stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أخبار الكنيسةالأسرة

بعد الاجهاض

1.3kviews

بعد الاجهاض

الْحالَةُ النَّاتِجَةُ عَنِ الإِجْهاضِ

          يَعرف الأَطِبَّاءُ وَعُلَماءُ النَّفْسِ والأَطِبَّاءُ النَّفْسانِيون وكذلك الكهنة جيدًا الحالة التي يُطْلَـق عليها “الظَّاهِرةُ الْمَرَضِيَّةُ لِمَا بعدَ الإجهاض” (Post- Abortion- Syndrom “P.A.S.”). وهي تشير إلى الإطار الْمَرَضيِّ الذي يَحتوي على مَجموعة من الأَعْراضِ الفِسْيولوچيَّة والنَّفْسانِية والرُّوحِية التي تَتَرَتَّب على إِجراء إجهاضٍ إراديٍّ. هذه الحالة تُصيب النِّساء اللاَّتِي أَجهضنَ، ولكن يُمْكن ملاحظة حدوثِها (بدرجات مُتفاوِتة) لَدَى الأشخاص الآخَرين الذين تَدخَّلوا في هذا الحدث: الأب والأطباء والْمِهَنِيِّين الذين ساهَموا فِي العملية [1].

          هناك عِلاقة مباشرة بين الأعراض التي تظهر بعد الأجهاض وبين الأسباب التي تَمَّ من أجلها هذا الإجهاض. وكذلك تُوجَد علاقة بين الإجهاض وبين مدة الْحَمْل وعلاقة أَبَوَيْ الكائن الْمُجْهَض فيما بينهما، وكذلك بين الخطوات التي اتُّخِذَت من أجْل الوصول إلى القرار والْمُؤَثِّرات التي تَمَّ التعرُّض لَها خلال الزمن الْمُريع الذي سَبَقَ اتِّخاذ القرار.

تَطوُّر الحالة النفسية أَثناءَ اتِّخاذِ قرارِ الإجهاض

إنَّ اتِّخاذ قرار الإجهاض يُمثِّل لَدَى المرأةِ ذاتِ المباديءِ العادية (سَواءَ مَنْ لَدَيْها إيمانٌ أَمْ لا) عمليةً مُعَقَّدة مُؤْلِمة. من بين الخطوات المعتادة التي تَمُرُّ بِها المرأة منذ اللحظة الأولى للحمْل نستطيع أن نذكر المراحل التالية:

          أولاً: منذ اللحظة الأولَى التي تَصير المرأة فيها حاملاً، يبدأ الجسم في إحداث شعورٍ أُمومِيٍّ غَريزيٍّ لَدَى المرأة الأُم. ويُمكن ملاحظة ذلك حتى عند الأمهات من الحيوانات. ويرجع ذلك، مِنْ جِهَةٍ، إلى التَّطوُّرات الفِسْيولوچية الْمُصاحِبة للتَّغيُّرات الخاصة بالأمومة (تُحَضِّر الطبيعةُ المرأةَ لعلاقة الأُم – الابن)؛ كما يَرجِع ذلك أيضًا لِعَوامل أخرَى من النوع الاجتماعي والنفسانِي والروحي كعادات الْمجتمع الذي تعيش فيه المرأة ونضجِها الشخصي وإيمانِها، إلخ.

          ثانيًا: إن الميل الطبيعي لإكمال الأمومة التي بدأت مع الْحَبَل بكائن جديد يُمكن أن تَتعرَّض   ِلأزْمةٍ بسبب عوامل خارجية أو داخلية مُختلفة تُهاجم الحالة النفسية للأم. مِثالاً على ذلك يُمكننا أن نَذْكر بعض هذه العوامل الأكثر حدوثًا:

          1) الرأي المعارض لأَبَوَيْ المرأة الحامل (خصوصًا إذا كانت فِي سنِّ المراهَقة) بسبب الفضيحة إذا كانت عازِبة أو بسبب عوامل أخرى كثيرة يُمكن تصنيفُها بطُرق مُختلفة.

