stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

عظة البابا في ختام المؤتمر الافخارستي الخامس والعشرين في أنكونا-نقله إلى العربية روبير شعيب

888views

imagescazmnlb1عظة البابا في ختام المؤتمر الافخارستي الخامس والعشرين في أنكونا-نقله إلى العربية روبير شعيب

التغذي من المسيح هو السبيل لكي لا نبقى لا مبالين أو غرباء عن مصير إخوتنا

ننشر في ما يلي عظة البابا بندكتس السادس عشر في معرض الاحتفال بختام المؤتمر الافخارستي الوطني الإيطالي الخامس والعشرين في مدينة أنكونا، نهار الأحد 11 سبتمبر 2011.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!

منذ ست سنوات، قادتني الزيارة الرسولية الأولى في إيطاليا إلى باري، بمناسبة المؤتمر الافخارستي الوطني الرابع والعشرين. اليوم جئت لكي أختتم اللقاء الخامس والعشرين هنا في أنكونا. أشكر الرب لأجل هذه الأوقات الكنسية التي تقوي حبنا للافخارستيا وترانا متحدين حول الافخارستيا! باري وأنكونا، مدينتان تطلان على البحر الأدرياتيكي؛ مدينتان غنيتان بالتاريخ والحياة المسيحية؛ مدينتان منفتحان على الشرق، على ثقافته وروحانيته؛ مدينتان قربتهما مواضيع المؤتمرات الافخارستية: في باري تذكرنا كيف أنه “من دون الأحد لا نستطيع العيش”؛ اليوم، لقاؤنا هو تحت شعار “الافخارستيا في الحياة اليومية”.

قبل أن أقدم لكم بعض الخواطر، أود أن أشكركم لأجل اشتراككم الحاشد: أعانق من خلالكم كل الكنيسة في إيطاليا. أوجه تحية عرفان لرئيس مجلس الأساقفة، الكاردينال أنجلو بانياسكو، لأجل الكلمات الودية التي وجهها لي باسمكم جميعًا؛ تحية أيضًا لممثلي في هذا المؤتمر، الكاردينال جوفاني باتيستا ري؛ لرئيس أساقفة أنكونا-أوزيمو، المونسينيور إيدواردو مينيكيلّي، إلى أساقفة الميتروبوليا وماركي وجميع الذين وفدوا من مختلف نواحي البلاد. أحيي معهم جميعًا الكهنة، الشمامسة، المكرسين والمكرسات، المؤمنين العلمانيين، الذين أرى في ما بينهم الكثير من العائلات والشباب. شكري يذهب أيضًا إلى السلطات المدنية والعسكرية، ولجميع الذي أسهموا بشكل أو بآخر في إنجاح هذا الحدث.

“هذا كلام صعب! من يطيق سماعه؟” (يو 6، 60). أمام خطاب يسوع بشأن خبز الحياة، في مجمع كفرناحوم، لا تختلف ردة فعل التلاميذ – حيث تخلى الكثير منهم عن يسوع – لا تختلف كثيرًا عن ترددنا أمام تقدمة الذات الكاملة التي يقوم بها. فقبول هذه الهبة حقًا يعني أن نخسر ذواتنا، أن نسمح له أن يؤثر بنا وأن يحولنا، إلى أن نعيش فيه، كما ذكرنا الرسول بول في القراءة الثانية: “إذا عشنا، نعيش للرب، إذا متنا، نموت لأجله. إن عشنا وإن متنا فنحن إذًا للرب” (روم 14، 8).

“هذا كلام صعب!”، صعب لأننا غالبًا ما نخلط بين الحرية وغياب الارتباطات، مقتنعين بأننا نستطيع أن ندير أمورنا لوحدنا، دون الله، الذي نعتبره حدًا لحريتنا. هذا هو الوهم الذي لا يطول الوقت قبل أن يضحي خيبة أمل، مولدًا شعورًا بالقلق والخوف، فيحمل – ويا للمفارقة – إلى البكاء على قيود الماضي: “كان خير لنا لو متنا على يد الرب في مصر…” – بحسب ما كان يقول العبرانيون في الصحراء (خر 16، 3)، كما سمعنا في القراءات. بالواقع، فقط من خلال الانفتاح على الله، في قبول عطيته، نضحي أحرارًا حقًا، أحرارًا من عبودية الخطيئة التي تشوه وجه الإنسان، ونصبح قادرين على أن نخدم خير الإخوة الحق.

“هذا كلام صعب!”؛ صعب لأن الإنسان يسقط غالبًا في وهم يجعله يظن أنه يستطيع “تحويل الحجارة إلى خبز”. بعد تهميش الله، أو القبول به كخيار خصوصي لا يجب أن يتدخل في الحياة العامة، قامت بعض الإيديولوجيات بتنظيم المجتمع بقوة السلطان الاقتصادي. يبين لنا التاريخ، بشكل مأساوي، كيف أن السعي لتأمين النمو، الرخاء المادي والسلم للجميع بمعزل عن الله وعن وحيه قد أدى إلى منح الناس الحجارة بدل الخبز.

