stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أدبية

سر التوبة(2) – إعداد الأب د./ رمزي نعمة

3kviews

conversسر التوبة(2) – إعداد الأب د./ رمزي نعمة

ثانياً: نظرة لاهوتية ورعوية

1) سرّ التوبة من الناحية اللاهوتية

‌أ-  مصطلحات جديدة:

الاصطلاح المستعمل حالياً في بلادنا للإشارة إلى السرّ الذي يُرجع الخاطئ إلى الله ويصالحه معه بإقراره بخطاياه أمام الكاهن هو “سر الاعتراف”. إلا أن هذا الواقع أخذ أسماء عدة في تاريخ الكنيسة. ولتغيير الاسم من الناحيتين اللاهوتية والرعوية مغزى كبير: يُشير الاسم عادة إلى طبيعة ومحتوى السرّ وبالتالي إلى فعاليته الخلاصية. فقد دعا العلاّمة ترتليانوس هذا السرّ “حلاً للخطايا” و “ميناء ثانية بعد الغرق”. ودعاه القدّيس ايريناوس “اعترافاً” ودعاه القدّيس أغسطينوس “مصالحة” ودعاه مجمع قرطاجنة “معمودية ثانية”. وتُفضل الكنيسة اليوم استعمال “سر التوبة” أو “سر المصالحة” بدلاً من التسمية القديمة “سر الاعتراف” التي كانت تركز على ناحية واحدة من السرّ وهو إقرار الخطايا في حين جُرّد السرّ من أهم عناصره ليتحدد بلفظة سرد الخطايا.

‌ب- واقع الخطيئة والفداء:

لكي نفهم سر التوبة يجب أن نلقي نظرة على واقع الخطيئة، بما إننا لا نستطيع أن نحدد التوبة إلا انطلاقاً منها. إن اكتشاف قداسة الله هو الشرط الأول والأساسي لاكتشاف الخطيئة على حقيقتها. وكلما تعمقنا في سر الله وسر قداسته، كلما تعمقنا في فهم نقيضه أي الخطيئة. إنها واقع في تاريخ البشر في ماضيه وحاضره منذ اليوم الذي فيه رفض آدم وحواء صداقة الله وفضّلوا أنفسهم عليه. وبعد دخول الخطيئة في العالم راحت تمتد وتنتشر وتحدث الخراب في علاقة الإنسان بالله وفي علاقة الإنسان بأخيه الإنسان.تكفي قراءة الكتاب المقدس لكشف الصور والأشكال التي لبستها الخطيئة عبر الأجيال والتي ما زالت تلبسها في عالم اليوم وفي نفوسنا. وكلما تقدم المرء في الحياة المسيحية كلما اكتشف أنه خاطئ إزاء قداسة الله. ولكن لا يحق لنا أن نتوقف عند هذا الواقع، وكأن الخطيئة سيدة الكون، فينتابنا الخوف والاستسلام واليأس. الخطيئة قوة هُزمت منذ اليوم الذي وعد فيه الله بالمخلص. فبدأت شعلة الأمل والرجاء، وقد تحقق هذا الرجاء وهذا النصر على الخطيئة بيسوع المسيح الذي قهرها بموته وقيامته، فالخطيئة ليست سر يأس وقنوط إنما هي رجاء وأمل. رجاء وأمل بالخلاص والغلبة، منه نستخلص أن موقف الإنسان تجاه الخطيئة يجب أن يكون موقف توبة.

‌ج-  التوبة والارتداد :

إزاء الخطيئة يوجد أمام الإنسان مخرج ألا وهو التوبة والارتداد. وما الكتاب المقدس إلا سلسلة من الدعوات ونداء إلى التوبة. إنها سلسلة من الارتداد وتجديد العهد مع الله. ومازال هذا العهد يتجدد مع كل إنسان في عالم اليوم. وكل إنسان مدعو إلى القيام بخطوة إيجابية يردّ بها على دعوة الله له ويتم ذلك من خلال سر المصالحة. إن مسيرة سرّ المصالحة التي تتم من حين إلى آخر هي مسيرة قصيرة ترمز إلى مسيرة التوبة التي تستغرق العمر كله ونجاهد خلالها لنقتلع من نفوسنا شوكة الخطيئة ونخلع الإنسان القديم، إنسان الخطيئة لنلبس الإنسان الجديد. فلابد من التمييز بين التوبة كحالة والتوبة كحدث.

