stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

البابا والكنيسة في العالم

وثيقة الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك

299views

موقع أبونا

30 سبتمبر 2020

كتبت رحيل فوكيه من المكتب الإعلامي الكاثوليكي بمصر

هل الحوار من الضروريات أم من الكماليات؟ وإذا كان من الضروريات، فما هي أهميةُ وثيقةِ الأخوّة الإنسانية، التي نعلم أن البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وقّعاها في أبو ظبي في 4 شباط/فبراير عام 2019؟
الجانب الأول من وثيقة الأخوّة أنها رأت النور من خلال “عِدَّةِ لقاءاتٍ سادَها جَوٌّ مُفعَمٌ بالأُخوَّةِ والصَّداقةِ”. فمن الأخوّة وُلدت وثيقة الأخوّة.
إنّ رؤية الآخر على أنه أخ يجب مؤازرته ومحبته، تنبع من الإيمان. ربمّا كان من الأفضل تقديم المحبة على المؤازرة، لأن المؤازرة وليدة المحبة. والتأكيد على المساواة بين الناس جميعا، النابع من خلق الله لكلّهم إضافة إلى الكون وما فيه، أمر في غاية الأهمية. إلى ذلك، كان من الأفضل أن تُنسب هذه المساواة إلى عدل الله أو برّه، بدلاً من رحمته. وينطبق الأمر عينُه على طريقة التعبير عن الأخوّة: حبّذا لو ذُكر “تقديمِ العَوْنِ لكُلِّ إنسانٍ، لا سيَّما الضُّعفاءِ منهم والأشخاصِ الأكثرِ حاجَةً وعَوَزًا”، على حماية الخليقة والكون.
يشير الموقّعان على الوثيقة الى أنهما يعيان أفراح عالمنا وأحزانه وأزَماته. ممّا يُدخل الفرح الى القلوب “التقدم العلمي والتقني، والإنجازات العلاجية، والعصر الرقمي، ووسائل الإعلام الحديثة”. وأمّا ما يُحزن فهو “على مستوى الفقرِ والحُروبِ، والآلامِ التي يُعاني منها العديدُ من إخوتِنا وأخَواتِنا في مَناطقَ مُختلِفةٍ من العالمِ، نتيجةَ سِباقِ التَّسلُّح، والظُّلمِ الاجتماعيِّ، والفسادِ، وعدَمِ المُساواةِ، والتدهورِ الأخلاقيِّ، والإرهابِ، والعُنصُريَّةِ والتَّطرُّفِ”، وغيرِه.
إن التأكيد على المساواة في الكرامة والحقوق والواجبات بين البشر جميعًا له أهمية قصوى، لأنّ بعض التيارات الإسلامية المتشددة، وبخاصة التكفيرية منها، تدّعي فائض كرامة بسبب الانتماء إلى الإسلام، أو بالأحرى إلى “إسلامهم”، متّهمين غير المسلمين، كما المسلمين الذين لا يوافقونهم الرؤيةَ والرأي، بالكفر.
ولا تغيبُ عنا أهمية الدعوةِ الموجّهةِ باسم الله إلى “البشر جميعًا”… “للعَيْشِ كإخوةٍ فيما بَيْنَهم ليُعَمِّروا الأرضَ، ويَنشُروا فيها قِيَمَ الخَيْرِ والمَحَبَّةِ والسَّلامِ”. وغنيّ عن القول إن مفهومَ “عمارة الأرض” مفهومٌ قرآني، يمكن أن نعتبره صدى لقصةِ الخلق الواردةِ في سفر التكوين.
إن لتحريم قتلِ النفسِ على الاطلاق أهميةٌ كبيرة، لأننا نعلم أن القرآن حَرَّمَ إزهاق النفس البشرية، “إلا بالحق”. ولا يرِد هذا الإستثناءُ في الوثيقة، مما يمكننا اعتباره خطوةً كبيرةً على طريق إلغاءِ عقوبةِ الإعدام الواردة في الشريعة الإسلامية وفي دساتير أغلبية الدول التي تعترف بالإسلام كدين دولة، علمًا بأن الكثير منها لا يطبّقها وإن لم يُلْغها.
