stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابية

أصل الجنس البشري وحدة أم تعدّد- بقلم الأب د. أرنست سمعان

1.2kviews

 

38_400إنه لمتروك للمفسّرين واللاهوتيين الكاثوليك حرية البحث والحكم التي يتطلّبها الطابع العلمي لدراساتهم والهدف الأسمى ألا وهو خلاص النفوس الذي يجب أن يتجه نحوه كل نشاط في حضن الكنيسةالبابا بولس السادسإن النظرية القائلة بوحدة الجنس البشري، وهي السائدة بين اللاهوتيين تشمل وحدة النوع، أي أن البشر جميعًا يشتركون في الطبيعة البشرية، ووحدة الأصل بمعنى أن الجميع ينحدرون من أبوين أولين وحيدين. أمّا نظرية تعدّد الأصول التي ظهرت حديثًا مع العلم، فتنادي بوجود أكثر من أبوين أولين للبشرية.يقول علماء الحفريات إن إنسان ما قبل التاريخ كان أقرب إلى الحيوانية، وأنه تقدّم بإطراد نحو حالة إنسانية. بينما يقول الآباء واللاهوتيون إن الكمال كان في الأصل وبالتالي يختلف الإنسان الأول في نظر العلم عن الإنسان الذي سكن الفردوس الأرضي، والذي يراه الدين إنسانًا كاملاً انحدر بسقطته.هل من توفيق بين هذين الإنسانين؟

هل من توفيق بين التطوّر والخلقة؟

تضاربت الآراء وتعدّدت فرأى البعض أن هناك تناقضًا صارخًا بين الخلقة والتطوّر. بينما رأى البعض الآخر أنهما لا يتعارضان لاسيّما إذا كان الخلق لا يقوم في إيجاد عالم متكامل وتام دفعة واحدة إنما في إيجاد عالم يقبل في كل لحظة مع الكيان والنشاط، القدرة على التكامل والنمو فيكون حينئذ انسجام بين الخلقة والتطور[1].

 

لكن هل يمتد هذا المفهوم إلى الإنسان نفسه؟إن الوحي يستبعد بداهة التطور المادي القائل إن الإنسان، جسدًا ونفسًا، يأتي بالتطور البيولوجي بحيث لا يختلف الإنسان جوهريًا عن الحيوان… ويؤكّد التحوّل الأنثروبولوجي مشيرًا أن هناك علاقة حقيقية بين مملكة الحيوان والإنسان. محافظًا في ذات الوقت على أن مبدأ الإنسان الروحي هو من عمل الله الخلاق، ولكن إذا سلّمنا باتفاق هذا التحوّل الأنثروبولوجي مع عقيدة الخلقة، فهل يتفق أيضًا مع عقيدة الخطية الأصلية؟إن التحوّل الأنثروبولوجي وتعدّد الأصول مرتبطان ضرورة..

فكيف يحدث التحوّل أو التطوّر في ذكر وأنثى وحيدين؟ إن العلماء لا يمكنهم أن يرفضوا بطريقة مباشرة افتراض وجود آدم الفردي لأنه ليس في مقدرة علم الحفريات أن يتغلغل في الماضي ليفرّق بين إنسان وإنسان، إنما يرفضون هذا الافتراض بطريقة غير مباشرة بناء على القوانين البيولوجية العلمية التي تستبعد أن يقع التطوّر على فردين وحيدين دون غيرهما. ومن ناحية أخرى فإن نظرية وحدة الأصل التي يقبلها اللاهوتيون لا تقتضي وجود أبوين أولين فحسب بل تتطلّب الظهور المفاجيء للفردين الناميين منذ أول لحظة. وأقلّه فإن آدم بالنسبة للاهوتيين كان منذ اللحظة الأولى الإنسان المفكّر أي أنه وُلد ناضجًا لكي يكون أهلاً لأن يحمل مسئولية الخطيئة الأصلية.. وهذا يضاد قوانين الطبيعة. إن العلماء عندما يعترفون بوحدة الجنس فإنهم لا يعنون على الإطلاق وجود مجرد اثنين عدا ولكنهم يريدون فقط أن يؤكّدوا أن الإنسان يمثّل سلالة وحيدة بالرغم من الكثافة العددية والتعقيد الورقولوجي لهذه السلالة. ففي العلم لا يمكن التحدّث عن وحدة الأصول وتعدّدها إنما عن وحدة وتعدّد السلالات[2].

