الحصاد كثير، ولكن العمال قليلون.
فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل عمالا إلى حصاده”(مت9: 38)
في عصر التقدم التكنولوجي والحداثة، هل ما زال الروح القدس يجذب قلوب شباب وشابات لاتباع شخص يسوع؟ هل يوجد أشخاص يلبون نداء، ودعوة الله لحياة الكهنوت والرهبنة؟ هل أصبحت كلمة تكريس حياتنا غريبة على مسيحيتنا؟ هل روح العالم وحياته دخلت فينا لدرجة أنه سيطر على المساحة الكبيرة من يومينا فلا نفكر في شخص يسوع ولا نسمع صوته؟ هل أحببنا حياة الرفاهية السهلة فلم نعد نحب المغامرة، والاكتشاف الجديد؟ هل نخاف من الاختيار بين مفترقات الحياة؟ هل أفكر في هدف لحياتي؟ وماذا يجب عليَّ أن أفعل بها؟ لا نخاف من طرح تساؤلات على حياتنا، بل نطلب نعمة وارشاد الروح القدس ليعطينا نوره ليكشف لنا الطريق الذي يريد الرب منا أن نسلكه.
يسوع يعيش، ويسير اليوم أيضًا معنا في واقع حياتنا اليومية ليقترب من الجميع ليشفينا من كل أمراضنا، ومتاعب نفوسنا، يعلمنا كيف نعلن ملكوته على أرضنا بالفرح، والحماسة. “يسوع كان يسير في جميع المدن والقرى… ورأى الجموع فأخذته الشفقة عليهم، لأنهم كانوا تعبين رازحين كغنم لا راعي لها.”( مت 9: 35-36) لنسمح ليسوع يدخل حياتنا بالإصغاء إلى عمق ذواتنا حيث يسكن فينا، فنسمع صوته يقول “اتبعني” هذه الكلمة تحول حياتنا من الداخل وتحيّينا، هذه الكلمة “روح وحياة” (يو6: 63) فالدعوة لاعطاء الحياة بذرة في حقل أسرة طيبة تعيش بمحبة متبادلة في إطار حياة كنسيّة حقيقية، منفتحة، تنضح فيها ثمرة الدعوة فيركض الشخص المدعو للتجاوب كما جاوبت مريم، وبطرس، ويوحنا… فما من دعوة تولد مِن نفسها، أو تعيش لنفسها. الدعوة تولد من قلب الله بمبادرة محبة منه، وبتجاوب شخصي وبعمل النعمة في الإنسان المدعو يخرج لخدمة الله وخير النفوس بمحبة أخوية شمولية لكل إنسان مهما كان لونه، أو دينه، أو جنسه. هذه المحبة المنفتحة قال عنها يسوع “إذا أحب بعضكم بعضًا عرف الناس جميعًا أنكم تلاميذي”؟
بمناسبة اليوم الحادي والخمسين للصلاة من أجل الدعوات يوجه البابا فرنسيس رسالة بعنوان “الدعوات شهادة للحق” علينا جميعًا أن نفلح الأرض، أن نبذرها ونزرعها لنتمكن بعدها، عندما يحين الوقت، نحصد بوفرة. يسوع يؤكد لنا أن “الحصاد كثير” لا شك أن الحقل الذي يتحدث عنه يسوع هو البشرية التي نحن فيها، والعمل الفعال الذي يريده منا أن نحبه كل واحد منا يعبر له بطريقته الخاصة، في مكانه ونوعيه حياته وتأثيرها في المجتمع الذي يعيش فيه. فيعطى” ثمرًا كثيرًا” بنعمة الله التي تعمل فينا تجعلنا نترك ذواتنا بين يديه، ونعطيه كل حياتنا، فيحولنا من صيادين سمك إلي صيادين بشر نكد طول الليل حتى ولو ذهب تعبنا هدرًا، لكننا نثق في كلمته التي سمعناها منه، وصدقناها، فنلقى الشبكة بشجاعة لا تُقهر على كلمته.
