” أَطلِعْ عَلينا نورَ وَجهِك، يا ربّ ” ( مزمور ١٤ : ٧ )
تأمل الأحد ١٢ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٦
فذهبَ الفريسيُّّون وعقدوا مجلِسَ شورى ليَصطادوه بِكلِمة . ثمَّ أرسلوا إليه تَلاميذَهم والهيرودُسيِّين يقولونَ له : ” يا مُعَلّم ،
نحنُ نَعلَمُ أنّكِ صادق ، تُعَلِّمُ سبيلَ اللهِ بِالْحَقِّ ، ولا تُبالي بأحد ، لأنّكَ لا تُراعي مَقامَ النَّاس . فَقُلْت لنا ما رأيك : ” أيحِلُّ
دفعُ الجزيَةِ إلى قَيْصَر أم لا ؟ ” فشعرَ يسوع بِخُبثِهم فقال : ” لماذا تُحاوِلونَ إحراجي ، أيُّها المُراؤُون ؟ أروني نقدَ الجِزيَة ” . فأتوهُ بدينار . فقال لهم : ” لِمَنِ الصّورةُ هذهِ والكتابة ؟ ” فقالوا : ” لِقَيصر ” . فقال لهم : ” أدُّوا إذاً لِقَيصر ما لِقَيصر ، وللهِ ما لله ” . فلمّا سَمِعوا هذا الكلامَ تَعَجّبوا وتَركوهُ وانصرفوا . ( متى ٢٢ : ١٥ – ٢٢ ) .
” أَطلِعْ عَلينا نورَ وَجهِك، يا ربّ ” ( مزمور ١٤ : ٧ )
كما يحمل هذا الدينار صورة قيصر، هكذا فإنّ أنفسنا هي على صورة الثالوث الأقدّس ، تحمِلُ صورة الله ، وفقًا لما جاء في سفر المزامير : ” أَطلِعْ عَلينا نورَ وَجهِك ، يا ربّ ” ( مزمور ٤ : ٧ ) .
يا ربّ، إنَّ نور وجهك يعني نور نعمتك الإلهية التي تثبّت صورتك فينا وتجعلنا على صورتِك ومثالِك ، نور وجهك هذا مطبوع في عقلنا الذي يعتبر القوّة الأسمى في روحنا، والذي يتلقّى هذا النور كما يتلقّى الشمع بصمة الختم .
إنّ وجه الله هو عقلنا : فكما يُعرف المرء من وجهه ، هكذا نعرف الله من خلال مرآة العقل . لكنّ هذا العقل ، مع الأسف ، تعرّض للتشويه من خلال خطيئة الإنسان ، لأنّ الخطيئة تجعل الإنسان في مواجهة مع الله . لقد أصلحت نعمةُ الرّب يسوع المسيح عقلَنا. لذا، قال بولس الرسول لأهل أفسس : “وأَن تَتَجدَّدوا بِتَجَدُّدِ أَذهانِكمُ الرُّوحِيّ” ( أفسس ٤ : ٢٣ ). إنّ النور الذي تمّ التحدّث عنه في هذا المزمور هو إذًا النعمة التي رمّمت صورة الله المطبوعة والمختومة في طبيعتنا.
إنّ الثالوث كلّه قد وسم الإنسان بصورته . فهو، من خلال الذاكرة ، يشبه الآب . ومن خلال الذكاء ، يشبه الابن . كما أنّه من خلال الحبّ، يشبه الرُّوح القدس … في الخلق، جُعِل الإنسان ” على صورة الله كمثاله ” ( تكوين ١ : ٢٦ ) . إنّه صورةُ في معرفة الحقيقة ، ومثالٌ في محبّة الفضيلة . إنّ نور وجه الله هو إذًا النعمة التي تبرّرنا وتبرز مجدّدًا الصورة المخلوقة . هذا النور يشكّل كلّ خير الإنسان ، خيره الحقيقي ، إنّه يدمغه ، كما تدمغ صورةُ القيصر على الدرهمَ . لذا، أضاف الربّ يسوع قائلاً : ” أَدُّوا إِذاً لِقَيصَرَ ما لِقَيصر “، وكأنّه يقول : كما تعيدون لقيصر صورته ، هكذا أعيدوا لله نفسكم المزيّنة والموسومة بنورِ وجهِهِ .
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا ،
اسقف الاسكندرية واورشليم والاردن للأرمن الكاثوليك