stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

القديس فرنسيس دي سال الأسقف ومعلم الكنيسة San Francesco di Sales – Vescovo e dottore della Chiesa

348views

24 يناير

إعداد الأب / وليم عبد المسيح سعيد – الفرنسيسكاني

وُلِد فرنسيس في 21 أغسطس عام 1567م، في قَلعَة دي سال، لعائلة نبيلة هي عائلة دي سال التي حكمت إمارة ساڤوا الواقعة شمال إيطاليا (هي “تورنس جليار” بـ”أوت سافوا” تتبع فرنسا حالياً قريبة من حدود سويسرا). سُمّىَ على اسم والده فرنسيس حاكم مناطق بوازي و سال و نوڤل.

والدته هي “فرنسواز دي سيونا” وهي ابنة وحيدة لقاضي بارز يُدعى “ملكيور سيونا”. وبالمعمودية سُمّىَ “فرانسوا بونافنتورا” تَيمُناً باسم قديسين فرنسيسكانيين بارزين. ترتيبه الأكبر بين ستّة إخوة. إهتم والده بتعليمه وتثقيفه حتى يكون مؤهلاً ليصبح قاضياً. تلقّى تعليمه الإبتدائي بالقرب من مدينة لا روش سور فورم. ثم إلتحق بكلية الكبوشيين بمدينة آنسي.

بعمر السادسة عشر التحق فرنسيس دي سال بكلّية كليرموني بفرنسا، ومنه إلى معهد يسوعي لدراسة البلاغة والعلوم الإنسانية. وكسائر أبناء العائلات النبيلة كان بصحبته دائماً كاهن كمُعَلِّم ومُرشِد وخادم لقضاء إحتياجاته. كما تعلّم الفروسية والمبارزة والرقص لإستكمال شخصيته كنبيل إرضاءً لأبيه.

يصفه معاصريه بأنه كان ذكياً ووسيماً، طويل القامة ذا عينان لونهما بين الزُرقَة والرمادية، كَتوم وهادئ، وضَيف مُرَحَّب به في بيوت النبلاء.

في سِنّ السابعة عشر حَضَر فرنسيس دي سال مناقشة لاهوتية حول موضوع “القَـــدَر”، على أثرها شعر فرنسيس بأنه مُستحِقّ للدينونة الأبدية، وأصابه اليأس وسيطر عليه حتى ديسمبر من عام 1586م حيث أثّر اليأس على صحّته، وأصبح طريح الفراش لفترة. في الشهر التالي (يناير 1587م) جاهد برغم حالته الصحية لزيارة كنيسة سانت إتيان دي جريِ بپاريس، وهناك ناجىَ العذراء بـ “أذكري يا مريم العذراء الحنونة أنه لم يسمع قط أن أحد استغاث بمعونتك والتمس شفاعتك وعاد خائبآ “أمام تمثال العذراء أم الخلاص (العذراء السوداء).

وقرَّر وقتها أن يُكرِّس حياته بنذر العِفّة. وبالفعل أصبح مُكَرَّساً من الدرجة الثالثة برهبنة “الصِغار –وهي رهبنة أسسها القديس فرنسيس دي باولا عام 1506م. بالوقت بدأ فرنسيس دي سال يشعر برحمة الله، ويتراءى له وجه الرحمة من خلال الإنجيل، فتعَلَّق قلبه بكلمات القديس يوحنا الحبيب في رسالته الأولى “اللهُ مَحبَّة فمَن أَقامَ في المَحَبَّةِ أَقامَ في الله وأَقامَ اللهُ فيه”. تأثره وتعلُّقه بإله الحُبّ لم يكن فقط طارداً لشعوره بالشكّ في خلاص نفسه، بل أثَّر على حياته كُلّها وكان محور حياته وتعاليمه.

ورأي أن الروحانيات الكاثوليكية هي طريقنا إلى الحُبّ الإلهي، لأنها طرق متنوعة تساعد الإنسان على التلامس مع الحضور الإلهي بدون حواجز. وقد ألّف كتاباً فيما بعد بعنوان “مدخل إلى حياة التقوى”.

