stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

عقائدية

مجهودات هيرونيموس وروفينوس لترجمة أعمال اوريجينيس- للأخ/ وديع الفرنسيسكانيّ

1.1kviews

hqdefaultمجهودات هيرونيموس وروفينوس لترجمة أعمال اوريجينيس- للأخ/ وديع الفرنسيسكانيّ

نقدِّم، في البداية، بعضَ التواريخ الهامّة، في حياة اوريجينيس.

وُلِد اوريجينيس في مدينة الاسكندريّة من أسرة مسيحيّة متديّنة، نحو سنة185. وقد قام والده، ليونيدس، بتثقيفه وتكوينه تكويناً دينياً. وبعد استشهاد هذا الوالد، أثناء الاضطهاد، الذي أثاره سيبتيميوس سيفيروس (146-211) سنة 202، ومصادرة أملاك الأسرة، اضطرّ اوريجينيس للعمل لإعالة أسرته. وفي سنّ الثامنة عشرة، عيّنه الأنبا ديميتريوس، أسقف الاسكندريّة (189-232) مديراً لمدرسة إعداد الموعوظين لقبول الإيمان. وقد قام الشابُ بعمله خيرَ قيام. وبجانب التدريس راح اوريجينيس يكتب، ويقوم بالرحلات التبشيريّة، خارج مصر. بعد سنة 230، وعلى أثر خلافات مع السلطة الكنسيّة، اضطرّ أوريجينيس لمغادرة الاسكندريّة، والتجأ إلى مدينة قيسريّا فلسطين، حيث أنشأ مدرسةً شبيهة بمدرسة الاسكندريّة، وهناك وضع أكثر مؤلّفاته، بتعضيد من المحسن إليه، وصديقه الدائم، ورفيقه الأمين، الميشينته (راعي العِلْم) أمبروزيوس. وأثناء الاضطهاد، الذي أثاره ديكيوس (249-251) على المسيحيين، تعرّض اوريجينيس للحبس والتعذيب، وتوفّي بعد ذلك، سنة 253، في مدينة صور في لبنان.

والآن نتوقّف عند مؤلَّفات اوريجينيس وننظر في عناوينها باختصار.

حسب  شهادة  هيرونيمو (Adversus Rufinum) تصل كتابات أوريجينس إلى ألفَيّ (2000) مقالة . أمّا  حسب  إبيفانيوس (Haer. 64. 63) فتصل الكتب إلى ستّة آلاف (6000). ولكنّا لا نعرف إلا عناوين ثمان مائة (800) منها، وهي عناوين تَرِد في رسالة وجّهها هيرونيموس (Epistula 33) إلى باولا. والمقصود بتعبيرَيّ “كتاب” و “مقالة” هنا، لا كتاب قائم بذاته، أو مقالة مستقلّة، ولكن جزء، أو فصل، أو باب في كتاب. ولذا فإنّ عدد الكتب القائمة بذاتها يتضاءل. وتدور جلُّ مؤلَّفات اوريجينيس حول الكتاب المقدّس؛ ولذا يستحقّ لقب “مؤسِّس العِلْم الكتابيّ، ورائد الأبحاث الكتابيّة”.

ويُعتَبَر مِن أضخم مؤلَّفات العلاّمة الاسكندرانيّ عملُه حول نصّ العهد القديم. وفيه وضع على ستّة أعمدة نصَّ العهد القديم العبرانيّ وترجماتِه اليونانيّة، مُظْهِراً الفروق بين ترجمة وأخرى، ويحمل هذا العمل اسم Hexapla. وبالنسبة إلى المزامير وصل عددُ الأعمدة إلى تسعة، ولذا يُسمّى العمل Enneapla. ويبدو أنّ هذا العمل، لضخامته لم يُنْسَخ أبداً، وقد اطّلع هيرونيموس على نسخة المؤلَّف في مكتبة قيسريّا فلسطين. ولم يصلنا منه إلاّ شذرات قليلة.

