الصبى يعلم الشيوخ..باخوميوس الكبير
استدعى الأب باخوميوس أبّا تاردس في يوم أحد وقال له:”عند خروج الإخوة في المساء من المائدة سلّم خدمتك لآخر وتعال حيث نجتمع للتعليم كل يوم أحد”.
فلما جاء تادرس إلى موضع التعليم قال له الأب باخوميوس: “قف هنا في وسط الأخوة وتحدث إلينا بكلمة الرب مثلما كنتُ أفعل أنا”. فأطاعه أبّا تادرس على غير رغبة منه وبدأ يتكلم بما أعطاه الرب في أمور نافعة للإخوة، بينما أنصت الجميع وبينهم الأب باخوميوس كواحد منهم. فغصب بعضهم من القدامى بسبب الكبرياء وعادوا إلى مساكنهم حتى لا يسمعوا لأبّا تادرس الذي كان شاباً بحسب فكرهم البشري.
وبعد العظة والصلاة، جلس الأب باخوميوس كعادته وقال لهم:
”ها قد سمعتم العظة، فلمن تكون؟
هل هي من عند المتكلم أم من عند الرب؟
فبأي فكر غضب هؤلاء من هذا الأمر؟ هل لكونه أصغر منهم؟
هوذا عندنا ولد، وبخصوصه قال الرب: “مَنْ قَبلَ ولداً واحداً مثل هذا باسمي فقد قبلني” (مت 18: 5).
ألم أكن منصتاً كواحد منكم؟ بل وأؤكد لكم أنني لم أكن أتظاهر بالاستماع، بل إنني كمن أُنصتُ بالفعل بكل قلبي كمن هو عطشان إلى الماء. لأن كلمة الرب هي بكل نوع “مستحقة كل قبول” (1 تي 9:4) حسب المكتوب.
يا لشقاء الذين رجعوا إلى مساكنهم إذ إنهم حرموا أنفسهم من رحمة الله! وسيكون من الصعب عليهم أن يحيوا إن لم يتوبوا عن كبريائهم، لأنه “قريبٌ هو الرب من المنكسري القلوب ويخلّص المنسحقي الروح” (مز 34).
ثم دعا الأب باخوميوس أولئك الذين انسحبوا وسألهم:
”لماذا انسحبتم إلى قلاليكم؟”
فقالوا: “لأنك جعلتَ صبياً معلّماً لنا ولشيوخ كثيرين وبقية الأخوة؟.
فتنهد الأب الكبير وقال لهم:
”أتعلمون من أين دخل الشر إلى العالم منذ البدء”؟
فسألوه: “من أين”؟ فأجاب:
”من الكبرياء التي بسببها سقطت وتحطمت على الأرض نجمة الصبح المضيئة في النهار (إش 14)، والتي بسببها أيضاً سكن نبوخذ نصر ملك بابل بين الوحوش المفترسة (دا 5). ألم تسمعوا ما كُتب: “مكرهة الرب كل متشامخ القلب” (أم 16:5)؟ لأن “كل من يرفع نفسه يتضع” (لو 14).
”والآن قد سلب الشرير كل فضيلتكم، غير عالمين أن الكبرياء هي أُمّ كل الشرور، لأنه ليس تادرس هو الذي تركتموه بل إنكم هربتم من كلمة الله وسقطتم من الروح القدس. حقاً ما أبأسكم وما أحوجكم إلى كل شفقة. كيف لم تفهموا أن الشيطان هو الذي أثار فيكم هذا الفكر وأنكم بذلك قد انفصلتم عن الله؟
آه، يا للعجب! إن الله يضع نفسه ويُطيع حتى الموت من أجلنا، أما نحن الذين بالطبيعة منخفضين فننتفخ في أنفسنا! لقد انقلب الوضع بواسطتنا: فإن الذي هو فوق الجميع والأعظم بما لا يُقاس، جذب العالم إليه بتواضعه، بينما كان في استطاعته أن يحرقه بمجرد ومضة! أما نحن الذين لسنا شيئاً فنرفع أنفسنا غير عالمين أننا بذلك ندفع أنفسنا دفعاً إلى أعماق الأرض.
ألم تروني واقفاً أنصت إلى تعاليمه؟ وأقول لك الحق، لقد انتفعتُ كثيراً جداً من الاستماع إليه، لأنني لم أقصد أن أختبره لما ألزمته أن يتكلم، ولكنني كنتُ أتوقع أن أجني منفعة لنفسي. فكم كان يليق بكم أنتم بالأكثر أن تنصتوا لكلامه بلهفة عظيمة واتضاع؟ أنا أباكم في الرب كنت أنصتُ له بكل كياني مثل إنسان لا يعرف يمينه من شماله. لذلك فإنني أقول لكم أمام الله: إن لم تُظهروا توبة عظيمة عن هذه الخطية، وإن لك تبكوا وتنوحوا على أنفسكم لكي يُغفر لكم ما حدث منكم فستمضون إلى الهلاك”.
المرجع: فردوس الآباء الجزء الثاني إعداد رهبان ببرية شيهيت: سيرة باخوميوس باليونانية G 1 + سيرة باخوميوس بالقبطية البحيرية