stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعوية

سر الميرون أو التثبيت ومشاكله اللاهوتية /الأب د./ كرمي وليم سمعان

2.6kviews

cre

سر الميرون أو التثبيت هو المرحلة السرية الثانية من مراحل التنشئة المسيحية، هذه المرحلة تكمل المرحلة الأولى (العماد) ومن هنا جاءت التسمية “التثبيت” وهي بطبيعة وضعها بين العماد “أول مرحلة” والقربان المقدس (أول مناولة) “قمة الاشتراك في الأسرار” تعتبر إعداداً لقبول هذا السر من خلال “المناولة الأولى”. وإذا كنا بالعماد ندخل حظيرة المسيح فبالتثبيت نواصل المسيرة إلى أن نصل إلى نضج الحياة مع المسيح، فهي مرحلة الحرب ضد الخطيئة ومن هنا جاءت الفكرة لفصل السرين عن بعضهما. في هذه المرحلة يتقلد المسيحي مهام “النبي، الملك والكاهن” إذ يجب على المثبت أن يعلن الخلاص بالكلمة وبشهادة الحياة ويجب عليه أن يقود في طريق الخلاص إخوته وكل من يبحث عن الله وأخيراً عليه أن يقدم ذبيحة الحمد للآب.معنى التثبيت ومتى يُعطى السر؟ هناك العديد من المشاكل التي تواجه هذا السر وخاصة في الغرب نتيجة لوجوب منحه من قِبَل الأسقف (مشاكل طقسية أو ليتورجية)، وهناك العديد من النظريات حول تأثير هذا السر (مشاكل لاهوتية) وهناك أيضاً مشاكل تتعلّق بالسن التي يمنح السر فيها (من ثمان سنوات إلى اثنتي عشر سنة ثم أربعة عشر سنة وهناك احتمال بتأجيل منح السر إلى سن السادسة عشر). 

أولاً: المشاكل اللاهوتية

يجمع اللاهوتيون على أن الروح القدس يُمنح للشهادة، إذ يعطي قوة خاصة للدفاع عن الإيمان وللتشبه بالمسيح وتعميق الروابط بالكنيسة، ولكنهم يتساءلون عن الآثار التي تنتج عن سر التثبيت، هذا وتتبقى مشكلة علاقة سر التثبيت بالعماد. 

1- المشاكل الناتجة عن اللاهوت 

أصول السر محاطة بالغموض، فإنه لا في العهد الجديد ولا في القرنين الأولين من تاريخ الكنيسة نجد أي إشارة لتأسيس هذا السر ولا للاحتفال به، ففي الشروق وهذا هو حالنا وحتى الآن مازال السر يعتبر هامشاً لسر العماد إذ يُعطى مباشرة بعد العماد، وفي الغرب فقد السر صورته الخاصة نظراً لفصله عن سر العماد خاصة لوجوب منحه من قِبَل الأسقف. خلال العصور المتلاحقة حدثت تطورات في هذا السر ففي بعض المرات أعطيت أهمية أكبر لوضع يد الأسقف أكثر من المسح بالميرون وفي بعض المرات كان العكس. 

ومن حيث المعنى حدث أن تركزت الأنظار نحو المعنى الكنسي ألا وهو انضمام المعمِّدين إلى الكنيسة ومرات أخرى تركزت الأنظار على الجانب الشخصي ألا وهو النضج في الإيمان حيث يصبح المثبتون “جند المسيح” وحتى الدستور العقائدي في “الكنيسة” للمجمع الفاتيكاني الثاني يتكلم بأسلوب عائم وغير محدد إذ نقرأ في البند 11: … فالمؤمنون الذين اندمجوا في الكنيسة بالعماد قد قبلوا وسماً يخولهم العبادة الدينية والمسيحية. وهم يصيرون ملتزمين، بعد أن أصبحوا بالميلاد الجديد أبناء الله، بواجب الاعتراف أمام الناس بالإيمان الذي نالوه من الله على يد الكنيسة. وبواسطة سر التثبيت يتوثق ارتباطهم بالكنيسة. ويسبغ عليهم الروح القدس قوة خاصة…”. فما هي إذاً هذه القوة الخاصة التي تتحدث عنها الوثيقة المجمعية وكلا السرين يمنحان الروح القدس ويجعلان المؤمنين متشبهين بالمسيح، منضمين للكنيسة؟!

