الحروب الروحية(1)- اللواء/ سمير قلادة
الحروب الروحية(1)- اللواء/ سمير قلادة
مقدمة
في أي صراع بين طرفين، فإن هذا الصراع ينتهي عادة بانتصار أحد الطرفين على الآخر. الطرف الذي ينتصر يكون عادة هو الأقوى. الطرف الأقوى هو الذي يعرف كيف يستخدم إمكانياته وكيف يستعمل مواطن الضعف لدى غريمه إما بالحيلة والمكر وإما بالقوة والضعف. الإنسان في هذه الحياة له عدو غادر لا يرحم ولا يتوقف عن الضرار به من كافة النواحي النفسية، والتي تؤثر بدورها على النواحي الجسدية، ويعز عليه أن يرى الإنسان ساعياً أو ناجحاً أو سعيداً، فيسعى بالضغط على النفس وبالمكر والحيلة أن يشقيه ويجعله فاشلاً. وما اكثر أساليبه مع كل إنسان. وليت الأمر يقتصر به على أمور الدنيا. بل أن هدف هذا العدو أبعد من ذلك. هدفه الهلاك الأبدي للإنسان. لكن الرب برحمته لا يسمح بذلك. فقد سبق وقهره، وأعلن للإنسان سبيل التغلب عليه بمبدأ واحد هو المقاومة. ونتيجته محتمة هي هروب ذلك العدو (قاوموه فيهرب)..
وحتى ينتصر الإنسان في المقاومة أعطاه سلاح كامل مكون من عدة أسلحة. ولكل منها دوره وفاعليته بحسب ما جاء في الرسالة إلى أفسس. بل أن الرب جعل نفسه حليفاً للإنسان في هذه المقاومة لينتصر له على هذا العدو الذي سبق وقهره. وليعرف الإنسان أن المقاومة تحرره. وأن الاستسلام يزيد من تعقيد الأمور. ولا يفيد شيئاً. لكن قد لا يعرف الإنسان السلاح الذي أرشده إليه الرب. وقد لا يعرف كيفية استخدامه. وهذا هو محور هذا الكتاب. حيث يعرض في إيجاز بسيط أجزاء السلاح. والمبادئ التي تعاون على حسن استخدامه. مع أمثلة. ويبقى بعد ذلك دور الإنسان الذي يجب أن ينتصر. وليس هناك ما يدعو للهزيمة مادام الرب معه. وقد رجعت إلى أقوال وآراء من هم أكثر مني تخصصاً وتعمقاً في الدراسات التي تتعلق بهذا الأمر. من شتى الاتجاهات والتخصصات ورغماً عن تعدد الاتجاهات فإنهم جميعاً بالإيمان. والمحبة. والأمانة، قد التزموا بالحق وليس في الحق خلاف. أعتبر أن دوري المتواضع مثل دور البستاني الذي يجمع الزهور في باقة. معترفاً بفضل صاحب الحديقة، ومن تخصص في الغرس، والزرع والرعاية.. وهؤلاء الذين سبقوا فأناروا الطريق بجهودهم وإخلاصهم وجمعت ثمارهم. وقسمت هذا الموضوع قسمين..
الأول.. ما هو سلاح الله الكامل وما هي أجزاءه..
الثاني.. كيف يكون استعمال هذا السلاح حتى يتحقق النصر.
