stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

عن الكنيسة

محاولة توفيق بين الخلقيدونيين واللاخلقيدونيين المجمع القسطنطيني الثاني والمسكوني الخامس سنة 553- القمص/ إسكندر وديع

1.4kviews

images (21)

تكلمنا  في  موضوع  العدد السابق عن محاولة  أولى  للتوفيق  بين  الخلقيدونيين والمونوفيزيين بالسكوت عن موضوع الخلاف وهو مجمع خلقيدونيا وعن مشكلة الطبيعة الواحدة أو الطبيعتين في المسيح. وكان هذا القرار للإمبراطور زينون بمساندة أكاس بطريرك القسطنطينية الذي قبل  في  شركته  كل  البطاركة  والأساقفة  الذين وقّعوا  على  القرار  المسمى “بالهينوتيكون”.

وكما رأينا، لم يُرض هذا القرار لا الخلقيدونيين المتمسكين بمجمع خلقيدونية، ولا المونوفيزيين المتمسكين بحرم مجمع خلقيدونية، ولذلك لم ينجح قرار الوحدة في توحيد الكنيسة بل سبّب شقاقاً بين كنيسة روما وكنيسة القسطنطينية لمدة خمسة وثلاثية سنة من سنة 484 إلى 519. حيث تولى الحكم في القسطنطينية الإمبراطور يوستينوس الخلقيدوني الصميم الذي قبل قرار البابا هرمسيداس بإلزام الجميع بقبول مجمع خلقيدونية وحرم كل الذين عملوا على فرض “الهينوتيكون”.

بعد هذا الفوز الظاهر لمجمع  خلقيدونية  وأتباعه  لم  يرتح المونوفيزيون إليه متهمين إياه بالنسطورية. ولذا أراد الإمبراطور يوتسنيانس مع بعض رجال الفكر أن يُظهر الاتفاق التام بين تعليم مجمع خلقيدونيا وتعليم القديس كيرلس الإسكندري الذي أيّده مجمع أفسس وكان المونوفيزيون متمسكين به أشد التمسك.

مشكلة الرهبان الإسقيطيين

وحتى يضمن المونوفيزيون وضوح عقيدة وحدانية الأقنوم في المسيح ويرفعوا كل لبس عن مجمع خلقيدونيا، أضاف الرهبان الإسقيطيون عبارة ” قد تألم واحد من الثالوث في الجسد ” . وقد سافر البعض منهم إلى روما ليقروا تعليمهم من البابا هرميسداس الذي أخذ يماطل معهم حتى طردهم من روما إلا أنهم أثناء ذلك توصلوا إلى موافقة الكنيسة الأفريقية التي كان يرأسها القديس فلجانسيوس . كما أنهم استطاعوا التأثير على  الإمبراطور  يوستنيانوس  الذي بعد تردد اقتنع ووافق تماماً على هذا التعبير الجديد. واستعمل ما كان له من النفوذ لفرض هذه الإضافة.

المحاضرات الجدلية

لتقريب المونوفيزيين إليه، تحت تأثير زوجته ثاودورا، قرر الإمبراطور يوستنيانوس إقامة محاضرات جدلية: يدعي فيها أقطاب الحزبين المتخاصمين للمناقشة والتجادل بغية الوصول إلى تقريب وجهات النظر سيراً نحوا الاتحاد ولم يتردد الإمبراطور نفسه في حضور هذه الاجتماعات.