التوبة كحالة:

نقرأ في الكتاب المقدس قول الله على لسان الأنبياء: “طرقي ليست طرقكم وأفكاري ليست أفكاركم” (أش8:55). فالتوبة كحالة تشير إلى تغيير العقلية لتصبح عقلية مطابقة لعقلية المسيح وتعاليمه. التوبة كحالة هي خلع “القلب الحجري” ووضع قلب محب على مثال قلب الله “وقلب ابنه الوديع والمتواضع” التوبة كحالة تعني ارتداد عن الإنسان القديم والتوجّه نحو الإنسان الجديد. يمكن تعريف التوبة كحالة على أنها توجيه حياتنا نحو الله بطريقة مستمرة. لا يعني هذا أن الإنسان الجديد أصبح هو السيد، لذا فإن عملية التوبة وعملية الارتداد هما جهد مستمر ودون توقف على مدى الحياة. إنهما تحوّل يأخذ وقته فينا، فيه أحياناً القفزات النوعية إلى الأمام وفيه مراراً تقهقر إلى الوراء. توضح “رتبة سر التوبة الجديدة” هذا الواقع في عدد 8 حيث نقرأ تلك الكلمات: “الكنيسة المقدسة بحاجة إلى التنقية على الدوام” وتستشهد الرتبة نفسها بدستور نور الأمم عدد8: “فإن الكنيسة، التي تضم في حضنها الخطأة هي، في آن واحد، مقدسة ومفتقرة دائماً إلى التطهير ولا تنهي عاكفة على التوبة والتجدد.” وتصف الرتبة الجديدة التوبة كحالة بالترويض: “يمارس شعب الله التوبة، ويستمر في ترويض نفسه عليها، بطرق مختلفة وأحوال عديدة، فيشارك المسيح في آلامه، بالصبر والأناة، وينجز أعمال المحبة والرحمة، ويتجدد من يوم إلى آخر وفقاً لإنجيل المسيح، حتى يصبح قدوة ومثلاً أعلى للعالم في الرجوع إلى الله”.

التوبة كحدث:

والمقصود به سر التوبة بالذات. ومن هنا نفهم أنه ليس لحظة منعزلة عن حياتنا المسيحية ككل. في كل لحظة يدعو الله الإنسان إلى أن يرتد عن الشر ويعود إليه. ولكي يجعل هذه التوبة حقيقية ملموسة وظاهرة وضع شر التوبة لكي يتمكن المؤمن الخاطئ عن طريقها أن يلتقي السيد الغفور. التوبة بهذا المعنى هي “معمودية جديدة” إذ يُخلق الإنسان من جديد ويعود إلى نقائه الأول ليبدأ حياته بروح جديدة ومعنويات جديدة ويعمل تدريجياً على تهذيب جوانب حياته.

‌د-     سر التوبة حدث فصحي:

حياة الإنسان هي “فصح” مستمر أي “عبور” مستمر من الظلمات إلى النور ومن العبودية إلى الحرية، ومن الأصنام إلى الإله الحقيقي ومن الخطيئة إلى المحبة. سر التوبة هو إظهار انتصار المسيح على الخطيئة كما انتصر على الموت. والإقبال على هذا السر يعني قبول هبة المسيح الذي مات وقام من بين الأموات أي هبة مغفرة الخطايا. وعندما نقول فصح نقول فرح القيامة، وإعطاء سرّ التوبة طابع فصحي يعني تحويله إلى لحظة فرح أي انطلاقة جديدة بفرح.

