stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابية

دور الأنبياء في المجتمع-أب/ كميل وليم

839views

imagescatpbdy9

عاموس هو أول نبي يقوم بمحاكمة المجتمع الذي عاش فيه وسوف يسير في نفس الطريق معظم مرسلي يهوه. فالخطر يهدد الأرامل والأيتام والغرباء والأجراء، إذ يرفض الأغنياء الاعتراف بحقوق هؤلاء الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية. لذلك ندد هوشع وأشعيا وميخا، كل بدوره، بالطبقة المستغلة ونضبوا أنفسهم للدفاع عن المظلومين. لقد احتج الأنبياء، النبي تلو الآخر على التفرقة التي عانى منها الفقراء وأعلنوا أن عبادة بني إسرائيل- بالرغم من سموها وخصوبتها- إلا أنها تعتبر إهانة موجهة لله إذ تتجاهل الرباط الذي أراده الله بين عبادته وخدمته وخدمة الآخرين واحترامهم. لقد أكّد الأنبياء أن احترام حقوق الفقير أهم بكثير من الطقوس الطويلة الخاشعة التي يمارسها الشعب فالله يريد رحمة لا ذبيحة. ويعتبر عاموس أول من نادي بطريقة جديدة لممارسة الديانة.

تقوم هذه الطريقة الجديدة على الصبغة الأدبية الأخلاقية أكثر منها على تراث الأمة والأباء.  وقد كتب P. Humbert بهذا الصدد: “اكتشف عاموس في أعماق ضميره إلهاً إرادته مطابقة تماماً للخير. وأهم متطلبات هذا الإله هي العدالة والأخلاق. ولم يكن يسمح أن يطأ الذين يعبدون هذا الإله لا العدالة والأخلاق بأقدامهم. إن العدالة والأخلاق تتجسم- بالنسبة لعاموس- في الله”.

ويرى المفسرون أن عاموس قد تأثر بالتيار اليهوي ومتطلباته فهو يشير إلى الشريعة صراحة في عا 8:2أ، وضمنياً في 7:2ب و 10:5-12 و 5:8ب، وكنوع من الاحتمال في 14:8. وكان عاموس يتدخل- بتلقائية عفوية- ليصل مباشرة إلى الواقع الذي يحتك به. ولم يكن يستشهد بالنصوص ولا يذكر العهد ولا سيناء ولا موسى. فرسالته لم تكن في حاجة إلى ضمان خارجي. ولذا يصح القول عنه إنه متأثر بالفكر اليهوي إلا أنه يستمد سلطته العقلية من الله الذي دعاه. ويعنّف أشعيا سكان أورشليم بنفس الطريقة التي عنف بها عاموس سكان مملكة الشمال (عا21:5-27) ويعلن لهم أن يهوه سئم محرقاتهم وأعيادهم وإنه يريدهم أن يعملوا الخير ويمارسوا العدالة (أش10:1-17). ويندد هوشع بالطابع الخارجي السطحي لعبادات الشعب ويعلن له إن الله يسر بالعلاقة الشخصية وليس بالذبائح (هو1:6-6 ). ويهاجم ميخا بحدة المسئولين الذين يستغلون سلطتهم لنزع القليل الذي بقى لفقراء (ميخا 1:3-4) ولا يكفي أن يقدم هؤلاء محرقات كثيرة وثمينة، بل يجب أن ينفذوا إرادته بالكامل: “قد بين لك أيها الإنسان ما هو صالح وما يطلب منك الرب إنما هو أن تجري الحكم وتحب الرحمة وتسير بتواضع مع إلهك” (ميخا8:6). ولم يكن الأنبياء وحدهم هم الذين يدافعون عن حقوق الفقراء في إسرائيل والذين يطالبون بالعدالة للجميع.

فالشريعة الإلهية نفسها تحمي الفقراء والذين يتعرضون للظلم وتطالب بمساعدتهم بشتى الطرق (مز10:9-13؛ 17:10-18؛ 27:22؛ 8:25-10) وبأهمية العدالة (أم1:11؛ 31؛ 5:17؛ 17:19-الخ). وأكدوا أن المحتاجين والمسجونين هم أيضاً خليقة الله (أم13:14؛ 5:17؛ 17:19..الخ). ويعبّر كتاب المزامير عن أمنية الحكماء وانتظارهم لملك مختار من يهوه ليقر العدالة ودافع عن الضعيف (مز72)، ورغبتهم في أن يعترف الجميع بحقوق الفقراء والمظلومين (مز17؛ 27:22؛ 8:25-10…)؛ واعتبارهم أن الفقراء هم أصدقاء يهوه (مز10:9-13؛ 17:10-18؛ 27:22؛ 8:25-10) وباختصار تتفق إعلانات الله على إظهار اهتمام يهوه بكل من يحاول المجتمع أن يهمشهم ويسحقهم واهتمامه بإقرار العدالة. ويجدر بنا أن نتوقف لحظة للتمعن في مفهوم العدالة في الكتاب المقدس وخاصة في العهد القديم.