          2) الصعوبة التي تشعر بِها المرأة فِي إعالة الابن (خصوصًا إذا كان لَدَيْها أبناءٌ آخَرين).

          3) الصراعات النفسانية الْمُتَرَسِّبة والتي لَم تُحَلَّ، كما في حالة النساء اللاتي كانت لديهِنَّ خِبرةٌ سيئة مع أُمَّهاتِهن كبناتٍ إذْ قد يُوَلِّد ذلك لديهنَّ خوفًا من مواجهة نفس الخبرة في أمومتِهن.

          4) الشروط المفروضة من والِدِ الجنين: وعادةً ما تكون هذه عبارةً عن تَهديدات بتركِها في حالة إكمالِ الحمْل.

          5) ضغط الرَّأْيِ العامِّ الاجتماعي ضدَّ المواليد: الدعاية حول زيادة عدد السكان واختيار الإجهاض كحقٍّ من حقوق المرأة والتأكيد على أن الجنين ليس إلا مَجموعةً من الخلايا، إلخ.

          6) العقليَّة المادِّيَّة: عندما يُنظَر إلى الابن الجديد كَعَقَبَةٍ أمامَ التقَدُّم الاقتصادي والرَّفاهيَّة.

          7) الأنانية: عندما يُنظَر إلى الابن كقَيْدٍ للحرية (“أولاً يَجب الحصول على الشَّهادة العُلْيا ثُمَّ العثور على عمل وبعد ذلك التفكير في الأبناء”).

          8) ضَغْط القانونين: تُوجد مُجتمعات تُمارس ضغطًا لكي تفرض تَنظيمَ النَّسْلِ، وبذلك نَجد أنَّ “التقنين” و “المعونة التي تَمنحها الدولة” للإجهاض تُمثِّل نوعًا من الضغط على المرأة.

          ثالثًا: هذه الضغوط قد تُؤَدِّي إلى صِراعٍ داخليٍّ حقيقي يُجْبِر المرأة على ضرورة اتِّخاذ قرار. وإذا احتاجت إلى نصيحة فإن مَنْ سيَمنحها إيَّاها في معظم الأحيان سيدفعها إلى الإجهاض وخصوصًا إذا كان القانون المدنِي يَحميها فِي مِثل حالتها الطِّبُّ يَضمن لَها السلامة والْمجتمعُ غيرَ مُبالٍ.

          رابعًا: عادةً ما يكون هناك شعور مُعيَّن بالراحة بعد اتِّخاذ القرار (وهذا شيء طبيعي مؤقَّت بعد حالة الصِّراع)، مِما يَحْمِل على الاعتقاد بأنَّ القرار الذي اتُّخذ كان صحيحًا. وعندما يَتَقرَّر الإجهاض فعادةً ما يُغلَق الباب أمام أَيَّة نصيحة عكسية حيث أن إعادة طرح المسألة تعني العودة من جديد إلى الحالة الْمُريعة لعملية التفكير فِي القرار.

          خامسًا: تلي ذلك حالةُ خُضوع أيْ نوعٌ من الاستسلام ووضع المصير بين يَدَيْ طبيب، مع الشعور بنوع من الإذعان للقضاء والقدر.

          سادسًا: صدمة اللحظات الأخيرة: يتعيَّن على المرأة أن تَلغي غريزتَها الأمومية ذاتَها لكي تستطيع أن تُجري الإجهاض. هذه الغريزة هي شيء موضوع من الطبيعة بداخلها ولذلك فهي تُضْطَرُّ إلى إقناع نفسها بنفسها أن هذا الكائن الذي ستُجهضه ليس كائنًا بشريًا. مع هذه الْمُحاولة لإقناع الذات تبدأ عملية الإجهاد العقلي الْمُناقِض لضمير المرأة ولتمييزها الأخلاقي، والمناقض أيضًا لغريزتِها الطبيعية. وتواجه المرأة هكذا حالة من الفَوْضَى داخل ضميرها؛ ويَحدث في كثير من الأحيان، وراء هذا الغِطاء من الاستسلام، أن تكون في حالة اشتياق لأنْ يُوقِفَ أَحَدٌ سَيْرَ هذه العملِيَّة التي هي أعلَى مِن قِواها.

