stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

العنصرة وحلول الروح القدس-اعداد بسام دعيبس

2.4kviews

9_03العنصرة وحلول الروح القدس-اعداد بسام دعيبس

في اليوم الخمسين وبينما كان المؤمنون مجتمعين معاً بنفس واحدة في العلية يصلون، انطلق من السماء بغتة دوي كريح عاصفة فملأ جوانب البيت، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بلغات غير لغتهم على ما وهبهم الروح القدس ان يتكلموا” (أعمال الرسل).

كان التلاميذ يترقبون الوعد الالهي بحلول الروح القدس عليهم، ليهبهم قوة من الاعالي، فلم يغادروا أورشليم تنفيذاً لوصية المخلص حينما قال لهم “واني أرسل اليكم ما وعد به أبي فامكثوا انتم في المدينة (اورشليم) إلى أن تلبسوا قوة من العلى” لو 49:24، لكن يبدو انهم لم يتوقعوا حلوله بهذه المظاهر المثيرة، لذلك كان الامر مفاجئا لهم، حيث حل بغتة، لكي لا يفارق هذا الحدث العظيم اذهانهم، ولا يغرب عن عيني الكنيسة عبر جميع الاجيال، لانه حدث يمس كيانها ووجودها بكامله.

ولم يخف المؤمنون المجتمعون في العلية من هذه الريح العاصفة المدوية بصوت من السماء كأنه صوت رعد يبشر بالحضرة الالهية ملأ ارجاء المكان وملأ الكل دفعة واحدة، ولم يستغيثوا كما استغاثوا عندما حلت بهم عاصفة بحيرة طبريا، بل احسوا بعواطف واحاسيس لا توصف تنبع من قلوبهم، فرحين بعاصفة الروح القدس، لتسكن فيهم وتعمل بهم لحساب ملكوت الله وبنيانه، واخذوا ينطقون بلغات كثيرة لم يتعلموها من قبل، وكان هذا الحدث بمثابة انقلاب عميق حل في نفوسهم، واخذوا يتحدثون بعجائب الله ويشهدون ان الروح القدس الذي وعدوا به من قبل المسيح قد جاءهم من الله فلا سبيل الى الخوف والتخبط والضياع بعد الان.

يركز القديس لوقا في يوم العنصرة على الريح والضجة والنار التي رافقت هذا الحدث، لانها تذكر بحدث فريد في تاريخ الشعب اليهودي، الا وهو اعطاء الشريعة على جبل سيناء، حيث رافق ذلك الريح والنار ايضا، فنقرأ في سفر الخروح: وحدث في اليوم الثالث في الصباح ان كانت رعود وبروق وغمام كثيف على الجبل، لان الرب نزل عليه في النار، وبعدها اعطى الرب موسى الوصايا العشر.

ان حلول الروح القدس على الرسل جعلهم يفهمون رسالة الصليب والمصلوب الممجد ويعلنوها، وجعلهم يعرفون لماذا كان يجب على المسيح ان يتحمل هذه الالام ليدخل في مجده، وهم الذين لم يكن باستطاعتهم قبلا ان يقبلوا بموت المسيح، لا بل انهم هربوا عند القاء القبض عليه خوفا من مشاركته الامه، وان اختبارهم للروح القدس جعلهم والجماعات المسيحية الاولى كنيسة واحدة متحدة على تنوع اعضائها وكثرتها، تجمعهم كلمة الرب والافخارستيا، ويواظبون على الصلوات وكسر الخبر بقلب واحد وروح واحدة.

ان الروح القدس الذي حل على الرسل والجماعة الاولى من المسيحيين قد منحهم قوة ليكونوا للمسيح شهودا الى اقاصي الارض وامام الملوك والامم والشعوب، وهو وحده الذي يضع في فم المبشرالكلمات التي لا يستطيع وحده ان يجدها،ويفتح في الوقت ذاته قلبه لقبول البشرى السارة، ومن ثم يتيح له امكانية التبشير بالانجيل، ويشرح للناس والمؤمنين المعنى العميق لسر المسيح وتعليمه، حيث يقول القديس لوقا: عندما تساقون الى المجامع والحكام وذوي السلطة، فلا يهمكم كيف تحتجون او ماذا تقولون لان الروح القدس يلهمكم في ذلك الحين ما ينبغي ان تقولوا.

