stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصرروحية ورعويةكنيسة الكلدان الكاثوليكموضوعات

موضوع السبت: رسالة راعوية بمناسبة موسم تقديس الكنيسة … الكنيسة لن تَشيخَ، لِنَضَعْ قَلقَنا جانِباً، ولا نَخاف من التجديد!

687views

2 نوفمبر 2019

نقلا عن موقع بطريركية بابل للكلدان

 

موضوع السبت: رسالة راعوية بمناسبة موسم تقديس الكنيسة

الكنيسة لن تَشيخَ، لِنَضَعْ قَلقَنا جانِباً، ولا نَخاف من التجديد!

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

أحبّتي بنات وأبناء الكنيسة الكلدانية في العالم، “عليكم النعمة والسلام” (ا تسالونيقي 1:1)

 

المقدمة

بمناسبة زمن (سابوع) تقديس البيعة (الكنيسة)، الذي يبدأُ هذا الأحد 3 نوفمبر – تشرين الثاني 2019، ويَختِم السنة الطقسية الكلدانية، أوَد أن اُوَجِّه اليكم هذه الرسالة الراعوية القصيرة.

تبدأ الدورة الطقسية عندنا بزمن البشارة، وتنتهي بزمن تقديس البيعة. التقديس عنوان هذا الزمن وهو محور السنة الطقسية، الذي يقوم على التدبير الخلاصي، اي تقديس بيت الله و”قلب المؤمنين”، حتى يكونوا قديسين جديرين بالقدوس الإلهي: “القدس- يليق بالقديسين ” كما جاء في رتبة القداس الكلداني.

كثيراً ما نُرتِّل في زمن تقديس الكنيسة، ترتيلة شعبية (أمَّر لي عيدتا أيكا). يقول البيت الأول منها: أيُّتها الكنيسة أين أبنيكِ؟ إنه سؤالٌ يوجِّهه يسوع الى تلاميذه، فيُجيب البيتُ الأخير: على بطرس. والسبب أن بطرس يُمثّل التلميذ الذي إعترف بإيمانه: “انت المسيح، ابن الله الحي” (متى 16:16)، و “يا رب، إلى من نذهب، وكلام الحياة الأبدية عندك؟” (يوحنا 6: 68)، وعبّر أيضاً عن حُبِّه المطلق له (يوحنا 21: 15-18)، فأعلنه يسوع قائلاً: “أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة أبني بيعتي” (متى 16:18).

من هذا المنطلق يدعو بولس الرسول الى “أَن يُقيمَ المسيحُ في قُلوبِكم بالإِيمان، حتَّى إِذا ما تأَصَّلتُم في المَحبَّة وأُسِّستُم علَيها، أَمكَنَكم أَن تُدركوا مع جَميعِ القدَّيسين ما هو العَرْضُ والطُّول والعُلُوُّ والعُمق، وتَعرِفوا مَحبَّةَ المسيحِ الَّتي تَفوقُ كلَّ مَعرِفة، فتَمتَلِئوا بِكُلِّ ما في اللهِ من كَمَال “(أفسس 3: 17-19). هذه الدعوة اُوجهها اليكم، أيُّها الأحبّة، وأنتم تعيشونَ في الداخل ظروفاً صعبة ومُقلقة، وفي المهجر تشتُتاً وخطر فقدان الهوية، لتسعوا جميعاً أن يحيا المسيح في قلوبكم، ويتجذَّر في حياتكم، فيغدوَ لكم كلَّ شيء.

إيمانٌ يملأ قلب المسيحي وحياة الكنيسة

معرفة المسيح ليست نظرية، أو أيديولوجية جامدة، بل معرفةٌ وجدانية متحركة، علاقة وثيقة نُجسِّدها في تفاصيلِ حياتِنا اليومية، فتنعكس على الآخرين. هذا هو طريق “التلمذة” الذي على المؤمن أن يسلكه.

في فضاء الحياة المسيحية، يريد المسيح أن يكون قلبُنا “الهيكل” الذي يسكن فيه، فيحافظ على كامل وجودنا. الكنيسة “الرعية Parish” وباليونانية كيرياكون –Kyriakon تعني الخاص بالرب، أي المنزل الروحي الذي يُمَكِّننَا من “معرفة” المسيح وعيش السرّ الفصحي.

هذا الفكر ينبغي أن يكون مصدر إلهامٍ دائمٍ للراعي والرعية، وأن يتحول الى مشروعٍ متكامل لراعوية العائلة، وراعوية الشباب، وراعوية الصغار. لا بد للرعية أن تولي أهمية كبرى لهذا الإيمان العامل بالمحبة (غلاطية 5: 6). كنيسة الرعية يجب أن تعيشَ دفء الاُبوّة والاُمومة، وتحُسَّ بحاجات الناس وتُصغي اليهم، حتى يشعرَ كل واحدٍ أنَّ الرعية بيته، وهو شريكٌ فيها، وله مكانته. هذا يتحقق عندما يبقى باب كنيسة الرعية مفتوحاً أمامهم، ويرحّب بهم ويُشَجَّعون على أن يُحبَّ أحدهم الآخر وأن يُحبَّ كل إنسان (يوحنا 15: 12). من المؤسف أن هذا المشروع لا يبدو دوماً متاحاً في بعض كنائسنا.