الحق
كلمة الحق في اللغة العربية. وفي أي لغة أخرى لها معاني عديدة سواء بالنسبة للفرد. أو بالنسبة للمجتمع. أو بالنسبة للدولة. وفي العلوم القانونية أيضاً لها عدة استعمالات. كذلك في مجالات العمل المختلفة، وفي معاملات الإنسان في الحياة. في مبادئ المسيحية جاءت في عدة مواقع.. وأوضح ما جاء به الكتاب المقدس في هذه الكلمة قول يسوع “أنا هو الطريق والحق والحياة” (يو6:14) وقوله تعالى “أنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرركم” (يو30:8). وأيضاً أن الله يريد الكل يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1تي 4:2) يتضح أن الله كما يريدنا أن نخلص من الدينونة بالإيمان (يو16:3-18) يريدنا أيضاً أن تقبل إلى معرفة الحق لنخلص من عبودية الخطية، الخطية الفعلية. والخطية التعليمية التي هي باتباع تعاليم الذين يتكلمون بأمور ملتوية، في ظاهرها تتفق مع الحق وفي حقيقتها تناقضه (مت3:15) ولأهمية معرفة الحق، كان الرب يعلم كل من يأتون إليه (مت7:5-28).
الحق والاقتداء بالمسيح
جاء في كتاب الاقتداء بالمسيح. الفصل السادس والخمسون.. اتبعني أنا الطريق والحق والحياة، فلا مسير بدون طريق. ولا معرفة بدون حق. ولا معيشة بدون حياة. أنا الطريق الواجب عليك أن تنتهجه والحق الملتزم أن تؤمن به، والحياة المحتمة عليك أن ترجوها. أنا الطريق الأمين والحق المعصوم من الغلط والحياة العديمة المنتهى إن ثبت في طريقي تعرف الحق والحق يحررك وتدرك الحياة الأبدية.. إن كنت تريد أن تعرف الحق فآمن بي..
الحق والفعل
إن العقل البشري، مهما بلغ من حدة ذكاءه، فهو قصير النظر، وأبعد ما يكون من أن يقود الإنسان على الدوام إلى معرفة الحق والصواب، في كل ظروف الحياة… لذلك لابد لنا من مرشد آخر يضيء بنوره نور العقل الضعيف. هذا النور يسوع المسيح “الذي يضيء كل إنسان آت إلى العالم” (يو9:1) من يؤمن به ويثبت على كلمة يعرف الحق والحق يحرره… إن أنتم ثبتم على كلمتي تعرفون الحق والحق يحرركم (يو31:8-32)(1). فإن كان عدو الخير يثير الشك والظلام، الحق يبدد كل شك وظلام، إن كان عدو الخير يريد للإنسان أن يصنع الشر ويرتكب الخطية، يكون الإنسان هنا عبد ومقيد “إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية” (يو34:8). والحق وحده هو الذي يحرر الإنسان “الحق يحرركم” (يو34:8).
الحق والإرادة
هل يستطيع أعمى أن يقود أعمى. أو ليس كلاهما يقعان في حفرة. هؤلاء العميان الذين هم في حاجة إلى من يهديهم إلى سواء السبيل. إلى الحق ثم أنا وأنت كلنا نولد عمياناً.. ولكن لحسن الحظ نولد وكلنا ظمأى إلى النور، أي إلى معرفة الحقيقة.. هذا الظمأ هو أكبر دليل على أننا لا نملك الحقيقة.. الإنسان الذي يصنع الشر، ولو عن طريق الخطأ لا يعتبر حراً بل عبد.. لأنه لو عرف أنه شر لما أراده.. إن الخطأ والشك والجهل تجعل الإنسان في قيود العبودية. إرادة الإنسان تشبه المحرك القوي الجبار.. هذا المحرك القوي الجبار يحتاج إلى قائد حكيم ومدرب يحركه ويقوده بحسب طبيعته. غير أن هناك ثلاثة قواد يريدون أن يستأثروا بالإرادة: الغريزة وعقل الإنسان وعقل الله. أما الغريزة فهي قائد من نوع حقير من يستسلم لقيادته ينحدر إلى أسفل سافلين وتصبح الإرادة أسيرة. لكن يمكن بالعقل الناضج التحرر، بقدر ما يفضل الإنسان عقله على غريزة يتمتع بحرية أكبر. بالعقل وحده لا يمكن أن نكون أحراراً حقاً إذاً لابد لنا بلوغ هذا الغرض من القائد الثالث. العقل الإلهي. لأنه وحده يرشد يضيء. وعلى ذلك يجب أن يخضع عقل الإنسان للفكر السماوي. وتخضع الغريزة للعقل.. عندئذ تتحرر الإرادة من الخطأ ومن الضعف وتسيطر على الغرائز وتنتصر على العقبات(2). عدو الخير يحرك الغريزة من أجل دفع الإنسان نحو الخطية. الحق أيضاً يكشف للإنسان عن الخطأ. ويرشده للصواب ويعطي إرادة للنجاة من ضلال العدو.