ان الروح القدس هو العامل الاساسي في التبشير، وهو يدفع كل واحد منا لاعلان الانجيل وجعل كلمة الله مقبولة ومفهمومة في ضمائرنا وضمائر المؤمنين جميعا، كما انه يجعل الكنيسة تقرأ الكتاب المقدس بعينين جديدتين كبشرى سارة للعالم، انه ليس طقوسا موروثة في الاسرار الكنسية، بل هو مصدر حياة روحية تعني التبني الالهي والتبشير بالمسيح القائم من بين الاموات، والويل لي ان لم ابشر كما يقول القديس بولس.

ومما لا شك فيه، ان بقاء الكنيسة واستمرارها هو بفعل الروح القدس الذي يديرها ويرشدها، ويبعث لها برجال ونساء يعلمون الحق ويصلحون الخلل ويقومون المسيرة، فقد عصفت بهم الاضطهادات وتيارات الالحاد، ولكن بفضلهم وبقوة الروح القدس بقيت كنيسة المسيح صامدة وراسخة وغير متزعزعة، وهو الذي بناها على الصخر ووعد ان يكون معنا الى منتهى الدهر ووعد الكنيسة بان ابواب الجحيم لن تقوى عليها.

ولو تأملنا بالرموز التي رافقت حلول الروح القدس في احد العنصرة لوجدنا ان الريح تشير إلى القوة الروحية الخلاقة للروح القدس، حيث ورد في سفر التكوين ان الارض كانت خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه، كما وردت ايات كثيرة تتحدث عن الريح منها: كأن ذلك الذي يجلب الرياح من مخازنه كما في المزمور، وكما هيأت الزلزلة والنار قلب ايليا النبي للتمتع بالحضرة الالهية والدخول في حوار مع الله اثناء الريح الهادئ، وايضا كما قال ناحوم النبي: الرب في الزوبعة، وفي العاصفة طريقه، السحاب غبار رجليه، كما تحدث الرب مع ايوب في العاصفة، وايضا في سفر النشيد تطلب العروس من ريح الجنوب ان تهب على جنتها، فتقطر اطيابها، وحديث السيد المسيح مع نيقودمس حيث يقول له: الريح تهب حيث تشاء فتسمع صوتها، ولكنك لاتدري من اين تأتي والى اين تذهب تلك حالة كل مولود للروح، ولن ننسى ان مجيء السيد المسيح الاخير على السحاب ليدين الناس، ويصاحب مجيئه صوت بوق عظيم يهز كيان الاشرار، ويفرح قلوب المؤمنين، هذا هو الروح القدس، الرب نفسه حاضر ليسكن في قلوب البشر.

والنار رمز اخر من رموز الروح القدس الذي حل على التلاميذ كألسنة من نار، وهي تشير إلى عمل التطهير الذي للروح القدس (اش6:6،7) فقد حل الله على جبل سيناء بالنار (خر18:19)، وهي النار التي انزلها ايليا على جبل حيفا واكلت المحرقة والحجارة امام كهنة البعل، وكيف ان الله قبل ذبيحة ايليا، أما فى هذا اليوم فحل على التلاميذ بالنار، حيث تحقق قول القديس يوحنا المعمدان عن حمل الله انه يعمد بالروح القدس والنار، هذه النار، ليست نارا مادية، انما نار تحرق الخطيئة وتبدد كل ما هو مقاوم لله وبره، النار التي جاء بها، وكدليل على رضى وقبول الله للذبيحة الجديدة ذبيحة المسيح على الهيكل، فمن هنا ترى الكنيسة في كلمة الرب نورا ونارا لقلوبنا كما ورد في سفر المزامير: سراج لخطاي كلمتك ونور لسبيلي

والتكلم بالسنة هو تصويب لما حدث قديماً عند برج بابل حيث عاقب الرب لسان الأشرار على كبريائهم وخطاياهم حتى لا يعرف الواحد لغة الأخر، ولكن الروح القدس فاض على ألسنة التلاميذ بلغات عديدة، وكان ذلك عطية لهم وليس استعراضا، وكانت لغات بشرية حقيقية مفهومة وليست كلمات انفعالية غير مفهومة، ليستطيعوا أن يكرزوا ببشارة الملكوت في العالم أجمع، ويتحدثوا مع كل امة بلغاتها التي تتفاهم بها، لكي يجمعوا العالم ليكونوا واحداً لله الأب في المسيح يسوع.

وحلول الروح القدس لكي يصير الإنسان هيكلا لروح الله وتجديد الطبيعة التي أفسدت بالخطية في العهد القديم فكان حلول الروح القدس على التلاميذ بمثابة معمودية بالروح القدس والنار، وليزدادوا محبة وهداية لالهاماته وجني ثماره المتعددة مرنمين مع صاحب المزامير: علمني ان اعمل ما يرضيك، لانك انت الهي، ليهدني روحك الصالح، وعالمين كيف ان السيد المسيح بعد قيامته قد وهب الروح القدس لتلاميذه بان نفخ في وجوههم قائلا: خذوا الروح القدس.

