قال ربّنا: “الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِنَّ كثيرًا مِنَ الأَنبِياءِ والصِدِّيقينَ تَمَنَّوا أَن يَرَوا ما تُبصِرونَ فلَم يَرَوا، وأَن يَسمَعوا ما تَسمَعونَ فلَم يَسمَعوا”. يجب أن نفهم أنّ المقصود بالأنبياء في هذا القول هم أصحاب الأفكار الفيّاضة والفلاسفة الذين يرتكزون على دقّة تحليلهم الطبيعي ويفتخرون به. فعيون هؤلاء لا تنعم بالسعادة. أمّا الملوك، فيُقصد بهم رجال ذوو طبيعة الأسياد، تكون طاقتهم قويّة وقديرة، هم أسياد أنفسهم، أسياد كلماتهم وأعمالهم ولغتهم، يمكنهم التصرّف كما يشاؤون بما يختصّ بالصوم والسهر والصلاة. ولكنّهم يُعيرون هذه الأمور اهتمامًا كبيرًا كما لو كانت أمورًا خارجة عن الطبيعة ويحتقرون الآخرين. إنّ عيون هؤلاء أيضًا لا تُبصر ما يفرّحها.
لقد أرادوا جميعهم أن يُبصروا غير أنّهم لم يُبصروا. لقد أرادوا أن يُبصروا ولكنّهم اعتمدوا على إرادتهم الخاصّة… فإنّ الإرادة الخاصّة تكسو العيون الداخليّة بغشاء يغطّي العين الخارجيّة، يحجب عنها النظر… طالما بَقيتَ في إرادتكَ الخاصّة، فإنّك سوف تُحرَمُ من فرح البصر بعينك الداخليّة. فالفرح الحقيقي ينجم عن الاستسلام الفعلي والانفصال عن الإرادة الذاتيّة. كلّ ذلك ينبع من قلب التواضع… بقدر ما نكون صغارًا ومتواضعين بقدر ما تتضاءل إرادتنا الشخصيّة…