واقع المعاناة والأمانة والإستشهاد

بهذه المناسبة أيضاً، أوَد أن اُعرِبَ لكم عمّا يسكنني من همٍّ بالغ، إزاء المِحَن التي عشناها في العراق وما نزال نعيشها، وعن اُمنيتي في أن تصمدوا في الوطن، واعداً إياكم بدعمي، ومتابعتي للأمور عن كثب. صحيح أننا قد تعرضنا إلى إعتداءات وعمليات إرهابية، ضمن ما تعرّضَ له غيرُنا من العراقيين، وسقط قتلى، وفُجِّرت كنائس، وهُجِّرَ مسيحيو الموصل وبلدات سهل نينوى، ودُمِّرت بيوتهم، لكننا نُذكِّر أيضاً من باب الشكر للرب، وللمحسنين، ما قامت به الكنيسة في عموم العراق وخارجه التي لم تَدَّخر جهداً من أجل مدّ يد العون إليكم، والوقوف الى جانبكم، ورفع معنوياتكم.

صحيح أن الوضع الأمني تحسَّن، لكنني اُدرك تماماً، أننا لا نزال نعيش في المخاوف والتمزُّقات، وأشكالاً من الجروح بسبب اُصولية دينية إعتمدت مفاهيمَ تقليدية وتبنَّت الإرهاب سبيلاً، كما فعل تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية – داعش. بالمقابل وبنحوٍ مؤسف أيضاً، فإن أولادنا في الغرب يواجهون اُصولية علمانية تُفرغ مجتمعهم من القيم المسيحية.

إننا ندرك أن ما نعيشه ليس نهاية السلام، فالحرب لا تدوم، والسلام لا بد أن يعود، وأمامنا مثالٌ للحرب العالمية الاولى والثانية، كيف ان الغرب فهم شرَّ الحرب، ويعيش منئذٍ بسلام. التغيير آتٍ لا محالة، وعلينا أن نغذّي شعورنا بالإيمان والإنتماء الى هذه الارض اُمّنا، وأن نواصل مسؤولياتنا الوطنية، ونُسهم مع مواطنينا الآخرين في تعافي العراق حتى يتحقق السلام والامان والحرية والكرامة للجميع. وكلي رجاء بان تجد مطالب المتظاهرين طريقها الى معالجة صحيحة وجذرية. علينا نحن المسيحيين أن نُدرك أنَّ وجودنا هنا هو من تصميم الله، وهو يدعونا كي نقوم بنهضة روحية وإجتماعية وخيرية وسط المعاناة: “نُحسَبُ مُضِلِّينَ ونَحنُ صادِقون، مَجهولِينَ ونَحنُ مَعروفون، مائِتِينَ وها إِنَّنا أَحْياء، مُعاقَبينَ ولا نُقتَل، مَحْزونينَ ونَحنُ دائِماً فَرِحون، فُقراءَ ونُغْني كَثيراً مِنَ النَّاس، لاشَيءَ عندَنا ونَحنُ نَملِكُ كُلَّ شيَء” (2 قورنثية 6: 8-10).

دروب جديدة لجعل كنيسة الرعية مزدهرة

ان البيئة المناسبة لديمومة الإيمان فينا، هي كنيسة الرعية، التي فيها نتعلم مباديء إيمانِنا ونعمِّقُها، من خلال الإحتفال بأشكال الليتورجيا. وهنا تواجهنا مُعضلة تأوين طقوسنا. لقد حققنا جانباً من التأوين، لكن المشوار لا يزال مُتَطلِباً وطويلاً، ولابد من الاستعانة بذوي الحسّ الروحي الليتورجي، وذوي الكفاءة في العلوم الكنسية واللغوية والفنية والتربوية والنفسية. وهنا اُشدّد على أهمية الإنفتاح والتخلي عن العقلية السلفية في نبذ الجديد و “إبقاء كل شيء كما كان”، والتباهي بالقديم.

ينبغي ان ندرك اننا كنيسة التجسُّد، ونحتاج الى روح جديدة وطرق وأساليب مختلفة ومناسبة، للتعبير عن إيماننا وتعليمِنا وطقوسِنا. وهذه المسألة تنال إهتمام البطريركية، بحسب تعليم الكنيسة الرسمي، وتوجيهات المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965). التأوين ليس “موضة”، كما يروّج بعض الأصوليين، بل التجديد يساعدنا ليغدو تعليمنا وطقوسنا مفهومة وشهادة حية تملأ كياننا، وليس مجرد ممارسات أقرب الى العرض show.