‌ه-     البّعد الكنسي للتوبة:

يُعبّر البابا يوحنا بولس الثاني عن البُعد الكنسي للتوبة بتسمية الكنيسة: كنيسة مصالحة وكنيسة مصالحة. إنها كنيسة مصالحة أي تتحمل مهمة مصالحة الأعضاء مع الرأس. إذ إنها كما يدعوها المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني: “سراً وعلامة وآداة للاتحاد بالله اتحاداً وثيقاً ولوحدة الجنس البشري كله” (نور الأمم عدد1).فهي كنيسة مصالِحة ترشد الناس إلى الطرق وتؤمّن لهم الوسائل للبلوغ إلى المصالحة. وهي كنيسة مصالَحة مكوّنة من ضعفاء بحاجة إلى تنقية مستمرة ويفتقرون إلى رحمة الله.الكنيسة هي جماعة المؤمنين التي فيها تسري حياة اله ومنها تنتقل إلى البشر. وهي مدعوة بأكملها إلى التوبة والقداسة. لأنه كما أن الخطيئة تشوّه صورة الكنيسة، أما التوبة فتعيد إليها قداستها. ينفصل الخاطئ عن الكنيسة ويعرقل مسيرتها ويضعف قوتها. ويصالحنا سر التوبة مع الله من جهة ومع الكنيسة من جهة أخرى ليُعيدنا إلى أحضانها، فنساهم بقداستنا وتوبتنا في تقدمها نحو الملكوت.

2)     سرّ التوبة من الناحية الرعوية

ما العمل لجعل الكنيسة المساحة التي يتردد فيها صدى دعوة المسيح إلى التوبة؟ ومن خلالها يلتقي صوت المسيح مع عطش الإنسان المعاصر فيدفعه إلى العودة إليه؟ لا يتم هذا إلا بتقديم السر في رؤية جديدة نظرة مثالية.

لتحقيق هذا الهدف لابد من تأكيد:

‌أ- دور الكرازة:

إن الأداة الأولى التي يجب استعمالها في تنشيط الخدمة الرعوية للتوبة والمصالحة هي الكرازة. وإنها تعليم على حد تعبير البابا يوحنا بولس الثاني لا يمكنه إلا أن يستند إلى تعليم الكتاب المقدس. وعلى الأخص تعليم العهد الجديد المتعلق بضرورة تجديد العهد مع الله بالمسيح، الفادي والمعالج. وكامتداد لهذا العهد مع المسيح تبرز ضرورة مصالحة الإنسان مع أخيه حتى وإن اضطر إلى تأجيل تقدمة القربان وبسط الخد الآخر وإلى ترك الرداء وإلى مسامحة الأعداء لغاية سبعين مرة سبع مرات.أما الأداة الثانية فهي تعليم الكنيسة: من هنا ضرورة الاطلاع على الوثائق الكنسية القديم منها والجديد وشرحها للشعب فتكتسب المسيرة الكنسيّة في هذا المضمار آفاقاً جديدة. ومن أهم الوثائق: رتبة سر التوبة (المترجمة بالعربية) والإرشاد الرسولي بشأن المصالحة والتوبة في رسالة الكنيسة اليوم. ولا نستطيع تجاهل أهمية كتب التعليم الديني في المدارس التي بإمكانها أن تساعد في خلق واعٍ وتساهم في تربيتهم على ربط سر التوبة بمختلف مواقف الحياة. وهكذا يصبح سر التوبة محطة تزويد في طريق الارتداد المستمر.ومن الضروري أيضاً مراعاة مكتسبات العلوم الإنسانية الحديثة من علم نفس وتربية وعلم اجتماع. وليس المقصود هنا اللجوء إلى التحليل النفسي بل الاستفادة من هذه العلوم كعامل مساعد لتفهم التائب وحالته النفسية والأسباب التي أدت به مراراً إلى الخطيئة.

‌ب- علاقة سر التوبة بباقي الأسرار:

هنالك صلة تربط جميع الأسرار بعضها ببعض. وبإمكاننا أن نعيش التوبة في كل سر من الأسرار السبعة. فكل منها هو علامة لا للنعمة الخاصة به وحسب بل أيضاً للتوبة والمصالحة:”سر العماد المقدس” هو سر التوبة بالدرجة الأولى. إنه فعل ارتداد وعودة إلى علاقة صحيحة مع الله، فعل مصالحة مع الله مع محو الخطيئة الأصلية. إنه فعل يعد المعمد إلى الانخراط في سلك عائلة المصالحين الكبرى. التثبيت هو أيضاً بجانب المعمودية سر الدخول في الحياة المسيحية ويقود إلى سن البلوغ ويؤدي إلى ارتداد أكبر للقلب وانتماء أعمق لأعضاء جسد المسيح المصالحين.أما “سر الافخارستيا” فهو سر مصالحة وهو أيضاً يغفر الخطايا.

