النبي الحقيقي
للأب هاني باخوم
حوريب، جبل الرب. المكان الذي يتقابل فيه ايليا مع الله. وهناك يقول له: “ما بالك هَهنا يا ايليا؟” (1 مل 19: 13) وكأن الرب لا يعلم. ولم يقده هو ليأتي الى هنا!
فيرد ايليا ويقول بسبب غيرتي للرب، الكل تركك، لقد قتلوا انبياءك بالسيف والآن يريدون قتلي. وبقيت انا وحدي (1 مل 19: 14). ايليا يعتقد انه وحده، يرى حالته ويعتقد انه هو الوحيد الذي لا يزال تابعاً للرب. يرى نفسه وحيداً، لا احد يفهمه او يسنده. وحيد، او بالأحرى مضطهد، الملكة تريد موته والشعب يلعنه، اصبح عاراً، مرذولاً ووحيداً. فماذا يردُّ عليه الرب؟
الرب يأمره بشيء جديد، لا يقول له انت محق او اخطأت. يقول اذهب وامسح حزائيل ملكاً على ارام وياهو ملكاً على اسرائيل واليشاع نبياُ مكانك. اذهب، يقول له الرب ، لست وحدك، انا اعددت بقية وهي التي ستكمل رسالتك. مهمة النبي الحقيقية لا تنتهي بنهايته بل تبدأ عندما يثبَت ويَمسح من يختاره الرب ليكمل ما بدأه.
ايليا يصل الى عمق رسالته. عندما يرى مشيئة الرب ويتبعها حتى في اختيار شخص مكانه. هذا هو النبي الحقيقي، انه الذي يستمع الى الرب في قلب الأحداث ويعي مشيئته. هو الذي يفهم ان الرب يعمل ايضاً خارجاً عن اطاره الشخصي ويقيم اشخاصاً لا يعرفهم ليكملوا رسالته. النبي الحقيقي لا ينغلق على افكاره ومعتقداته واسلوبه الشخصي بل يسمع الرب في التاريخ، في الكنيسة. هو الذي يفتح عينيه ويرفع راسه كي ينظر ابعد من محيطه، فيرى عمل الرب الذي يفوق تصوره فيتبعه. الرب يقول لإيليا اذهب سترى اني اعددت بقية؛ بقية ستحمل وعد الخلاص للتمام. نعم! من هذا الأمل سيخرج المسيح. نحن نعلم ذلك ورأيناه لكن على ايليا ان يصدق هذا دون ان يراه؛ من هذا الشعب الذي تبع بعل الرب، يحضر بقية ليتمم خلاصه.
ايليا هو كلمة قوية لكل من يشعر بأنه وحيد؛ لا يرى املاً، ولا مخرجاً، لا يرى سوى الدمار او يرى فقط الأنبياء الذين يسقطون بالسيف. ايليا كلمة قوية لكل انسان في واقعه، يتألم ولا ينتظر الفرج، لانه وحيد ولا فرج؛ لكل شخص يجد نفسه مغموساً في واقع يفوقه ولا يجد حلاً او املاً. الرب قادر وبالفعل يعمل وما علينا الا ان نستمع اليه ونرفع اعيننا الى ابعد مما تعودنا ان نراه. حتى وان كان الواقع من حولنا يقنعنا بأن لا خلاص، وان كل ما تسلمناه ما هو الا كلمات. الرب يقول لإيليا لا تصدق، انا اعددت بقية.