stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

الباحث المصري إميل أمين، يكتب : البابا فرنسيس.. « الحياة بعد الوباء »

666views

نقلا عن موقع أبونا
نشر الإثنين، ١٥ يونيو / حزيران ٢٠٢٠

أظهرت عاصفة كورونا كيف أننا تركنا وأهملنا ما يغذي ويعضد ويعطي القوة لحياتنا وجماعتنا، وكيف أن هدير الأزمة المخيف ربما يدعونا لنوبة صحيان تذكرنا بجذورنا، لاسيما بعد أن سقط قناع تلك الأنماط التي كنا نخفي بواسطتها «الأنا» لأننا كنا نخاف على صورتنا فكشف مرة أخرى ذلك الانتماء المشترك الذي لا يمكننا أن ننكره: انتماؤنا كإخوة.

إميل أمين :

طوال المائة عام الأخيرة لم تنشغل حاضرة الفاتيكان بمتابعة دقيقة وحثيثة لأحوال العالم، بقدر ما انشغلت في حبرية البابا فرنسيس، وذلك إذا استثنينا سنوات الحرب العالمية الثانية، وفي الفترة التي جلس فيها سعيدًا على كرسي مار بطرس البابا بيوس الثاني عشر.

اعتبر العالم برمته أن البابا فرنسيس علامة رجاء ومصالحة، وقد كان من نصيب العالم العربي وعلى أرض الإمارات العربية المتحدة جزء وافر ومهم من حركته وفعالياته التي توجت بوثيقة الأخوة الإنسانية.

لم يغب البابا فرنسيس عن العالم طوال أشهر المحنة الكورونية، ولا يزال الرجل حاضرًا، بل إنه أصدر مؤخرًا كتابًا يحمل عنوان «الحياة بعد الوباء»، يتضمن ثمانية نصوص تطرق فيها الحبر الأعظم لفيروس كورونا وتبعاته المختلفة.

نهار الجمعة في السابع والعشرين من آذار مارس الماضي، كان المشهد الذي لن ينساه العالم.. البابا المتثاقلة خطواته، يمضي وحيدًا حزينًا في ساحة القديس بطرس، وكأن كاهليه يحملان أثقال العالم برمته. في ذلك المساء أشار البابا فرنسيس إلى العاصفة التي هبت على الإنسانية، وأظهرت الضمانات الزائفة التي بنينا عليها برامجنا ومشاريعنا وعاداتنا وأولوياتنا.

أظهرت عاصفة كورونا -بحسب خليفة بطرس كبير التلاميذ- كيف أننا تركنا وأهملنا ما يغذي ويعضد ويعطي القوة لحياتنا وجماعتنا، وكيف أن هدير الأزمة المخيف ربما يدعونا لنوبة صحيان تذكرنا بجذورنا، لاسيما بعد أن سقط قناع تلك الأنماط التي كنا نخفي بواسطتها «الأنا» لأننا كنا نخاف على صورتنا فكشف مرة أخرى ذلك الانتماء المشترك الذي لا يمكننا أن ننكره: انتماؤنا كإخوة.

عن أي نسق حياتي بعد الأزمة يتكلم ويحلم البابا فرنسيس؟

الدرس الأول الذي يلقي البابا فرنسيس عليه الضوء الكافي والكاشف هو أن لا أحد يستطيع أن ينجو لوحده، فالحدود تزال والجدران تنهار وكل الخطابات المتطرفة تضمحل أمام شعور الإنسان بهشاشته، والسؤال عنده من يدحرج حجر الوباء عن البشرية التي بدأت تشعر بتهديد مستقبلها والقضاء على آمالها وفقدانها الرجاء، لافتًا بنوع خاص إلى معاناة العديد من الأشخاص، لاسيما المسنين قيد الحجر المنزلي والأسر العاجزة عن توفير لقمة العيش.

ملامح الحياة فيما بعد كورونا بحسب فرنسيس تتضمن مواجهة وباء من نوع آخر، لم يلتفت إليه الكثيرون، رغم خطورته، ألا وهو وباء الإقصاء واللامبالاة، الأمر الذي يستدعي تفعيل فلسفة التضامن، ويجعل من جيلنا المعاصر رجالاً ونساء أقوياء قادرين على التصدي والتحدي للشرور التي يعاني منها ملايين الإخوة والأخوات حول العالم لننشر الأجسام المضادة الخاصة بالأخوة الإنسانية والتضامن الإنساني.

