stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أخبار الكنيسة

رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للشباب 2016

834views

1555176_Articolo

تحت عنوان “طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون” صدرت ظهر اليوم الاثنين رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي الحادي والثلاثين للشباب الذي سيُعقد في كراكوفيا من السادس والعشرين وحتى الحادي والثلاثين من تموز يوليو 2016. فيما يلي ننشر النص الكامل للرسالة

أيها الشباب الأعزاء، لقد وصلنا إلى المرحلة الأخيرة من حجنا إلى كراكوفيا، حيث في شهر تموز من السنة المقبلة، سنحتفل معًا باليوم العالمي الحادي والثلاثين للشباب. وفي مسيرتنا الطويلة والمُلزمة تقودنا كلمات يسوع المأخوذة من “عظة الجبل”. لقد بدأنا هذه المسيرة عام 2014، متأملين معًا حول الطوبى الأولى: “طوبى لِفُقراءِ الرُّوح فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات” (متى 5، 3). أما موضوع عام 2015 فكان: “طوبى لأَطهارِ القُلوب فإِنَّهم يُشاهِدونَ الله” (متى 5، 8). وفي العام القادم سنسمح لكلمات: “طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون” (متى 5، 7) بأن تُلهمنا.

1.    يوبيل الرحمة

مع هذا الموضوع يدخل اليوم العالمي للشباب في كراكوفيا لعام 2016 في السنة المقدسة للرحمة، ليصبح بدوره يوبيلاً حقيقيًّا للشباب على مستوى عالمي. ليست المرة الأولى التي يُصادف فيها لقاء دولي للشباب مع سنة يوبيليّة. في الواقع، وخلال السنة المقدسة للفداء (1983/ 1984) دعا القديس يوحنا بولس الثاني للمرّة الأولى شباب العالم بأسره إلى أحد عيد الشعانين. من ثَمَّ وخلال اليوبيل الكبير لعام 2000 اجتمع في روما مليونا شاب من حوالي 165 بلدًا للاحتفال باليوم العالمي الخامس عشر للشباب. وكما حصل في هاتين الحالتين السابقتين، أنا متأكّد أن يوبيل الشباب في كراكوفيا سيكون أحد أقوى اللحظات خلال هذه السنة المقدسة!

قد يتساءل البعض منكم: ما هي هذه السنة المقدّسة التي تحتفل بها الكنيسة؟ إن النص الكتابي الفصل الخامس والعشرين من سفر الأحبار يساعدنا على فهم ماذا كان يعني “اليوبيل” بالنسبة لشعب إسرائيل: كل خمسين سنة كان اليهود يسمعون صوت البوق (يوبل) يدعوهم للاحتفال بسنة مقدّسة(يوبيل) كزمن مصالحة (يوبال) للجميع. ينبغي في هذه المرحلة استعادة علاقة جيّدة مع الله والقريب والخليقة مبنيّة على المجانيّة. لذلك، ومن بين الأمور الأخرى، كان يُعزز الإعتاق من الديون، والمساعدة الخاصة لمن كان يعيش في بؤس، تحسين العلاقات بين الأشخاص وتحرير العبيد.

فيسوع المسيح قد جاء ليعلن ويحقق الزمن الدائم لنعمة الرب ويحمل البشرى السارة للفقراء، ويخلي سبيل الأسرى، ويعيد البصر للعميان ويفرج عن المظلومين (راجع لوقا 4، 18- 19). فبه، ولاسيما في سرّه الفصحي، يجد المعنى الأعمق لليوبيل تمامه الكامل. فعندما تدعو الكنيسة باسم يسوع لإقامة يوبيل، نكون جميعنا مدعوين لعيش زمن نعمة استثنائي. والكنيسة بدورها مدعوة لتقدم بوفرة علامات حضور الله وقربه وأن توقظ في القلوب القدرة على النظر إلى الجوهري. وهذه السنة المقدسة للرحمة بشكل خاص: “هي الزمن للكنيسة لتجد مجدّدًا معنى الرسالة التي أوكلها الرب إليها يوم الفصح بأن تكون أداة لرحمة الآب” (عظة صلاة الغروب في أحد الرحمة الإلهيّة، 11 نيسان 2015).

