stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

الأب هنرى بولاد: الإلحاد نعمة من الله

3kviews

7ad693db-c011-4da7-9a32-10214427ce15

صحيفة روز اليوسف

يلقبونه فى العالم بـ «القديس الفيلسوف»، ويصفونه بـ«المواطن العالمي»، فعلى مدار 66 سنة هى مدة التحاقه بالرهبنة اليسوعية، منها 52 سنة قضاها ككاهن كاثوليكي، لم يتوقف عن العمل من أجل تحقيق حلمه بتغيير العالم، بالسفر لإلقاء المحاضرات والحوار مع الشباب، لتبسيط فلسفته التى يقول هو أنها جعلته أقرب للإلحاد منه إلى الإيمان، معتبرا «الدين» شرا لابد منه، وغيرها من العبارات التى تبدو صادمة للوهلة الأولي، قبل أن يشرح معانيها السامية.
الأب هنرى بولاد، صاحب الـ85 عاما، تولى العديد من المسئوليات، أهمها مدير مدرسة الـجيزويت بالقاهرة، ومدير مركز الـجيزويت الثقافى بالإسكندرية، ومدير هيئة كاريتاس- مصر، ونال العديد من الأوسمة والنياشين، أهمها وسام رجل العام للعمل فى الخدمة الاجتماعية بمصر 2001، ووسام القائد من فرنسا، ووسام الأرز من لبنان، وصليب أورشليم، ومؤخرا، كرمه البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فى يوم الإخاء العالمى مع الڤاتيكان، وهى المناسبة التى دفعت «روزاليوسف» إلى أن تجرى معه هذا الحوار.

