stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

البابا والكنيسة في العالم

البابا: الخلاص هو مجّانيّ. إنه عمل رحمة مجّاني من قِبَلِ الله تجاهنا

471views

كتبت ريتا عاطف من المكتب الإعلامي الكاثوليكي بمصر

نحتفل اليوم بعيد معموديّة الربّ. قبل أيّام قليلة، تَرَكْنا يسوع طفلًا وعنده المجوس؛ واليوم نجده بالغًا على ضفاف نهر الأردن. فالليتورجيّا تجعلنا اليوم نقفز حوالي ثلاثين عامًا. ثلاثون عامًا نعرف منها شيئًا واحدًا: كانت سنوات من الحياة الخفيّة، قضاها يسوع في الأسرة –قضى بعضها أوّلًا في مصر، لاجئًا هاربًا من اضطهاد هيرودس، وقضى الباقي في الناصرة، يتعلّم مهنة يوسف-، في الأسرة، بين طاعة الوالدين، والدرس والعمل. من المدهش أن يكون الربّ قد قضى معظم وقته على الأرض بهذه الطريقة، يعيش الحياة اليوميّة، دون أن يظهر. ونظنّ، وفقًا لما نقلته الأناجيل، أنه قضى ثلاث السنوات وهو يعظ ويتمّم المعجزات والكثير من الأمور. ثلاث سنوات. وكلّ السنوات الباقية، قضاها في حياة خفيّة في الأسرة. إنها رسالة جميلة لنا: تكشف عن عظمة الحياة اليوميّة، والمكانة التي تحتلُّها في نظر الله كلُّ حركة ولحظة من الحياة، حتى أكثرها بساطة أو خفية.

بدأت حياة يسوع العلنيّة بعد هذه السنوات الثلاثين من الحياة الخفيّة، وبدأت على وجه التحديد بمعموديّته في نهر الأردن. لكن يسوع هو الله، لماذا اعتمد إذًا؟ كانت معموديّة يوحنا عبارة عن طقس توبة، وكانت علامة على رغبة المرء في الارتداد، والتحسّن، من خلال طلب الغفران عن خطاياه. من المؤكّد أن يسوع لم يكن بحاجة إليها. وقد حاول يوحنا المعمدان في الواقع، أن يعارض، لكن يسوع أصرّ. لماذا؟ لأنه يريد أن يكون مع الخطأة: ولهذا السبب اصطفّ معهم وتصرّف مثلهم. وكان لديه نفس استعداد الشعب، نفس استعدادهم (الشعب) وكما يقول أحد الأناشيد، اقترب من النهر “ونفسه عارية وقدماه عاريتان”. النفسُ عارية، أي دون سَترِ شيء، هكذا، خاطئ. هذا ما صنعه يسوع، ونزل في النهر لكي ينغمس في حالتنا البشرية. المعموديّة، في الواقع، تعني بالتحديد “التغطيس”. وقد قدّم لنا يسوع في اليوم الأوّل من خدمته، “لوحة عن برنامجه”. أخبرنا أنه لا يمنحنا الخلاص من فوق، بقرار سياديّ أو بفعل قوّة، أو بمرسوم، كلّا: بل إنه يخلّصنا آتيًا للقائنا وآخذا خطايانا على عاتقه. هذه هي الطريقة التي ينتصر بها الله على شرّ العالم: يُخلي ذاتَه ويحمل خطايانا. إنها أيضًا الطريقة التي يمكننا بها أن نُنهِض الآخرين: ليس عن طريق الإدانة، وليس عن طريق التنبيه بما يجب القيام به، ولكن بالتقرّب منهم، والتألّم معهم، ومشاركتهم بمحبّة الله. إن أسلوب الله تجاهنا هو التقرّب؛ وقد قال ذلك بنفسه لموسى: “تأمّلوا: أيّة أمّة لها آلهة قريبة منها مثلما أنا قريب منكم؟”. أسلوب الله تجاهنا هو التقرّب.

وبعد ما أظهره يسوع من تعاطف، حَدَثَ شيء غير اعتيادي: انشقّت السماوات وانكشف الثالوث أخيرًا. نزل الروح القدس على شكل حمامة (را. مر 1، 10) وقال الآب ليسوع: “أنتَ ابنيَ الحبيب” (آية 11). فالله يتجلّى عندما تظهر الرحمة. لا تنسوا هذا: يتجلّى الله عندما تظهر الرحمة، لأن هذا هو وجهه. صار يسوع خادمًا للخطأة فأُعلِنَت بُنُوّته؛ وانحنى علينا فنزل عليه الروح القدس. إنّ المحبّة تجذب المحبّة. وهذا ينطبق أيضًا علينا: في كلّ عمل خدمة، وفي كلّ عمل رحمة نقوم به، يتجلّى الله وينظر إلى العالم. وهذا صحيح بالنسبة لنا.

ولكن حتى قبل أن نقوم بأيّ شيء، فإن حياتنا قد انطبعت بالرحمة التي حلّت علينا. لقد مُنِحنا الخلاص مجّانًا. الخلاص هو مجّانيّ. إنه عمل رحمة مجّاني من قِبَلِ الله تجاهنا. وهذا يتمّ بشكل أسراريّ يومَ معموديّتنا. ولكن الذين لم يعتمدوا هم أيضًا ينالون رحمة الله، لأن الله هناك، ينتظرهم، ينتظر أن تفتح أبواب القلوب. ويقترب، أجرؤ على القول، ويعانقنا برحمته.

لتساعدنا السيّدة العذراء، التي نبتهل إليها الآن، في أن نحافظ على هويتنا، أي هويّة أشخاص “نالوا الرحمة”، والتي يقوم عليها الإيمان والحياة.