stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابية

أمثال إنجيل القديس متى- مثل البيتين- د. الأب/ كميل وليم سمعان

9.1kviews

cas

ترد في إنجيل القديس متى كل الأمثال الواردة في إنجيل القديس مرقس ماعدا مثل الزارع الذي ينمي وحده (مر 26:4-29). وترد في إنجيل القديس لوقا بعض الأمثال الواردة في إنجيل القديس متى: مثل البيتين (مت 24:7-27، لو 46:6-49)، مثل الأطفال اللاهين في الساحة (مت 16:11-19، لو31:7-35)، ومثل الخمير والعجين (مت 33:13، لو 18:13-19)، ومثل الخروف الضال (مت 12:18-14، لو 3:15-7)، مثل وليمة الملك (مت 1:22-14، لو 16:14-24). ويعتقد المفسرون أن الإنجيليين استقيا هذه الأمثال من مصدر مشترك. وهناك عدد من الأمثال الخاصة بإنجيل القديس متى: مثل الزوؤان (مت 24:13-30)، مثل اللؤلؤة (مت 45:13-46)، مثل الشبكة (مت 47:13-50)، مثل العبد السيد الكريم والعبد القاسي (مت 21:18-35)، مثل الأخين (مت28:21-32)، مثل عمال الساعات المختلفة (مت 1:20-16)، مثل العذارى (مت 1:25-13)، ومثل الوزنات (مت 14:25-30). حتى وإن بدا أن طابع بعض أمثال إنجيل القديس متى هو الطابع الحكمي، إلا أنها في نهاية الأمر أمثال كريستولوجية أي أنها تتناول حدث يسوع المسيح. أثار حدث يسوع المسيح الذهول والتساؤلات وأصبح موضوع الساعة في كرازة وحياة الكنيسة. وعى كاتب الإنجيل الأول هذا الأمر جيداً، وانعكس ذلك في أمثاله، فأصبحت، بالتالي، أمثالاً مسيحانية وكنسية بذات الوقت. ومع ذلك نقول ليس ذلك هو طابع الأمثال. إنه مجرد توجه، وذلك لأن طابع الأمثال في إنجيل القديس مرقس هو أيضاً كنسي. ولكن زاوية النظر زاوية مختلفة. يوجه إنجيل القديس مرقس كل الاهتمام على يسوع ويشارك إنجيل القديس متى قراءته الأمثال، على ضوء فهم الكنيسة لها. ولكن هدفه هو محاولة سبر غور سر المسيح. أما إنجيل متى فهو ينظر إلى الحدث المسيحاني لكي يعطي جواباً على تساؤلات الكنيسة: مثلاً موضوع التسامح وطريقته، هل زمن الكنيسة هو زمن دينونة أم هو زمن انتظار. كيفية الاقتداء بالمسيح في تعامله مع الخطأة، وأخيراً كيف تعيش الكنيسة انتظار عودة الرب، التي يبدو أنها تأخرت.

أساس البيت: رمل أم صخر؟ (مت 24:7-27)

إنه مثل بسيط للغاية يقوم على مشهدين متضادين، يستعمل الإنجيلي لهما ذات الكلمات وذات الصور. ويورد الإنجيلي هذا المثل في سياق مزدوج: هذا المثل هو عبارة عن ختام الموعظة على الجبل. إن عبارة “كلامي هذا” تعود على الموعظة كلها، وفي نفس الوقت يربط التعبير “إن” المثل بـ 21:7-23، حيث يتناول النص الفرق بين الأقوال والأعمال. إذا أردنا ألا يتحول المثل إلى مجرد شكل أو تحذير عام يطبق على عدة حقائق مختلفة، علينا أن نبحث عن مضمونه ومعناه في السياقين المشار إليهما: ختام الموعظة وربط القول بالعمل. يتلون المثل بالطابع الفلسطيني الأصيل. كانت بيوت الفقراء والفلاحين غير متينة: كانت مواد بنائها الأحجار والخشب والطين. وكانت تبنى على أرض طينية. وكان البعض، من ذوي القدرة والإمكانيات المادية، يبنون بيوتهم على الصخرة. وفي المثل إشارات وتلميحات عديدة للعهد القديم. الصخرة التي تضمن الاستقرار والأمان هو الرب: كلمة الله، الشريعة، الإيمان، المسيا. يلجأ الإنجيلي لوصف هطول الأمطار المعتاد في فلسطين ويتكلم عن العاصفة، والتي ترمز في الكتاب المقدس إلى الدينونة. 