وبما أنه علميًا لا يمكن فصل التحوّل الأنثروبولوجي ونظرية تعدّد الأصول فهل نستطيع بعد أن فصل التجمّد عن عقيدة الخلقة أن نفصل وحدة الأصل عن عقيدة الخطيئة الأصلية؟الرسالة البابوية الجنس البشريتتمسّك الرسالة بالخلق المباشر للنفس البشرية من الله. وأتاحت المجال للتطوّر بفصلها وحدة الأصل عن التطوّر الأنثروبولوجي. كما أنها ترفض تعدّد الأصول القائل بوجود بشر بعد آدم لا ينحدرون منه بالولادة الطبيعية أو أن آدم يمثّل عددًا كبيرًا من الآباء، ولكي تدعّم تعليمها لجأت إلى برهان غير مباشر وهو أن عقيدة الخطيئة الأصلية كما تفهمها الكنيسة تفترض مسبقًا ومنطقيًا وحدة الأصل وتستشهد الرسالة البابوية بقرارات المجمع التريدنتيني إن الخطيئة الأصلية تأتي من خطيئة آدم الفرد وتنتقل إلى كل البشر بالولادة الطبيعية وفي تأكيد العلاقة بين وحدة الأصل وعقيدة الخطيئة الأصلية فطنة. فبدلاً من أن تقول الرسالة إننا نرى أن هذا التعليم لا يتفق إطلاقًا مع الخطيئة الأصلية، تقول إننا لا نرى كيف يمكن أن يكون ذلك؟وفي اليوم التالي لصدور الرسالة كتب الأب (بيا A. Bea)إن البحث عن وجود أصول متعدّدة للجنس البشري يظل مقبولاً إلى جانب تعليم الكنيسة[3].

إن رسالة الجنس البشري لا تورد نصوصًا من الكتاب المقدس، صريحة كانت أم ضمنية، تؤيد وحدة الأصل بل أوردت برهانًا غير مباشر متخذ من الارتباط الضروري القائم بين وحدة الأصل وعقيدة الخطيئة الأصلية.وحدة الأصل

هل من برهان مباشر في الكتاب المقدس؟

لو تصفّحنا الكتاب المقدس لوجدنا أن كلمة آدم ترد 500 مرة في العهد القديم وتشير أغلب المرات إلى البشرية بأسرها كجماعة وليس إلى فرد بعينه. ويمكن ترجمتها بكلمة الإنسان. فإن مؤلف سفر التكوين مثلاً (تك1-3) أراد أن يعرض قضية وحدة الجنس البشري المعنوية والواقعية بسبب خلقته من الله ووحدة الدعوة والمصير في رسم الله الخلاص ولم يكن في استطاعته أن يعرضها إلا بهذه الصورة صورة رجل وامرأة يتركّز فيهما أصل وحدة البشرية[4].

أما نصوص الكتاب المقدس الأخرى التي يمكن الاستناد إليها فيما يخص وحدة الأصل مثل (تك110)، (أع247-26) فإنها لا تضيف شيئًا جديدًا إلى (تك3-1).أما بالنسبة للقديس بولس. فهل كان ينادي بوجود آدم كشخص فردي تاريخي؟ إنه ليبدو كذلك لأول وهلة أن يشير أكثر من مرة إلى آدم بعبارة إنسان واحد ثم يقابل مفاعيل وجود المسيح التاريخي بمفاعيل وجود الخاطيء الأول الذي يبدو حينئذ وكأنه شخص فردي واقعي.إن بولس يضيف بدون شك عنصرًا جديدًا إلا أنه لا يمكن استنتاج وحدة الأصل من (رومية 125-21) لأن بولس لا يذكر شيئًا عن كيفية انتقال الخطيئة والموت. هذا الانتقال يفترض بداهة وحدة الجنس البشري وتضامنه في الخطيئة… فهل أساس هذه الوحدة والتضامن هو بالضرورة التناسل الفيزيقي؟ وهل يفترض نص (رومية 125-21) أن جميع الذين أصبحوا خطأة بمعصية آدم ينتمون إليه بيولوجيًا بالتناسل؟يقول بولس إن آدم هو شخص تاريخي وفردي، ومن هنا علاقته مع العهد القديم فهو الإنسان الأول القادر على إصدار فعل حر. فهو أول خاطيء ولكن هذا لا يعني حتمًا أن الرسول كان لديه النية أن يعلم أن آدم هو أب كل الجنس البشري[5].