ألا تقام الذبيحة اليومية تجديداً لذبيحة الصليب من أجل خلاص البشرية ومغفرة الخطايا: “هذه هي كأس دمي… الذي يُراق عنكم وعن الكثيرين لمغفرة الخطايا”. أما سر الكهنوت المقدس فغايته إعطاء الكنيسة رعاة يمنحون مغفرة الخطايا “خذوا الروح القدس من غفرتم خطاياهم تُغفر لهم”. وسر الزواج هو علامة محبة المسيح للكنيسة. إنه يساعد الزوجين على الانتصار على القوى التي تشوّه الحب. أخيراً سر مسحة المرضى هو سر مصالحة وله مفعول سر التوبة على الأخص في الساعة الأخيرة. إنه علامة ارتداد فيه تتم المصالحة الأخيرة مع الله.‌

ج-تكامل مراحل سر التوبة:

من الأسباب التي أدّت إلى ضعف مفهوم سر التوبة هو تجريده من أهم عناصره. وأخذ يتقلص شيئاً فشيئاً حتى أخذ يقتصر مراراً على إقرار الخطايا ولكن ما هذه إلا مرحلة من مراحل خمس أخرى تُضاهيها في الأهمية. كل المراحل ضرورية لصحة السر، وإن تجاهل أحد العناصر هو تحويل السر إلى شعوذة أو سحر أو عمل روتيني. ونجد هذه المراحل في خطواتها العريضة في مثل الابن الشاطر.”سر التوبة” هو “اللقاء” بين عمل الله الخلاصي (الله يريد خلاص البشر) وخطوة التائب الجادة والملتزمة باحثاً عن خلاصه وحريته وسعادته.

وحتى من يقترف الخطيئة فهو يعتقد بأنه سينال الحرية لكن الواقع غير ذلك. إذ لا تُقدّم الخطيئة للإنسان إلا حرية مزيفة. اعتقد الابن الشاطر أنه سيجد الحرية بابتعاده عن البيت الوالدي والانفصال عن عائلته. اعتقد بأنه سيكون حراً باتباع الشهوات المنحرفة فلما صحي من غفوته وجد نفسه عبداً وراعياً للخنازير. وعندها عاد إلى نفسه وأخذ يفكر ببشاعة عمله ومصيره إذا ما استمر على هذه الحالة. وهذه هي الخطوة الأولى التي تقابلها في سر التوبة “فحص الضمير”.

1-  فحص الضمير:

هو وقوف الإنسان أمام ذاته وأمام الله بصدق وشجاعة وإرادة. استقامة الضمير شرط أساسي حيث نقف أمام الله لننظر إلى أنفسنا بسلام وعزم. نفحص ضميرنا، أفكارنا، وأقوالنا، وأعمالنا على ضوء كلمة الرب. على ماذا أفحص ضميري لم أعمل خطيئة؟ لم أقتل ولم أسرق ولم أزنِ… وحضرت قداس الأحد؟ وكأن الحياة المسيحية تقتصر على هذه الأمور فقط، وكأنها تقتصر فقط على نصف ساعة في الأسبوع لحضور القداس (هذا إذا حضرناه) وبعد القداس ينتهي كل شيء. نضع حياتنا المسيحية بين قوسين إلى الحلقة القادمة في الأحد القادم. حبذا لو نفحص ضميرنا عن حياتنا خلال كل الأسبوع وحبذا لو نحاسب أنفسنا على الخير الذي أهملناه والمحبة التي جرحناها. والصغير الذي أعطيناه المثل السيئ. حبذا لو نفحص ضمائرنا على مدى تطبيقنا لمحبة الله والقريب أساس الديانة المسيحية. لم يقل المسيح إن الخطة الأولى يجب أن يقوم بها الآخر؛ ولم يقل إن المسامحة في نظر الناس ضعف.