يستشرف البابا فرنسيس عالمًا فيه «كل شيء مختلف» بعد الوباء العالمي، وبلغة الواثق يرى أن البشرية سوف تتجاوزه، وداعيًا إلى «مجتمع أكثر عدالة وإنصافًا»، وبحسب كلماته: «عندما نتجاوز هذا الوباء، لن نتمكن من الاستمرار فيما كنا نفعله، وبالشكل الذي كنا نفعله، كل شيء سيكون مختلفًا».

يوم جاء «خورخي بيرغوليو» (اسم فرنسيس قبل البابوية) من الأرجنتين إلى روما المدينة المقدسة، أطلق صيحة لا تزال أصداؤها تتردد في كل تصرفاته الحياتية «أنا فقير وشعبي أفقر مني»، ولهذا كانت معاناته ومناداته قبل الوباء وبعده وفيه تتعلق بالفئات التي تعيش الحرمان بأكثر مشهد، وبخاصة الفقراء والمنبوذون، ولهذا بدا إصراره على بناء مجتمع أكثر عدلاً وإنصافًا، بالقول وليس بالفعل.

قبل أن يضرب فيروس كورونا المستجد العالم، كان فرنسيس قد أعد مؤتمرًا عالميًا كبيرًا لطرح أفكار اقتصادية غير تقليدية تغير الأوضاع وتبدل الطباع بشأن أوضاع العالم الاقتصادية، وكان من المفترض أن يضم نخبة من اقتصاديّ العالم، لاسيما من الشباب الفائزين بجوائز عالمية، لكن كل شيء تبخر أو تأجل إلى موعد آخر. على أن ذلك لم يمنع فرنسيس من أن ينادي من جديد بخفض أو إلغاء ديون الدول الفقيرة، وتخفيف العقوبات الدولية المفروضة على بعض الدول، داعياً إلى التضامن الدولي، وإفشاء ما أطلق عليه «عدوى الرجاء».

يعني التضامن عند فرنسيس العمل على وقف الحروب، وتحويل الميزانيات التريليونية إلى إطعام الجياع وشفاء المرضى، معتبراً أنه: «ليس الوقت المناسب لمواصلة صنع أسلحة والاتجار بها، مع إنفاق أموال باهظة يجدر استخدامها لمعالجة الأشخاص وإنقاذ الأرواح».

نظرة فرنسيس إنسانية، معولمة، لكنها عولمة مغايرة ومناهضة للنيوليبرالية المتمحورة من حول ذاتها، بأدواتها البراجماتية الصدئة، ولعل هذا ما جعله محبوبًا ومرغوبًا من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ويحار المرء كيف لا يُعطي هذا الرجل نوبل للسلام.

فرنسيس بصوت الحق والمحبة يصرخ: «يجب ألا يترك هؤلاء الأشقاء والشقيقات الأكثر ضعفًا الذين يسكنون المدن والضواحي في جميع أنحاء العالم وحيدين». لم يميز الأشقاء على أسس ومنطلقات عرقية أو جنسية، مذهبية أو طائفية، الأمر الذي يجعل منه وعن حق «مصباحاً فوق جبل»، ينير للإنسانية بمبادئ الأخوة.

يحذر البابا فرنسيس في عالم ما بعد كورونا من التضحية بحقوق الآخرين الذين بقوا في الخلف على «مذبح التطور والتقدم»، فالوباء ذكرنا بأنه لا توجد اختلافات وحدود بين الذين يتألمون، جميعنا ضعفاء، وجميعنا متساوون وجميعنا قيمون، ولهذا فإن ما يحصل يهزنا في داخلنا، وعليه فقد حان الوقت لإزالة عدم المساواة، وإصلاح الظلم الذي يهدد جذور سلامة البشرية بأسرها.

ولم يتردد البابا فرنسيس عند الدعوة إلى عالم يتقاسم الخيرات الطبيعية، وعالم أيضًا يتشارك وسائل الدفاع عن النفس البشرية، لاسيما الأمصال، والأدوية اللازمة لمواجهة كورونا، ومن على كرسي بابويته نادى بأنه: في حال ظهور أي لقاح ناجح يتعين أن يكون متاحًا في جميع أنحاء العالم، وشجع التعاون العلمي الدولي لاكتشاف لقاح لفيروس كورونا.

هل يحلم فرنسيس بمدينة فاضلة بعد الكورونا؟

على الأقل يسعى على درب الأخوة الإنسانية فرحًا داعيًا إلى إنسانية تتجاوز ألم اللحظة الآنية.

(صحيفة الاتحاد الإماراتيّة)