فبولس يذكر آدم في (رومية 125-21) ليكون مقابلاً للمسيح  آدم الجديد (رومية 145) لكي يشرح لمعاصريه سر الفداء وكذلك نرى فكر بولس مركّز على التضاد المتوازي بين وحدة القضية وشمول النتائج في نظام الخطيئة كما في نظام الفداء، فكما كان آدم أصل البشرية الخاطئة كذلك المسيح هو أصل البشرية المفتداة. وبافتراض أن شخصية آدم تمثّل أصلاً بشريًا جمعيًا وأن خطيئة آدم تمثّل اتفاقيًا خطيئة جماعية تشمل مجموعة الأصل فإن تفكير بولس لا يفقد إطلاقًا شيئًا من جوهره بل إنه يحدّد بأسلوب سهل مقبول وفي عبارات واقعية ممكنة، حقيقة تاريخية لم يكن في استطاعته أن ينقلها بطريقة أخرى… وفي هذه الظروف يكون عدم فطنة أن نقيم موضوع وحدة الأصل على عبارة بولس وحدها[6]،

إن اللجوء إلى آدم هو برهان يسلم به القديس بولس جدلاً لكي يفهم معارضيه اليهود دور المسيح الشامل في التبرير والفداء فإنه قد استند إلى النظرية المنتشرة آنذاك والتي ترتقي بالسبب العام للشر الموجود في العالم إلى خطيئة آدم فقد تغلغلت التعاسة في العالم بسبب فعل واحد، لإنسان واحد. إن لم يكن من جديد يريد الرسول أن يعلمه بصدد آدم إنما قد استند فقط على أفكار رائجة عند قرائه ليثبت قضيته فالذي يتجه إليه فكر الرسول في (رومية 125-21) هو إبراز دور المسيح الفدائي الذي بواسطته وحده تبرر البشر. ويضع مقابل القضية اليهودية القائلة بأن الإنسان يتبرر بحفظ الشريعة، القضية المسيحية التي تنادي بأن الإنسان لا يمكن أن يتبرر إلا بالإيمان بالمسيح مصلوبًا وقائمًا.وهكذا يبدو أن بولس يلجأ إلى آدم ودوره الشامل الذي لعبه، وفقًا لليهودية، في تاريخ العالم لكي يقبل سامعوه بسهولة شمول الفداء والتبرير. فغن كان الله قد سمع بدخول الشر إلى العالم بفعل واحد لإنسان واحد فكم بالأحرى يستطيع أن يسمح بشيء مماثل لدخول الخير والفداء بإنسان واحد[7].

 

