الإعلان المجمعي ” كرامة الإنسان ” وتعاليم البابوات بشأن الحرية الدينية
نقلا عن الفاتيكان نيوز
13 يونيو 2020
لقد دار الحديث خلال السنوات الماضية حول كيفية تفسير نصوص المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، أما اليوم فقد وُضعت هذه النصوص المجمعية موضع نقاش، ومن أبرزها الإعلان المجمعي “كرامة الإنسان” بشأن الحرية الدينية، والذي ترك بصمته في تاريخ الكنيسة.
في السابع من كانون الأول ديسمبر لخمس وخمسين سنة خلت أقر المجمع الفاتيكاني الثاني بأن الكائن البشري يتمتع بالحرية الدينية، عندما وافق الأساقفة المجتمعون في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان على إحدى الوثائق المجمعية التي أثارت جدلا طويلا، ألا وهي الإعلان المجمعي “كرامة الإنسان”. والمعلوم أن هذا النص خضع لتغيير جذري خلال مسوداته الخمس، قبل أن تتم الموافقة عليه نهائيا، والمشكلة الأساسية التي أثارت جدلا واسعاً تمثّلت في تحديد مفهوم الحرية الدينية.
وتم الاتفاق على أن الحرية هي حق الإنسان في عدم التعرّض لأي ضغوط من قبل سلطة بشرية، ليس فقط على صعيد تنشئة الضمائر من وجهة النظر الدينية، إنما أيضا فيما يتعلق بحرية ممارسة الشعائر الدينية. ومما لا شك فيه أن البابا بولس السادس قدّم إسهاما كبيرا في هذا المجال وفي إحدى مقابلاته العامة في الثامن والعشرين من حزيران يونيو 1965 شدد على أهمية ألا يتم منع أو إرغام أي شخص في القضايا الإيمانية.
وقد تميزت النقاشات بحدتها، وكانت عبارة عن اثنتين وستين مداخلة شفهية وحوالي مائة مداخلة خطية. في الحادي والعشرين من أيلول سبتمبر طلب البابا مونتيني من آباء المجمع أن يصوتوا على النص كي يشكل أرضية للعمل على الإعلان المستقبلي. وقد حصل النص على ألف وتسعمائة وسبعة وتسعين صوتا مؤيدا، ومائتين وأربعة وعشرين صوتا معارضا. وقد وصف الكاردينال بيترو بارافان مداخلة البابا بولس السادس آنذاك بـ”التاريخية”، معتبرا أن إسهامه كان مقرراً.
وباستطاعتنا اليوم أن نقرأ هذا الإسهام في ضوء الزيارة التاريخية التي قام بها البابا مونتيني إلى الأمم المتحدة في شهر تشرين الأول أكتوبر من العام 1965، فضلا عن فتحه قنوات للتواصل مع الأنظمة الحاكمة ما وراء الستار الحديدي، بهدف تحسين الأوضاع الحياتية للمسيحيين وللشعوب العائشة في ظل الحكم الدكتاتوري الشيوعي. وجاء في الواقع إعلان “كرامة الإنسان” كأداة ناجعة للمطالبة باحترام الحق الأساسي في الحرية الدينية حيث كان الإلحادُ دينَ الدولة.
في السابع من كانون الأول ديسمبر من العام 1995 ولمناسبة مرور ثلاثين عاما على الموافقة علىى هذا الإعلان المجمعي قال البابا يوحنا بولس الثاني – الذي تابع الأعمال عن كثب – إن المجمع الفاتيكاني الثاني شكل “نعمة استثنائية للكنيسة ومرحلة مقررة في تاريخها المعاصر، وشدد على أن إعلان “كرامة الإنسان” كان بلا شك من بين الوثائق الأكثر ثورية، وقد مهد الطريق للحوار بين الكنيسة والعالم”. وقبل أربع سنوات، كتب البابا فويتيوا في رسالته لمناسبة اليوم العالمي للسلام عام 1991 أنه لا يحق لأي سلطة بشرية التدخّل في ضمير أي إنسان، مشددا على ضرورة أن يُحترم ضمير كل فرد وألا تُفرض عليه “حقائق” الآخرين.
أما البابا الفخري بندكتس السادس عشر فقد تطرق إلى موضوع الحرية الدينية في أول خطابه إلى الكوريا الرومانية في الثاني والعشرين من كانون الأول ديسمبر 2005، ودعا إلى اعتبار هذه الحرية ضرورةً متأتية من التعايش بين البشر ونتيحةً للحقيقة التي لا يمكن فرضها من الخارج، بل ينبغي أن يتبناها الإنسان بعد أن يقتنع بها. وأكد البابا راتزنغر أن الكنيسة في القدم صلّت على نية الأباطرة والقادة السياسيين، لكنها في الوقت نفسه رفضت أن تسجد لهم، وبهذه الطريقة نبذت بوضوح مفهوم دين الدولة. هذا وذكّر البابا بندكتس السادس عشر بأن شهداء القرون الأولى ماتوا بدافع إيمانهم بالله الذي تجلى بيسوع المسيح، وقدّموا حياتهم بالتالي من أجل حرية الضمير وحرية إعلان إيمانهم.
من جانبه أكد البابا فرنسيس في خطابٍ إلى المشاركين في مؤتمر دولي حول موضوع “الحرية الدينية وفقا للقانون الدولي، وصراع القيم” أن العقل يرى في الحرية الدينية حقاً جوهرياً للإنسان، يعكس كرامته السامية: كرامة البحث عن الحقيقة واعتناقها. وشدد على أن الحرية الدينية لا تقتصر على فكرٍ أو عبادة خاصة، لأنها أيضا حريةُ العيش بحسب المبادئ الخلقية، استنادا إلى الحقيقة التي يجدها الإنسان. ويرى فرنسيس أن هذا الأمر يشكل تحديا في عالمنا المعولم حيث الفكر الضعيف أشبه بمرض، يخفّض المستوى الخلقي العام، وباسم مفهوم مزيف للتسامح يتعرض للاضطهاد المدافعون عن الحقيقة حول الإنسان وعن نتائجها الخلقية.