أنهى فرنسيس تعليمه بكلية كليرموني وهو في الحادية والعشرين من عمره، فتم تسجيله بجامعة بادوﭬـا بإيطاليا، حيث درس اللاهوت والقانون. وقد أصبح الأب أنطونيو پُسيڤينو اليسوعي هو مُرشده الروحي. فكان قراره بأن يصبح كاهناً. ويُذكَر أنه أثناء ركوبه جواده سقط منه سيفه وتحوَّل شكل السيف إلى صليب، فكانت بالنسبة له مؤشر روحي على دعوته الكهنوتية.

في الخامسة والعشرين من عمره حصل فرنسيس على درجة الدكتوارة، في اللاهوت والقانون. قام بعدها بعمل حِجٍّ روحي إلى مدينة لوريتو بإيطاليا، حيث بازيليك البيت المقدّس. ثم عاد إلى ساڤوا مرة أخرى. إعترف به مجلس مدينة شامبري كمُحام، كما أمَّن له والده فُرَص لمناصب مُختلفة من ضمنها تعيينه في مجلس الشيوخ. واختار له عروساً هي سليلة إحدى عائلات النبلاء ووارثة لثروة طائلة. إلا أن فرنسيس رفض وفَضَّل التركيز في المسار الذي إختاره بالمشورة الإلهية لحياته. عارض والده في البداية قراره بأن يصير كاهناً، ليستكمل مؤهلاته السياسية والعسكرية ويصبح زوجاً وأباً.

تدخَّل الأب “كلود دي جْرَانيي” – الذي صار أسقف ݘنيڤ فيما بعد – وبعد أن وَقَّعَ فرنسيس تنازُلاً لشقيقه الذي يليه في الترتيب عن حقّ إدارة شئون العائلة خلفاً لأبيه حال وفاته، سُيِّمَ كاهناً عام 1593م، وعُيِّن راعياً لكاتدرائية ݘنيڤ.

شارك الأب فرنسيس في أنشطة كرازية مُتحمسة، تُعيد التعريف بعُمق الروحانيات الكاثوليكية وأسرار الكنيسة، في منطقة أصبحت تنتمي بأكملها للپروتستانتية الكالڤينية. يقول معاصره أنه برغم حماسة دي سال وشجاعته وصبره العظيم، إلا أنه واجه الفشل الزريع في مدينة تونون عاصمة مقاطعة شابليه، بسبب إتفاق مواطنيها على عدم سماع أي واعظ كاثوليكي مهما كان مشهوداً له بحُسن السيرة والبلاغة في التعبير. في البداية أقام في قلعة كانت ثكنة عسكرية لجنود دوق ساڤوا. نجىَ من الموت أكثر من مرّة على يدّ السفاحين بغرض السرقة تارة، وتعصُّباً للپروتستانتية تارة أخرى، لكنه لم يُغادر مكانه أو يغيره توقاً منه للإستشهاد. سافر إلى روما وپاريس ونال بركة رسولية من البابا “كليمنت الثامن”.

عام 1599م صار فرنسيس مساعداً لأسقف ݘنيڤ، وفي عام 1601م عقد اتفاقاً مع الملك “هنري الرابع” ملك فرنسا للتعاون في شئون الكرازة خلال صلاته قداس أربعاء الرماد لبداية الصوم بكنيسة القصر الملكي. حيث أُعجب الملك بصلاته وتقواه وعلمه وثقافته وكذلك هيبته، وتعجَّب من أنه نادراً ما تجتمع هذه الصفات في شخص واحد، فصار من مُريديه.

إلتقى في فرنسا أيضاً الكاردينال بيرول، وشاركه في أفكار وخطط لتطوير الرهبانيات والأديرة، وإدخال منهجية تطوير القديسة تريزا الأﭬـيلية للكرمليت بفرنسا.