 بداية.. ما رأيك فى أداء البابا تواضروس على رأس المسيحية فى مصر؟
– البابا تواضروس بركة كبيرة، أرسله الله فى الوقت المناسب بما لديه من قدرة على فهم لغة العصر، والنظر للأمام، والتفكير فى آفاق لا تنحصر فقط داخل الكنيسة الأرثوذكسية؛ إذ يتمتع بشخصية انفتاحية للثقافة، والتطوير والتجديد، بالتزامن مع فكر الشباب الناقد الذى يمثل الجيل الجديد فى الكنيسة. ورغم ما يواجهه البابا من نقد ورفض كبير داخل المجمع المقدس، فأنا أعتقد أنه يدرك ما هو مقبل عليه، ويعرف كيف سيواجهه!
 بالنسبة إليك.. كيف تسهم الرهبنة فى تحقيق فلسفتك لـ«تغيير العالم»؟
– منذ سن مبكرة اكتشفتُ إيمانى بمبدأ «الجذرية»، فإما كل شيء أو لا شيء على الإطلاق! وأنا دائما ما كنتُ أريد أن أعيش ملء حياتى المشتعلة غيرة ونارًا وطموحًا بتغيير العالم أدبيا وروحيا واجتماعيا، بل أعتبرُ نفسى فى حرب دائمة مع الرجعية والتخلف والفقر.. وهذا ما كان ليتحقق لولا الرهبنة، حيث أعيش الانطلاق نحو تحقيق ذاتى متلامسا مع عمل الله بأعماقي؛ ففى ظل الرهبنة سافرتُ لأكثر من 50 دولة، وكتبتُ نحو 30 كتابًا تُرجِم معظمها إلى 15 لغة، ونحو 30 كتابًا بالفرنسية، و15 بالألمانية، و5 كتب بالإنجليزية، بالإضافة لمئات المحاضرات وعشرات التسجيلات لتليفزيونات العالم.. فسواء عشتُ أو متْ، يكفينى أن أفكارى باقية فى عقول من تتلمذوا على رؤيتى وفلسفتى ليستكملوا مهمة التغيير.
 وكيف يكون الراهب فيلسوفا بينما جوهر الفلسفة هو رفض الخضوع للسلطات وخاصة الدينية؟
– وما المانع؟ فالفلسفة هى توظيف التفكير لفهم معنى الحياة.. وأنا كراهب أحاول التشبيك بين الفلسفة والإيمان، بما يسمى «عقلنة الإيمان»، فحينما أريدُ تغيير العالم، أبدأ بالبحث فى أسئلة الإنسان: من أنا؟ ولماذا أنا موجود؟ وأين سأذهب بعد الموت؟ وجميع إنتاجى الفكرى يدور حول ربط الإنسان بالزمان والمكان واكتشاف قدراته وربطها بالإيمان.
 كراهب.. أليس غريبا أن تهتم وتكتب فى قضايا الحب والجنس والزواج؟
– (يبتسم) أنا بالفعل ناقشتُ هذه الموضوعات فى كتاب «أبعاد الحب»، بل حاضرتُ فى الجنس ومعناه الإنسانى أيضا، وذلك ببساطة لأننى إنسان، ولديّ قدر من الخبرة فى هذا الشأن، لكن خبرتى العاطفية تحولت إلى احترام وتقدير للمرأة وجمالها الذى صار يشدنى إلى السماء برؤية صوفية تتلامس مع الله وليس مع الشهوة.
 يرى البعض أن رجال الدين لا يصلحون للإدارة بسبب طيبتهم.. ما قولك؟
– ليس خطأ رجل الدين أن البعض يفكر فى استغلال حسن نواياه! وأنا أعترفُ أننى منحتُ ثقتى لبعض من خدعونى كثيرا، ولكنى لا أندم ولا أستسلم، وعلى المدير أن يضيف لمسته الخاصة التى تميزه، سواء كان رجل دين أو علمانيًا. كنتُ أعاقب الطلبة بالخيزرانة حينما كنت مديرا لمدرسة الجيزويت، ورغم ذلك كانوا يقولون لى «ميرسى أبونا»، لأنهم كانوا يشعرون بمحبتى وإخلاصى واحترامى لهم، وهى القيم التى حرصتُ على غرسها فى كل موقع عملت به، كقائد وليس كمدير.. فالقائد هو الذى يجمع بين قرارات العقل ومشاعر القلب، لتكون قراراته أقرب للعدالة.
 ولماذا يعتبر «أبونا بولاد» أن «الإلحاد بركة كبيرة».. كما جاء فى عظاتكم؟
– الإلحاد بركة لأنه يقضى على صنم الدين، والإيمان بالله بالطريقة التى تجعلنا نعبده دونما نعرفه أو نسمعه أو نفهمه! فالملحد قد يكون أقرب لله من المؤمن، وأنا شخصيا فى هذا الإطار أقرب للملحد من المؤمن! فالإيمان يحتاج العقل ليبرره ويجد له التفسيرات المناسبة أمام الوجدان، باعتباره أعمق ما فى الإنسان. والعقل فى حاجة للإيمان لكى يخرج من محدودية المعرفة العقلية! فحينما يقول «البابا» رأيا وأصبح كمؤمن مطالبا باتباع تعاليمه وطقوسه، دون أن يقتنع بها وجداني، حتما سينتهى بى الأمر لضياع إيماني! وهذا هو سبب انتشار الإلحاد فى عصرنا، الذى أومن أنه مرحلة ستؤدى لتطوير الفكر الإسلامى والمسيحي، لأنه يشبه المُطهِر الذى يحرق الإنسان حتى يشفي، فأنا أُرحب بالإلحاد لأنه سيعرفنا رأسنا من رجلينا، وسيجعلنا نكتشف أن كلا منا يعرف الله بطريقة مختلفة، وأن الإيمان هو رحلة لاكتشاف ومعرفة المطلق الذى هو الله!
 لكنك قلت إن المسيحية ليست دينا والإسلام يمر بمأزق.. ماذا تقصد؟
– الدين هو مأسسة الإيمان، وترجمته فى منظومة، وفى عقيدة، وفى طقس.. إلخ، وهذا هو الدين، أما الإيمان فهو مصدر الدين، والمسيح لم يأت ليؤسس دينا، بل لينشر الإيمان، ونحن الذين غيرنا مفهوم الإيمان إلى دين، فيما أراه شرا لابد منه، حيث المأسسة تسهم فى استمرار الدين! أما الإسلام.. فأرى أنه أدخل نفسه فى مصيدة القرن العاشر، منذ أغلق الفقهاء باب الاجتهاد، واختاروا التمسك بالآيات المدنية، حينما كان لديهم الخيار بينها وبين التمسك بالآيات المكية الروحية، مثلما تمسكوا بالتيار الحنبلى السلفي، فأدخلوا أنفسهم فى صراعات مع باقى البشر وضد الحضارات! والدليل هو محاربة وتكفير كل من يطالب بالرجوع لجذور الإسلام الروحانية.
 فى إطار حلمكم بالتغيير.. كيف ترى الوضع فى مصر بعد ثورتين؟
– أومن أن كل ما يحدث حولنا ليس إلا علامات، وعلينا أن نقرأها ونفهمها جيدا، فما يحدث فى مصر هو رسالة من الله تخبرنا أن عملية الخلق مستمرة بهذا البلد. وكل ما أستطيع قوله هو أننى متفائل بمستقبل مصر.
 ما رأيك فيما يتردد عن تهجير المسيحيين العرب على أيدى المتطرفين؟
– رغم كل شيء، أقول للمسيحيين ابقوا هنا فى أوطانكم. فتاريخ الكنيسة يخبرنا أنها بدأت بالاستشهاد، وستستمر كذلك، ولكن لا تسكتوا، بل دافعوا عن وجودكم بالاندماج فى المجتمع، كما أنصح المسلمين بألا يتركوا المنطقة العربية للإرهابيين والمتطرفين، ولنعمل معا من أجل العودة إلى الإنسانية، لبناء مجتمع بشرى ينسى الاستقطاب الديني.
 أخيرا ما قصة أن الله أخبرك بأنك ستعيش 120 عاما؟
– ضاحكا: كان عمرى 76 سنة، حينما قال لى الله أننى سأسير على خطى «موسى النبي» الذى بدأ مسيرته حينما كان عمره 80 سنة، والحقيقة أن الإنسان يستطيع سماع صوت الله من خلال حواسه الداخلية المدربة، دون التوقف أمام الحواس الخارجية المحدودة. وهنا أود الإشارة لمسألة العمر الطويل، حيث لا يطيل العمر إلا أن يكون للإنسان هدف يحيا لأجله فلا يكبر أبدا.