إلا أن هذه المجادلات لم تأت بنتيجة لتمسك المونوفيزيين بموقفهم بحجة تردد البابا في قبول تعبير الرهبان      الإسقيطيين  وبحجة  رفض  المجمع الخلقيدوني لتحريمات كيرلس الإثنى  عشر . ولتساهله  وتسامحه  نحو  إيباس أسقف الرها وتاودوريتس القورسي أسقف تير اللذان أظهرا بعض الميل إلى نسطوريوس وانتقدا تحريمات  كيرلس  إلا  أنهما  أثناء  مجمع  خلقيدونية  لم يترددا في إصدار الحكم عليه. وقد تأثر يوتسنيانوس بهذه الاعتبارات وحاول أن يجد لها العلاج. فبدأ بإعلان “قراره” الذي أعده سابقاً وفيه يحرم كل من ينكر أن السيد المسيح ابن الله الذي تجسد وتألم هو واحد من الثالوث. وطلب من البابا يوحنا الثاني أن يوافق على قراره .  فعندما  رأى البابا موفقة أساقفة الغرب عليه قبله هو أيضاً بقوله :   ” لأن  هذا  يوافق  التعليم  الرسولي  فإننا  نقره  بما  لنا من سلطان”.  كما  أنه  في  رسالته  إلى الامبراطور وإلى مجلس شيوخ القسطنطينية لم يتردد في  قبول  تحريمات  كيرلس  الاثنى  عشر  فوقع جميع الأساقفة على هذا القرار.

مسألة الفصول الثلاثة

ولم يبق لضحد زعم المونوفيزيين إلا حرم تاودورس معلم نسطوريوس والأسقفين المذكورين سابقاً وهما إيباس  وتاودوريتس الذين عرفوا في التاريخ باسم “الفصول الثلاثة” نظراً لمؤلفاتهم الملتبسة ضد القديس كيرلس . ورأى الإمبراطور أنه إذا حرم هؤلاء فلن يجد المونوفيزيون عذراً يتذرعون به لرفض المجمع الخلقيدوني. فأعد يوستنيانوس “قراراً إيمانياً” ينتهي بحرم تاودورس وإيباس وتاودوريتس. وقد صرح الامبراطور باحترامه لمجمع خلقيدونية ووقع على هذا القرار بطاركة الشرق الأربعة على غضض منهم، وتبعهم أساقفتهم. وكان لابد من توقيع أسقف روما البابا فيجيليوس ولم يكن هذا بالأمر الهين.

موقف البابا فيجيليوس

كان البابا   فيجيليوس  قد وصل  إلى  كرسي البابوية  بفضل الإمبراطورة تاودورا ويقال أنه كان قد تعهد بتشجيع سياستها المونوفيزية. ولكن عندما تولى الكرسي الرسولي، اجتهد أن يعوض عن غلطته السابقة وكتب إلى الإمبراطور وإلى  ميناس  بطريرك  القسطنطينية رسائل  تظهر إيمانه الصحيح ، كما يدل على ذلك موقفه بالنسبة إلى “الفصول الثلاثة” . فقد شعر البابا أن قرار الإمبراطور الخاص بهم، رغم تصريحه باحترام مجمع خلقيدونية كان يناقض هذا المجمع الذي لم يحكم ضد الأول والذي برّأ المتهمين الآخرين . كما رأى أن معظم أساقفة الغرب الذين استشارهم يستنكرون هذا القرار، إذ أنه لا داعي لمحاكمة الأموات ونقض قرارات المجامع السابقة. ولذلك، استناداً إلى الأساقفة الغربيين، رفض فيجيليوس التوقيع على قرار الإمبراطور يوستنيانوس. ولم يرض الإمبراطور بهذه النتيجة غير المتوقعة، فعرض على البابا الحضور إلى القسطنطينية. فحضر يوم 25 يناير سنة 547. ولم يثنه هذا الحضور عن عزمه السابق. ولكن، تحت التأثيرات المتكررة، ضعف عزمه وإذا به يقبل البحث في المسألة وأصدر البابا فيجيليوس “الحكم” الذي به يحرم شخص تاودورس وبعض مؤلفات إيباس وثاودوريتس.

وحرص البابا على أن يظهر صريحاً موافقته التامة على قرارات مجمع خلقيدونية . وميّز  بين  حالة  تاودورس الذي لم يتكلم عنه المجمع وبين حالة إيباس وتاودوريتس اللذان كانا قد تراجعا عن  أخطائهما  وقد  برأهما المجمع وقبلهما في الشركة الكاثوليكية. ومع ذلك، أقام هذا القرار عاصفة من الاحتجاجات وقد رفض بعض أساقفة الغرب الخضوع لهذا الحكم. واجتمع أساقفة أفريقيا الشمالية وأوقعوا الحرم على فيجيليوس إلى أن ينقض قراره. وأمام هذه العاصفة، تراجع البابا عن قراره وطلب من الإمبراطور الانتظار ريثما يلتئم المجمع العام ويقرر في شأن “الفصول الثلاثة”.

