ينمو الزؤان فى الحقل مع الحنطة و الخضروات و الشعير، و الزؤان هى نباتات طفيلية تتغذى من غذاء النباتات الصالحة للإنسان. و حينما يقوم الفلاح بتنظيف حقله و ينزع النباتات الضارة فإنه يتوقف عن نزع الزؤان لأنه يلتف حول القمح و الشعير و يغرس جذوره فى جذور النباتات الصالحة لدرجة يصعب خلعه إلا إذا خلعنا القمح معه. لذا يقول رب الحقل للفلاح أترك الزؤان مع الحنطة لئلا نفقد الحنطة مع الزؤان.
إن حياتنا اليومية مليئة بالزؤان الذى يعشش فى قوبنا كما يعشش الزؤان في التربة . فرغباتنا الخيرة غالباً ما تكون مصحوبة بقدر من الأنانية أو بقدر من قصر النظر أو بقدر من روح الإنتقام. هذه المشاعر السلبية تتوارى وراء قراراتنا الخيرة فزيارة المريض تصبح استراتيجية لكسب وده في قضية ضد أحد أصدقاءه و إطعامنا للجائع قد تكمن وراءها رغبة في الظهور و المجد الباطل و كساءنا للعريان قد يتخفى وراءه دافع المعايرة و الإزلال ……الخ.
فهل مثل هذه المشاعر و الدوافع الخفية تمنعنا من إطعام الجائع و زيارة المريض و كساء العريان، أبداً و لكن قد تكون سبباً للفت نظرنا إلى ضرورة تطهير ذواتنا من مثل هذه المشاعر و الدوافع السلبية الإعتراف أننا لسنا دائماً فى وضع يليق بمعايرة الآخرين.
و كما أن بذور الشر تكمن في ثنايا قراراتنا فهكذا نعترف أن الشر الكامن في الآخرين يصعب إستئصاله لما فى الطبيعة البشرية من ميول و غرائز تلون نظرتنا و قراراتنا الإرادية واللإرادية و مثال على ذلك دعوة الفريسي ليسوع في بيته إنها دعوة معجونة بالشر لأنها سرعان ما يظهر هذا الشر فى قلب الفريسي الذى يحكم على يسوع في بيته بأنه “جاهل” لو عرف أن هذه المرأة خاطئة لما تركها تغسل رجليه، ولكن الأغرب ألا يرفض يسوع دعوة الفريسى و يقبل دعوة “عدوه التقليدى” و السر في هذا القبول هو التخفيف من سم هذه الأفعى.
“أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا” ، لم يترك يسوع الزؤان الذى يمثله سمعان يعيس فساداً في المجتمع اليهودى إنما واجه الشر وجهاً لوجه و حول بيت الفريسى إلى كرسي إعتراف للمرأة الخاطئة، فحينما يقول الانجيل نترك الزؤان مع الحنطة ليس قصده أن تترك الزؤان يؤثر على القمح بشكل يفاقم من المشكلة .
لقد كان الزؤان يعشش في قلب الشاب الغنى و يمنعه من الرؤية الحقيقية لطريق الحياة الأبدية ، ورغم أنه كان يسعى إلى الحياة الأبدية فإن يسوع كشف زيف محبته ثم رفضه النصيحة ” إذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ” و يقول الإنجيل : “فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ” ، لقد تمكن الزؤان من الشاب “حب المال و منعه من السير قدماً إلى الملكوت” ، لذلك حزن يسوع من موقف هذا الشاب الذى كان مسكوناً بالزؤان فكم وكم من الشباب المغيب عن الإيمان الحقيقي يتمسكون بأشياء هى في حقيقتها “زؤان” لكنهم متمسكين به اكثر من تمسكهم بالمسيح الحقيقي.
فإن كان “عدو البشرية” يهاجم المؤمنين بالله فإن الله لا يترك ابناءه فريسة للطفيلين و الاشرار بل يعطيهم أدوات الغلبة على تأثير هذا الزؤان من شجاعة المواجهة و حكمة التصرف و قوة الإرادة و إستنارة القلب و الروح