وبخلاف هذا العمل الجبّار والفريد في نوعه، قام اوريجينوس بأبحاث في الكتاب المقدَّس بعهدَيه على ثلاثة أشكال: الشكل الأوّل على هيئة شروحات موجزة، للنصوص الصعبة، يحمل هذا الشكلُ اسمَ o,oliaScholia,؛ والشكلُ الثاني على هيئة مواعظ omiliai Tractatus,؛ والثالثُ على هيئة تفاسير. Tomoi, Volumina

وحسب هيرونيموس (Epistula 33) وضع اوريجينيس شروحاتٍ موجزة على أسفار: الخروج، والأحبار، وإشعيا، ومزامير 1-15، والجامعة، وإنجيل يوحنّا. وقد فُقِدَت كلّ هذه الشروحات الموجزة. وقد أدرج روفينوس كثيراً من هذه الشروحات الموجزة على سفر العدد في ترجمته لعظات اوريجينيس على نفس السفر.

أمّا بخصوص المواعظ، فإنّ المؤرِّخ اليونانيّ، سوكْرَتيس (“التاريخ الكنسيّ” 5/22) يؤكّد أنّ اوريجينيس كان يعظ يومَيّ الأربعاء والجمعة، ولكن حسب بمفيلوس كان يعظ يومياً؛ ولذا فلا عجب إن كان قد تعرّض، في عظاته، لسائر أسفار الكتاب المقدَّس، غير أنّ أكثر المواعظ قد ضاعت للأسف. وفي الواقع فإنّ حجم خسارتنا لكبير؛ فمِن 474 عظة، وصلت إلينا 20 عظة في الأصل اليونانيّ، ولعدد 388 عظة ليس هناك حتّى ترجمة لاتينيّة.

وتختلف التفاسيرُ، عن المواعظ، من حيث المضمون والمنهج. وتحوي هذه 278 التفاسيرُ أو الدراسات المطوَّلة كثيراً من العناصر الفيلوزوفيكيّة (الفلسفيّة)، والنقديّة، والتاريخيّة، والعقائديّة. ويركِّز اوريجينيس فيها على المعنى الميستيكيّ، لا المعنى الحرفيّ، ويُكْثِر من استخدام المجاز. وهنا أيضاً حجم الخسارة فادح؛ فمِن 291 تفسيراً فُقِد في الأصل اليونانيّ 275 تفسيراً، ووصل العددُ القليل، في ترجمات لاتينيّة. 

بخلاف هذه الأبحاث الكتابيّة، اشتهر اوريجينيس بمراسلاته العديدة، ولكن لم يصلنا إلاّ القليل منها.

ومِن مؤلَّفاته ذات الطابع الروحي، لدينا مقالة “حَثّ على الاستشهاد” Ei[ marturiou protreptko[ Exhoratio ad martyrium, وقد وُضِعَت المقالة، سنة 235، في قيسريّا فلسطين، وقد وصل إلينا الأصلُ اليونانيّ، وليس هناك ترجمة لاتينيّة قديمة لها.

ولدينا كذلك مقالة “في الصلاة” “De oratione”, Peri eu, وتعود المقالة إلى سنتَي 233-234، وهي في جزءين، وقد وصل إلينا النصُّ اليونانيّ الأصلي، وليس هناك ترجمة لاتينيّة قديمة لها.

أمّا المؤلَّفات العقائديّة فتشمل: “الطنافس” أو “المتفرِّقات” Gtrwmateis؛ وهي في عشرة كتب، ما زالت إلى اليوم مفقودة، ولم تصلنا في أيّة ترجمة؛ “في القيامة” Peri auaotaoew De resurrectione ولم يصلنا من الأصل إلاّ شذرات، وليس هناك أيّة ترجمة له؛ “المناظرة مع هيراكليديس”، وقد اكتُشِف النصُّ اليونانيّ لهذا الكتاب سنة 1941، في منطقة طرة، جنوب القاهرة . وفي مجال العقيدة كذلك، يُعَدّ مصنَّف “في المبادئ الأولى” Periar,wu De principiis, أوّلَ محاولة لوضع أسُس عِلْم الإلهيّات Theologia المسيحيّة. ولم يصلنا مِن الأصل اليونانيّ إلاّ شذرات قليلة. ويقع المؤلَّف في أربعة كتب تدور حول: الله، والعالم، والحريّة، والوحي. وفي حقل الدفاع عن الدين المسيحيّ، وضع اوريجينيس كتابَ “الردّ على كِلْسوس” Contra Celsum, kata keloou وليس  هناك ترجمة لاتينيّة قديمة لهذا الكتاب.