الحكيم والجاهل 

يضع المثل في المواجهة والمقارنة رجلين: رجل حريص حكيم، ورجل جاهل أحمق أخرق. الكلمة المستعملة للإشارة إلى الرجل الحكيم هي فرونيموس ويمكن ترجمتها دائماً بـ”الحريص”، الواعي. المقصود بالحرص هنا الذكاء والفهم. الذكاء في استيعاب الموقف والقدرة على اتخاذ القرار بالإضافة إلى التأني وعدم التسرع، دون الوقوع في شرك التردد، الذي يؤدي إلى تأجيل اتخاذ القرار. لا يصل الرجل الحريص أبداً إلى اللجوء إلى الحلول الوسط. لا يعني الاتزان في الإنجيل، إطلاقاً، الحل الوسط، بل يعني التأكيد الواضح القاطع على أولوية مكانة الله. إن حد المواجهة في اتخاذ القرار نوع القرار وميعاده (الآن أم بعد قليل، اليوم أم غداً) ليس هو الشخص ذاته أو ظروفه، أو وزن الأمور، ولكنه أولوية الملكوت. إن مقياس الفهم والحكمة في الإنجيل يفوق ويتعدى المعنى والسياق والذوق العامين. وليس من قبيل الصدفة أن يقتصر استعمال كلمة فرونيموس في إنجيلي متى ولوقا على الأمثال. تنتمي الحكمة الإنجيلية إلى الحقائق التي يمكن، لا بل يجب التعبير عنها بالأمثال. إن أولى درجات الوعي فهم الأمثال: من له أذنان للسمع فليسمع. لا يقوم الفرق بين الرجل في طريق سماع كل منهما: وكلاهما سمع نفس الكلام، نفس المثل إنما يقوم فيما يلي السماع. الحكمة هي أن يسمع المرء وأن يعمل بما سمع والحماقة هي أن يكتفي المرء بما سمع وفهم وخطط ويتوقف قبل التنفيذ. 

البيتان 

هنا يقوم الفرق، وهو الذي يسمح لنا بإدراك أن الحكمة والحماقة إمكانيتان قائمتان في داخل الجماعة المسيحية. إذا كان الأمر يتعلق بالسماع وعدم السماع لكنّا قلنا إن البيت المبني على الرمل هو العالم وإن البيت المبني على الصخر هو الكنيسة، ولكن الأمر ليس كذلك. هذه هي قوة المثل. يعلن يسوع بصراحة ووضوح شديدين أنه يمكن تجتاح، وبتواتر، الوجود المسيحي بعض الأمراض. إنه يعرف أن المؤمن والجماعة، يتنازعهما روحان: روح يسمع ويتأمل ويناقش ويقرر ويعمل، وروح آخر يكتفي بما سمع وتأمل وناقش. إن حياة مسيحية كهذه لا يمكن أن تدوم: إنها تشبه بيتاً قائماً على الرمل.   