          سابعًا: القَسْوة الداخلية: هناك زمن بعد الإجهاض ترغب المرأة فيه أن تُترك وشأنِها، وحيدةً، وتُصاب بِحالة من اللامبالاة وعدم الاكتراث بالأشياء، إذ يكون لديها رفض داخليُّ لِما حدث. يَتعيَّن عليها أيضًا أن تصارع ضد مشاعر اليأس والعُدوانية والخوف التي تَظهر بعد الإجهاض، فهي من ناحية تريد أن تفتح قلبَها مع أحدٍ لتستريحَ ولكنها من ناحية أخرى تَخشَى أن تتعايش مرة أخرى مع الأحداث التي وَقعت.

          ثامنًا: تبدأ مُحاولةُ إعادة بِناء حياتِها استنادًا على عدم الاِلتفات لِما حدث: فهي تريد أن تعود إلى الحالة الطبيعية في أسرع وقت مُمكن ولذلك تلجأ إلَى شَغْلِ كلِّ أوقاتِها بنشاطات عديدة حتى لا تفكِّر فِي شيء.

          تاسعًا: ولكنْ عادةً ما يَحدُث في أَيَّةِ لَحظةٍ انْهيارٌ لأسلوب الدفاع هذا الذي تَنْسِجُه مِنْ حَولَها مَنْ قامت بإجراء الإجهاض. إنَّ إعادة بناءِ الحياةِ على هذا النَّحو تَفشل عادةً عندما تَحدُث إحدَى المواقف التالية:

          – عندما تَظلُّ مَنْ مارسَت الإجهاض فترات طويلة وبِمُفْرَدها.

          – عندما تتذكر الإجهاض أو عندما تتذكر تاريخ يومِ الإجهاض أو التاريخ الذي يُوافِق ميلادَ الطفل الذي أُجْهِض أو عند الذِّكْرَى السَّنوية لِميلاده.

          – فِي حالة التعب أو المرض.

          – عندما ترى أطفالاً آخَرين (خُصوصًا الرُضَّع) في مثل العُمر الذي كان من الْمُفترض أن يكون فيه ابنُها أو أبناؤها الْمُجهَضون.

          – عندما تصير حاملاً من جديد.

هنا بالضَّبط يَحدُث ما يُسمَّى”بِالظَّاهِرة الْمَرَضِيَّة لِما بعد الإجهاض”.

أعراض الظَّاهِرة الْمَرَضِيَّة لِما بعد الاجهاض

          على الرَّغم مِن أنَّ كثيرًا من الأطبَّاء وعُلماء النفس (الْمُوالين للإجهاض) يَذْكرون أن الاِختلال الذي تعانِي منه النساء بعد الإجهاض هو فقط اِضْطِراب “اِنفعالِيُّ ونفسانِي”، إلا أن الطب النفسي السليم يُثْبت أن هذا الاختلال هو أخطر من ذلك ويُصَنَّف كمرض، ويُمكن أن ينقسم إلَى ثلاث مَجموعات من المشاكل: فِي الْمَرْتبة الأولَى نَجد الاكتئاب والشعور بالذنب، وفِي الثانية العُدوانية ضِدَّ والد الطفل وضد الْمجتمع عامةً، وأخيرًا اختلالاً فِي الشخصية بطريقة مُزْمِنة تُماثِل ما يَحدث في حالة الأمراض العقلية.

          بتحديد أَدَقَّ يُمكننا أن نَذْكر الأعراض التالية:

          1) أعراض حزن وأَلَم. إنَّ فُقدان شيءٍ ما يُوَلِّد دائمًا حالة أَلَم، كما أن التغلب على الألَم الناتج عن الإجهاض الْمُتعمَّد يكون أصعب كثيرًا من التغلب على ما يسببه الإجهاض اللاَّإرادي الحاصل بفعل الطبيعة نفسها، وذلك لعدة أسباب، أَلا وهي: أن الشخص يشعر أنه هو الْمُذْنب والْمُتسبب في هذا الفقدان، كما أنه لا يكون لديه الإمكانية لزيارة جسد هذا الطفل؛ لَقد بذل مَجهودًا كبيرًا ليُقنع نفسه بأنه ليس إزاءَ كائنٍ بشري (من المدهش أن نفس هذا الْمَجهود من أجل إقناع الذات يَترك لَدَى الشخص شعورًا أكبَر بالذنب لأنه يعرف أنه اضطرَّ إلى السَّعْي وراء حُجَج يبرِّر بِها عملاً لا يدفعه ضميره إليه عفويًا). وعندما لا يتم تَخطِّي هذا الألَم فإنه يُؤَدِّي إلى الاكتئاب. وقد يؤثر الاكتئاب على الجهاز الْمَناعي للجسم وتزداد بذلك امكانية حدوث عَدْوَى وأمراض، وفِي الحالات القُصْوَى لوحِظت بداية أَوْرام سَرطانية. حدث أيضًا أن بعض الأشخاص الذين وقعوا فِي حالات اكتئاب حادة قد تَحوَّلوا بعد ذلك إلى شخصيات مضطربة نفسيًا.

          2) الشعور بالذنب. أَثبتت كثير من الدراسات أنه عندما لا يكون لَدَى الشَّخص إحساسٌ بالخطأ فإنه يكون لديه ميلٌ لتَعاطي الكُحوليات أو المخدِّرات؛ وبالعكس عندما يكون هناك شعور بالذنب فإنه عادةً ما يقع فريسة لحالات اكتئاب تتمثَّل في حزن عميق وبكاء ونظرة سلبية ومتشائمة للعالَم الْمُحيط به. وعندما يكون ذلك الشعور بالذنب كبيرًا جدًا فإنه يؤَدي إلَى احساس بالرعب وبالتدمير الذاتِي.

          3) العُدوانية. إن واحدة من التأثيرات الناتِجة عن الصراع الرهيب الذي يُسببه الإجهاض هو عدوانية المرأة نَحْوَ الذين تدخلوا في هذا الاجهاض: الطبيب، والخطيب أو الزوج، والأهل أو الأصدقاء الذين دفعوها إلى هذا الفعل، وأيضًا نَحو نفسها. إنَّها تُزيلُ هكذا بطريقة ما عن كاهِلِها حِمْل هذا الشعور بالذنب تِجاه نفسها من خلال الشعور بأَنَّها ضحية للآخَرين.

          4) اِهتزاز الثقة في العاطفة. إن جزءًا كبيرًا من أسباب التَّردُّد إزاءَ الإجهاض يعود إلى الْحُب وإلى الرغبة الطبيعية في الحِفاظ على الطفل الذي تكون المرأة حاملاً به. وهي تعرف بالفِطْرة – على الرَّغم من عدم رَغبتها في إظهار ذلك- أنَّ فِعلَ الإجهاض يتعارض مع حُبِّها الطبيعي: إن ابنها يتطلب الحبَّ خصوصًا من أمه، والطبيعة نفسها تؤهِّلها لِتحبه ولِتحافظ عليه حتى على حساب تَعَرُّض حياتِها هي للخطر، ولكن إذا أرادت إجهاضه فإنه يَجب عليها أن تَرفضَه. إن نفس ذلك الشعور بعدم الحب وبالتَّخلِّي الذي تَفترض المرأة أنَّ ابنها قد عانَى منه بسببها يبدأ فِي تعذيبها هي نفسها: فتشعر أنَّها غير مَحبوبة ومتروكة ومُهمَلة عاطفيًّا من قِبَل الآخرين. يُعَدُّ هذا أحد التأثيرات الْمُرْتَدَّة إلى صاحبها والناتِجة عن الإجهاض.