2. رُحَمَاء كالآب

إن شعار هذا اليوبيل الاستثنائي هو “رُحَمَاءَ كالآب” (راجع وجه الرحمة، 13)، وبهذا الشكل يتناغم مع موضوع اليوم العالمي للشباب المقبل. لنسعى إذًا لفهم معنى الرحمة الإلهية بشكل أفضل. يستعمل العهد القديم عبارات مختلفة للحديث عن الرحمة، وأهمّها “حِسِد” و”رَحَميم”. الأولى تُطبّق على الله وتُعبِّر عن أمانته التي لا تكِلُّ للعهد مع شعبه الذي يُحبُّه ويغفر له للأبد. أما العبارة الثانية “رَحَميم” يمكن ترجمتها بكلمة “أحشاء”، كإشارة بشكل خاص إلى الحشا الوالدي فنفهم بهذا الشكل محبة الله لشعبه كمحبة أمٍّ لابنها. هكذا يُقدِّمه لنا النبيُّ أشعيا: “أتنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى ولو نسيت النساء فأنا لا أنساك” (أشعيا 49، 15). إن محبة من هذا النوع تعني إفساح مجال للآخر في داخلي، فأشعر وأتألّم وأفرح مع القريب. إن المفهوم البيبلي للرحمة يشمل أيضًا حبًّا ملموسًا وأمينًا، مجانيًّا ويسامح. ولدينا في هذا المقطع من سفر هوشع مثالاً جميلاً عن محبة الله التي يشبّهها لمحبّة أب لابنه: “لما كان إسرائيل صبيًّا أحبَبتُه ومِن مصرَ دعوت ابني. يدعونهم لكنّهم يُعرضون عنهم؛ […] أنا درّجتُ أفرائيم وحملتهم على ذراعي لكنّهم لم يعلموا أني اهتممتُ بهم. بحبال البشر، بروابط الحب اجتذبتهم وكُنتُ لهم كمن يرفع الرضيع إلى وجنتيه وانحنيت عليه وأطعمتُه” (هوشع 11، 1- 4). وبالرغم من موقف الابن الخاطئ، والذي يستحق قصاصًا، يبقى حبُّ الأب أمينًا ويغفر على الدوام للابن التائب. وكما نرى فالرحمة تتضمّن المغفرة على الدوام، فهي “ليست فكرة مجرّدة بل حقيقة ملموسة يظهر من خلالها محبته كأب وأمّ يتأثران حتى الأحشاء من أجل ابنهما. […] تأتي من الداخل كشعور عميق وطبيعي، مكوّن من الحنان والشفقة، تسامح ومغفرة” (وجه الرحمة، 6).

أما العهد الجديد فيحدثنا عن الرحمة الإلهية (إيليوس) كخلاصة لعمل يسوع الذي جاء ليحققه باسم الآب في العالم (راجع متى 9، 13). فرحمة ربنا تظهر بشكل خاص عندما ينحني على البؤس البشري ويُظهر رأفته تجاه الذين يحتاجون للتفهُّم والشفاء والمغفرة. كلُّ شيء في يسوع يتحدث عن الرحمة، لا بل هو الرحمة بحد ذاتها. في الفصل الخامس عشر من إنجيل لوقا يمكننا أن نجد أمثال الرحمة الثلاثة: مثل الخروف الضال، ومثل الدرهم الضائع، وذلك المثل المعروف بمثل “الابن الضال”. في هذه الأمثال الثلاثة يؤثِّرُ فينا فرح الله، الفرح الذي يشعر به عندما يجد خاطئًا ويغفر له. نعم، فرح الله هو المغفرة! هنا نجد خلاصة الإنجيل بأسره. ” كلّ منا هو ذلك الخروف الضائع والدرهم الضائع، كلّ منا هو ذلك الابن الذي فقد حريّته بإتباعه للأصنام ولسراب السعادة فأضاع كلّ شيء. لكن الله لا ينسانا والآب لا يتركنا أبدًا. إنه أب صبور ينتظرنا على الدوام! يحترم حريتنا ويبقى أمينًا أبدًا وعندما نعود إليه يستقبلنا كالأبناء في بيته لأنه لا يكفُّ أبدًا عن انتظارنا بمحبة، وقلبه يعيِّدُ بكل ابن يعود إليه. يُعيّد بسبب الفرح، والله يفرح عندما يذهب إليه خاطئ من بيننا ويطلب مغفرته” (صلاة التبشير الملائكي، 15 أيلول 2013).