إن فحص الضمير ضروري وأساسي فهو يساعدنا على قرع صدورنا والقول: “أنا خاطئ” وعليّ أن أتحمل مسؤوليتي في تجديد نفسي. ليس فحص الضمير “دفتر شُرطي المرور” نسجل عليه المخالفات لتُقرأ فيما بعد أمام الكاهن بل هي قراءة حياتنا على ضوء حية المسيح وإنجيله المقدس والذي يدعونا إلى التجديد والتألم… وباختصار شديد فحص الضمير هو “مساج” للضمير.كيف أفحص ضميري بشكل عملي؟ يتم ذلك بالاستعانة بوصايا الله العشر… ببعض الكتب الروحية… مع الوقت سوف أشعر أني لست بحاجة إلى كتب معينة بل أن أقرأ حياتي على ضوء الإنجيل، فإذا كانت الترجمة مطابقة فأنا على المسار السليم وإلا فلابد من تصحيح تلك الترجمة حيث هي مغلوطة وأن آخذ الوقت الكافي لذلك.

2-  الندامة:

هي الخطوة الثانية التي يجب أن تسبق فعلياً الإقرار بالخطايا ولا يكفي تلاوة “فعل الندامة” كالببغاء، فالندامة ليست قولاً بل عملاً وموقفاً. الندامة ليست نظرة حسرة وبكاء على الماضي بل نظرة أمل وتطلع إلى المستقبل. التحسر قاد يهوذا إلى حبل المشنقة بينما الندامة قادت بطرس إلى دموع التوبة. في مثل الابن الشاطر بعد أن عرف واقع حياته الأليم تأسف على ماضي حياته بكونها إهانة لوالده وقرّر العودة “أقوم وأمضي إلى أبي” إن الندامة هي الإدراك بأننا قد أهنّا شخصاً يحبنا.

الندامة هي القصد الثابت على تغيير في العقلية وتبدّل في الفكر، خلق عقلية جديدة تتناسب مع عقلية الإنجيل… الندامة هي انتفاضة على الذات بكون الإنسان غير راض عن وضعه الداخلي وعن أسلوب حياته وتصرفاته.فلا مصالحة بدون الندامة أي التأسف على إهانة الله والقريب والعزم على عدم الرجوع إلى الخطيئة والعودة إلى الله. يقول بسكال: “ليست هي الحلّة وحدها ما يغفر الخطايا في سر التوبة، بل الندامة، وهي غير صادقة ما لم تلتمس السر” والندامة الصادقة تصدر من القلب لا من الشفاه فهي ليست تلاوة “فعل الندامة” غيباً، ويجب أن تشمل الندامة كل الخطايا دون استثناء، لا ندامة على خطيئة بدون الأخرى، أنا نادم لأني لم أصلِ يوم الأحد ولكني لا أطيق جاري وغير مستعد أن أصالحه!.

الندامة هي إذن القصد بعدم الرجوع إلى الخطيئة وذلك يعني أننا نعد وعداً صادقاً أن تكون لدينا النية في التجدد واتخاذ الوسائل: “اذهبي ولا تعودي إلى الخطيئة”. وعندها إن سقطت ثانية فسيكون ذاك عن ضعف وليس عن سابق إصرار.

الندامة رفض قاطع للخطيئة.الندامة هي التفاعل مع الله القائل: “اخلع من داخلكم قلب الحجر لأضع فيكم قلباً من لحم” (حز 26:36-27) من قلب متحجر ميت لا إحساس فيه ولا شعور إلى قلب ينبض حياة. الندامة هي الاقتراب من قداسة الله واكتشاف الإنسان حقيقته الباطنية الخاصة التي أقلقتها الخطيئة… وتقسم الندامة إلى كاملة وغير كاملة:

** الندامة الكاملة: هي التي يكون سببها الأول محبة الله. يندم الخاطئ على الخطيئة لأنه أهان الله بها، وتأسف على إهانة الله لأنه يبحه. بالندامة الكاملة تُغفر الخطايا وننال النعمة المبررة، إلا أن الكنيسة تطلب منّا اللجوء إلى سر التوبة وإقرار الخطايا المغفورة بالندامة الكاملة، في أول مناسبة.

