القداسة والشباب، عيد القديس دومنيك سافيو-الأب داني قريو السالسي
القداسة والشباب، عيد القديس دومنيك سافيو-الأب داني قريو السالسي
اليوم الرهبنة السالزيانية بأسرها ترفع الصلاة عرفاناً بالجميل لما أغدقه الرب من نعم خلال فترة وجيزة فأثمرت هذه النعم وأنتجت مثالاً يحتذى بها للوصول للقداسة بطريقة سهلة المنال.
كانت القداسة شغف دون بوسكو وكان لا يكل من الحديث عنها. فبرع في جعلها في متناول الجميع من خلال اسلوبه الوقائي. حتى أطلق عليه البابا يوحنا بولس الثاني لقب أمير التربية. لأنه ابتكر الفرح طريقة للوصول للقداسة. إنالفرح هو جزءٌ لا يتجزأ من الروحانية المسيحية بشكل عام، والروحانية لسالزيانية بشكل خاص. إن الإنجيل بحسب القديس لوقا يبتدئ بالفرح ويختتم أيضاً بالفرح. لا يوجد مقطع أو نص إلا ونجد ذكراً لهذه الكلمة.
- يفتتح إنجيله ببشارة زكريا بميلاد المعمدان “ستلقى فرحاً وابتهاجاً، ويفرح بمولده أناسٌ كثيرون”.
- فرح أليصابات في استقبال مريم “فما إن وقع صوت سلامك في أذني حتى ارتطض الجنين ابتهاجاً في بطني”.
- نشيد العذراء مريم ” تعظم نفسي، وتبتهج نفسي في الرب”.
- ولادة المعمدان “فسمع جيرانها وأقاربها بأن الرب رحمها رحمة عظيمة، ففرحوا معها”.
- بشارة الملاك للرعاة “هاإني أبشركم بفرح عظيم يكون فرح الشعب كله”.
- عودة التلامذة الاثنان والسبعون “وقالوا فرحين”. تعليم يسوع لهم: “لا تفرحوا بأن الارواح تخضع لكم بل افرحوا بأن أسماءكم مكتوبة في السموات”.
- أمثال الرحمة: الخروف الضال: “افرحوا معي فقد وجدت خروفي الضال” الدرهم المفقود: “إفرحنَّ مع” الابن الشاطر: “وجب علينا أن نتنعم ونفرح”.
- لقاء يسوع مع زكا “فنزل على عجل وااضافه مسروراً”.
- صلاة يسوع للآب “أحمدك لأنك أخفتيت هذا عن الحكماء وكسفتها للصغار”
- ثم الفرح الفصحي “غير أنهم لم يصدقوا من شدة الفرح”
- ويختم لوقا انجيله “ثم رجعوا إلى اورشليم وهم في فرحٍ عظيم”
لهذا نجد كلمة الفرح انتشرت في كثير من أقوال دون بوسكو:
- “فر حي وحياتي أن أكون بين الشباب”
- “قداستنا تكمن في أن نكون فرحين”
- “الشباب فرح يسوع ومريم”
- “افرحوا بالرب دائماً وأقول افرحو!”
- “الشيطان يخاف الممتلئين فرحاً”
- “لا تقولوا: “إننا فرحون” يوم تشعرون بوخز الضمير”
- “تمسكوا بالخير وتكونوا دوماً فرحين”
إن موضوع القداسة اليوم هو التحدي الأكبر لنا نحن معشر المربين (كهنة، رهبان وراهبات، آباء وأمهات، معلمين ومعلمات…). وخاصة أننا نعيش في عالم محروم من الفرح الحقيقي (الذي هو أول ثمار زمن الفصح الذي نعيشه “ففرح التلاميذ لمشاهدتهم الرب”). إننا نعيش في عالم يزداد فيه كل يوم الانحلال الاخلاقي، يزداد فيه كل أنواع الفقر (المادي، الثقافي، التربوي، الروحي). هناك العديد من الأشخاص منغلقون على أنفسهم في وحدة مريرة، وعزلة خانقة. محاطون بكثيرة من الأشخاص ومع ذلك يعانون آلام الوحدة. يعيشون مسيطَّرون مما تبثه لهم الشاشة الصغيرة، أو ما يرونه عبر الانترنيت. نراهم متخبطون في ميولهم ورغباتهم المنحرفة.
