الدين بين الايمان والتدين: 1. الصراع - للاب هاني باخوم
الدين بين الايمان والتدين: 1. الصراع
للاب هاني باخوم – وكيل بطريركية الاقباط الكاثوليك
والمتحدث الرسمي باسم الكنيسة الكاثوليكية بمصر
القاهرة 2 سبتمبر 2018
الدين بين الايمان والتدين سلسلة مقالات تهدف الى محاولة تحليل فعل الايمان عند الانسان، بغض النظر عن ديانته، معتقداته وافكاره. الانسان هو كائن يبحث ويسعى الى السمو. في قلبه لا يقتنع ان كل شيء سينتهي بقبر. في طبيعته ما يدفعه الى ان يرفع راسه يوميا وينظر الى السماء وينتظر فيرجو. في افعاله يبحث عماوراء الحدث. هو كائن يذهب الى ما بعد. ماساة الانسان تبدأ عندما يفقد الغد، ولا يعد ينتظر شيء، فلا يرجو ولا يحلم، فيفقد الحب لذاته ولغيره.
من ناحية اخرى يرى نفسه يكبر، يشيخ، يمرض، يعجز، ومن حوله اشخاص تموت، يرى فشل في العلاقات، خيبة امل، خيانة، فيبدا صراع بداخله: رغبة في الابدية وواقع ملئه النهاية والموت وفشل في اوقات كثيرة.
امام هذا الصراع الانسان مجبر ان يعطي لذاته رد، اجابة حتى ولو بطريقة غير واعية. ما تربى عليه، ما عاشه من خبرات انسانية، اجتماعية او ايمانية، تكون هي معطيات اجاباته ورده على هذا الصراع. الكل يحيا هذا باختلاف الثقافة او الفكر او الدين او اللون او الجنس، باختلاف المعرفة او التعليم، الكل يحيا هذا الصراع (رغبة ابدية ورؤية موت قريب) بطريقة واعية ام لا فهو يحياها، ويعطي اجابة لها. هذه الاجابة تنبع منها افعال الانسان وتصرفاته اليومية. معتقدات الانسان الدفينة في قلبه تجعله يقرر في هذا الصراع ، وهذا القرار يظهر لنا معتقداته وافكاره. هذا القرار هو موضوع دراساتنا.
امام هذا الصراع يجد الانسان نفسه غير قار على ايجاد حل. فهو كائن محدود، ضعيف مهما اغتنى من مال او علم او قدرات محدود امام ظروف الحياة اليومية امام التحديات المستمرة من امراض، عواصف، براكين، شر اخيه الانسان في اوقات كثيرة. محدود فما العمل؟ يقرر ….
البعض يقرر ان كل هذا ليس له معنى، انه كلام فلسفي لا يمت للواقع بشيء. يهرب من الصراع يحيا اليوم بيومه، يهرب في مأكل، مشرب، متع وراء متع، يهرب في واقع الحياة اليومي المحشود بانشغالاته واهتماماته. يتخلص من الازمة لانه في العمق لا يجد لها حل. فيقرر انها ليست موجودة اصلا. هذا القرار لا يصمد كثيرا، تأتى الرياح بما لاتشتهيه السفن. يأتي الواقع ويرى الانسان نفسه امام محدوديته من جديد. كثيرا ما تسالت عن انتحار كبار الشخصيات ممثلين، فنانين، سياسيين….. لماذا ينتحر انسان يملك كل شيء، ماذا ينقصه؟ ماذا يفتقد؟
البعض يخفي الصراع بداخله ويضع هدف اخر لوجوده، الانا وكياني، سلطة او مال، شهرة او شيء اخر، رومانسية مفرطة لا تلامس الواقع، او واقعية حتمية ومنطق لا يرى الانسان، يضع ويخلق له شيء كبير يجذبه يوميا اكثر فاكثر. هذا الشيء يغيب الانسان عن واقع الصراع هذا لوقت طويل كان ام قصير. هذا الهدف يجعله يغمض عينيه ويبدا في مسيرته: طاحونة الحياة، يلف ويلف على امل ان يصل لشيء. ويأتي وقت فتقع عصابة العين، وها هو يرى من جديد ما انطلق منه: الصراع.
ولكن هناك من يقرر شيء اخر. للمقالة القادمة.