** الندامة غير الكاملة: هي التي تكون المصلحة الشخصية سببها الأول. مثلاً من يندم لأنه خسر السعادة الأبدية، أو لأنه استوجب العقاب الأبدي. ولا تكفي هذه لمغفرة الخطايا، لكنها تهيئ القلب لقبول المغفرة بوساطة سر التوبة.

3-  الإقرار بالخطايا:

عاد الابن الشاطر إلى أبيه معبراً مقراً بخطيئته “لقد خطئت للسماء وإليك”. الإقرار بالخطايا هو التعبير الحسي عن الندامة والعودة إلى الله. الإقرار بالخطايا هو علامة ملموسة ومحسوسة خارجية على توبتنا وندامتنا الداخلية. فالله عير المنظور نلتقي به عن طريق منظورة وحسية. لذا فالإقرار بالخطايا مرتبط بفحص الضمير والندامة وليس مجرد “مسجل”. لذا علينا أن نقر بجميع خطايانا الكبيرة والصغيرة منها… أي خدعة في سر الاعتراف يُبطل السر. الله لا يُستهزأ به… بإمكان الإنسان أن يخدع الكاهن لكنه لا يخدع الله الذي لا يغش ولا يُغَش.

4-  القانون:

ليس القانون قصاصاً بل هو تعبير وعلامة عن صدق التائب في إصلاح ذاته وتغيير حياته. من الضروري طبعاً أن نعوّض الأسرار التي ألحقناها بغيرنا والمصالحة مع الذين أهناهم… يجب على القانون الذي يعطينا إياه الكاهن أن يتناسب مع وضع كل تائب (سرقة)- (سمعة شخص)… من المؤكد أن تلاوة مرة أو مرتين أبانا والسلام والمجد غير كافية للتكفير عن إهانتنا لله أو للقريب ولكن المسيح نفسه هو الذي كفّر وعوّض عن خطايانا. إنما القانون الذي يقوم به التائب هو مجرد تذكير بضرورة واجب القيام بأعمال التوبة.

إنه امتداد لتوبتنا وندامتنا في الحياة… لذا لا يكون القانون بصلوات نتمتمها بسرعة لنتخلص من هذه المهمة، بل ذلك يعني تقوية علاقتنا البنوية مع الله بالمحبة الأخوية والصلاة وإصلاح ما هدمناه بأيدينا.ولا قيمة لأعمال التكفير التي نقوم بها ولا معنى لها إلا إذا كانت اشتراكاً في ذبيحة المسيح.

5-  الحلّة:

إن الكلمات التي يتلفظ بها الكاهن في “الحلّة” هي صدى لكلمات السيد المسيح “مغفورة لك خطاياك”. وهي كلمات تؤدي مفعولها لكن بطريقة سرية بكونها عنصراً من العناصر الأساسية السالف ذكرها: فهي مرتبط بفحص الضمير والندامة والقصد الذي نتخذه في عمل جهدنا في عدم الرجوع إلى الخطيئة. يد الكاهن التي تُرفع لتحل والشفاه التي تتفوّه بكلمات الحلّة ليست آلة تعمل أوتوماتيكياً بمجرد سرد الخطايا لأن الله عارف القلوب وهو الذي يغفر. وما الكاهن إلا ممثلاً له في قبول التائب وعودته إلى الحظيرة وكلمات الحلّة نفسها تؤكد ذلك: “أنا أحلّك من خطاياك باسم الآب والابن والروح القدس”.

تقابل هذه الخطوة مرحلة اللقاء بين الابن الشاطر وأبيه… إنها لحظة العناق… لحظة الفرح بذلك الذي كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوُجد وهكذا فرح الله في توبة خاطئ واحد يتوب.

عن مجلة صديق الكاهن /عدد1/1996