ولا ننسى ان هناك رموزا اخرى للروح القدس ظهرت في مناسبات اخرى وهي الحمامة التي ظهرت في عماد الرب، والماء في المعمودية، والزيت في سر الميرون.

لقد فاضت مواهب الروح القدس والهامته على تلاميذ المسيح. و بدأوا يتكلمون ويعظون الناس، وكان الجميع يفهمون ما يقولون كما بلغاتهم الخاصة، وهؤلاء التلاميذ ما هم إلا صيادون وبسطاء غير متعلمين. لقد انقلبت هذه الجماعة الخائفة إلى كنيسة مبشرة بالمسيح يسوع وعجائبه وبروعة الايمان.

المسيحي وقدسية تعاليم الانجيل، لقد فهم التلاميذ بعد حلول الروح القدس منْ هم، وما هي رسالتهم، وفهموا معنى كل ما حدث، لقد علموا ووعظوا وعمدوا وبدأوا يكسرون الخبز، بالإضافة إلى كل العجائب والأشفية التي رافقت رسالتهم.

وكما امتلأ رسل المسيح بالروح القدس هكذا نحن مدعوون جميعا للامتلاء به، لننطلق من غير ان نرتاب، لان الروح يرشد ويعلم ويذكر “وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم” (يو26:14).

وحينما يعمل الروح القدس في نفوسنا فانها تنمو وتزدهر وتأتي بثمار روحانية كثيرة كما قال القديس بولس في رسالته إلي كنيسة غلاطيه: “وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، ايمان، وداعة، تعفف.

لنحتفل مع امنا العذراء التي اصغت الى همسات الروح القدس، فانقادت الى تدبير الله الخلاصي بايمان وتقوى، ولنحتفل مع الكنيسة ايضا كما دأبت منذ القرن السابع للميلاد الاحتفال بعيد مقدس من أهم أعيادها وهو عيد العنصرة، عيد التجمع والوحدة، أو عيد حلول الروح القدس، وهو خاتمة الاعياد الفصحية وعيد ولادتها، ولنقبل الروح القدس في المعمودية والتثبيت والافخارستيا والابتعاد عن الخطيئة، طالبين من الروح القدس، روح الحق المقيم عندنا وهو فينا بالايمان والرجاء والمحبة، ان يجمعنا ويوحدنا، وان يهب لنا الحياة، وان يمنحنا مواهب الحكمة، ومعرفة وفهم كلمة الله، والقوة، والعلم، والتقوى، والخوف، وليسكن في قلوبنا واجسادنا، وليتسلم قيادة قلوبنا وافكارنا ومشاعرنا، وليضرم نار حبه فينا منذ معموديتنا وتثبيتنا، وفي ذبيحة كل قداس نشارك فيها، وفي كل قانون ايمان نتلوه، وفي كل سبت نور نجدد فيه مواعيد المعمودية، وليثبت ايماننا عند الشك، وليقونا عند الخوف، وليشددنا عند التردد، وليساعدنا عند الصعوبة، وليكن معنا عند التجربة، وليزدنا ايمانا ورجاء وحبا، وليفض علينا لغة المحبة والتسامح والغفران، وليخلصنا من القلق والذنب والكبرياء والجهل والمرض والظلام.

واخيرا لنصلي الى الروح القدس قائلين:المجد لك ايها الروح القدس، محبة الاب والابن، ايها النار التي اضرمت العالم بالبشارة، لتشرق الوجوه وتعكس صورة المسيح، المجد لك ايها المذكر والمعلم، ذكرنا بما قاله يسوع، وبذله من اجلنا، فنصحو ونهتدي، ذكرنا فنكتشف دعوة اطلقتها فينا بالعماد والتثبيت،علمنا فنعلن بشارة الملكوت بكلامنا والحياة، المجد لك ايها المؤيد، اعضد جميع المربين والدين ومعلمين، رعاة ومبشرين، فيشهدوا للحق بلا حياء ولا وجل، المجد لك ايها الناطق بالانبياء والرسل، الهم المبشرين فهما عميقا للكلمة، هبهم الحكمة والفطنة في طريقة نشرها، فتنمو وتثمر في قلوب السامعين، واجزل عطاياك على المتبرعين للتعليم المسيحي بشفاعة العذراء عروسك. امين.

عن موقع أبونا