stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

« كانَ لِرَجُلٍ ابنان » القدّيس يوحنّا بولس الثاني

310views

القدّيس يوحنّا بولس الثاني (1920 – 2005)، بابا روما
الإرشاد الرّسولي: المُصالحة والتوبة (Reconciliatio et paenitentia )، الأعداد 5 – 6

« كانَ لِرَجُلٍ ابنان »

إنّ الإنسان – أيُّ إنسان – هو هذا الابن الضال الذي تراوده تجربة الابتعاد عن أبيه ليعيش على هواه، والذي يقع في التجربة ويُخدع بالأباطيل التي تجتذبه كالتراب، فيجد ذاته وحيدًا، مسلوب الكرامة، مستَغلاًّ، وفيما هو يسعى إلى إتّباع نمط حياة خاص به، يبرِّح به، وقد انحدر إلى درك الشقاء، شوق العودة إلى أبيه. والله، كالأب في المثل، يترقّب عودة ابنه، ويعانقه لدى لقائه إياه، ويولم في مناسبة رجوعه احتفالاً بالمصالحة… إن أبرز ما في المثل هو هذه الحفاوة الطافحة بالمحبة التي استقبل بها الأب الابن العائد، والتي هي دليل على رحمة الله المستعد أبداً للصفح والغفران. ولنَقُلها فورًا: إن المصالحة هي قبل كلِّ شيء، عطيّة الآب السماوي.

لكن المثل يتحدّث أيضاً عن الابن الأكبر الذي يرفض أخذ مكانه في الوليمة، ويعيب على أخيه الأصغر طيشه، وعلى أبيه حفاوته به، في وقت لم يسمح له – أي للابن الأكبر – وهو المقتصِد، الناشط، المخلص لأبيه، والحريص على بيته، بإقامة وليمة لأصدقائه. وهذا دليل على أنه لم يفهم طيبة أبيه. وطالما أن هذا الأخ الشديد الثقة بنفسه، الحسود المتعالي المتشبع مرارة وغضبًا، لم يرجع ويصالح أباه وأخاه، فالوليمة لم ترتق بعد لتكون عيد عودةٍ ولقاء. والإنسان – كل إنسان – هو أيضاً هذا الابن الأكبر، وقد جعلته الأنانية حسودًا، وحجّرت قلبه وأعمته وقطعت عليه مجال العودة إلى الآخرين وإلى الله…

إن مثل الابن الضال هو قبل كل شيء، قصة المحبة الجارفة الفائقة الوصف، محبة الله الآب الذي يقدّم لابنه العائد تقدمة المصالحة الكاملة. ولكن هذا المثل، عندما يلمّح، وهو يرسم صورة الابن الأكبر، إلى الأنانية العمياء التي تفرّق بين الأخوين، يصبح أيضاً قصّة العائلة البشرية، وهي تصف الحالة التي تتخبّط فيها وتدل على الطريق الذي يجب أن نسلكه. ويمثل الابن الضال التائق كلّ التوق إلى العودة إلى أحضان أبيه والظفر منه بالمسامحة والغفران، الذين يشعرون في قرارة ضميرهم برغبة ملحّة في المصالحة على جميع المستويات ودونما تحفّظ، وهم على أرسخ ما يكون اليقين أن هذه المصالحة لا تتمّ إلا إذا نبعت من تلك المصالحة الأولى، الأساسية، التي تأتي بالإنسان من بعيد لتعود به إلى الله فينعم بصداقته، صداقة الأبناء، ويعترف برحمته اللامتناهية. ولكن إذا نظرنا إلى هذا المثل نظرة الابن الثاني، نرى أنه يصف حالة العائلة البشرية التي قسّمتها الأنانيّات، ويلقي ضوءًا على ما في التوق إلى تأليف عائلة في مناخ مصالحة ووحدة، من صعوبة، ويذكّر بالتالي بالحاجة الماسّة إلى تغيير القلوب لاكتشاف رحمة الله، والتغلّب على سوء النيّة والعداوة بين الإخوة.