وهكذا يبدو أنه من الصعب أن نستخلص برهانًا أكيدًا من نص (رومية5) في صالح تاريخية آدم الفردي وبالأحرى في صالح وحدة الأصل.وحدة الأصل هل من برهان غير مباشر؟بدون شك أن المجمع التريدينتيني يتكلم عن آدم الفردي، ولكن من المؤكد أنه لم يهدف إلى تحديد وحدة الأصل لأن السؤال لم يكن مطروحًا آنذاك، ومن ناحية أخرى لأن هدف المجمع التعليمي كان يقوم أساسًا في نقطتينالأولى عن سر العماد يمحو الخطيئة الأصلية والثانية أن كل البشر يوصمون بالخطيئة الأصلية ليس بالاقتداء إنما بالولادة إذ أن الإنسان قبل أن يستطيع أن يقتدي بحريته يمثّل آدم السيء يوجد خاطئًا ولكن المجمع دون أن يحدد وحدة الأصل ألم يعلمها بقوله أن عقيدة الخطيئة الأصلية تفترضها ضرورة؟إن البرهان المقدم في صالح وحدة الأصل سواء في المجمع التريدنتيني أو في الرسالة البابوية الجنس البشري هو برهان غير مباشر يقوم على أساس أن هذه الوحدة مفترضة مسبقًا بتعليم الخطيئة الأصلية التي تنتقل للجميع بالولادة وليس بالاقتداء، وأضاف المجمع المذكور إذا كان تعدّد الأصول يرفض هذه الوحدة والشمول للخطيئة الأصلية فهو متعارض مع التعليم الديني وينص القانون الثالث من قوانين هذا المجمع أن الخطيئة الأصلية واحدة بأصلها وتنقل إلى الجميع بالولادة ليس بالاقتداء.

ويريد آباء المجمع بعبارة واحدة في أصلها أن ينفوا الوحدة العددية للخطيئة الأصلية فينا- وهو التعليم الذي قال به Pigi فهي واحدة بالنسبة لأصلها، إذ لها نفس المصدر الوحيد.إن تعليم الوحدة العددية للخطيئة الأصلية هو وحدة الشعوب بوضوح بعبارة واحدة في أصلها فالمجمع لم يبد فكرته فيما إذا كان هذا الأصل يوجد في خطيئة واحدة فردية أم لا…[8]

هل تفقد عبارة المجمع واحدة في أصلها معناها إن لم يكن الإنسان الذي يتحمّل مسئولية فقدان النعمة بالنسبة لجميع سلالاته واحدًا عدديًا؟ألا يقوم تعليم الخطيئة الأصلية أساسًا في تأكيد الوجود في حالة خاطئة وهذه واحدة في الجميع بسبب طريقة انتقالها، بمعنى أنها بسبب فعل آخر سواء كان هذا الآخر واحدًا أو أكثر. وأيًا كان من وحدة الأصل تعدّدت ستوجد الخطيئة الأصلية في جميع البشر ومصحوبة بذات النتيجة إلى الحرمان من النعمة، وحيث أن آباء المجمع لم يطرحوا هذه المسألة على بساط البحث والمناقشة فمن الصعوبة بمكان القول بأن عبارة واحدة في أصلها تعني الرفض القاطع لكل شرح جمعي لخطيئة الأصول.أما بالنسبة لعبارة بالولادة لا بالاقتداء فإن تأكيد دور الولادة في نقل الخطيئة الأصلية يعني أن الانتماء إلى الجنس البشري تناسلاً وولادة هو الشرط الضروري والكافي لكي يكون الإنسان في الواقع في حالة خطيئة قبل أي قرار حر لإرادته… ولكن هل لا يمكن انتقال هذه الخطيئة إلاّ عن طريق ولادة مباشرة من أبوين أولين وحيدين؟ هذا سؤال آخر لا نستطيع الرد عليه إلا إذا نوقش، والحال أن آباء المجمع لم يضعوه موضع النقاش.ولكن هل تؤخذ عبارة بالولادة بالمعنى الحصري الوحيد غير تاركة المجال لأية نظرية أخرى عن تعدّد الأصول؟وهل من الأكيد أن عبارة بالولادة تعني شيئًا أكثر من لا بالاقتداء؟إن العبارة السابقة ما هي إلا تعبير عن وجود الخطيئة الأصلية. وخلاصة القول أن الرأي القائل بأن الخطيئة الأصلية توجد في البشر بالولادة لا بالاقتداء ليس أكيدًا غير قابل التوفيق مع الرأي القائل بأن الخطيئة الأصلية توجد في البشر دون أن ينتموا بيولوجيًا إلى أبوين أولين وحيدين.وحدة الأصل والفداءهل تفترض عقيدة الفداء سلفًا وحدة الأصل؟