إن الإرشاد الرسولي الذي أصدره البابا فرنسيس في 24 تشرين الأول 2013،Evangelii Gaudium، إنجيل الفرح، يشكل بإنفتاحه وأفكاره، خارطة الطريق لكنيسة الرعية في سعيها للتجذُّر في الإنجيل، وليصير المسيح “كلاً في الكل”. وإليكم بعض أفكار مُستَلهَمة من الارشاد الرسولي:

فرح الإنجيل يملأ قلب الذين يلتقون المسيح، ويقبَلونَه ويقيمون معه علاقة وجدانية، مفعمة بالسلام والفرح رغم المصاعب. إننا كإكليروس ومؤمنين بحاجة الى تنشئة مستدامة، لنتمكن من أن نشهد لإيماننا وان ننقله من دون خجل كما فعل فيليبس مع نثنائيل “هلمَّ وانظر” (يوحنا 1: 46).

هذه البشارة تمثلُ التحدي الأكبر لكنائسنا، التي لا يزال بعضها على النمط التقليدي. على الكنيسة أن تنتقل من رعية بيتية، الى رعية تخرج وتمشي لتعلن البشرى، kerygma – الكرازة، ولا تتوقف أبداً عن إعلانها: “قالَ لَهم: اِذهَبوا في العالَمِ كُلِّه، وأَعلِنوا البِشارَةَ إِلى الخَلْقِ أَجمَعين” (مرقس 16: 15). كل مسيحي ومسيحية تلميذٌ ورسولٌ يبشر، و”من يُبَشِر يكون مُبَشَّرا” (البابا فرنسيس في عظته 28 تموز 2013).

الكنيسة مؤسسة الهية وبشرية، لا تخلو من أخطاء وتراكمات، وللنهوض بها ينبغي أن نعيد النظرَ فيها ونتعلمَ منها العِبَر، وأن نمشيَ معاً، البطريرك والاساقفة والكهنة وجميع الذين يتقاسمون المسؤولية والخدمة منطلقين من حقيقة أنَّ: المسيح قام وهو الحب الذي أعطاه الله الآب للبشرية!

في مسيرتنا السينودسية لأول مرة يلتقي آباء السينودس بممثلين علمانيين من مختلف الأبرشيات، ليفكروا بدورهم ورسالتهم بحرية. وإندهشنا مما قدَّموهُ من إقتراحات غيرةً على الكنيسة. لذا كلُّ شكلٍ من أشكالِ السينودس، ينبغي أن ينطلق من الحسّ الكنسي والارسالي، وأن يكون متماسكاً وشاملاً. كل أشكال الخدمة الليتورجية تستحق الإهتمام والتدريب اللازم: خدمة الشمامسة، القراءات، الموعظة، تراتيل الجوقة، الموسيقى، الزينة، الإستقبال. كل شيء يجب أن يُعبِّر عن الفرح بحضور من نحتفل به (الله – المسيح) فلا يشعر أحدٌ بالضجر.
الإهتمام بالفقراء. المحبة تُعبّرُ عن اُخوَّتنا الشاملة، فلا أحد مُستثنى منها. لابد أن يجد كلُّ واحدٍ منّا سبيلاً لتحقيقها في حياته الخاصة، لأن من خلالها نلتقي المسيح: “الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه” (متى 25 :40). فالفقراء “سرُّ الله”، على حد قول يوحنا الذهبي الفم، والمسيحي لن يكون مسيحياً، إلاّ إذا تقاسَم ما عنده مع غيرِه. هذه الخدمة تتطلب التزاماً راعوياً ومتطوعين دائميين لحل مشاكل الفقراء والمهاجرين والوحدانيين والمُسنّين ومن لديهم متاعب نفسية. وهنا أود أن أستشهد بما قاله البابا فرنسيس: “مساهمة أساسية في مجال الرعوية العائلية تُقدِّمها الرعية، والتي هي عائلة العائلات، حيث يتحقق التناغم والانسجام بين ما تقدِّمه الجماعات الصغيرة والجمعيات والحركات الكنسيَّة المختلفة، وهذا يتوجب، جنباً الى جنب، مع عناية رعوية موجهة خصيصاً إلى العائلات، إعداد تنشئة أنسب للكهنة والشمامسة ورجال الدين والراهبات ومعلمي التعليم المسيحي ولكل الناشطين في العمل الرعوي” (انجيل الفرحEG (202. نحن بصدد الإعداد لمؤتمرين: الأول للشباب الكلداني تحت شعار “هويتنا المسيحية والكلدانية” والثاني للعلمانيين، عن دورهم ومشاركتهم في حياة الكنيسة.
اعزائي، اذكّركم في الختام بأن لا يوجد أحد أكبر من المسيح، ومن الكنيسة وأن وحدها “المحبة لا تزول ابداً” (1 قورنثية 13: 8).