إن الكلمة العبرية المستعملة لا تشير إلى عدالة حسابية (حقي وحقك!) إنما تمتد لتشمل العلاقات والوجود الإنساني نفسه لا بل الكون بأسره لأن العدالة تنشر التفاهم والوئام بين مختلف الخلائق وهي تحقق الوعد بالحياة والرخاء، في حين أن الظلم يضعف وحدة الخلائق ويدخل الفوضى في العالم والمجتمع ويؤدي إلى الموت. ولكي تعود الأمور إلى نصابها لابد أن يتم الحكم فيستتب النظام من جديد، والعلاقة بين المخلوقات فيصبح الوجود الفردي والجماعي ممكناً. وإنه لشيء معبر أن يتمنى المرنم لملك إسرائيل ويدعو له بالعدالة والرخاء والخصب والمجد. وهذه هي علاقات بركة الله (راجع مز72). وننصح بقراءة النصوص التي ترد فها كلمتا عدالة وحكم مجتمعين أو منفصلتين (عا 7؛ 12:6؛ 15:5و24) ويمكن مقارنة هذه النصوص بنصوص أخرى من باقي الأنبياء (مثل أش 16:1..؛ 7:5و23، 21:1 .26؛ هو21:2 ميخا 8:6..).

إذاً يتفق أنبياء بني إسرائيل مع تقاليد العهد القديم عندما يتوجهون إلى الشعب باسم يهوه، واضعين العدالة في المكانة الأولى من متطلبات يهوه ويضاف في هذا اعتقاد آخر ساد في الشرق قديماً وهو أن سعادة الشعب مرتبطة بممارسة ملوكه للعدالة وابتعادهم عن الظلم والعنف. ومع ذلك لا يجب أن نفصل رسالة الأنبياء الداعية إلى العدالة من إطار في رسالة أنبياء بني إسرائيل. فابتداء من القرن 8 ق.م.

تظل دعوة أنبياء بني إسرائيل فريدة ووحيدة في نوعها مستمرة وغير منقطعة، ومقدمة على أنها إرادة إله بني إسرائيل. ويتفق مفسرو الكتاب على أن الرخاء الذي ساد مملكة الشمال أيام ياربعام الثاني صاحبه نوع من الانحلال داخل المجتمع الإسرائيلي: لقد قام نظام ظلم وعدم تكافؤ واستغلال. استغل البعض الظروف المؤاتية للاستيلاء على ممتلكات الفقراء والضعفاء، فأحس هؤلاء بأنهم سلبوا ما كانوا يملكون. وتشهد بذلك نتائج الحفريات التي قام بها De Vaux في العاصمة القديمة ترسا (تل الفراة): لقد وجد حياً غنياً، يقابله حي فقير للغاية. هذا التفاوت الواضح هو نتيجة عدم العدالة في توزيع خيرات المملكة. إلا أن الأزمة- التي عارضها وندد بها عاموس ومن تلاه في الزمن من الأنبياء كانت قد بدأت منذ زمن طويل وبالتحديد في زمن سليمان الملك حيث استتب الأمر على مركزية السلطة (1مل 1:4-5و8؛ 10:9-28)، لا بل إلى زمن داود نفسه الذي ضم لمملكته- بالإضافة إلى قبائل يهوذا وإسرائيل- الشعوب الكنعانية الباقية. وسياسة الضم هذه التي اتبعها داود جمعت بين تيارين غير قابلين للتلاقي: الأول وهو التقليد اليهوي والذي بموجبه يكون الشعب جماعة اخوة يتساوى جميعهم في الحقوق ويتقاسمون فيما بينهم الأرض التي هي ملك الله وحده ولكن لكل واحد قطعة أرض ومنزل خاص به (ميخا 2:2ب). أما التيار الثاني وهو من أصل كنعاني فيرى أن الملك هو صاحب السلطان على الأراضي التي يفتحها سواء بالقوة (2صم 18:24-25) أو بالحيلة (1مل21) وهذه الأراضي هي ملك له ويوزعها هو على البلاط الملكي. لذلك حاول رجال الدولة الاستيلاء على أراضي الفلاحين. وبسبب الديون سلم الفلاحون أراضيهم لصاح الدين فأصبحوا أجراء. وتفاقمت الديون فسلموا أنفسهم وعائلاتهم عبيداً.

هذا التطور العادي في نظر الكنعانيين أثار غضب ورد فعل الأنبياء العنيف. هذا يفسر موقف عاموس وميخا وأمثالهما. وتشهد الكتابات على الفخار التي وجدت في السامرة على انتشار هذه الطريقة أيام يوآش وياربعام الثاني: كانت ممتلكات الملك تعهد لأعيان البلاط وهؤلاء كانوا يقيمون آخرين نظاراً عليها وكان كل هم الأجراء هو إرضاء النظار وهم هؤلاء إرضاء الأعيان وهمّ الأعيان إرضاء الملك. ولهذا قاوم الأنبياء هذا النوع من الإقطاع الذي أثار الرعب في البلد. لقد قاوم الأنبياء هذه الخيانة لروح عبادة يهوه ونددوا بالأخطاء دون أن يقترحوا حلولاً لها سوى العودة إلى يهوه والتوبة. إنهم لم يتدخلوا لصالح العدالة من منطلق صراع الطبقات كما يحاول البعض أن يرى ذلك فهم مرسلو إله إسرائيل الأمناء. وسوف يؤدي الشعب وحكامه حساباً أمام هذا الإله. إنه من المهم بمكان أن يتعرف المرء على كل جوانب مشكلة بني إسرائيل التي تعرض لها عاموس وأشعياء وهوشع وميخا.

عن مجلة صديق الكاهن 1  / 1994