إن المسيح هو المخلص ليس فقط لأنه إنسان (1تي52) له ذات طبيعتنا النوعية ولكن لأنه بكر بين إخوة كثيرين ونحن إخوته بالجسد (رو298) (عب112-12، 17) فهو من ذرية داود بحسب الجسد (رو31) وقد اتخذ جسدًا يشبه جسد الخطيئة (رو38) وهو من ذرية الآباء حسب الجسد (رو59) فهو المقدس ونحن المقدسون لنا جميعًا أصل واحد (عب112). ويلح الكتاب المقدس على الأصل الواحد وعلى قبول الجسد للخطيئة ويدخل المسيح كمخلص في تاريخنا الواحد للخطيئة لأنه تاريخ جماعة من أصل واحد طبيعيًا.إن وحدة الأصل هذه، وهذه الجماعية أساس التضامن القائم بين المسيح والبشر. فأمامنا هنا في تعليم الفداء استعمال جديد في مفهوم جماعة الأصل وجماعية الجنس.ومن هذا يتضح أن عقيدة الفداء تفترض بالضرورة وحدة الجنس البشري ولهذه الوحدة بالضرورة أساس ما بيولوجي. فهل يتطلّب هذا الأساس البيولوجي الانتماء إلى أبوين أولين وحيدين؟وحدة الأصل والميتافيزيقاإن موقف اللاهوتيين في هذا الصدد فيه اتجاهات متكاملاتيقوم الأول في الإصرار على أن تعدّد الأصول ليس حقيقة علمية مثبتة إنه مجرد افتراض من نظرية عامة وهي نظرية التطور التي لم تتمتع بعد بموافقة الجميع فهي نظرية بعيدة عن الإثبات وإن لم يكن ذلك مستحيلاً.والثاني هو أن وحدة الأصل التي يؤيدها الدين ليست هي تمامًا تلك التي يميل العلم إلى إنكارها. إنها وحدة أصل واقعية وهي أحد عوامل التاريخ الفائق الطبيعة الذي يبدأ مع الإنسان ويضعه في مخطط لم يكن في استطاعة التطور الطبيعي أن يصل إليه بقوة انطلاقه الذاتي.إن تعدّد الأصول الذي تتجه نحوه العلوم الطبيعية قد لا يستطيع أن يتجه إلى نحو ما يذهب إليه التطور الطبيعي. فبالنسبة للإنسان جرت الأمور بطريقة مخالفة إذ أن هناك حدث وفعل فريد، يخرج عن نطاق العلوم الطبيعية ولا يترك إلا آثارًا تاريخية.العلم لا يهتم إلا بالجماعات والشرائع ومنحنيات التطور وبالتالي لن يستطيع أن يثبت أن الله في حريته الفائقة لم يتدخل لكي يجعل الإنسان يأتي إلى العالم بطريقة مخالفة.إن محاولات التأنس كانت كثيرة وهذا واقع، ولكن التدخّل الإلهي، الذي أعطى معًا النفس الروحية والحياة الفائقة الطبيعية المرتبطة بالتاريخ، لم يفض فعليًا إلا إلى ذكر وأنثى[9].