واهتم الإمبراطور بإعداد المجمع واستمالة الأساقفة إلى رأيه، ولم يطق الانتظار لقيام المجمع فأصدر قراره الإيماني ضد الفصول الثلاثة واستنكر البابا فيجيليوس تصرف الإمبراطور وطلب من الأساقفة أن يقنعوه بسحب قراره. ولم يجد هذا  الاستنكار  أذاناً صاغية . وقد أضرم هذا الموقف الغيظ في قلب الإمبراطور وشعر البابا فيجيليوس بالخطر الذي يهدده. فبدأ بإصدار الحرم ضد تاودور  أسكيداس  والبطريرك  ميناس  اللذان  حثا  يوستنيانوس على إصدار هذا القرار واحتمى في كنيسة القديس بطرس بقصر  هرميسداس . فأمر الإمبراطور أعوانه بإخراجه من هذا الملجأ. فدخل الجند واستعملوا قوة بطشهم ضد هذا الشيخ الوقور وصاروا يجرونه من يديه ورجليه وهو قابض بكل قواه على أحد أعمدة الهيكل حتى كاد يسقط عليه ويحطمه. فاستنكر الشعب هذا الحادث الشنيع وأخذ يطارد الجند الذين اضطروا إلى الفرار من غضبهم.

فخشي الإمبراطور نتيجة تصرفاته وغيّر سياسته نحو البابا وأراد أن يتفاوض معه وحث ثاودور وميناس على الخضوع للبابا. واتفق الجميع على عقد مجمع عام يفصل في الأمر.

المجمع القسطنطيني الثاني- المسكوني الخامس 553م

والتئم  المجمع  في  القسطنطينية  يوم  5مايو 553م كان البابا فيجيليوس غائباً عن الجلسة الأولى  لمرضه . فاغتنم يوستنيانوس فرصة غيابه وحكم على “الفصول الثلاثة” أي مؤلفات المعلمين الثلاثة وتاودورس أسقف المصيص وإيباس  أسقف  الرها  وثاودوريتس  أسقف  قير. وواصل المجمع جلساته في غياب البابا. ولما عرضت عليه المقررات، رضي أن يرذل ستين قضية مستخرجة من كتابات المؤلفين المتهمين، ولكنه رفض، وفاءً للمجمع الخلقيدوني، أن يحكم على أشخاصهم الذين برأهم المجمع المذكور.

استنتاجات

1. لا  يوجد  تناقض  بين  مجمع  خلقيدونية  ومجمع  القسطنطينية فالأول  برّأ  أشخاصاً  رجعوا  عن  غيّهم  والثاني  حرم بعض مؤلفاتهم الملتبسة.

2. تقلبات  فيجيليوس  لا   تناقض  عصمة  البابا  لأن  المسألة  التي  نحن بصددها لم  تكن  عن  تعليم  هؤلاء  الفصول  الثلاثة  ولكن  عن مناسبة الحكم عليهم بعد  أن  ماتوا  في  حضن  الكنيسة ولا يزعم اللاهوت الكاثوليكي  أن  الحبر  الروماني  معصوم  في  مثل هذه الأمور . ولا ننكر أن تصرف فيجيليوس في هذه المسألة كان يخلو من العزم والشجاعة ،  إلا  أنه  يمكننا  التماس بعض  العذر بهذا  الشيخ  المسن  المنفي  في  مدينة  الإمبراطور  وتحت رحمته ولما قاساه من الاضطهاد.

3. ضرر تدخل السلطة السياسية في الأمور الدينية.

4. ونرى أخيراً من كل هذه الأحداث التاريخية أهمية أسقف روما فالإمبراطور لم يعامله بهذه الشدة إلا لاعتقاده أن موافقته ضرورية لتثبيت التعاليم المسيحية ولصحة المجامع المسكونية.

عن مجلة صديق الكاهن2/ 1997