: 11-32)

ب‌.   الأمانة: الأمانة لا تفترض أن يتحجر الآخر في مكانه، ولكن الأمانة هنا تعني اعتراف بأن الزوج أو الزوجة في حالة نمو وتطور ونضج ولذلك، ومع هذا النمو والنضج لابد وأن أظل أميناً له/لها. فليست هي تقيّد بشروط عقد الزواج، بل التزام بالحب الذي يقبل نمو وتطور الآخر.

ت‌.   الحنان والعواطف: هذا الجزء يفقد أهميته في العقلية الشرقية، وبالأخص لدى الرجل، ولكن من المهم ألا ننسى أن الإنسان خلق بهذه المشاعر، ولنا في مثال المسيح ذاته أفضل مثال على هذا الحنان: فهو الراعي الذي يتحنن على خروفه الضال ويشتاق للقائه (مت 18: 12)، وهو الذي أظهر لنا حنان السامري الصالح في تضميد جراح الغريب عنه (لو 15: 29)