2- المشاكل الناتجة عن الوضع الحالي للكنيسة 

هناك بعض المشاكل الناتجة عن الوضع الحالي للكنيسة وهذا يخص الكنيسة الغربية (اللاتينية) حيث يمنح السر منفصلاً عن سر العماد، مما يلزم الإعداد اللازم لقبول هذا السر وهذا ينتج عنه عدم التقيد بأسلوب موحّد ومباديء موحدة لإعداد طالبي سر التثبيت (التساهل المبالغ فيه أو العكس أي التشدد بما لا يتناسب وحالة طالبي التثبيت ولذلك يصبح من المستحيل الإقبال على سر التثبيت!)

3- المشاكل الناتجة عن البشر أنفسهم 

يعتبر كثير من الناس سر التثبيت شيئاً مرتبطاً بطفولتهم (هنا أيضاً بالنسبة للكنيسة اللاتينية حيث يُمنح السر منفصلاً عن سر العماد) حيث الاحتفال بعد القداس والهدايا ووضع يد الأسقف. البعض يطلب السر للأبناء دون أن يعي معنى ذلك ولكنه يطلبه مدفوعاً من قِبَل التقاليد العائلية والتقاليد المحلية حيث أن شهادة التثبيت مطلوبة لإتمام الزواج الكنسي! 

المشاكل الرعوية

1- السن الذي يُمنح فيه السر متى يُمنح سر التثبيت؟ 

إنه ليس سؤالاً ساذجاً مع أن تقليد الكنائس الشرقية يقضي بمنح السر بعد العماد مباشرة في نفس اليوم ولكنني آمل أن نتساءل هل ما زال هذا مناسباً أو يجب تغييره؟! يبقى أن نقول أن الغالبية العظمى من اللاهوتيين والمتخصصين في الطقوس يؤيدون وحدة الأسرار كما هو الحال لدينا في الشرق، بينما غالبية الرعاة يفضلون فصل السرين عن بعضهما وذلك لكي يتسنى لهم الإعداد اللازم لكل سر على حده وحيث يكون المتقدم للسر على مستوى الوعي والنضج ولهذا يرى الرعاة أن السن المناسب هو سن 12-14سنة. 

أمّا القانون الكنسي الخاص بالكنيسة الجامعة فهو ينص في البند 891 على أن يُمنح السر في سن “الفطنة”، وحسب البند رقم 788 سن الفطنة هو سن السبع سنوات تقريباً ومع هذا فقد قررت هيئة الأساقفة الإيطاليين في عام 1984 أن يكون السن الذي يُمنح فيه سر التثبيت 12 سنة. وهذه هي الأسباب التي تبرر هذا القرار:

· الاستعداد الجيد لقبول السر 

· التكوين المناسب لقبول السر 

· ربط طالبي السر بالكنيسة لمنع الهروب الذي يتم فعلاً بعد قبول السر إذ لا يتبقى شيء يربط المراهقين بالكنيسة فقد قبلوا ما كانوا يصبون إليه (أنظر أعلاه المشاكل الناتجة عن البشر أنفسهم).

لكن لا يقبل الكثير من المسيحيين أو الدارسين مبررات هذا الاختيار الرعوي والذي تبنته هيئات أساقفة متعددة إذ يجدون في ذلك تضييقاً وتحديداً لمعاني هذا السر (قوة الروح القدس، النضج وشهادة الحياة) ويرى هؤلاء أن ذلك لا يحترم وحدة أسرار التنشئة المسيحية (العماد- التثبيت- القربان المقدس “المناولة الأولى”) ولأن فصل الأسرار عن بعضها يسبب الابتعاد عن المعنى الصحيح لسر التثبيت وهو تثبيت لما قبله المعمَّد في سر المعمودية وجعل من السر “سر التثبيت سر النضج، سر شهادة الحياة فقط!”

