stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

تامل في نصوص آحاد الصوم الأربعيني – الأب انطونيوس فايز

577views

الأخوة الأحباء‎/‎‏ شعب رعية القديس مرقس الرسول بالعبور، أشارككم تلك اللحظات الفارقة ‏والمحن التي يمر بها العالم ومصرنا الحبيبة، في زمن الصوم الأربعيني، بتأمل في نصوص ‏آحاد الصوم الأربعيني، متمنيًا لكم عذاءً روحية حول مائدة كلمة الرب. ‏

إنجيل القديس يوحنا 5: 1 – 16‏
يشوع يشفي كسيح بِرّكة بيت حسدا
الأحد الرابع من الصوم الأربعيني المقدس
تناولنا الآحاد السابقة المسيرة التي تقودنا فيها الكنيسة خلال فترة الصوم المقدس. بداية من ‏وصف دقيق للعبادة الداخلية والتي تتمحور في أسلوب الصدقة والصوم والصلاة : فأبوك الذي ‏يرى في الخفية هو يجازيك علانية. تلاها نص التجارب: يسوع يعتزل خلال هذه الفترة لإعادة ‏ترتيب حياته مواجهًا تجاربه والتي هي في الواقع تجاربنا: التشكيك في عناية الله له ولنا أيضًا ” ‏إن كنت ابن الله…التجربة الأولى: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم ‏الله. فالعبادة الحقيقية تتجلّي في إقامة علاقة حميمية مع الله من خلال كلمته يسوع المسيح ‏والكتاب المقدس. التجربة الثانية: لا تجرب الرب إلهك. حيث نضع علاقتنا بالله في محك ‏التجربة والبرهان، وهنا السؤل أمام معطيات الحياة خاصة السلبية منها، كالكوارث والمجاعات ‏والأمراض الوبائية، متسائلين عن مصدرها وبسهولة ننسبها إلى الله ( القدير)، وربما البعض ‏يفسرها قائلاً: الله يسمح بها لتأديبنا بسبب خطايانا وابتعادنا عنه، فتُوقظنا ونعود إليه. السؤل ‏الحقيقي هو كيف يتدخل الله في واقعنا الإنساني خاصة في الأزمنة الصعبة والمحن. عدم تدخل ‏الله ليس عجزًا أو لا مبالاة منه. المعضلة في النهج الذي يتدخل به الله في التاريخ، نهج لا يخضع ‏للمنطق أو النهج البشري. الله يتدخل نعم، ولكن بأسلوبه هو وليس بأسلوبنا وتوقعاتنا. في الواقع، ‏هناك هوّة سحيقة ومسافة شاسعة بين ما نؤمن به ونعتقد وبين ما نريد أن نعرفه. قد لا نكون ‏قادرين على التعامل مع ما نعتقد أننا نريد أن نعرفه. نطلب من الله أن يساعدنا أن نتعلّم التجاوب ‏مع ما لا نفهمه قائلين :” إننا نثق بك يا رب”، إنه فعل الإيمان. التجربة الثالثة: ابتعد عني يا ‏شيطان، للرب إلهك وحده تسجد، وإياه وحدة تعبد. السعي الدؤوب للاكتفاء الذاتي والسيطرة على ‏مقاليد الأمور على جميع المستويات الفردية والدولية. السيطرة على مقدرات الشعوب في جميع ‏المجالات خاصةً الصحية، وما نمر به الآن من أوبئة. الحياة هي هبة إلهية، فرصة من خلالها ‏ننمو في الحب والعطاء والتقاسم. هكذا من خلال التجارب يرسم لنا يسوع النهج الصحيح ليس ‏فقط في رحلة الصوم بل للحياة في مجملها. في النهاية ينتصر يسوع بهذا النهج على إبليس ولكن ‏إلى حين، يبقى علينا أن نكمل المسيرة في واقعنا الحياتي اليومي. يقودنا ذلك إلى واقعنا الحياتي ‏من خلال نص الأب الرحيم أو الأبن الضال. يقدم لنا الأحد الثاني قضية الحياة الأسرية، كنمط ‏حقيقي لحياة القداسة المسيحية وذلك في مثل الأب الرحيم والابن الضال. يؤكد المثل ويُظهر مدى ‏عمق الخطيئة كانفصال عن الأب، والحياة العائلية . فكلا الابنان