بعد هذا الاستعراض السريع، لحياة اوريجينيس ومؤلَّفاته، ننظر أوّلاً في حياة المترجِم الأوّل لأعمال اوريجينيس والأعمال التي ترجمها.

وُلِد اوزيبيوس هيرونيموس، في مدينة ستريدونيا Stridonia بين دلماسيا وبنّونيا، ويقع تاريخُ الميلاد بين سنتَيّ 331و 347. بعد الدراسات الأوّليّة، في مسقط رأسه، تابع هيرونيموس، بعد سنة 360، دراساته في روما. وتصادق، في ذلك الوقت، مع روفينوس. وفي روما قَبِل هيرونيموس العمادَ، وتوجّه بعد ذلك إلى مدينة ترير أو تريف (في وسط غرب ألمانيا الحالية)، وكانت آنذاك عاصمة الغرب. وهناك تعرَّف على الرهبنة الشرقيّة، التي كان قد عَرَّف بها القدّيس أثناسيوس الاسكندرانيّ (+373) بحديثه عن سيرة القدّيس أنتونيوس. ثمّ قام هيرونيموس بأوّل رحلة إلى الشرق، واستقرّ في صحراء كَلْكيس (جنوب حلب في سوريا)، حيث تلقّى الدروسَ الأولى، في اللغة العبرانيّة، وتابع دراساته في اللغة اليونانيّة . ودامت هذا الإقامةُ سنتين (375-377). وفي أنتيوكيا (أنطاكيا) قَبِل هيرونيموس الرسامةَ الكهنوتيّة، من أسقف المدينة، باولينوس. أثناء ذلك، كان روفينوس، صديق هيرونيموس، يعيش في الصحراء المصريّة. وفي مجمع القسطنطينيّة (381) تَعَرَّف هيرونيموس على القدّيس غريغوريوس النزينزينيّ، الذي دفعه إلى قراءة مؤلَّفات اوريجينيس، فتحمَّس لهذا، وشرع في ترجمتها إلى اللغة اللاتينيّة. بعد تَرْك الشرق، عمل هيرونيموس كسكرتير (كاتب) للبابا دمزوس (366-384). ولكن، بعد اختيار سيريشيوس (384-399) لكرسي روما، غادر هيرونيموس المدينةَ، قاصداً الشرق، وفي صيف سنة 386، استقرّ، مع أصدقائه، في مدينة بيت لحم، بينما فضَّل روفينوس، مع مجموعته، الإقامةَ على جبل الزيتون. حتّى ذلك الوقت، كانت تجمع بين الاثنين الصداقةُ والحماسُ لفكر اوريجينيس. ولم تكن مكتبةُ قيسيريّا فلسطين، التي أسّسها المعلم الاسكندرانيّ، وأثراها تلميذه بمفيلوس، وتلميذ هذا الأخير، اوزيبيوس القيسرانيّ، ببعيدة عن الاثنين. في سنة 393 بدأ الصراعُ حول شخصيّة اوريجينيس وأفكاره، وبينما انضوى هيرونيموس تحت لواء الحزب المناهض لتراث اوريجينس، ظلّ روفينوس أميناً له. وهكذا بدأت القطيعةُ، وظهر الصراعُ، بين الصديقين، فتحوّلا إلى عدوين. وقد كان ابيفانيوس، أسقف سلامينا في قبرص، وراء هذه القلاقل، في فلسطين. وتوفّي هيرونيموس يوم 30 سبتمبر/أيلول سنة 419، وكان في قمّة نشاطه الأدبيّ.