والفئاتُ الأخرى التي باسمها يُطلق النداء هي “الفُقَراءِ والبُؤَساءِ والمَحرُومِينَ والمُهمَّشِينَ”… “والأيتامِ والأَرامِلِ، والمُهَجَّرينَ والنَّازِحِينَ من دِيارِهِم وأَوْطانِهم، وكُلِّ ضَحايا الحُرُوبِ والاضطِهادِ والظُّلْمِ، والمُستَضعَفِينَ والخائِفِينَ والأَسْرَى والمُعَذَّبِينَ في الأرضِ، دُونَ إقصاءٍ أو تمييزٍ”. تجدرُ الإشارةُ في هذا السياق الى أمرين: الأول، كثرة من يعانون من النتائج المأساوية للحروب؛ والثاني، شمولية مَن باسمهم يُطلق النداء “دونَ إقصاءٍ أو تمييزٍ”، وهو أمر يستحق الثناء، لأنه عابرٌ لكلِ الاختلافات، وبخاصةٍ الدينيةِ منها.
يُطلق النداء باسم ثلاث فئات: أصحاب النوايا الحسنة والأزهر الشريف والكنيسة الكاثوليكية. وكما هو معلوم، فقد كان القديس البابا يوحنا الثالث والعشرون أولَ من خاطب “أصحاب النوايا الحسنة”، أي فئةً من الناس لا تنتمي الى الديانة المسيحية، في رسالته العامة “السلام في الأرض”، التي أصدرها في خِضمّ أزْمةِ الصواريخ في كوبا التي كادت تؤدي الي حرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك
لا بدّ أن نطرحَ سؤالا: باسم مَن يوقّع البابا فرنسيس والدكتور أحمد الطيب على الوثيقة؟
يوقّعانها، كما يُصرّحان، اوّلا باسم الله، ومن ثم باسم الانسان المتألّم سواء لأسباب طبيعية، كالمرض أو الكوارث الطبيعية، مثلِ الأعاصير والفيضانات والزلازل، أو لسوء تصرّف أخيه الانسان، كالظلم والتهميش والعنف والقتل والحروب، علمًا بأن آفات الفقر والجوع والمرض، هي أيضا، أقلّه الى درجة معيّنة، من صنع يد الانسان. ويتمّ التوقيعُ كذلك باسم قيم مشتركة : الأُخُوَّةِ المرهَقة، الحرية، العدلِ والرحمة. وقبل أن يُشار الى مؤمني الديانتين، يتمّ التطرّق إلى “كُلِّ الأشخاصِ ذَوِي الإرادةِ الصالحةِ، في كلِّ بِقاعِ المَسكُونَة”. فالشمولُ المحمود يَطال جميعَ الناس الطيبين، في كلّ أماكن تواجِدهم.
وعودة الى الأزهر والكنيسة الكاثوليكية، المؤسستين المسؤولتين عن الوثيقة: يذكر النص أنهما يتبنيان ثقافة الحوار، والتعاوُن المُشترك، والتعارُف المُتَبادَل
يطالب البابا فرنسيس وشيخ الأزهر قادةَ العالم وأهلَ السياسة والاقتصاد بنَشْرِ “ثقافةِ التَّسامُحِ والتعايُشِ والسَّلامِ”، ووَقْفِ الصِراعاتٍ والحُرُوبٍ، والعملِ على معالجة الأزْمة المُناخِيٍّة والتراجعِ الثقافيٍّ والأخلاقيٍّ. كان من الأفضل الاستعاضةُ عن مصطلح “ثقافةِ التسامح” بِـ”ثقافةِ الاحترام المتبادَل”، لأنّه ليس على المرء أن يتسامح معَ أخ أو أخت، بل أن يتقبّلهما ويحترمَهما ويحبَّهما.
ويُوجَّه نداءٌ الى رجال الدّين وأهلِ الفكر والفلسفة والفن والاعلام من أجلِ إعادةِ اكتشافِ ونشر قِيَمِ العَدْلِ والسَّلامِ والأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ والعَيْشِ المُشتَرَكِ والخَيْرِ والجَمال. وترافقُ النداءَ الأخير القناعةُ بأنّ في هذه القيم خلاصٌ للبشرية. ولا يسعُنا إلاّ أن نُصغيَ لهذه النداءات
وهدف الوثيقه المأمول هو “الوُصولِ إلى سلامٍ عالميٍّ يَنعمُ به الجميعُ”.
#وثيقة_الأخوة_الانسانية_من_أجل_السلام_العالمى
#البابا_فرنسيس