” لا تُخبِروا أَحدًا بِهذِه الرُّؤيا إِلى أَن يَقومَ ابنُ الإِنسانِ مِن بَينِ الأَموات ” ( متى ١٧ : ٩ )
لقد حدّث الرّب يسوع المسيح تلاميذه كثيرًا عن عذاباتهِ ، آلامهِ وموتهِ ، وتنبّأ لهم عن الآلام الّتي سيتحمّلونها بأنفسهم والموت القاسي الّذي سينالونه يومًا ما ( متى ١٦: ٢١ – ٢٦ ).
لهذا السبب، وبعد أن قال لهم هذه الأشياء القاسية والصعبة جدًا، جرّب أن يعزّيهم بالتذكير بالمكافآت الّتي سيعطيها عندما يأتي في مجد أبيه ” سوف يأتي ابْنُ الإنسان في مجدِ أبيهِ ومعه ملائكتُه ، فيُجازي يومئذٍ كُلَّ امرِىءٍ على قدرِ أعمالهِ . الحقَّ أقولُ لكم : مِنَ الحاضرين ههُنا من لا يَذوقون الموتَ حتّى يُشاهِدوا ابنَ الإنسان آتياً في ملَكوتِهِ ” ( متى ١٦ : ٢٧ – ٢٨ ) .
لقد أراد يسوع أن يُظهِر لهم مسبقًا عظمته الكبرى بقدر ما استطاعوا التحمّل في هذه الحياة ، كما أراد بأن يُريهم عظمته الّتي سوف يعود بها ( في مجيئه الثّاني ) لكي يجنّبهم الاضطراب والألم الَّذين سوف يشعر بهما الرّسل في ساعة آلامهِ موتهِ ، وخاصةً القدّيس بطرس .
” وبعدَ سِتّةِ أيام مَضى يسوعُ بِبُطرسَ ويَعقوبَ وأَخيه يوحَنَّا، فانفَردَ بِهِم على جَبَلٍ عالٍ ، وتَجلَّى بمَرأى مِنْهُم ، فأشَعَّ وجهُهُ كالشّمس ، وتلألأت ثيابُه كالنُّور ” ( متى ١٧ : ١ – ٢ ) .
لماذا لم يأخذ يسوع معه إلّا هؤلاء الرسل ؟
لأنّهم ، ومن دون شك ، يتقدّمون الآخرين :
فالقدّيس بطرس ، بسبب حماسه وحبّه .
والقدّيس يوحنّا، لأنّه كان التلميذ الّذي أحبّه الرّب يسوع ( يوحنا ١٣ : ٢١ ) .
ثمّ القدّيس يعقوب لأنّه بعدما سأله يسوع ولأخيه يوحنا : ” أتستطيعان أن تشربا الكأسَ التي سأشربها ؟ ” قالا له : ” نستطيع ” ( متى ٢٠ : ٢٢ ) ، وأيضاً ، لأنّه التزم بكلمته لاحقًا ” فقتلَ الْمَلِكُ هيرودُس بحَدِّ السيفِ يَعْقُوبَ أَخا يوحنّا ” ( أعمال الرُسُل ١٢ : ٢ )
لماذا ظهر الرّب يسوع مع موسى وإيليّا ؟
لقد اتُّهم بلا انقطاع بإنتهاك الشريعة والتجديف ، وبالاستيلاء على مجدٍ ليس له : ” مجد الآب “. فلكونهِ أراد أن يُظهر أنّه لم ينتهك الشريعة ولم يستولي على مجد ليس له ، إستعان الرّب يسوع بسلطة شاهدَين لا عيب فيهما أبدًا : موسى ، الّذي أعطى الشريعة … ، وإيليّا، الّذي احترق بغيرة شديدة على مجد الله وخدمته : ” إنّي غِرتُ غَيَرةً للربِّ … ” ( الملوك الأول ١٩ : ١٠ ) .
لقد أراد أن يعلّم أيضًا أنّه هو سيّد الحياة والموت ، وأنّه أتى بإنسانٍ ميت ( أي موسى ) ، وبإنسانٍ آخر حُمل حيًّا في عربةٍ من نار ( أي إيليّا ) ” وصعِدَ إيليّا في العاصفة نحو السماء ، واليشاعُ ناظِرٌ وهو يَصْرُخ : ” يا أبي ، يا أبي ، … ” ( الملوك الثاني ٢ : ١١) .
كما أراد السيد المسيح أن يكشف لتلاميذه مجد صليبه وأن يعزّي ويشجّع بطرس ورفاقه الخائفين من آلامه ” لا تخافوا ، قوموا فصَلّوا لئلاَّ تقعوا في التجرِبة ” ( لوقا ٢٢ : ٤٦ ) .
لقد تكلّم موسى وإيليّا معه عن المجد الّذي سوف يناله في أورشليم ( لوقا ٩ : ٣١ ) ، وهذا يعني أنّهما تكلّما عن آلآمِهِ وصلبِهِ الَّذين سمّاهما الأنبياء دائمًا : “مجده ” .
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية واورشليم والاردن للأرمن الكاثوليك