لقد وُصِف اوزيبيوس هيرونيموس بأنّه “أمير المترجمين” (كواستن). ويشير هذا الوصف سواء إلى ترجمة هيرونيموس للكتاب المقدَّس إلى اللغة اللاتينيّة، وسواء إلى ترجمته لأعمال اوريجينيس. وقد بدأت هذه الترجمة سنة 381، بدعوة من القدِّيس غريغوريوس النزينزينيّ. وقد أمكن الشروع في هذه المهمّة بعدما تعهّد الكاهنُ فينشنسوس، وكان يعيش في القسطنطينيّة، بالانفاق على هذه الترجمة. وهكذا نشر هيرونيموس، في روما، سنة 383، العظتَين على سفر نشيد الأناشيد. وتبدأ الترجمةُ بمقدِّمة، يهدي فيها المترجِم الكتابَ إلى البابا دمزوس، ويعلن فيها أنّ اوريجينيس يتخطّى، في كتاباته، سائرَ الكُتّاب، أمّا في تفسير نشيد الأناشيد فهو يتخطّى ذاته. وبعد سنة 392 قدَّم هيرونيموس ترجمةَ 9 عظات على سفر إشعيا. وكان قبل ذلك قد ترجم 14 عظة على سفر إرميا، وقد وصلتنا في الأصل اليونانيّ 12 عظة منها. وبعد إرميا جاءت ترجمةُ المواعظ على سفر حزقيّال. وفي مقدِّمة لهذا العمل يذكر المترجِم ترجماتِه السابقة لكتب العلاّمة الاسكندرانيّ.

وقد كشفت الدراسات الحديثة ترجمة 74 عظة على سفر المزامير لاوريجينيس. وقد نُشِرَت العظات أوّلاً كعمل مِن مؤلَّفات هيرونيموس، ولكنّه في الواقع مترجم لها أنظر Origene- Gerolamo, 74 omelie sul libro dei Salmi. Introdzione, traduzione e note di Giovanni Coppa, Roma, 1993.

بعد هذه الترجمات القليلة، توقّف هيرونيموس عن الترجمة، لانشغاله بأعمال أخرى. ولكن يمكن القول إنّه بعد أنْ قرأ كثيراً في أعمال اوريجينيس وغيره، أصبح على درجة من الكفأة تسمح له بوضع أعمال تفسيريّة تحمل توقيعه هو. كان الكاهنُ فينشنسوس، وروفينوس، والقدّيس اوجوستينوس يحثّون هيرونيموس على متابعة العمل، ولكنّه لم يقدِّم لنا بعد ذلك إلا ترجمة 39 عظة على إنجيل القدّيس لوقا، سنة 390، وفي المقدِّمة يحمل على القدّيس أمبروزيوس، بدون أن يذكره بالاسم، وينعته بالغراب الناعق، ويتّهمه بسرقة أفكار اوريجينيس.

وبعد أن تحوّل هيرونيموس من الإعجاب بأوريجينيس إلى الهجوم عليه، ومعاداة أصدقائه، عاد إلى الاهتمام بأعماله، فقام سنة 399 بترجمة كتاب “في المبادئ الأولى”، بعد أنْ كان روفينوس قد أعدّ ترجمةً لنفس الكتاب قبل ذلك بسنة. وقد قام هيرونيموس بترجمته كرَدّ على ترجمة روفينوس، التي اعتبرها ترجمةً مزوَّرة، وغير أمينة. كانت ترجمةُ هيرونيموس تهدف إلى إبراز الانحرافات، في فكر اوريجينيس. ومِن سخرية القدر، أنّ ترجمة روفينوس بقيت، أمّا ترجمة هيرونيموس فقد لاقت نفسَ مصير الأصل اليونانيّ.

والآن ننتقل إلى المترجِم الثاني لأعمال اوريجينيس، وهو روفينوس.