ولكن لنلاحظ أن وحدة الأصل الواقعية هذه لا يمكن أن تعرف إلا عن طريق لوحي وهذا يستبعد إمكانية إثباتها ميتافيزيقيًا[10].تعدّد الأصول والخطيئة الأصلية، هل من توفيق؟في الحالة الراهنة للاهوت والعلوم الطبيعية لا يمكن التيقن من أن تعدّد الأصول غير قابل للتوفيق مع التعليم المستقيم عن الخطيئة الأصلية. كما أنه ليس أكيدًا أنه يمكن إثبات أن فردًا واحدًا أو أسرة واحدة (ذكر وأنثي) كانت موضوح خطيئة الأصول التي هي سبب الخطيئة الأصلية بمفهومها التقليدي المستقيم.. لا بل أنه من الممكن القول أيضًا أن إنسانية (جماعة وليست فردًا) ظهرت، (ولنطلق عليها اسم إنسانية ينبوع مقابلة للإنسانية النابعة).وكانت موضوع الخطيئة، سواء كان ذلك عن طريق فرد واحد من أفرادها أو أسرة واحدة (ذكر وأنثى) من أسرها، سواء كان ذلك عن طريق مجموعة أفرادها أو أسرها، وهذه الخطيئة هي سبب حالة الضياع التي ندعوها الخطيئة الأصلية والتي تعيش فيها الإنسانية النابعة.ويبدو أن الشرط الضروري والكافي لتأثير الإنسانية الينبوع على الإنسانية النابعة هو الوحدة الواقعية للإنسانية الينبوع بوجهة النظر الثلاثية الطبيعة والبشرية والفائقة الطبيعة. وهكذا تكون البشرية الينبوع مصدر البشرية النابعة[11].إن أعضاء البشرية المنحدرة بمجرد انتمائهم إلى العائلة البشرية، عن طريق ولادتهم من البشرية الينبوع مدعوون للدخول في التاريخ البشري والإلهي الذي بدأته هذه البشرية الينبوع، ويكوّنون جزءًا من البشرية التي كان مقررًا لها قبول النعمة مع الوجود.إن يقظة الحرية والتجربة الضرورية، جعلتا الخطيئة تمثّل مكانها في وسط البشرية الأولى، فبدلاً أن يُولد بهبة النعمة حيث أن مصيرهم هو الاشتراك مع الله كأعضاء في الجماعة البشرية يبدأون حياتهم بدونها.وهكذا ففيما يتعلّق بهذا الحرمان تكون البشرية النابعة متضامنة في الخطيئة القائمة وسط البشرية الينبوع التي صارت بالخطيئة غير أهل لنقل النعمة مع الوجود البشري لأبنائها.ويلجأ البعض إلى افتراض يعتمد على التصوّر النفسي للشارح واللاهوتيمن الممكن أن يختفي وراء آدم- الذي يمثّل اتفاقيًا الأصل الخاطيء الذي يعود إليه وجود الجنس البشري وتعود إليه حالته الراهنة- مجموعة من البشر أخطأت تحت تأثير أبوين مبادرين.. أو عمل كل الآباء الخاضعين، كل لحسابه، لتجربة الاختبار.[12]

