« أَمِنَ النَّاصِرَةِ يَخرُجَ شَيٌ صالِح ؟ »الكردينال جوزف راتزنغر
الكردينال جوزف راتزنغر(بِندِكتُس السادس عشر، بابا روما من 2005 إلى 2013)
Der Gott Jesu Christi
« أَمِنَ النَّاصِرَةِ يَخرُجَ شَيٌ صالِح ؟ »
إن المعالم الحقيقيّة لمدينة الناصرة محجوبة عن أعيننا بواسطة الرّسومات… وما إن نذكر اسم هذا المكان حتّى يتبادر إلى أذهاننا ذلك الأسلوب العاطفيّ الذي يحوّل حياة الرّب يسوع إلى أنشودةٍ، قد تكون خادعةً إلى حدٍّ ما، لأنّها تخفّف من أهميّة سِرَّهُ العظيم. لذا يجب علينا أن نبحث عن جذور تكريم العائلة المقدّسة في مكانٍ آخر… فمن خلال الناصرة، نكتشف أنّ البيت والعائلة هما كنيسة، وندرك المسؤوليّة الكهنوتيّة التي يتحمّلها ربّ العائلة.
في “جليل الأمم” (مت 4: 15)، تلقّى الرّب يسوع تربيةً يهوديّةً؛ وبدون أن يذهب إلى المدرسة، تعرّف إلى الكتابات المقدّسة في المنزل… وتكفي بعض التلميحات التي ذكرها القدّيس لوقا لكي تعطينا فكرةً عن روح المسؤوليّة والانفتاح وحرارة الإيمان والاستقامة التي كان يتميّز بها ذاك الشعب، والتي جعلته ترجمةً واقعيّة لمفهوم إسرائيل الحقيقيّة. ولكنّنا نرى قبل كلّ شيء في أعمال الرّب يسوع المسيح، الذي كان يعرف الكتابات المقدّسة والتقاليد الربانيّة اليهوديّة بثقة المعلّم، كيف أنّ الحياة الجماعيّة التي عاشها في الناصرة كانت مثمرةً جدًّا في التعليم الذي تلقّاه الرّب يسوع. ألسنا معنيّين في كلّ ذلك، نحن الذين نعيش في حقبةٍ حيثُ يُرغم معظم المسيحيّين على العيش في “جليل الأمم”؟
لا يمكن أن تنموَ الكنيسة الكُبرى وتزدهرَ إن تنكّرت لجذورها المترسّخة والمتوارية في أرض الناصرة… تنقلُ الناصرة رسالةً دائمةً إلى الكنيسة. إنّ العهد الجديد لا يبدأ في الهيكل ولا على الجبل المقدّس، بل في المسكن الصغير الذي كانت تعيش فيه العذراء، وفي منزل العامل وفي أحد الأماكن المنسيّة في “جليل الأمم” التي لم يكن أحدٌ يتوقّع منها خيرًا. من هنا فقط، يمكن أن تقوم الكنيسة بانطلاقة جديدة وأن تتماثل إلى الشفاء. كما لن تتمكّن الكنيسة إطلاقًا من إعطاء الجواب الحقيقيّ على التمرّد الذي يشهده عصرُنا ضدّ قوّة الثروة، إن لم تكن تحمل في قلبها الناصرة كحقيقةٍ معاشة.