تتشابك أحداث حياة روفينوس مع أحداث حياة هيرونيموس. وُلِد هذا الرجل في مدينة كونكورديا، نحو سنة 345. ودرس في روما بين سنوات 359-368. ثمّ ترهّب أوّلاً في مدينة أكوليئا (368-373). وبعد ذلك قصد الشرقَ، وقضّى سنوات 373-380 في مصر، متتلمذاً على يد ديديموس الضرير، ومتنقِّلاً بين أديرة الصحاري المصريّة. بعد هذه التلمذة والسياحة الرهبانيّة، استقرّ، مع مجموعته، على جبل الزيتون، حتّى سنة 397. أثناء ذلك بدأ هيرونيموس يتنكَّر لاوريجينيس ويحارب فكرَه، بينما ظلّ روفينوس أميناً على العهد، وترجم أمانته هذه في ترجمات عديدة لأعمال العلاّمة الاسكندرانيّ، لتعريف العالم اللاتينيّ بها. في سنة 397 عاد روفينوس إلى روما، وفي سنة 399 وافى مدينةَ أكويليئا، حيث تفرَّغ لمهمَّته الكبرى. وفي سنة 407 التجأ إلى روما، ومنها إلى سيشيليا (صقليّة)، حيث وافته المنيِّةُ، سنة 410. ولم يحظَ روفينوس بالتكريم كقدّيس، ربّما بسبب أمانته لفكر اوريجينيس ودفاعه عنه.

بدأ روفينوس ترجمته لأعمال اوريجينيس، عندما توقّف هيرونيموس عن مشروع ترجمة هذه الأعمال، وأخذ موقفاً معادياً للعلاّمة الاسكندرانيّ. لقد كان روفينوس يعرف أنّه لا يتمتَّع بنفس مواهب هيرونيموس؛ ولذا لم يدخل حقل الترجمة، إلاّ بعد انسحاب صديقه السابق.

في البداية، قام روفينوس، في سنتَيّ 403-404 بترجمة 16 عظة على سفر التكوين، و13 عظة على سفر الخروج، و16 عظة على سفر الأحبار. ومِن الملاحَظ أنّ ترجمات روفينوس كانت حرّة، ولكن امينة لمعاني أفكار اوريجينيس. وفي وقت متأخِّر مِن حياته، أثناء وجوده في ميسّينا بسيشيليا، ترجم 18 عظة على سفر العدد، وتسبق الترجمةَ مقدِّمةُ له.

وفي سنة 400 قام روفينوس بترجمة 25 عظة على سفر يشوع، مسبوقة بمقدِّمة للمترجِم. وهنا أيضاً تُعتَبَر الترجمة حرّة، ولكن أمينة. وفي العام التالي، أيْ سنة 401، ظهرت ترجمة 9 مواعظ على سفر القضاة.

ومِن العظات المترجَمة والمكتشَفة حديثاً عظاتٌ على سفر صموئيل الأوّل. وهناك احتمال كبير أنّ يكون روفينوس هو صاحب الترجمة. وقد وصلت مِن هذه العظات بعضُ الشذرات اليونانيّة.

وتابع روفينوس عملَ الترجمة بهمَّة، فقدَّم، في نفس سنة 401، ترجمة 9 عظات على المزامير 36-38، وتسبق الترجمة مقدِّمة لروفينوس.

وفي السنوات الأخيرة من عمره، وبالتحديد في سنة 410، ترجم تفسير نشيد الأناشيد.

أمّا مِن دراسات اوريجينيس حول العهد الجديد، فلم يترجم روفينوس إلاّ تفسير رسالة القدّيس بولس إلى كنيسة روما.

