تأمل الأحد ٢٩ يناير / كانون الثاني ٢٠١٧
يسوع والمرأة السامرية : ” عطية الله ” ( يوحنا ٤ : ٢٤ – ٤٢ )
لقاء سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح مع المرأة السامرية هو من أجمل اللقاءات في الإنجيل المقدّس ، حيث نلمس محبة المعلم الإلهي واسلوبه التربوي والتعليمي الحكيم لإنقاذ الإنسان من الخطيئة ورواسبها ولإيصاله إلى الإيمان القويم وللإلتزام المسيحي .
إقترب يسوع من المرأة السامرية بدقة ورقة وحذق ، وبحكمة ومحبة ، كونه يقصد خلاصها . وباسلوب لبق كشف لها أسرارها الخاصة بدون أن يمسّ كرامتها . وظهر لها ولأبناء مدينتها السامريين مسيحاً ومخلّصاً للعالم .
أراد يوحنا الإنجيلي بقوله : ” كان عليه أن يمر بالسامرة ” ، لكي يشدّد على أهمية الحدث الذي قصده يسوع رغم أنه كان ذاهباً من اليهودية متوجهاً إلى الجليل ، وكان باستطاعته أن يسلك طريقاً أخرى أقرب من الطريق التي كان اليهود يسلكونها ليتحاشوا المرور بالسامرة متجنبين اللقاء بأعدائهم السامريين .
هذا ، يدل على أنّ يسوع أراد القيام برسالة خاصة ، إنه الراعي الصالح الذي يبحث عن الخروف الضال ، وغير مبال بالتعب وبنميمة الناس وكلامهم .
هناك قرب البئر ونبع الماء ، مكان تجمع العائلات ولقاءات الشباب ، نلمس لقاء روحي بين يسوع والمرأة السامرية .
بدأت المحادثة بينهما بالسخرية :
” كيف تسألني أن أسقيك وانت يهودي وانا إمرأة سامرية ؟ ” .
” كيف تتجاسر وتكلمني وانا عدوتك ؟ ” .
فكّرت المرأة السامرية بيسوع وكأنه يهودي عادي . عدو لها ، يحتقرها ويعتبرها خاطئة ، بينما هو اقترب منها ، وهدفه تحريرها من الشهوة ، من الخطيئة فتاكة النفوس ، التي استعبدتها طوال سنين طويلة . اراد تحريرها من أصنام الدنيا التي كبّلتها وابعدتها عن السعادة الحقيقية التي كانت تتوق إليها .
هو الذي بحكمته الأزلية أظهر لها أنه يحتاج إلى ماء الأرض ليمنحها ماءً حياً يتفجّر حياةً أبدية .
هو الذي يوفر هذه الحياة للذين يعبدون الله بالروح والحق .
هو بداية رسالة السر الخلاصي به ينمو ويثمر قديسين وقديسات ومرسلين ومرسلات ومعلمين وشهداء .
هو مخلّص العالم . هذا اللقب الذي كان يُعطى للقياصرة والملوك والعظماء ، متناسين أن الخلاص الحقيقي لا يتم عن طريق أشخاص يؤلّههم الناس ، بل بيسوع المسيح وحده ومعه وفيه .
كانت المرأة السامرية منتبهة لعلامات الأزمنة ، فكل حركة وكلمة من يسوع كانت إشارة ودعوة لها لتبحث بعمق عن الحقيقة وعيشها وتطبيقها مع الآخرين .
فتقدّمت في مسيرة الإيمان بخطى سريعة : ظهر لها هذا ” اليهودي ” سيداً ورباً ونبياً ومعلماً ومسيحاً . فوعت ، وعرفت وتحرّرت من أصنامها المغرية القاتلة ووصلت بالحوار إلى يسوع فغمرها بلطفه ومحبته ومسامحته وغفرانه ، فراحت تذيع اسمه وتبشّر به وتشهد له وتوزّع محبته على الجميع لينعموا بعطاياه .
دعاها يسوع فلبّت الدعوة .
نحن ايضاً ، كلنا مدعوون من قبل يسوع الفادي المخلّص بأساليب مختلفة لنتحرّر من أصنام إنساننا القديم ، إنسان الكبرياء والأنانية ، لنلبس الإنسان الجديد ، إنسان القداسة والنعمة المبررة ، فنعرف بعمق حقيقة المسيح ونُدرك الوقت المناسب الذي يجب أن نخصصه لقراءة وتأمل الإنجيل لنسمع صوت الرب يسوع ونمشي على خطى السامرية النادمة لننال غفران الخطايا وتغير حياتنا وتصرفاتنا .
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
أسقف الإسكندرية واورشليم والاردن للأرمن الكاثوليك