في عام 1602م، سُيِّمَ فرنسيس دي سال أسقفاً لݘنيڤ، خلَفاً للكاردينال كلود دي جْرَانيي المتوفي. إلا أن دي سال ظلّ مقيماً في مدينة آنسي، لأن ݘنيڤ كانت تحت سيطرة الپروتستانتية الكالڤينية وكان ممنوعاً فتح مقر إقامة الأسقف. إلا أنه تغلَّب على هذا الحِصار ونجح في تنمية إيبارشيته برغم الصعوبات، وأصبحت إيبارشية ݘنيڤ شهيرة بحُسن تنظيمها، وتنمية عدد أبناءها.

كان حماسه لا يلين وتجمَّع حوله الكهنة والعلمانيين الغيورين على الإنتماء للكنيسة الجامعة، وحقَّق إنجازات واضحة في مجال عودة روحها. كما ساعده في ذلك رهبانية الفرنسيسكان الكبوشيين الصغار التي كانت ذات جهد كبير في الوعظ بحقائق الإيمان المسيحي بعيداً عن السطحية والتأويل وأهمية الأسرار المقدسة، وقدّروا حماس دي سال لدرجة جعلتهم أعطوه ما يشبه زمالة فخرية لرهبنتهم، وهو أعلى تكريم يمكنهم تقديمه لمن هم خارج رهبنتهم، تقديراً لعطاءه وحماسه.

يقال أنه خلال زيارته لمدينة إيڤـيان الفرنسية ظهر له القديس فرنسيس الأسيزي وقال: “تشتاق للإستشهاد، كما اشتقتُ أنا، ولكن مثلي أيضاً لن تناله، سوف تكون أنت آداة استشهاد نفسك”.

خلال سنوات أسقفيته، تميَّز دي سال بتقشفه وعِظاته الجاذبة بفضل تقواه وصداقته للإنجيل. وكان شعاره: “الحُبّ هو الواعظ الأمثل”. وكان مثالاً للصلاح والصبر والتسامُح والتغاضي عن الإساءات، ورِقّة القلب.

إنعكس الغِنى التأملي والروحي على مؤلفات الأسقف فرنسيس دي سال، وبخاصة في أشهر مؤلفاته “مدخل إلى حياة التقوى” الذي كان إصداره الأول في 1609م والثاني في 1619م، وقد كان كتاب مؤثراً في الدوائر الكنسية للكاثوليك والپروتستانت على حدٍّ سواء، كما تُرجِم. إلى عدة لغات. وهو مصنف ضمن كتب القراءة الإلهية. ويعتمد على ما يشبه الرياضات الروحية النُسكية في تأمل نصوص الكتاب، وهذا النوع من الكتابات لم يكن مألوفاً في ذلك الوقت، إذ كان موجهاً للعلمانيين للتلذُّذ بالتأملات الروحية في الكتاب المقدس، وهو أمر لم يلتفت إليه كثير من الإكليروس في ذلك الزمن، حيث لم يكن الكتاب المقدس متوفراً للعامة لأنه مكتوب باللاتينية وهي لغة لا يجيدها إلا الإكليروس غالباً، فكان الإكتفاء بسماع القراءات في قداس الأحد وسماع العِظات لشرحها.

إذاً كان لفرنسيس دي سال الريادة في تأليف كتابات “القراءة الإلهية” التي تبعه في تأليفها آخرين من بعده.
وقد نصَح في كتابه أن تمتزج التوبة بأعمال كفارية (أعمال رحمة وخير) تُساعد الإنسان على الخروج من أنانية الخطيئة إلى غيرية الإحساس بالآخر والإنفتاح عليه بالحبّ والعطاء. إذ كان يرى أن الخطيئة نابعة دائماً من الأنانية والتَمَركُز حول الذات.

كما كان له مؤلف روحي لا يقل روعة هو “خواطر في حُب الله” ، ومجموعة رسائل روحية عالية القيمة في الإرشاد الروحي لأبناءه وبناته في الروح، من أهمها رسائله الروحية للأخت “ݘين فرانسيس دي شانتال” حيث كان مُرشداً روحياً لها. كما كان له بكل اللغات التي كتب بها (الفرنسية والإيطالية واللاتينية) اسلوب واضح ورشيق وبه تعبيرات رقيقة نظراً لتمكنه اللغوي وعشقه للكتابة عن الله. كما كان لكتاباته عن طُهر قلب العذراء مريم كمثال لا يُعلىَ عليه في حُبّها لله، أثراً كبيراً على الفرنسي ” ݘون أود” دفعه للتكريس برهبنة قلبي يسوع ومريم.