          5) الإيقاف المفاجئ والحادُّ للدورة الْهُرْمونيَّة. يُوجد لَدَى النساء إيقاع طبيعي ودورات طبيعية مرتبطة بالحمْل وتتميَّز بتغيُّرات هُرمونية تنتهي بطريقة طبيعية عند اكتمال كلِّ عملية الأمومة، أيْ أَنَّها تبدأ من لحظة التبويض وحتى انتهاء زمن إرضاع الطفل. هذه التغيُّرات الْهُرمونية تستلزم حدوث تَغَيُّرات جسمانية ونفسانية وعاطفية. وعندما يتم إيقاف هذه العملية بطريقة فُجائيَّة حادَّة، كما يَحدث في حالة الإجهاض، فإن المرأة تتعرَّض لاختلال ملحوظ تُصاحبه تأثيرات من جميع الأنواع: جسمانية وعاطفية ونفسانية ومتعلقة بالعلاقات مع الآخرين. هذه الاضطرابات قد تتراوح من الاكتئاب العاطفي على الصعيد الانفعالي إلى الملاحظة الطِّبِّية لِوجودِ مَيْلٍ أكبر لِحدوث سرطان الثَّدْيِ، مرورًا بِمشاكل الاِندماج الاِجتماعي والعائلي.

          6) “الوَعْي البِيولوچي”. هذا ما لاحظه كثيرٌ من الأطباء النفسانيين. وهنا أَذكر شهادة الطبيب النفساني كارل ستارن: “ليس من النادر أن نلاحظ أنه عندما تُجري المرأة إجهاضًا مُتَعمَّدًا، مثلاً في الشهر الثالث للحمل، فإنه قد يظهر أن هذا الفعل لا يؤدي إلى عواقب نفسانية. ومع ذلك فإنه بعد ستة أشهر من هذا الحدث، أيْ تحديدًا عندما يَحين ميعاد الميلاد الذي كان مُفترَضًا أن يُولَد فيه هذا الطفل، فإن السيدة تقع فريسةً  ِلاكتئاب خطير وحتى للمرض العقلي. وهنا يمكن أن نلاحظ، فيما يتعلق بِهذا الموضوع، ظرفَين مثيرَين: أنَّ الاكتئاب يَحدث حتى لو لَم تُدرِك المرأة أن «اللحظة التي يفترض أن يولد فيها الطفل قد حانت»؛ وكذلك قد تكون فلسفة هذه المرأة في الحياة تدفعها إلى عدم رفض فكرة الإيقاف المتعمَّد للحمل، ومع ذلك فإن ردَّ فعلها العميق على خبرة الفُقدان هذه (حتى وإن لم يكن له صلة حَتْمية بالاهتمام الواعي بفشل هذا الْمَخاض) يتزامن مع التاريخ الذي كان يَجب أن تتم فيه تِلْكَ الولادة … إن المرأة، في كيانِها الداخلي الحميم، تكون متصلة صلة عميقة بالواقع البيولوجي bios أي بالطبيعة نفسها. [2]

          7) الشعور بالفشل كأم والمشاكل المتعلقة بذلك. في بعض الأحيان ومن أجل مَلْء الفراغ، تَتولَّد رغبة قوية في إِيجاد بديلٍ للطفل المفقود. ولكن هذه الرغبة تكون مَمزوجة بالشَّكِّ والخوف من عدم النجاح في دورها كأم أو عدم إمكانيتها للدخول في علاقة سليمة مع الطفل أو عدم قدرتِها على رعايته جيدًا. وقد يكون لديها خوف من الأبناء المستقبليِّين، مثلاً: الخوف من أنْ تعاملَهم معاملةً سيِّئة، ويدفعها هذا في بعض الأحيان إلى اتِّخاذ قرار بِعَدَم إنْجابِ أولادٍ آخَرين. بعضُ الدراسات تُبيِّن أيضًا أن بعض النساء اللاتِي أجهضن يكون لديهنَّ مشاكل حقيقية لمواصلة حالات الأمومة اللاحقة: فتكون لديهِنَّ مشكلة في إرضاع ابنائِهن، ويشعُرْنَ بالخوف أو بالعدوانية أمام بكاء أطفالِهن، وكذلك قد يَصل هذا إلى حد الرفض (الناتج عن الخوف). وبما أن الطفل يستشعر ذلك تلقائيًا فإنه حينئذ يشعر بِالتَّخَلِّي. وفي بعض الأحيان، بما أنَّهنَّ لا يَرغبنَ في إيذاء الطفل وأَنَّهنَّ لديهنَّ الوَعْي بعدم إجادة معاملته، فإِنَّهنَّ يُرْسِلْنَه إلى الْحَضانة… في سن صغيرة جدًا أو دون وجود احتياج فِعْلِيٍّ لذلك.