إن رحمة الله ملموسة بشكل كبير وجميعنا مدعوون لنختبرها بأنفسنا. عندما كنت في السابعة عشرة من عمري، وفي يوم كان ينبغي علي أن أخرج فيه مع أصدقائي، قرّرت أولاً أن أُعرّج على الكنيسة. وهناك وجدت كاهنًا أوحى إلي بثقة مميّزة وشعرت برغبة فتح قلبي في الاعتراف. وذلك اللقاء قد بدّل حياتي! لقد اكتشفت أنه عندما نفتح قلوبنا بتواضع وشفافيّة يمكننا أن نتأمّل برحمة الله بشكل ملموس. لقد تأكّدت أن الله كان بانتظاري في شخص ذاك الكاهن، قبل أن أقوم بالخطوة الأولى لأدخل إلى الكنيسة. نحن نبحث عنه ولكنّه يسبقنا على الدوام، يبحث عنا على الدوام ويجدنا أولاً. ربما قد يكون لدى أحدكم ثقل في قلبه ويفكر: لقد فعلت هذا وذاك…لا تخافوا! هو ينتظركم! إنه أب ينتظرنا على الدوام! ما أجمل أن نلتقي عناق الآب الرحيم في سرّ الاعتراف، وأن نكتشف كرسيّ الاعتراف كمكان للرحمة، ونسمح أن يلمسنا حب الرب الرحيم الذي يغفر لنا على الدوام!

وأنت عزيزي الشاب وعزيزتي الشابة هل شعرت يومًا بنظرة الحب اللامتناهي هذا، الذي وبالرغم من خطاياك ومحدوديّتك وفشلك لا يزال يثق بك وينظر إلى حياتك برجاء؟ هل تدرك قيمتك إزاء إله منحك كل شيء بدافع الحب؟ كما يعلّمنا القديس بولس: “أَمَّا اللهُ فقَد دَلَّ على مَحبتِّهِ لَنا بِأَنَّ المسيحَ قد ماتَ مِن أَجْلِنا إِذ كُنًَّا خاطِئين” (روما 5، 8). ولكن هل نفهم حقًّا قوّة هذه الكلمات؟ أعلم كم هو عزيز عليكم صليب اليوم العالمي للشباب – عطيّة القديس يوحنا بولس الثاني – الذي ومنذ عام 1984 يرافق جميع لقاءاتكم العالميّة. كم من التبدّلات وكم من الارتدادات الحقيقية قد انبثقت في حياة العديد من الشباب من اللقاء مع هذا الصليب البسيط! وربما قد تساءلتم من أين تأتي قوة الصليب العظيمة هذه؟ هذا هو الجواب: الصليب هو العلامة الأكثر دلالة على رحمة الله! فهو يشهد أن مقياس محبة الله إزاء البشرية هو حبٌّ لا يعرف قياس! في الصليب يمكننا أن نلمس رحمة الله، وأن نسمح لهذه الرحمة أن تلمسنا. هنا أريد أن أُذكّر بحدث المُجرمَين اللذين صُلبا بالقرب من يسوع: أحدهما وهو مغرور، لم يعترف بأنه خاطئ وشتم الرب. أما الآخر فقد اعترف بأنه أخطأ وتوجّه إلى الرب وقال له: “أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلَكوتِكَ”. فنظر إليه يسوع برحمة لامُتناهيّة وأجابه: “سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس” (راجع لوقا 23، 32. 39- 43). في أي منهما نجد أنفسنا؟ في ذلك المغرور الذي لا يعترف بأخطائه؟ أو في الآخر الذي يعترف بأنّه بحاجة للرحمة الإلهية ويطلبها من كل قلبه؟ في الرب، الذي أعطى حياته من أجلنا على الصليب، نجد دائمًا الحب غير المشروط الذي يعترف بحياتنا كخير ويعطينا على الدوام الإمكانية لنبدأ من جديد.