مثال عن التحرر من عبودية
حيث لا يعرف الإنسان ما هو صواب وما هو خطأ، فإنه يجد من السهل الانسياق وراء ما يتصور أنه متعة أو فيه شعور بالحرية. لكنه في النهاية ومن النتائج الضارة التي يلمسها بنفسه ومن تمرد مشاعره عليه يدرك الخطأ الذي اتجه إليه وعندما يحاول الرجوع إلى الصواب يجد ذلك شاقاً. وعدو الخير يشككه في قدراته ويجعله في يأس تام.. لكن معرفة الحق تعطي العقل نور ليعرف الصواب الذي يحتاجه. تعطيه القوة لكي يسير ويتحرر. جاء في مجلة أعمدة الزوايا ما يأتي بقلم الدكتور (رفعت.ح)(3).
مثال آخر
كانت حياتي تسير بشكل عادي وطبيعي إلى سن 16 سنة، ثم بدأت أتمرد على هذا الوضع. أخذ العالم يغريني فاستجبت له. تركت الكنيسة التي كانت شيئاً ثانوياً في حياتي. قررت أن أعيش في العالم، أتمتع بكل ملذاته. بعد قليل وحدت نفسي مربوطاً بخطايا كثيرة أبرزها الإدمان. بدأت في تناول المشروبات والحشيش، ثم انتقلت إلى الأقراص المخدرة لأنها أسهل في التعاطي. لم أكن أدري خطورة ما أفعله خاصة لأنه لم تكن هناك ضوابط تحكم تصرفاتي. ضاعفت الجرعات المخدرة حتى وجدت نفسي غير قادر على مواجهة الدنيا بدونها. التحاقي بكلية الصيدلة عرفني على بعض أنواع المخدرات. كنت أتعاطى أشياء لا أعرفها. عرفت الماكس ثم الهيروين وكنت من أوائل المتعاطين له، عندما دخل إلى مصر في عام 81 أو 82. لم أكن أدرك خطورة وصعوبة الخروج منه. بدأ الأهل يلاحظون حالتي وكذلك الأصدقاء، فكانوا يعاملونني باشمئزاز مما دفعني إلى المزيد من المخدرات. ارتفع ثمن الهيروين فأخذت أبحث عن طرق غير مشروعة للحصول عليه. لجأت إلى النصب والاحتيال والسرقة من البيت ومن منازل الأصدقاء والأقارب مما سبب إحراجاً لعائلتي، فكانوا يسددون ما سلبته.. إنفاقي اليومي كان مائة جنيه وعندما تفاقمت حالتي كنت أنفق أكثر من ألف جنيه يومياً أنا وصديق لي! زادت الأمور سوءاً عندما تعرضت لمحاكمات وقضايا وأخذت حكماً بالسجن لمدة شهرين. كانت والدتي تقضي الليالي في الصلاة والبكاء من أجلي. لم أكن أحس بمدى فظاعة مشكلتي. فشلت في دراستي. حصلت على لقب دكتور بعد تسع سنوات. كنت أنجح بالغش والدروس الخصوصية والطرق الملتوية. في هذا الوقت كنت أعاني جسدياً ونفسياً، وأموري متأزمة.