لديهما صعوبة في قبول هذه ‏الحياة حياة القداسة أي حياة الشركة العائلية، التي يدعونا الله إليها. تتجلى هذه الصعوبة ( ‏الخطيئة ) في إنجيل اليوم الأحد الرابع، إنجيل السامرية، فالعلاقات مشوهة ، أو مقطوعة، بين ‏اليهود والسامريين من جهة، وبين هذه المرأة، التي تمثلنا جميعا، وبين من تعيش معهم:” كان لك ‏خمس أزواج، والذي معك الآن ليس بزوجك”. ثم ينتقل من هذه العوائق من مستوى العلاقات ‏البشرية لتعبر عن أسلوب العبادة الحقيقية والتي تتجلّى في العبادة الظاهرية التي فقدت عمقها ‏الداخلي والباطني الحميمي مع الله، فأصبحت قشور: التمسك بالطقوس والتي هي هامة دون ‏العمق الداخلي: أين نعبد؟ في هذا الجبل أم في أورشليم… ستأتي ساعة وهي الآن، يعبد في ‏العابدون الحقيقيون الآب بالروح والحق. في الواقع ما نمر به في هذه الأيام من محنة الكورونا ‏تكشف لنا واقعنا الهش. إنها فرصة لإعادة تقييم حياتنا وعلاقتنا بالله والآخرين وهدم الحواجز ‏والجداران التي تفصلنا عن العبادة الحقيقية مع الله، وبناء جسور التواصل في علاقتنا الإنسانية ( ‏مسيرة توبة ومصالحة). كل ها يقودنا إلى الأحد الرابع، الذي يقدم مشهدًا رائعًا: يسوع يشفي ‏كسيح بِرّكة حسدا. حوار يسوع من شخص يعرفه تمامًا في كل أبعاده، هكذا يسوع يحاورنا عالمًا ‏بما نحياه من قوة وضعف. بينما ندخل نحن في حواراتنا وعلاقاتنا الإنسانية دون معرفةٍ كاملة، ‏هناك حواجز من خبرات سابقة وأحكام مُسبقة شاهدناها في النصان السابقان ( الأب الرحيم – ‏السامرية). يسوع يدخل في علاقة وحوار مع شخص مشلول كسيح منذ ثمانية وثلاثون عامًا. ‏هي قصة حب ورحمة ، من جهة يسوع، وخيانة ومقاومة للحب ،من جهة الكسيح. يبدأ الحوار ‏بسؤال يوجهه يسوع للكسيح وكل واحد منا :” هل تريد الشفاء؟”، ومَن منا لا يريد الشفاء من ‏أمرضه؟ يبدو لأول وهلة، سؤال استفزازي، وخاصة يسوع يعلم بقسوة هذا المرض وطول ‏مدته! السؤل ماذا يطلب منّا يسوع نظير الشفاء؟ أن نؤمن به، وألّا نعود إلى الخطية. ينطلق ‏يسوع من الشفاء الحسي للأمراض المحسوسة والمرئية للدخول في الأمراض غير المرئية، ‏فالخطيئة من الصعب اكتشافها بمفردنا ورؤيتها بالعين، إنها تدخل حياتنا وقلوبنا وتتجذّر فيها، ‏وتحول حياتنا إلى كابوس. لم يتكن الكسيح أن ينزل إلى البِرّكة بمفرده، بقدرته الذاتية، واكتفاءه ‏الذاتي: ليس لي إنسانّ. يشعر الكسيح بالغربة والعزلة التي تفرضها علينا ثقافة اليوم وجردنا من ‏الشركة، ثقافة تتجلّى في التعبير : ليست بحاجة إليك يا الله، لست بحاجة إليك إيها الإنسان. مَن ‏لديه إيمان لا يمكنه القول أبدًا أن الله بعيد عنه. فإن نسيت الأم رضيعها، فغن الله لا ينسانا. في ‏المحن والمعاناة يقترب من الله ، أكثر من أي لحظة أخرى، علينا ان نثق بذلك وإن لم نراه ‏بأعيننا، عما سوف نراه في أحد التناصير، نص المولود أعمى. إنها دعوة في أزمنة المحن ‏لنقترب بعضنا البعض ولنتخلى عن ما يبعدنا ويفصلنا، مجتمعيًا، عرّقيًا، دينيًا، ولنتقاسم الحب ‏والعطاء والخير والسلام. لنتحد في الصلاة اليوم أمام المحن الت تشملنا جميعًا دون استثناء ، ‏ولنصرخ إلى الله مع العالم أجمع أشفنا يا رب من أمراضنا وخطيانا.‏

الأب انطونيوس فايز