3. الفرح الكبير الناتج عن كوننا أدوات لرحمة الله

تعلمنا كلمة الله أن “العَطاءَ أَعْظَمُ غِبْطَةً مِنَ الأَخْذ” (أعمال 20، 35). ولهذا السبب بالذات يقول التطويب الخامس “طوبى للرحماء”. نعلم أن الرب أحبنا هو أولا. لكن نصير فعلا طوباويين وسعداء فقط إذا ما دخلنا في المنطق الإلهي للعطاء، للمحبة المجانية، إذا ما اكتشفنا أن الله أحبنا بلا حدود ليجعلنا قادرين على أن نحب مثله هو، بلا قياس. كما يقول القديس يوحنا “أَيُّها الأَحبَّاء، لِنُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا، فإِنَّ المحبَّةَ مِنَ اللهِ، وكلُّ مَنْ يُحِبُّ فهوَ مَولودٌ مِنَ اللهِ، ويَعرِفُ الله. مَنْ لا يُحِبَّ لم يَعرفِ اللهَ، لأنَّ اللهَ مَحبَّة … على هذا تَقومُ المحبَّة: لا أَنَّا نحنُ أَحبَبنا اللهَ، بل هُوَ نَفسُهُ أَحبَّنا وأَرسلَ ابنَهُ كفَّارةً عَن خطايانا. أَيُّها الأَحبَّاء، إِنْ كانَ اللهُ قد أَحبَّنا إلى هذا الحدِّ فعلينا، نَحنُ أَيضًا، أَنْ نُحِبَّ بَعضُنا بعضًا”. (1 يوحنا 4، 7 – 11). بعد أن شرحتُ لكم بطريقة مقتضبة كيف يمارس الرب رحمته تجاهنا، أود أن اقترح عليكم كيف يمكننا أن نكون حقا أدوات لهذه الرحمة نفسها تجاه الآخرين. يأتي على ذهني مثال الطوباوي بييرجورجيو فراسّاتي. كان يقول: “يزورني يسوع كل يوم في المناولة، وأنا أرد هذه المناولة في الطريقة البائسة التي بمقدرتي، من خلال زيارة الفقراء”. بييرجورجيو كان شابا فهم ما يعني أن يكون لدينا قلب رحوم، مرهف حيال الأشد عوزا. وكان يقدم لهم أكثر من الأمور المادية؛ كان يقدم لهم نفسه، وقته وكلماته والقدرة على الإصغاء. كان يخدم الفقراء بتواضع كبير دون أن يضع ذاته محطا للأنظار. كان يعيش فعلا الإنجيل القائل “أَمَّا أنتَ، فإِنْ تصَدَّقْتَ، فلا تَعلَمْ شِمالُكَ ما تَصنعُ يَمينُك؛ لكي تكونَ صَدَقَتُكَ في الخُفْيَة” (متى 6، 3 – 4). وقبل يوم على موته، وفي كان مصابا بمرض خطير، أعطى توجيهاته بشأن كيفية مساعدة أصدقائه المحتاجين. خلال تشييعه فوجئ أقرباؤه وأصدقاؤه بحضور أعداد كبيرة من الفقراء الغرباء، الذين اعتنى بهم وساعدهم بييرجورجيو الشاب.

أنا شخصيا أحبُ أن أربط التطويبات الإنجيلية بالفصل الخامس والعشرين من إنجيل متى، عندما يقدم لنا يسوع أعمال الرحمة ويقول إننا سُنحاسب على أساسها. لذا أدعوكم إلى إعادة اكتشاف أعمال الرحمة الجسدية: أن نطعم الجياع، ونسقي العطاش ونُلبس العراة ونستقبل الغرباء، ونعتني بالمرضى، ونزور المساجين وندفن الموتى. ودعونا ألا ننسى أعمال الرحمة الروحية: تقديم الاستشارة للمشككين، تعليم الجاهلين، تحذير الخطاة، مواساة الممتحنين، مغفرة الإساءات، احتمال الأشخاص المزعجين بصبر، والصلاة إلى الله على نية الأحياء والأموات. كما ترون إن الرحمة ليست “طيبة مفرطة” أو مجرد عاطفية. هنا يوجد التحقق من أصالة كوننا تلامذة ليسوع، ومصداقيتنا كمسيحيين في عالم اليوم. أود أن أقترح عليكم، أنتم الشباب الواقعيون للغاية، أن تختاروا خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2016 عمل رحمة جسدية وعمل رحمة روحية تطبقونهما كل شهر. استمدوا الوحي من صلاة القديسة فاوستينا، الرسولة المتواضعة للرحمة الإلهية في زماننا: “ساعدني يا رب كي … تكون عيناي رحومتين حتى لا تنتابني الشبهات ولا أحكم استنادا إلى المظاهر الخارجية، كي أعرف كيف أرى ما هو جميل في نفس قريبي وكيف أساعده … يكون سمعي رحوما، كي أنحني على احتياجات قريبي، وكي لا تكون أذناي غير مباليتين بآلام قريبي وأنينه … يكون لساني رحوما لا يتكلم بالسوء عن القريب، بل يحمل كلمة مواساة ومسامحة لكل شخص … تكون يداي رحومتتين ومفعمتين بالأعمال الجيدة … تكون رجلاي رحومتين كي أهب دائما لمساعدة القريب، متغلبة على قنوطي وتعبي … يكون قلبي رحوما كي يشارك في معاناة القريب كلها”. (اليوميات، 163)