لا نخاف من مغامرات الصيد، فما زال يسوع يعمل صيد عجائبي. فهو الرفيق والدليل يسير معنا يتابعنا بشجاعة في المضي نحو الهدف المقصود لأنه هو نفسه الدرب والغاية والهدف. فالحياة الرهبانية طريق نسلكها بهبة من الله، فيدخل الله في تاريخ حياتنا الشخصيّ، وهذا الدخول نعمة ومحبه منه لنا، فيريد أن نشاركه طريقه في خلاص النفوس بالحياة أن نعيش الحياة المسيحية على وجه أكمل، والعمل على عيش روح الإنجيل من أجل البلوغ إلى ملء قامة المسيح، وبالشهادة في العيش المطلق للمسيح، ومع المسيح، وبالمسيح، والشركة معه فقال لنا يسوع: ” أنا الكرمة وأنتم الأغصان: مَن ثبت فيَّ وأنا فيه يثمر كثيرًا. أما بدوني فلا تقدرون على شئ” (يو15 :5).
الصلاة التي يطلبها يسوع من الكنيسة متعلقة بطلب تنمية عدد الذين يحصدون، ويخدمون ملكوته. فإذا سمعت اليوم صوت الرب قل يجب عليَّ أن أذهب: لأن الرب دعاني في مهمة واعتمد عليَّ! دعوته لك كي تكون إنجيلا حيًا في حياة مليئة بالشباب، والحيوية، والحركية بالانطلاق نحو كل اخر محتاج. لقد كان القديس بولس أحد “معاوني الله”، وقد بذل نفسه، بلا كلل، من أجل المسيح، والكنيسة، هو اختبر شخصيًا صعوبة فهم إرادة الله الخلاصية وعرف بيقين أن نعمة يسوع هي أساس كل دعوة، ولذلك يكتب الرسول مذكرًا مسيحيي كورنتس: ” أنتم حقل الله” (1كور 3: 9) وبالتالي تظهر في قلبنا أولا الدهشة للحصاد الكثير الذي وحده الله قادر أن يمنحه، ومن ثم الشكر على محبته التي تغمرنا دائمًا، وسيكون الحصاد كثير بمقدار النعمة التي قبلناها بوداعة في داخلنا. وموافقتنا الحرة للعمل معه، ومن أجله.
” الله هو صنعنا ونحن له، نحن شعبه وغنم مرعاه” (مز100: 3) إذًا نحن خاصة الله ولكن ليس بمعني الامتلاك الذي يجعلنا عبيدًا وأنما بمعني الرابط الوثيق الذي يجمعنا بالله كأبناء له وأخوة ببعضنا لبعض، وحبنا، وانتماءنا لله من خلال العلاقة الفريدة والشخصية معه، فالمسيح يدعونا بكلمته لنثق به، ونحبه بكل القلب، وكل العقل، وكل القوة ( مر12: 33). لذلك كل دعوة تتطلب دائمًا خروجًا من الذات لتتمحور حياتنا حول المسيح وإنجيله، كما قال بولس الرسول “انتم للمسيح والمسيح لله” (ا كور3: 23) وهذا نتممه في اختيارات حياتنا سواء بالحياة الزوجية أو الكهنوتية، أو الرهبانية، علينا أن نتخطي طرق التفكير والتصرف التي لا تتناسب مع مشيئة الله. نحن مدعوون لترجمة محبتنا للمسيح، ونمو عمل كلمته فينا فتتحول إلى خدمة ملموسة للقريب. فالمسيح يوجه لنا السؤال اليوم: ماذا تريد أن تعمل بحياتك؟ كيف تقوم بواجبك نحو الله، ونحو أخوك بالإنسانية؟ يسوع ينتظر ردك بحب، وشجاعة، وحرية.
صلاة
اجعلني يارب، أن أكون الشعلة، الشعلة المقدسة التي أتيتَ تضرمها على الأرض، والتي تنير للجميع نورك، وحبك، وفرحك. اجعلني يارب حصادًا ماهرًا اشتغل في كرمك ليل نهار بلا كلل، ولا ملل. اجعلني يارب أتجاوب مع دعوتك واقبل نعمتك اعمل بها أعيش في ظلها كما مريم العذراء أجابت:” أنا آمة الرب، فيكن لي بحسب قولك”. آمين
الأخت ماري فرانسواز هنري
راهبات قلب يسوع المصريات
20/2/2014