الإيمان والتعليم المسيحي – الأب / مجدي زكي
إن الإيمان هو أفضل ما نستطيع أن نُعطيه لأبنائنا الصغار ! كذلك تربية الإيمان حتّى ينمو ، ونُساعد الأطفال والشباب والبالغين على النموّ في معرفة ربّنا وحبّه ، فيكون ذلك من أجمل المغامرات التربويّة، فإننا نبني الكنيسة !
سنتكلّم هنا عن ثلاث نقاط :
أوّلاً : مُعلِّم التعليم المسيحي
- أن تكون معلّماً للتعليم المسيحي لا يعني أبداً أنك تمارس التعليم كمهنة ، هذا لا يليق . قد يقول قائل : » أنا أعمل كمعلّم لأني أحبّ التدريس « . هذا الكلام لا ينطبق على معلّم التعليم المسيحي لأنه لن يكون مثمراً، امتيازك كمعلّم للتعليم المسيحي هو أوّلاً أنك صاحب دعوة ، فدعوتك هي أن تكون معلّماً وليس أن تعمل كمدرّس للتعليم المسيحي .
- ووضعِنا كمعلّمين للتعليم المسيحي يتطلّب منّا حبّاً ، حبّاً دائماً أقوى للمسيح وحبّاً لشعبه المقدّس ، وهذا الحبّ لا يُشترى من المحلاّت كالبضائع ، هذا الحبّ مصدره المسيح ! هو عطيّة منه! وإن كان يأتي من المسيح ، فعلينا أن ننطلق من المسيح ، من هذا الحبّ الذي يُعطينا إياه .
- وهذا هو عمل معلّم التعليم المسيحي ؛ الخروج المستمرّ من الذات بالحبّ لنشهد ليسوع ونتكلّم عنه ونُعلن حبّه . وهذا مهمّ لأن الربّ هو الذي يعمله . ونتأكّد أن الربّ هو حقّاً الذي يدفعنا إلى الخروج من الذات .
- إن قلب معلّم التعليم المسيحي يعيش باستمرار حركة انقباض وانبساط ، أي اتّحاد مع يسوع واللّقاء مع الآخر ؛ إنهما الأمران معاً : أتّحد بيسوع وأخرج للقاء الآخرين . وإذا نقصت إحدى هاتين الحركتين لم يعد القلب ينبض ولا يمكن للإنسان أن يعيش ( راجع كلمة البابا فرنسيس في المؤتمر الدولي لمعلّمي التعليم المسيحي، سبتمبر 2013 ) .
ثانياً : مضمون التعليم المسيحي
عندما نتساءل عن كيفيّة تقديم موضوعٍ ما في لقاء التعليم المسيحي فإننا ، في نفس الوقت ، نتكلّم عن المضمون والأسلوب أو المنهج المتّبع في عمليّة التقديم ، وهذا موضوع ثري ومتشعّب ويحتاج إلى كثير من المناقشة . وما سنقوله هنا ليس جديداً ، بل هو محاولة لإثارة التفكير والاجتهاد في التعامل مع عمليّة التعليم المسيحي . وهنا سنعرض بعض الأمثلة للتوضيح :
- عندما نتكلّم عن سيّدنا يسوع المسيح ، هل نُركّز على لاهوته وإهمال إنسانيّته أم نُقدِّم تعليماً متوازناً عن المسيح الإله الكامل والإنسان الكامل ؟
- عندما نتحدّث عن الدينونة وموقف اللّه من البشر ، هل نكتفي بالحديث عن العقاب والعذاب والحلال والحرام أم نتحدّث عن محبّة اللّه للبشر ورحمته وغفرانه ؟
- عندما نتعرّض لنصوص الكتاب المقدّس ، هل نُفسِّرها حرفيّاً أم نلجأ لإعطاء مقدِّمة عن الظروف المحيطة بكتابة النصّ والتركيز على مضمونه الروحي العميق وليس ظاهر الألفاظ ؟
- عندما نتكلّم عن الوصايا ، هل نتوه في الفتاوى والتحريمات الخاصّة بالأسرار والأصوام أم نُركّز على أن السبت للإنسان وليس الإنسان للسبت ؟ ونفس الشيء بالنسبة للطقوس الكنسيّة ..
- هل نعرض المسيحيّة بمنظور عدم الاهتمام بالدنيويّات والهروب من العالم أم نُعلن ونُشدّد على أن يسوع المسيح هو مخلّص جميع البشر وبناء ملكوت اللّه على الأرض هو رسالة الكنيسة الأساسيّة ؟
- عندما نذكر القدّيسين ، هل نُركّز على عذاباتهم أم نتجاهل شفاعتهم ودورهم أم نُركّز على أنهم شهود للإيمان بحياتهم وتضحياتهم في سبيل إعلان البشرى السّارّة ؟
- هل نتحدّث عن قبول الآخر واحترامه رغم اختلافه أم أن نُرسّخ في ذهن الأطفال أن كلّ مَن هم خارج طائفتنا ضالين وهالكين؟
ويُمكن إضافة تساؤلات أخرى كثيرة …
ثالثاً : أسلوب التعليم المسيحي
- يكاد يسود أسلوب التلقين معظم جوانب العمليّة التعليميّة في مجتمعنا ، سواء كان تعليماً عامّاً أم دينيّاً . وللأسف في كثير من الأحيان يعتمد معلّم التعليم المسيحي على نفس الأسلوب بقصد ترسيخ المعلومات الدينيّة في العقول ، ويُصبح الإيمان مجرّد معلومات للحفظ . ونحن من خلال مسيرة تكويننا الطويلة ماذا نستطيع أن نقدّم في هذا المجال ؟
- ليس التعليم المسيحي مجرّد حقائق للحفظ ، بل يجب أن ينطلق من الحياة ثُمَّ الإنجيل ثُمَّ يعود إلى الحياة . ولتحقيق ذلك لا بدّ أن يكون تعليمنا موجّه إلى العقل والإرادة والقلب .. كيف يُمكن تحقيق ذلك ؟
هذه مجرّد عناصر مختصرة تُساعد على التفكير بعمق في واقع مدارس الأحد في رعايانا ، ولا ننسَ أن أفضل طريقة لنقل وديعة الإيمان هو التزام المربّي بما يُعلّم ، وإيمانه بما يقول ويفعل . وهذا لا يمنع أن نُذكّر بأهميّة الوسائل التربويّة من أفلام وصور وقصص وترانيم وغيرها من وسائل الإيضاح .