رسالة الرحمة الإلهية تشكل إذا برنامج حياة ملموس جدا ومتطلب لأنه يشتمل على الأعمال. ومن بين أعمال الرحمة البديهية، والأكثر صعوبة في التطبيق ربما، هو مغفرة من أساء إلينا، من ألحق بنا الضرر، من نعتبرهم أعداء. ” كم يبدو لنا صعبًا أن نغفر أحيانًا! ومع ذلك فالمغفرة هي الأداة التي وُضعت بين يدينا الضعيفتين لنبلغ إلى سكينة القلب. إن ترك الحقد والغضب والعنف والانتقام هي الشروط الضروريّة لنعيش سعداء” (وجه الرحمة، 9). ألتقي بالعديد من الشباب يقولون إنهم سئموا من هذا العالم المنقسم، يتواجه فيه أنصار فصائل مختلفة، ثمة حروب كثيرة وهناك حتى من يستخدم دينه الخاص كتبرير للعنف. علينا أن نترجى من الله نعمة أن نكون رحومين مع من يصنع لنا الشر. كما فعل يسوع عندما صلى من على الصليب من أجل من صلبوه: “يا أَبتاهْ! إِغفِرْ لَهم، فإِنَّهم لا يَدْرونَ ما يَعْمَلون” (لوقا 23، 34). الرحمة هي الدرب الوحيد للتغلب على الشر. العدالة ضرورية بالطبع لكنها ليست كافية لوحدها. لا بد أن تسير العدالة والرحمة معا. كم أود أن نتحد كلنا بصلاة مشتركة، تنبع من أعماق قلوبنا، سائلين الرب أن يرحمنا ويرحم العالم بأسره!

4. كراكوفيا تنتظرنا!

أشهر قليلة تفصلنا عن لقائنا في بولندا. كراكوفيا، مدينة القديس يوحنا بولس الثاني والقديسة فاوستينا كوفالسكا، تنتظرنا بذراعين منفتحتين وبقلب مشرّع. اعتقد أن العناية الإلهية قادتنا للاحتفال يوبيل الشبيبة هنا بالذات، حيث عاش هذان الرسولان الكبيران للرحمة في رماننا. لقد استشعر يوحنا بولس الثاني أن هذا هو زمن الرحمة. في بداية حبريته كتب الرسالة العامة “الغني بالمراحم”. وفي سنة 2000 المقدسة، أعلن قداسة الأخت فاوستينا، مؤسسا أيضا عيد الرحمة الإلهية في الأحد الثاني لعيد الفصح. وفي العام 2002 قام شخصيا بتدشين مزار يسوع الرحوم في كراكوفيا موكلا العالم إلى الرحمة الإلهية آملا أن تصل هذه الرسالة إلى سكان المعمورة كافة وتملأ القلوب بالرجاء: “لا بد من إضاءة شرارة نعمة الله. يجب أن تُنقل للعالم نار الرحمة هذه. في رحمة الله سيجد العالم السلام وسيجد الإنسان السعادة!” (عظة لمناسبة تكريس مزار الرحمة الإلهية في كراكوفيا، 17 آب أغسطس 2002).

أيها الشباب الأعزاء، أن يسوع الرحوم، المصوّر في اللوحة التي يكرمها شعب الله في مزار كراكوفيا المكرس له، ينتظركم. إنه يثق بكم ويتكل عليكم! لديه أمور كثيرة هامة يقولها لكل واحد منكم … لا تخافوا من أن تحدقوا إلى عينيه المفعمتين بالمحبة اللامتناهية، وتدعوا نظرته الرحومة تبلغكم: نظرة مستعدة لمغفرة كل خطاياكم، نظرة قادرة على تغيير حياتكم وتضميد جراح نفوسكم، نظرة تروي العطش العميق داخل قلوبكم الشابة: عطش للمحبة والسلام والفرح والسعادة الحقيقة. تعالوا إليه ولا تخافوا! تعالوا لتقولوا له من أعماق قلوبكم: “يا يسوع إني أثق بك!”. دعوا رحمته التي لا تعرف حدودا تلمسكم لتصيروا بدوركم رسلا للرحمة من خلال الأعمال والكلمات والصلاة في عالمنا المجروح نتيجة الأنانية والحقد واليأس الشديد. احملوا شعلة محبة المسيح الرحومة ـ التي تحدث عنها القديس يوحنا بولس الثاني ـ في بيئات حياتكم اليومية وحتى أقاصي الأرض. وإني أرافقكم في هذه المهمة بتمنياتي وصلواتي، وأوكلكم جميعا إلى العذراء مريم، والدة الرحمة، في هذا الجزء الأخير من مسيرة الاستعداد الروحي لليوم العالمي المقبل للشباب في كراكوفيا، وأبارككم من كل قلبي.

الفاتيكان