2- الإعداد لقبول السر 

إذا اقتنعنا وقبلنا الوضع السائد في الكنيسة الغربية (اللاتينية) وهو منح السر منفصلاً عن سر المعمودية وفي سن السابعة، أو الثانية عشر…الخ فلنتساءل ما هو المطلوب لكي يكون الإعداد جيداً لقبول هذا السر؟حسب اعتقادي هناك شرط يجب توافره، ولا يكن تجاهله وهو أن الإعداد يجب أن يشمل ليس فقط طالبي التثبيت ولكن أيضاً الوالدين، الأشابين والجماعة الكنسية “الرعوية” ففي هذه الحالة يصبح منح السر بالنسبة للجميع فرصة لا تعوض لاستعادة معنى المعمودية التي تم قبولها والإفخارستيا التي يتم تناولها باستمرار. كذلك فالاحتفال بالسر يجب أن يكون قد سبقه ليس فقط إعداد الأشخاص بل أيضاً إعداد الأشياء التي ستستعمل حتى يصبح الاشتراك في مثل هذه المناسبات فعالاً وإذا لم نقتنع باختيار الكنيسة اللاتينية، فإنه في هذه الحالة يفقد السر الكثير وخاصة الإعداد لهذا السر سواء للمعمد الذي يقبله بعد العماد مباشرة، سواء للوالدين بتفويت هذه الفرصة من الإعداد أو بالنسبة للأشابين والجماعة الكنسية “الرعية”.

3- كلمة عن فصل سر التثبيت عن سر العماد

الباحث الإيطالي كرافوتّا (G. CRAVOTTA) يرجع أصل فصل السرين عن بعضهما إلى الأسقف فاوستو (FAUSTO) في النصف الثاني للقرن الخامس في عظة ألقاها بمناسبة عيد العنصرة حيث أجرى مقارنة بين “العماد” و “التجنيد العسكري” حيث يرى في؛ التثبيت “إعداد لمعركة المسيحي”، ومن تلك اللحظة اعتبر سر التثبيت “السر الذي يجعل المسيحي جندياً للمسيح” (راجع G. CRAVOTTA, Il sacramento della confermazione/1, in’Catechesi 58 (1989) 5,34) فُصل سر الميرون في الغرب “الكنيسة اللاتينية” عن سر العماد لأسباب عملية حيث أن الأسقف هو خادم هذا السر لا يمكنه حضور الاحتفالات المختلفة في الرعايا المتعددة التي يتم فيها منح العماد لكي يمنح سر التثبيت، وهناك أسباب أخرى حسب رأي كرافوتا دفعت إلى فصل السرين عن بعضهما منها اختلاف طرق التفكير التي أدت إلى إضافة معان جديدة لسر التثبيت: إذا كان الله هو الذي يعطي الخلاص فإن العماد هو الذي يحرر من الخطيئة وفي هذه الحالة فإن هذا الخلاص يُمنح بواسطته، وهنا يأتي التساؤل: ما الذي يضيفه إذاً سر التثبيت؟!. 

وفي القرون التالية للقرن السادس الميلادي وبسبب الانشغال بالخلاص الإسكاتولوجي الشخصي فإن التثبيت بدا شيئاً إضافياً ولا ضرورة له بالنسبة للخلاص حيث أن العماد هو الذي يضمن البنوة وضمن أيضاً فتح الفردوس!! وهنا أيضاً نجيب بأن التثبيت يصبح عدة الأسلحة لمحاربة الأعداء الروحيين انتظاراً للخلاص الأبدي. 

عن مجلة صديق الكاهن 4 / 1994