إيمانك خلصك – الأب وليم سيدهم
إيمانك خلصك
إن مرض البَرص أو الجزام مرض مُعدى وخطير. إذ تنتشر الفيروسات في المناطق الحساسة في الجسم مثل الوجه والأنف أو أصابع اليد أو أصابع الأرجل تنهش فيها وتتآكل أجزاء الجسم فتشوه منظر المريض أو المريضة مما يسبب معاناة كبيرة لحاملى هذا المرض، ويبدو أن هذا المرض كان منتشرًا منذ زمن طويل في دول البحر المتوسط خاصة. وأُنشأت مستعمرات للبرص لعزلهم عن بقية الناس. وكان اليهود في زمن المسيح يعتبرون حاملي المرض من الأنجاس المغضوب عليهم من الله فكانوا يبعدوهم إلى أطراف المدينة.
ويتلخص تأملنا اليوم في اللقاء الذي تم بين عشرة من البُرص وبين يسوع، استعطفوه قائلين “وَرَفَعوُا صَوْتًا قَائِلِينَ: «يَا يَسُوعُ، يَا مُعَلِّمُ، ارْحَمْنَا!»”.(لوقا 17 : 13)، وكما كانت هي العادة كان الكهنة المخولين الوحيدين لإعادة تسكينهم في حالة شفائهم من هذا المرض اللعين، أشار يسوع على العشرة أن يذهبوا إلى أحد الكهنة حتى يعتبرهم قد شفوا.
إلا أنهم شفوا جميعًا من البرص وهم في الطريق قبل أن يصلوا إلى الكاهن اليهودي. فإنطلق تسعة منهم يركضون ويفرحون ولم يتوجه بالشكر إلى يسوع إلا واحد فقط. سجد أمام يسوع وإعترف بفضله عليه.
لقد قابل يسوع الجحود ونكران الجميل ليس فقط من رؤساء الكتبة والفريسيين وأحيانًا من تلاميذه وقد كانوا أقرب الناس إليه، لكن كان الجحود اليهودي يأتي أحيانًا من أمثال هؤلاء المرضى التسعة. ولذا سجل يسوع هذا الموقف مرة إضافية لأن الابرص الوحيد الذي رجع وسجد أمامه كان سامريًا ” أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْدًا للهِ غَيْرُ هذَا الْغَرِيبِ الْجِنْسِ؟»” (لوقا 17 : 18) الذي لم ينكر الجميل، ولدينا أكثر من مشهد يتحدث فيه يسوع عن السامريين بإعجاب شديد لقوة إيمانهم ومثل السامرى الصالح الذي أنقذ الجريح الذي هجم عليه اللصوص في مقابل الكاهن واللاوي اللذان ”أبصروا ومضوا”.
إننا نتذكر المواقف العديدة التي إمتدت فيها أيادي كثيرة لمساعدتنا في حل مشاكلنا الصحية أو الإجتماعية أو الأسرية، حينما نتوقف عن اللهث وراء المكاسب الرخيصة أو نتوقف عن إجترار الحياة القاسية التي نعيشها فننظر لأنفسنا أمام الله، حينما نذهب إلى الكنيسة أو إلى خلوة في الأديرة المتناثرة في الصحراء وبين الجبال لنستعين بوجه الله الصبوح فنسمعه ينادينا في أعمق أعماق أنفسنا كى نكف عن الغضب ويدعونا لنخلع النظارة السوداء القاتمة التى تلون الدنيا كلها باللون الأسود.
إن مقابلة الحياة القاسية بقسوة مثلها لن يحل مشاكلنا الأنانية ولكن نفتح أعيننا وقلوبنا إلى الله ومن ثم إلى أخوتنا البشر ونخرج من القمقم الذي حبسنا أنفسنا فيه ونعانق الطبيعة الشجر والثمر، الشمس والبحر والهواء لنكتشف أن الذي علم العصفور كيف يبنى عشه، والزهرة المبهجة الملونة والغراب الأسود أجنحة يطير بها قادر أن يلهمنا الشجاعة على مواجهة قسوة الحياة، والصبر على المكاره والأمل لننظر إلى المستقبل.
هؤلاء التسعة البرص الذين نعموا بالشفاء ليس من الأكيد أن الشفاء من البرص على يد يسوع سيعيدهم إلى كامل الحياة، لأن إيمانهم لم يصل إلى إيمان الغريب ولم يشكروا بل أهملوا في حق من شفاهم وفي حق أنفسهم فالشكر جزء من إستدامة الشفاء.