يوماً ما نظر يسوع فرأى أناس يعيشون هذا فأشفق عليهم لأنهم كانوا “كخرافٍ لا راعي لها”. وهذا ما كان يتحلى به دون بوسكو. لم يقف مكتف الأيدي، أو نظر نظرة اللامبالاة نحو هذه الشريحة من المجتمع. إنما شمّر عن ساعديه وبدأ مشروعه الرتبوي لإنقاذ هؤلاء الشباب. كان يعلم جيداً “عطشهم إلى “الفرح الحقيقي” كان يعلم جيداً “جوعهم” إلى السلامٍ داخلي وراحة الضمير. لهذا قدّم لهم مشروع القداسع عن طريق اللقاء مع الرب. أبتكر طرقاً جديدة في الصلاة (النوافذ الروحي) عبارات يزرعها في قلوب الشباب للإلتماس العون الالهي أو الشكر على نجاحٍ ما. أعطى روحاً جديدة للحديث مع الله ليس من خلال الصلاة والترنيم، إنما أيضاً من خلال الفن والمسرح. أخترع ألعاباً ومسابقات لإختبار قرب الله المحب من الشباب… في هذا الجو ترعرعت ونكت بذور قداسة يافعة، وكانت ذروته دوميك سافيو اشاب البريء الذي قدّم نفسه كقطعة قماش ليفصلها ثوباً لائقاً للرب.
اليوم الرهبة السالزيانية تحتقل بذكرى قداسة دومنيك سافيو هي التي هي نداء لكل الشباب في التمعن بحياته واكتشاف أن القداسة ليس أمراً مستحيلاً وبعيد المنال. وصل دومنيك إلى أوراتوريو دون بوسكو – الأوراتوريو السالزياني هو 1. بيت يستقبل 2. كنيسة تبشر 3.مدرسة تُعد للحياة، ملعب حيث يلتقي الأصدقاء بفرح- مفعماً من روح التقوى العائلي. كان من الطلاب الداخليين في اوراتوريو دون بوسكو. كان يحرم نفسه من الطعام إماتتاً لتوبة أصدقائه. كم مرة حمل ذنب زملائه كي لا يُعاقبوا. كم من مرة نام على فراش من الحجر لهداية من كانوا يتلفظون بكلمات غير أخلاقية… لكنه بدأ يضعف ويتظهر عليه سمات التعب. فما كان من دون بوسكو إلا توجيهه حسب الروحانية السالزيانية. أن القداسة هي في تتميم الواجبات. القداسة ليست صنع أمورغير عادية إنما القيام بالأمور العادية بطريقة غير عادية. ونصحه ألا يقوم بأعماله من أجل الرب بل مع الرب. فما كان منه إلا يوم مناولته الأولى أن كتب بعض المقاصد منها: صديقاي هما يسوع ومريم. مقصده جعله يعيش حياته بنوعٍ مختلف. علاقته الشخصية مع يسوع أكسبته حكمة وسلاماً. فبدأ يسمو بالحياة ويتنعم بها كهبة من الرب. عاش حياته بحرية مسؤولة فأشع بفرحٍ لم يكن له مثيل. هذا الفرح الحقيقي النابع من الخبرة الشخصية مع الرب. ألتقى الرب ففاض على كل من ألتقى به. أصبح تحقيقاً لكل من ألتقى بالرب منذ 2000 عام. أصبح هذا الشاب الذي لم يتجاوز الخمسة عشر عاماً محطة إشعاع وجذب في آنٍ واحد.
لم يرضى دومنيك بحياة رتيبة روتينية، إنما كان يصبوا دائماً إلى حياة أفضل. في هذا العالم وفي العالم الآخر. كانت القداسه همه الأول والأخير “أريد أن أصير قديساً”. خبرته مع الرب جعلته يكتسب رهافة التعامل مع قدسية الأسرار. كان يعيش طوال النهار خبرة اللقاء الشخصي خلال سر التناول. كان القسم الأول من نهاره شكر على هذه النعمة التي خصها له الرب فزاره وحلَّ فيه. والقسم الثاني من نهاره كان استعداداً للقاء يسوع القرباني في الذبيحة الإلهية. عيش الحياة برفقة يسوع جعله يفوح – إينما حلَّ ومهما عمل – شذى عطر المسيح القائم.
سعيه هذا وحريته المسؤلة جعلتا منه محط أنظار زملائه. وليس فقط زملائه إنما أيضاً معلميه والمسؤلين عنه. فكانوا ينقلونه كل شهرٍ ويضعونه في أحد الصفوف كي يراه يقتدي به أكبر عدد ممكن من الطلاب.
فلنأخذه مثالاً لنا، فننعم بفرح لقاء القائم فينا منّا.
صلاة إلى القديس دومنيك سافيو
يا دومنيك سافيو الملائكي، الذي تعلمت في مدرسة دون بوسكو، أن تسلك طرق قداسة الأحداث، ساعدنا على أن نقتدي بحبك ليسوع، وإكرامك لمريم، وغيرتك على النفوس. وأهّلنا نحن أيضاً، بعد أن نكون قد عزمنا، على اختيار الموت دون الخطيئة، لأن نحصل على خلاصنا الأبدي. آمين.
الأب داني قريو السالسي
عيد القديس دومنيك سافيو 6/5/2011