ايليا والالهة
للأب هاني باخوم
كيف سيُقنع ايليا أحآب ونحن معه ان بعل ليس بإله؟ وان الضيق الذي يشعر به ونشعر به في اوقات كثيرة ما هو الا بسبب خطايانا؛ ان الجفاف الذي نعاني منه خارجياً ما هو الا صورة لجفافنا الداخلي. لكن لماذا يجف الإنسان؟ ما هي في العمق خطيئة الشعب؟
يأمر ايليا ان يجتمع كل انبياء بعل وعشتاروت والآلهة الأخرى على جبل الكرمل ويقول لكل اسرائيل: “الى متى انتم تعرجون بين الجانبين؟ ان كان الرب هو الإله فأتبعوه وان كان البعل اياه فأتبعوه” (امل 18: 21). هكذا يقول ايليا؛ يقول ما هي خطيئة الشعب؛ ليس انهم تركوا الرب، لا. خطيئة الشعب انه متأرجح، يقفز من طريق الى آخر: يعرج، اي يميل حيناً لهذه الناحية واحياناً الى الناحية الأخرى. بعض الوقت يسير مع الرب وفي وقت آخر يتبع بعل. ما معنى هذا؟ ان الشعب لا يبحث في العمق عن اله يعبده، بل يبحث عن اله يكون في خدمته. فهو يعبد الله لأنه يحتاج اليه ولخدماته. فمن يلبي طلباته واحتياجاته يميل اليه. اذا طلب من الرب شيئاً ولم يستجب له يبحث عن بعل كي يحققه. الشعب ليس ببعيد عنا؛ فالإنسان يحتاج لإله، ولا يستطيع ان ينكر ذلك. يحتاج لقوى اكبر منه تُساعده وقت الضيق وتُخرجه من حالته عندما لا يستطيع ان يخلص ذاته. وعندما لا يلبي الله هذه الاحتياجات يبدأ باتباع بعل: السحر؛ المال؛ الإحساس بانه محبوب او مقبول؛ ضمان المستقبل؛ العواطف؛ الراحة؛ انسان آخر؛…. ويطلب من هذا البعل ما يحتاجه ولا يدرك انه لا يقدم له شيئا لأنه فارغ، بل بالأحرى يأخذ منه كل شيء.
يقول ايليا للشعب: كفى! ان كان بعل هو الرب فاتبعوه. والشعب صامت محتار لا يعرف ما يرد. وهنا تظهر عمق رحمة الرب ونعمته التي تأتي لمساعدة الإنسان كي يعرف الحقيقة. الرب لا يحكم على الشعب، بل يصنع من خلال ايليا عملاً يثبت فيه للشعب انه هو الله، هو الرب. فالرب يساعد الشعب كي يرجع ويؤمن به، انه يساعده في عدم ايمانه، لكي يمنحه الإيمان بعد ذلك. فالإيمان عطية اي هبة مجانية تُمنح من الرب.
اذاً، يطلب ايليا من انبياء بعل ان يقدموا ثوراً على الحطب بدون ان يشعلوا النار، ويسألهم ان يصرخوا كي يُنزل بعل من السماء ناراً تلتهمه. وان فعل ذلك يكون هو الرب. فيصرخ الأنبياء. يصرخون ويعودون فيصرخوا، ولا من مجيب. ويقول ايليا اصرخوا اكثر، لعله نائم او في خلوة، او في سفر، اصرخوا اكثر وبصوت اعلى كي يجيب. ايليا لا يستهزىء بهم بل يجسد لهم ما كانوا يعملونه من قبل، فقد كانوا يصرخون لوثن لم يستجب لهم ابداً. كانوا يصرخون ويعطون صوتهم ووقتهم واموالهم لكائن غير موجود. وبعد ذلك يجرون وراءه اكثر فأكثر. لم يفهموا. لذلك يوضح لهم ما كانوا يفعلون. وفي النهاية بعل لا يُجيب.
وهنا ينظر ايليا الى الشعب ويقول: اقتربوا مني. صورة للمسيح الذي سيقول “تعالوا الي ايها المتعبين والثقيلي الأحمال وانا اريحكم”. اقتربوا مني. لماذا انتم في هذه الحالة، لماذا انتم متعبين، لماذا انتم مثقلين بالآلام والجفاف يهلككم. اقتربوا مني. الشعب مُهلك، متعب، لأن حمل الخطيئة وعبادة البعل شيء ثقيل لا يستطيع احد ان يفهمه. عدم معرفة الرب هو عبء وحمل وموت يحطم الإنسان من داخله. معرفة الرب والإيمان به، ليست خاصية اضافية ”option” بل ضرورة من دونها يحيا الإنسان في موت عميق. لذا يقول بولس الرسول الويل لي ان لم ابشر بالإنجيل. ان لم احمل الخلاص لمن يحتاجه. التبشير برحمة الرب ليست موهبة للبعض، هي فرض لمن تَلقى وعرف الرب. الشعب متعب، وايليا يقول له: اقتربوا مني.
يبني مذبحاً، ويصلي، وفي نهاية صلاته يقول: استجب لي يا رب كي يعرف هذا الشعب انك انت الإله، وانك انت رددت قلوبهم الى الوراء. اي انت الذي توَّبْت قلوبهم، وارجعتها اليك. لأن التوبة هي نعمة. فلكي يرجع الإنسان بقلبه الى الرب، يحتاج لنعمة. والرب يستجيب، وتنزل من السماء شعلة تلتهم الثور. فيعرف الشعب ان اله ايليا هو الرب، ان الإله الذي تركوه لم يتركهم. ان الرب قادر ان يحرك قلوبهم. الجفاف مستمر، ولا شيء تغير، لا مطر ولا ندى، الا ان الشعب يصرخ ويقول الرب هو الإله، نعم الرب هو الإله.
وهنا نستطيع ان نختم قصة ايليا؛ تاب الشعب ورجع الى الرب، والآن النبي يستطيع ان يرتاح اذ ان رسالته قد انتهت! لكن لا، هناك من لم ير رحمة الرب بعد، هناك من يسعى كي يُعيد الشعب الى بعل. من؟ ماذا سيحدث؟ ….الى المرة القادمة.
ايام مباركة.