وقد أسّسَ مع القديسة ݘين فرانسيس دي شانتال رهبنة عذراء الزيارة في مدينة “آنسي” في 6 يونيو 1610م. وعلى الرغم من صداقته بالكاردينال “دنيس – سيمون دي ماركيمو” رئيس الأساقفة إلا أنه كان مُقيِّداً لحرية الأسقف دي سال في الإجتهاد والتأسيس، حيث أمر بأن تكون الرهبنة الجديدة (عذراء الزيارة) للحبيسات. فيما أن الهدف الأساسي من تأسيس دي سال و دي شانتال للرهبنة أن يكون هناك راهبات تعملن في خدمة المجتمع المتألم بالفقر والمرض والأحزان. إلا أنه أطاع أمر رئيس الأساقفة حِفاظاً على وحدة رأي الكنيسة.

أسّسَ أيضاً جماعة روحية للرجال بإسم “إجتماع القديس فيليبو نيري” لدراسة الكتاب المقدَّس ترأسها بنفسه، ولكنها لم تثبت بسبب ظروف مرضه ووفاته، وبالوقت انحلت لعدم وجود من يقودها روحياً من بعده.
يُذكَر أنه في ديسمبر 1622م طُلِب إلى فرنسيس السفر لساڤوا لمصاحبة حاكمها الدوق “شارل إيمانويل الأول” خلال جولة الكريسماس التي يتفقد بها إمارته. ولدى وصوله إلى ليون إختار دي سال المبيت في كوخ البستاني الموجود بدير عذراء الزيارة بليون (كنوع من التقشُّف) حتى لا يبيت في قصر الدوق، وهناك أصابته جلطة تسببت في وفاته بعطر القداسة في 28 ديسمبر 1622م. ودٌفِن بليون.

يُوصَف دائماً فرنسيس دي سال بأنه “القديس المحترم” بسبب طيبته وتحنّنه ورُقيّه في التعامل، كان محبوباً لدرجة جعلت أهالي ليون يقاومون محاولات نقل رفاته إلى دير عذراء الزيارة بآنسي – الدير الذي أسسه للراهبات – وأثناء نقل الرفات إكتُشِف أن قلب القديس بحالة سليمة فتُرِكَ مُكَرَّماً بمزار كنيسة ليون إرضاءاً لأهلها، و تم نقل باقي رفاته إلى دير عذراء الزيارة بآنسي في 24 يناير 1623م حيث وُضِعت الرفات بإكرام في كنيسة الدير. كما دُفِنت القديسة ݘين فرانسيس دي شانتال شريكته في التأسيس بنفس الدير عام 1641م.
كان القبران مُكَرَّمين بالكنيسة، وسُجِلت كثير من المعجزات بشفاعة القديس فرنسيس دي سال وأصبح مزارهما محل زيارة وحَجّ روحي، حتى زمن الثورة الفرنسية، إذ تم نقله لمزار بـﭬـينسيا ومازال مُكَرَّماً هناك حتى اليوم.

يُعتبر القديس فرنسيس دي سال هو شفيع ومُلهِم القديس ݘيوﭬـاني دون بوسكو، وقد تأثر كثيراً بكتاباته عن الله المحب الرحيم، فكان إظهار هذا الوجه الإهي الحقيقي هو محور حياته أيضاً، وعلى اسم دي سال أسس رهبنته “السالسية” (السالزيان)، وأصبح القديس فرنسيس دي سال هو شفيع الرهبنة.

تم تطويب فرنسيس دي سال عن يد البابا “ألكسندر السابع” عام 1661م، ثم رفعه لمرتبة القداسة عام 1665م، بينما دعاه مُعلِّماً للكنيسة البابا “پيوس التاسع” عام 1877م.

هو شفيع المتعلمين، والكُتّاب والصحفيين الكاثوليك، والأشخاص الصُمّ.

فلتكن صلاته معنا.