ومِن المؤلَّفات العقائديّة، ترجم كاتبُنا مصنَّفَ “في المبادئ الأولى”. وليست الترجمة حرفيّة، ولكنّها شرح لأفكار المعلِّم الاسكندرانيّ. وفي المقدِّمة يشير المترجِمُ إلى صديقه السابق، هيرونيموس، بدون أن يذكره بالاسم، وينوّه أنّه استبعد بعض الأفكار، التي اعتبرها دخيلةً على فكر اوريجينيس، ومِن وَضْع أعدائه، لتشويه سمعته. وقد حكم بعضُ الدارسين على روفينوس حكماً قاسياً، ورموه بالتزوير، ولكن اليوم هناك مَن ينصفه، ويعيد إليه الاعتبار، ويرى في ترجمته عملاً جديراً بالثقة.

ولكي ينفي روفينوس عن اوريجينيس تهمةَ المروق عن الإيمان، ترجم سنة 400 كتابَ “حوار حول الإيمان الأرثوذكسيّ” المنسوب إلى شخص اسمه أدمنسيوس، وهو يرى في هذا الشخص اوريجينيس نفسه، الذي كان يدهى أيضاً أدمنسيوس، ولكن الكتاب ليس لاوريجينيس.

كان روفينوس يخطّط لمتابعة ترجمة أعمال العلاّمة الاسكندرانيّ، ولكنّه توفّي في سنّ الخامسة والستّين.

وقد جُمِعَت مقدِّمات روفينوس لترجماته في كتاب Tyranni Rufini Opera. Recognovit Manlius Simonetti (Corpus Christianorum series Latina, XX), Turnhout, 1961, p.242-285.

لقد ترجم هيرونيموس أعمالاً لمؤلِّفين آخرين، ولكن ترجماته لاوريجينيس تحظى بنصيب الأسد. وكذلك ترجم روفينوس أعمالاً لمؤلِّفين آخرين، ولكن اوريجينيس يبقى مؤلِّفه المترجَم المفضَّل.

تُعتَبَر “مجهودات هيرونيموس وروفينوس لترجمة أعمال اوريجينيس” أضخم مشروع ترجمة لأحد الكُتّاب، في الكنيسة المسيحيّة الأولى. ولم يكن هيرونيموس، أو روفينوس، بترجمتهما، يهدفان إلى حفظ تراث اوريجينيس. ولم يكن يخطر على بالهما أنّ كثيراً من أصول أعمال اوريجينيس ستختفي. وهكذا، فإنّهما بعملهما حفظا هذا التراث من الضياع، وتخطّى عملُ الاثنين الهدفَ الأوّليّ، وهو إفادة بعض الغربيين الجاهلين باللغة اليونايّة. يجب أنْ نشعر بالامتنان لهذين الرجلين، أيْ هيرونيموس وروفينوس، فبدون مجهوداتهما، كنّا فقدنا جزءاً مهماً من تراث اوريجينيس، الذي تعرّض للمحاربة أوّلاً “من أهل بيته ووطنه”، وهو حيّ، وبعد موته. وقد نُشرت أكثر الترجمات اللاتينيّة لأعمال اوريجينيس مع ترجمة فرنسيّة في مجموعة “المصادر المسيحيّة” Sources chrétiennes. والآن كلمّا قرأنا اوريجينيس وتذوّقناه نذكر معه هيرونيموس وروفينوس، اللذين جمعتهما الصداقةُ والإعجابُ باوريجينيس، ثمّ كان نفسُ الشخص سببَ فُرقتهما وعداوتهما.

القاهرة، الموسكي، 13 يونيو / حزيران 1996- عيد القدّيس أنتونيوس البدوفانيّ

قرأت هذه الكلمة، يوم السبت، 29 يونيو 1996، في “اللقاء الثاني حول فكر الآباء”، الذي نظّمته دار فيلوباترون في كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة، أيّام الجمعة والسبت والأحد، 28-30 يونيو 1996. 

وتمّت مراجعة الكلمة وإعدادها للنَشْر في مجلّة “صديق الكاهن”، يوم الخميس، 17 سبتمبر 1998، عيد جروحات القدّيس فرنسيس الأسّيزيانيّ، وعيد القدّيس روبرتوس بيلّرمينوس اليسوعيّ، الأسقف ومعلِّم الكنيسة الجامعة.