الخبز أيها الإخوة الأحباء هو “ثمر عمل الإنسان”. تتضمن هذه الحقيقة كل المسؤولية الموكلة إلى أيدينا وإلى إبداعنا؛ ولكن الخبز أيضًا هو قبل كل شيء “ثمر الأرض”، التي تتلقى من العلاء الشمس والمطر: إنها هبة يجب طلبها، ولذا تنزع منا كل كبرياء وتجعلنا نطلب بثقة الوضعاء: “أبانا… أعطنا خبزنا كفاف يومنا” (مت 6، 11).

لا يستطيع الإنسان أن يهب نفسه الحياة، فهو يمكن فهمه فقط انطلاقًا من الله: إن العلاقة مع الله هي التي تهب ثباتًا لبشريتنا وتجعل حياتنا صالحة وعادلة. في صلاة الأبانا نطلب أن يتقدس اسمه، أن يأتي ملكوته، أن تتحقق إرادته. يجب أن نسترجع قبل كل شيء أولية الله في عالمنا وفي حياتنا، لأن هذه الأولية تجعلنا نجد حقيقة ذواتنا، ومن خلال معرفة واتباع إرادة الله يمكننا أن نجد خيرنا الحق. أن نعطي وقتًا وفسحة لله، لكي يكون محور وجودنا الحيوي.

كيف يجب أن ننطلق، من المنهل، لكي نعيد اكتشاف وإقرار أولية الله؟

من الافخارستيا: هنا يضحي الله قريبًا منا لدرجة أن يضحي طعامنا، هنا يضحي قوة لمسيرتنا التي تتصف غالبًا بالصعوبة، هنا يضحي حضورًا صديقًا يحولنا. إن الشريعة التي أعطيت لموسى كانت تعتبر “خبزًا من السماء”، وبفضلها أضحى إسرائيل شعب الله، ولكن، في يسوع، كلمة الله الأخيرة والنهائية التي صارت جسدًا، يأتي إلينا الله بشخصه. يسوع، الكلمة الأزلي، هو المن الحقيقي، خبز الحياة (راجع يو 6، 32 – 35)، وهو يحقق عمل الله الذي يتألف من الإيمان به (يو 6، 28 – 29).

في العشاء الأخير، يلخص يسوع كل وجوده في بادرة تندرج في إطار بركة الله الفصحية، بادرة يعيشها كابن في الشكران للآب لأجل حبه العظيم. يكسر يسوع الخبز ويشاركه، ولكن بعمق جديد، لأنه يهب ذاته. يأخذ الكأس ويتقاسمه لكي يستطيع الجميع أن يشربوا منه، ولكن من خلال هذه البادرة يهب “العهد الجديد بدمه”، يهب ذاته. يستبق يسوع فعل الحب الأسمى، في الطاعة لإرادة الآب: تضحية الصليب. ستُنزع منه الحياة على الصليب، ولكنه منذ الآن يهب ذاته. وهكذا، فموت المسيح لا يضحي مجرد إعدام عنيف، بل يتحول إلى فعل حب حرّ، فعل هبة ذات، يعبر من خلال الموت ويشدد على صلاح الخليقة التي خرجت من يدي الله، وقد خضعت لتحقير الخطيئة وفي نهاية المطاف نالت الفداء. يمكننا أن ننال هذه الهبة العظيمة في سر الافخارستيا: الله يهب ذاته لنا، لكي يفتح وجودنا على ذاته، لكي يدخلنا في سر حب الصليب، لكي يجعل وجودنا شريكًا في سره الأبدي الذي نأتي منه ولكي نشارك في الحالة الجديدة التي هي حالة الحياة الكاملة في الله، الحالة التي نعيش بانتظارها.

ولكن ماذا يعني في وجودنا الانطلاق من الافخارستيا للتشديد على أولية الله؟ تقتلعنا المناولة الافخارستية، أيها الأصدقاء الأعزاء، من الإنفرادية، وتُشركنا بروح المسيح المائت والقائم من الموت، وتحولنا إليه؛ توحدنا بشكل حميمي بالإخوة في سر الشركة الذي هو الكنيسة، حيث الخبز الواحد يجعل من الكثيرين جسدًا واحدًا (راجع 1 كور 10، 17)، ويحقق صلاة الجماعة المسيحية الأولى التي ينقلها كتاب الديداخية (تعليم الرسل): “مثلما كان هذا الخبز المكسور منتشرًا على الهضاب وقد جُمع لكي يضحي شيئًا واحدًا، هكذا اجمع يا رب كنيستك من أقاصي الأرض في ملكوتك” (9، 4). تشدد الافخارستيا وتحول كل الحياة اليومية. كما ذكرت في رسالتي العامة الأولى، “تتضمن المناولة الافخارستية حقيقة أننا محبوبون وأن نحب بدورنا الآخرين”، لذا فـ “الافخارستيا التي لا تُترجم إلى فعل حب ملموس ومعاش هي غير كاملة بحد ذاتها” (الله محبة، 14).