خاتمة

يعلم الكتاب المقدس أن أصل الإنسان يأتي من الله فهو خليقته خلق على صورته كمثاله. فهل يأتي الإنسان من حيث هو كائن الطبيعة من مادة جامدة أم من مادة حية متطورة؟من العبث أن نبحث عن إجابة لهذا السؤال في الكتاب المقدس. إن عقيدة الخلقة لا ترتبط لا بالتجمّد ولا بالتطوّر. لا بل يبدو أنها تتفق بسهولة مع وجهة نظر التطوّر، وهو ما يسلّم به كثير من اللاهوتيين الآن، بشرط ألا يمس مبدأ خلقة الله المباشرة للنفس الروحية، وإن كانت الرسالة البابوية الجنس البشري قد حذّرت الكاثوليك من نظرية تعدّد الأصول فليس ذلك لأن الكتاب المقدس من حيث هو كلمة الله يعلم مباشرة بوحدة الأصل، بل للعلاقة القائمة تقليديًا بين وحدة الأصل وعقيدة الخطيئة الأصلية. إن الشيء الأكيد هو أن عقيدة الخطيئة الأصلية وعقيدة الفداء تقتضيان ضرورة وحدة الجنس البشري، وتتطلّب وحدة الجنس البشري قاعدة مابيولوجية.إن علم الحفريات هو من العلوم الحديثة مثل التفسير النقدي للكتاب المقدس الذي يميّز بين ما هو كلمة الله المحضة وبين التفسيرات اللاهوتية أي البشرية لهذه الكلمة وبالتالي فهي قابلة لأن يُعاد النظر فيها.إن مسألة الفصل بين وحدة النوع البشري ووحدة الأصل مطروحة ضرورة للبحث، فمن ناحية نرى الأبحاث ونتائج علم الحفريات قد هزّت بشدة نظرية وحدة الأصل التي تكوّن العمود الفقري لعقيدة الخطيئة الأصلية ومن ناحية أخرى فإن التفسير الموضوعي للنصوص يظهر أن وحدة الأصل ليست تأكيدًا مباشرًا من الكتاب المقدس.فهل من الضروري أن تظل وحدة الأصل فرضًا مسبقًا ضروريًا لعقيدتي الخطيئة الأصلية والفداء؟إن اللاهوتي يواجه هذا السؤال الآن نتيجة للمشاكل الناتجة عن العلوم الطبيعية وعن التفسير النقدي. ولكن إذا اعتقد أنه يجب أن يضع الربط بين وحدة الأصل والخطيئة التي اعتبرها التقليد ضرورية موضع البحث فإنه لا يجب أن يفعل ذلك لأسباب فقط علمية ومحض تفسيرية، لأن مفسّر الكتاب المقدس الشرعي ليس هو العالم بل سلطة الكنيسة التعليمية التي تضع في اعتبارها الشرح التقليدي للكتاب المقدس.إن جوهر الإيمان يمكن أن يُصان بكامله أيًا كان التصوّر عن أصل الإنسان كما أن اللاهوتي يستطيع أن يؤكّد استنادًا على تأمل جديد في معطيات الوحي. إن الخطيئة دخلت إلى العالم بسبب خطأ آدم أي الإنسان الذي ظهر في بداية التاريخ بعد الخلق، والله ليس هو المسئول عن حالة البؤس والخطيئة التي نحن فيها بل تقع المسئولية على الحرية البشرية المتمرّدة منذ البدء.هل كانت البشرية الأصلية والينبوع تحوي ذكرًا وأنثى فقط أم العديد منهما؟ هل كانت خطيئة الأصول واحدة أم متعددة؟كل هذه الأسئلة وغيرها من الممكن أن تُثار فيما بعد، ولكنها لا تتعلّق مباشرة بجوهر الإيمان.وإن كان الأمر كذلك فإن مسألة وحدة الأصل وتعدّد الأصول هي من صلاحية العلوم الطبيعية، أما الإيمان بالخطيئة الأصلية وبخطيئة الأصول سيكون مستقلاً تمامًا.   

——————————————

 

[1] Ch. Baumgartener, Le péché original. Desclée 1969 pp. 115-128.

[2] وفي مذكرة صغيرة للكاتب P. Teillard de Chardin نشرت في اليوم التالي لظهور الرسالة البابوية الجنس البشري.

[3] Die Enzyklika Humani Generis, Grundgedanken und Bedentung dans Scholastik, 1951 p.54.

[4] Koch, Grace et liberté humaine, Réflexions théologiques sur Genése 1-XI Desclée 1967 p.37.

 

[5] P.P. Alszeghy et Flick, il peccato originale in prospettival evoluzionistica, dans G.R. 1966, pp. 201-225. 

[6] P. Grelot, Réflexions sur le problème du péché original Casterman 1968 pp. 91-92.

 

[7] S. Lyonnet, La problèmatique du péché originel dane le Nouveau Testament dans le mythe de la peine, Aubier, 1967 pp. 106 ss.

[8] H. Jedin, Geschichte des Konzils Von Trient 1957, II, p. 135; Smulders. Le monogénisme dans la vision de Teilhard de Charfin, Desclée De Brouwer, 1965 p. 206.

[9] P. Labouradette, Le péché original et les origins de l’homme 1953 pp. 162 ss.

[10] K. Rahner, Theologisches Zum Monogenismus, dans Schriften… I, 1954, pp. 253-322.

 

[11] هذه النظرة الثلاثية يشرحها P. G. Fessard في مقاله 

L’histoire et ses trios mineaux d’historicité dans Science Ecclésiastiques, XVIII Oct.- Déc. 1966 pp. 329-357.

[12] P. Grelot, Loc. Cit. pp. 92 ss.