          8) مشاكل أخرى. إن الدراسات التي نُشير إليها هنا تَذْكر أيضًا مظاهرَ أخرى “لأعراض ما بعد الاجهاض”. كمثال على ذلك: اضطرابات متفاوِتة الشدة في النوم (كوابيس متكررة)، أزمة في الْهَوِيَّة وعدم ثقة وشعور بالتَّدَنِّي (الوعي بفُقدان البراءة)، وأيضًا بعض الأمراض العقلية.

          من أجل ذلك كله يَجب أن نُذَكِّر بأن المشاكل التي يُسبِّبُها الإجهاض لا تقتصر بأي حال من الأحوال فقط  على الحالة الانفعالية، كما أنَّها لا تكون وَقْتية فقط، بل أنَّها تَستند على أساس حقيقي وواقعي أَلاَ وهو الفقدان الإرادي والْمُذْنِب لكائن بشري لا يَملِك القدرة على الدفاع عن نفسه وذلك من قِبَلِ مَنْ كانت عليه مسؤولية الأُبُوَّة أو الأمومة تُجاهَهُ.

          من كل هذا نستطيع أن نتفهَّم الكلمات التي وجهها يوحنا بولس الثاني في الرسالة العامة انجيل الحياة، إلى النساء اللاتي أجهضن: ” أوَّد أن أوجه إليكنَّ التفاتة خاصة، أيتها النساء اللواتي عَمَدْنَ إلى الاجهاض. تعرف الكنيسة الظروف الكثيرة التي يمكن أن تكون قد ضغطت على قراركن، وهي لا تشك في أن هذا القرار، في كثير من الأحوال، كان مدعاة إلى الألم والأسى. جرح النفس هذا من المحتمل ألاّ يكون قد التأم بعد. لا شك ان ما جرى كان ولا يزال على كثير من الظلم. ولكن لا تنسَقْن إلى اليأس ولا تتخلَّين عن الرجاء، بل افهمن، بالأحرى، ما حَدَث وفسّرّنه في ضوء الحقيقة. افتحنَ قلبكنَّ للندم بتواضع وثقة، إذا كنتنَّ لم تُقبِلن بعد على ذلك: فإن أبا المراحم ينتظركنَّ ليقدّم لكُنَّ الصفح والسلام في سرّ المصالحة: فَتُدْرِكْنَ إذ ذاك أنه لم يفت الأوان. ويمكنكُنَّ أيضًا تستغفرن الطفل الذي باتت حياته في الربّ. إذا وقف إلى جانبكنَّ أصدقاء أكفاء يسعفونكنَّ بنصحهم وحضورهم، فسوف تصبحنَ من أبلغ المقتنعين وأشدّ المناضلين عن حق الجميع في الحياة بشهاتكنَّ المتألمة. إذا تَجنّدتُنَّ لخدمة الحياة وفي حال توّجتُنّ كفاحَكنَّ بولادة خلائق جديدة ومارستُنّ هذه الخدمة بروح الانفتاح والتنبّه لمن هم بأمسّ الحاجة إلى حضور دافئ فسوف تساهِمْنَ في خلق نظرة جديدة إلى حياة الإنسان[3].

[1] المعلومات التالية مأخوذة من كتاب MYRIAM… warum weinst Du? Die leiden der frauen nach der Abtreibung (ميريام… لماذا تبكين ؟ آلام النساء بعد الاجهاض)؛ الصادر “ja zum leben. Mütter in Not”. ألف هذا الكتاب pius Stössel بناء على طلب المؤسسة “ja zum leben. Mütter in Not”، 8730 سنة 1996.

[2] عن هارنج: السلام، هاردر برشلونة 1975، ص 213.

[3] يوحنا بولس الثاني، انجيل الحياة، رقم 99