إن تاريخ الكنيسة الذي يمتد على ألفي سنة هو مزين بقديسين وقديسات، كان وجودهم علامة بليغة لكيف أن الشركة مع الرب، في الافخارستيا تتولد مسؤولية جديدة ومكثفة على كل أصعدة الحياة الجماعية، فيتولد إذًا نمو اجتماعي إيجابي يتمحور بدوره حول الشخص البشرية، خصوصًا الفقير، المريض والمحتاج. التغذي من المسيح هو السبيل لكي لا نبقى لا مبالين أو غرباء عن مصير إخوتنا، والدخول في منطق الحب والعطاء الذي يجسده الصليب؛ من يعرف السجود أمام الافخارستيا، من يتلقى جسد الرب لا يستطيع إلا أن يتنبه، في معرض الحياة اليومية، على أوضاع الإنسان التي لا تليق به، ويعرف أن ينحني بدوره نحو المحتاج، يعرف أن يكسر خبزه مع الجائع، يعرف أن يقاسم العطشان ماءه، وأن يُلبس العريان، أن يزور المريض والسجين (راجع مت 25، 34 – 36). سيعرف أن يجد في كل شخص ذلك الرب الذي لم يتردد أن يعطي كل ذاته لأجلنا ولأجل خلاصنا. إن الروحانية الافخارستية هي الدواء المضاد الحقيقي ضد الإنفرادية والأنانية التي غالبًا ما تميّز حياتنا اليومية، فهي تحملنا على اكتشاف المجانية، ومحورية العلاقات انطلاقًا من العائلة، بانتباه خاص على شفاء جراح العائلات المتفككة.

الروحانية الافخارستية هي النفس المحركة للجماعة الكنسية التي تتخطى الانقسامات والخلافات وتقيّم اختلاف المواهب والخِدم فتضعها في خدمة وحدة الكنيسة وحيوتها ورسالتها. الروحانية الافخارستية هي السبيل لإرجاع الكرامة لأيام الإنسان ولذا لعمله أيضًا، في البحث عن المصالحة بين أزمنة الأعياد والعائلة والالتزام في تخطي انعدام الضمانات المهنية ومشكلة البطالة.

الروحانية الافخارستية ستساعدنا أيضًا على أن نقارب مختلف أشكال الضعف البشري مدركين أنها لا تلقي الظل على قيمة الشخص، بل تتطلب القرب، القبول والمساعدة. ستنال من خبز الحياة زخمًا جديدًا القدرةُ التربويةُ التي تتنبه على الشهادة لقيم الوجود الأساسية، من معرفة، إرث روحي وثقافي؛ ستساعدنا حيويتها على أن نعيش في مدينة البشر حاملين مسؤولية أن نهدر ذواتنا في أفق الخير العام في سبيل بناء مجتمع أكثر عدالة وأخوّة.

أيها الأصدقاء الأعزاء، فلننطلق من هذه الأرضية “الماركية” بقوة الافخارستيا عائشين تداخل كياني حميم بين السر الذي نحتفل به وأبعاد حياتنا اليومية. ما من أمر أصيل إنسانيًا إلا ويجد في الافخارستيا الشكل المناسب لكي يعاش بملئه: تضحي الحياة اليومية بهذا الشكل موضع عبادة روحية، لكي تعاش أولية الله في كل المناسبات، داخل العلاقة مع المسيح وكتقدمة إلى الله الآب (راجع الإرشاد الرسولي “سر المحبة”، 71).

نعم، “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (مت 4، 4): نحن نعيش الطاعة لهذه الكلمة، التي هي خبز الحياة، وصولاً إلى تسليم ذواتنا، مثل بطرس، بحكمة الحب: “يا رب، أين نذهب، وكلام الحياة الأبدية عندك؟ لقد عرفنا وآمنا أنك أنت قدوس الله” (يو 6، 68 – 69).

فلنضح، مثل العذراء مريم، حشًا مستعدًا لكي يقدم يسوع لإنسان عصرنا، فنوقظ التوق الباطني للخلاص الذي يأتي منه وحده. أتمنى لكل الكنيسة الموجودة في إيطالية مسيرة مباركة، مع المسيح خبز الحياة.

وكالة زينيت العالمية