stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

عظات الأيام الطقسية

هوية تلميذ يسوع!-الأب داني قريو السالسي

1.4kviews

18_04

 

هوية تلميذ يسوع!

 

الأب داني قريو السالسي

إن الكنيسة تقدم لنا في هذا الأحد الخامس من الزمن العادي مسيرة إنجيل متى فما زلنا في الفصل الخامس، ويفتتح إنجيل هذا الأحد ببشرى رائعة، بنبأ غير متوقع، قائلاً: “أنتم ملح الأرض… أنتم نور العالم…” مع مَن يتكلم يسوع؟ إن متى الرسول يتابع عظة الجبل، عظة التطويبات، يخاطب من صعدوا معه إلى فوق، من أرادوا أن يسموا في حياتهم، من رغبوا في حياة أفضل، من قرروا عيش الحياة بالملء. يخاطب يسوع من اقتنع بتوصيات عظة الجبل ومكث، يخاطب يسوع من سُحر بكلامه وأدرك أن هذا هو كلام الحياة، أن هذا ما يعطي الحياة معنى، وطعما ونكهة.

لهذا يقول: “أنتم ملح الأرض… أنتم نور العالم” ، يقول أنتم، ولا يقول كونوا، أو ستكونون. يقول: لقد وصلتم. لأن من يصغي الى كلام يسوع يصبح “ملح الأرض ونور العالم” بمجرد الإصغاء لكلمة الله بمجرد سماع كلمة الله تنبعث قوة من الداخل تحرك. ألم يقل: “طوبى للبطن الذي حملك، وللثديين اللذين رضعتهما! فقال: بل طوبى لمن يسمع كلمة الله ويحفظها”!. كم من القديسين تحولوا فقط من مجرد سماع كلمة الله. من مجرد الإصغاء لكلمة الله. هنا كلمة سماع لا تعني فقط الذي يدخل الأذان إنما العمل بها. كم من مرة تقول الأم لولدها، لماذا لا تسمع الكلام؟ لم يسمع ابنها ليس لأن لديه مشكلة في أذنه أو في حاسة السمع بل تقصد أنّه لم ينفذ الكلمة التي أوصته بها.

من يصغي الى كلمة الله يصاب بتحول نوعي، من إنسان عادي، روتيني، إلى مبشر نشط، فعال. لو نظرنا إلى الرسل كلهم كانوا أشخاصا عاديين روتينيين، لمجرد سماع كلمة يسوع تبدلوا. كل أنبياء العهد القديم، كذلك، السامرية، كانت في حالة يرثى لها، سمعت كلمته، تبدلت كلياً من امرأة خاطئة إلى مبشرة. وكثيرون هم الذين أصبحوا مبشرين من جراء سماع كلمة الله والعمل بها.

لماذا يعطي الرب بالتحديد هاتين الصفتين؟ أو لماذا يعطي هاتين الصفتين معاً؟

“أنتم ملح الأرض” إن من طبيعة الملح أن يعمل من الداخل و بهدوء يذوب ولا يظهر، يختفي، يعطي طعما لكن بدون أن يظهر. أن نكون ملحا، يعني أن نكون أشخاصا فاعلين من الداخل أي أنّ تصرفاتنا واسلوب حياتنا يحث الآخر على التشبه بنا، دون غصب أو إجبار. كم من الناس اليوم ينفذون التعليمات فقط لأن المسؤول موجود أو يراهم، وحالما يغيب يتراخون ويبدأون التسيب. كم الناس يعيشون الفريسية والنفاق في حياتهم. الوصايا هي شيء خارجي عنهم لا تمسهم. كم من المربين أو المتطوعين يعملون كموظفين، ينتهي الدوام فيغادرون مكان عملهم. إن كل هذا لأن دعوتهم هي شيء خارجي عنهم. والنقطة الثانية لعمل الملح بهدوء. دون شوشرة أو إضطراب، يعمل بسلام. أذكر عندما كنت في مرحلة الإبتداء كان رئيس الدير شخصاً حكيما، وإن قلت قديسا فلا أبالغ. بعد موضوع جميل عن القداسة أخذته الى ركن وسألته: كيف يمكنني أن أكون قديسا، فنظر إلي مبتسماً قائلاً: يكفي أن تغلق الباب بهدوء، وتنزل  على الدرج ببطء (كنت أنزل كل 5 درجات معا) استخففت بكلامه، لأني سألته عن القداسة وهو أعطاني هذه التلعيمات التافهة بنظري، ويوماً ما قلت في نفسي سأجرب. ومن يومها أعشق العمل بهدوء. الملح يعمل من الداخل وبهدوء. دون إضطراب، دون انفعال، دون غليان، من دون عمل دعايات وإعلانات أني أنا بطل الفلم.

“أنتم نور العالم” إن من طبيعة النور أن يعمل للخارج وكذلك بهدوء. إن كلمة نور تضفي علينا نوعا من الطمأنينة، من السلام الداخلي. أولاً أنّ البشارة أو السعادة التي  حصلت عليه لا أحتفظ به فقط لنفسي، إنما أزرعها أينما حللت، الفرح يفوح مني وينشر عبيره بهدوء للخارج. ثانياً: نحن نور العالم. مع الأسف نحن نعيش في عالم يعظم الأنا ويركز على قوة الشخص وعمله وجهده (لا ألغي كل هذا) لكن ليس فقط هذا. الانسان لا يستطيع أن يخلق النور، أو أن يصنع النور. كلنا سمعنا عن النور العظيم الذي صنعه الإنسان سنة 1945 الذي ما يزال راسخاً في تاريخ كل البشرية، (بصمة عار) نور قنبلة هيروشيما. أعظم نور صنعه الإنسان. الكنيسة نادت وتنادي أنها Lumen ecclesiae أي أنها نور القمر. النور الحقيقي هو المسيح، أنا نور العالم. واجب أي مسيحي أن يعكس هذا النور، لا أن يصنعه، وإلا سنتخبط من ظلامٍ إلى ظلام،  وإلا سندخل في متاهة لا مخرج منها.

كان يقول مدير كلية اللاهوت في تورينو (هاوي المكوث أمام القربان) “فاقد الشيء لا يعطيه” لكن بالمعنى الايجابيl’abronzato parla del sole senza parole أي الذي يذهب الى البحر فيسمر ويعمل برونزاج يتكلم عن الشمس من دون أن يفتح فمه. إذا أنا أصغيت الى الرب، كلماتي ونظراتي، لمساتي وهمساتي، أعمالي وحركاتي، من الداخل أو من الخارج ستشع  نور المسيح، سيفوح اريج المسيح إينما وجدت. فلننشر شذى عطره من إصغائنا لكلماته.