أصبحت إنساناً منعزلاً لا رجاء له في الحياة، إنسان بلا معين أشبه بالملحدين.. بدأت أصرخ: هل من منقذ؟ هل من معين؟ لم أعرف إلى من التجئ فكرت في العلاج وبالفعل داومت على العلاج لمدة شهرين وتحسنت حالتي. لكن بعد ثلاثة أشهر عدت للإدمان مرة أخرى فكان السقوط المروع كان هذا في عام 1988 حيث انتزع مني أخيراً كل رجاء في الحياة. التحقت بالجيش كضابط وأحسست بالإحباط، كنت أريد أن ألتحق عسكري، لأقضي مدة أقل بالجيش. تعرضت لمحاكمة عسكرية وبذلك ضاقت بي الحياة، وفوجئت في هذه الفترة بمجموعة من خدام الله تقتحم حياتي بطريقة عجيبة. عرض علي صديق أن أذهب معه إلى كنيسة قصر الدوبارة، وافقته وأنا لا أدري السبب. كنت أذهب معه وأنا أتعاطى المخدرات. عرضوا علي في الكنيسة الذهاب معهم في مؤتمر بالعجمي، كان شرطي الوحيد هو أن أذهب بالمخدرات فلم يعارضوا. وجدت أربعة أيضاً من أصدقائي المدمنين. في هذا المؤتمر كان اللقاء الذي لا يُنسى. رأيت شباباً يصلي ويسبح الله. لم أكن أعرف ماذا يفعلون. قال لي أحد الخدام: افتح قلبك وصلي. سألته: كيف أصلي وأنا لست مؤمناً؟ أجابني: صلي واطلب الإيمان “الإيمان عطية”.
كان هذا هو الدرس الأول الذي تعلمته، قلت: يا رب أنت تعلم بحالتي تعرف أني ملحد ومدمن ومحبط ويائس وفاشل. هل من الممكن أن تغيرني؟ لم أستمع إلى إجابة شافية. حضرت عظات كثيرة ورأيت تعامل الرب مع أحد أصدقائي بشكل مفاجئ. لقد ألقى صديقي بالمخدرات في البحر وأعلن أنه ليس بحاجة لها. هذا التصرف أحدث رد فعل عنيف بداخلي. شعرت بشيء ما داخلي يرفض المخدرات. أخذتها وأعطيتها لأحد الخدام وكانت الخطوة الأولى لتعامل الله معي. سمعت عظة عن تسليم الحياة للمسيح قلت يا رب أسلمك حياتي. وفي 14/9/89 حدث التغيير. ابتدأت أواظب على الصلاة والاجتماعات. لم أشعر بالحاجة إلى المخدرات. كنت أخشى من حدوث أعراض الانسحاب التي يعاني منها كل مدمن يتوقف فجأة عن التعاطي. أعراض رهيبة تشمل كل أعضاء الجسم من صداع وإسهال وغثيان ورعشة أعطاني (د. إيهاب) قرصاً منوماً وكان مفعوله عجيباً. لقد نمت طوال الليل وإلى الساعة الثانية بعد ظهر اليوم التالي. وأذكر أنه في فترة علاجي الأول لم أستطع النوم لمدة 18 يوماً رغم تناولي خمسة أنواع من المنومات. هذا هو الفرق بين شفاء المسيح وشفاء العالم.
عدت من المؤتمر وأنا إنسان آخر. كل من يراني يشهد بالتغير الذي حدث في حياتي. أحسست بالسعادة والطمأنينة لأول مرة في حياتي بعد سنوات. بدأنا نوصل الرسالة للناس البعيدين الذين كانوا في مثل ظروفنا. إن التغيير الإعجازي الذي حدث لنا هو الذي يشد غيرنا ويجذبهم إلى طبيبنا يسوع المسيح إنه الطريق الوحيد الأكيد والمضمون.
تعليق:
من المثال السابق نجد أن عدو الخير قد حاول أن يسيطر على الإرادة. لكن يسوع الطريق. يسوع النور. يسوع القوة. قد مهد الطريق. وأضاء العقل ومنح القوة إنه هو السلاح الذي من أبرز آثاره أن يحرر من أي سهام تكون قد أصابت الإنسان.