كلماتي هذه

يقوم الفارق إذاً في الممارسة أو العمل ولكن أي عمل أو أية ممارسة؟ العمل بـ”علاماتي هذه” وليس بشيء آخر. وعندما يقول يسوع “كلماتي هذه” لا يعني مجرد التعليم العام، بل إلى هذا التعليم، موعظة الجبل وبتحديد أكثر، كما سبق وأشرنا في المقدمة، مت 21:7-23. يركز إنجيل لوقا في موعظة الجبل على الأساسيات (التطويبات وشريعة المحبة) بينما يركز إنجيل متى على المقارنة بين بر الكتبة والفريسيين وبر التلميذ الذي يجب أن يفوق بر الأولين. “إن لم يزد بركم على بر الكتبة والفريسيين فلا تدخلوا ملكوت السموات” (مت 20:5). لا يقصد إنجيل القديس متى تفوقاً أو أولوية في الكمية أو في دقة التفاصيل (المزيد من الأصوام والحسنات والصلوات) بل زيادة وتفوقاً في النوعية وطريقة الأداء والحياة. يعود يسوع ويؤكد على مركزية إرادة الله مبرزاً أولوية المحبة. ويجب أن يقوم كل شيء ويقاس على ضوء هذه الحقيقة الرئيسية والأساسية. وبهذه الطريقة تصبح أهم نقاط الموعظة على الجبل: “فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم السماوي كامل” (مت48:5). وليس المقصود بالكمال أي كمال إنما كمال الحب والصفح: “أحبوا أعداءكم وصلوا لأجل مضطهديكم” (مت 44:5) مقتدين بالله الذي “يطل شمسه على الأشرار والأخيار” (مت 45:5). هذا هو أحد أسباب تفوق وزيادة بر التلميذ على بر الكتبة والفريسيين: محوَّرة الوصايا كلها في وصية واحدة بسيطة واضحة وحية. وعندما يدعو إنجيل القديس متى للاختيار بين الله والمال: “ما من أحد يستطيع أن يعمل لسيدين..  لله وللمال” (مت 24:6) فإنه يدعو للتخلص من الهموم ويدعو إلى الطمأنينة والسلام. وهذه هي صفة ثانية لبر التلميذ. ويرجع الفعل “اهتم” (أصيب بالهم، بالخوف، بالقلق، بالاضطراب) أكثر مرة في الفقرة (مت 25:6-34) الهم هو الذي يميز غير المؤمن، بينما يتمتع المؤمن بالسلام والراحة. ولا تعفي الثقة بالآب من الجهد والعمل بل أنها لا تقلل من الجدية والالتزام شيئاً ولكنها تجعل ذلك أكثر سلاماً. أما التعلق بالمال، وهو العدو الدائم لله، فهو عبادة أصنام ومن لا يبني حياته (بيته) على كلمة الله ويبحث عن أمانه وسلامه بعيداً عنها، فإنه يبنيها على المال. ومن يبحث عن الأمان حيث لا يمكن أن يجده اللصوص يسرقون والعث تأكل فإنه يعيش في قلق وخوف.

القول والعمل

ونجد العلامة الثالثة التي تميز التلميذ في سياق المثل المباشر “ليس من يقول لي يارب، يارب يدخل ملكوت السموات، بل من يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات” (21:7) يتكلم البعض دائماً عن الله: “يارب يارب” ولكنهم لا يتممون إرادته ويتوهم آخرون أنهم يعملون لأجل الرب: يارب باسمك تنبأنا وباسمك طردنا الشياطين وباسمك أتينا بالمعجزات (مت22:7) يوم الحساب يكتشفون أنه لا يعرفهم: “لا أعرفكم قط؟ إليكم عني أيها الأثمة” (مت 23:7). بهذه الكلمات القوية وبمثل البيتين يجادل إنجيل متى أولئك المتحمسين المدعين الذين كان اسم يسوع دائماً على لسانهم ولكن أعمالهم لم تكن مطابقة لكلامهم. هناك الخطر ألا تترجم الصلاة (يارب، يارب) إلى العمل بإرادة الله. وهناك أيضاً خطر الوقوع في الاستماع بالتعود. إننا لا نقول إن إنجيل القديس متى يشجب الصلاة أو الاستماع. إنه مقتنع أنهما أساس السلوك المسيحي. ولكن ما يميز إنجيل القديس متى هو التأكيد على أن الأمر الأساسي في الحياة المسيحية ليس هو الاستماع والقول بل هو العمل. بعبارات أخرى: لا يكفي عمل أي شيء حتى طرد الشياطين وعمل المعجزات، إنما ممارسة المحبة، كما يرد هذا في الموعظة على الجبل، وكما يؤكد عليه في مشهد الدينونة (مت25: 3-46). ويمكنا أيضاً أن نستنتج شيئاً آخر من هذا المشهد: هناك من يتوهم أنه ينتمي لحزب الله ولكن الله في الواقع لا يعرفه (23:7) وهناك من يعتقد أنه لم يقابله إطلاقاً ولكنه في الواقع قابله وكلمه وسقاه وزاره في حبسه وشدد من أزره في ضيقه (راجع مت 37:25-40).

عن مجلة صديق الكاهن